محلّيات
تاريخ العدد 06/01/2010 العدد 11486
في ضوء ردود الفعل على شكوى السيد ضد شهود الزور وشركائهم
المحاكم اللبنانية والسورية صالحة للنظر في الجرائم التي يرتكبها مواطنوها خارج أراضي إقليمها
علي الموسوي
منذ تقديم اللواء الركن جميل السيّد دعواه أمام القضاء السوري ضدّ أشخاص سوريين ولبنانيين وألمان بجرم إعطاء شهادة كاذبة والافتراء الجنائي، وإصدار قاضي التحقيق في دمشق معاملات تبليغ اللبنانيين المدعى عليهم بوجوب المثول أمامه، وطلب إيصالها إليهم عبر الطرق الرسمية المعتمدة، والنقاشات القانونية حولها لا تنتهي.
فقد التبست هذه المعاملات على بعض السياسيين الذين لم يميّزوا بين مفهوم الاستنابة القضائية والتبليغ بموعد جلسة تحقيق، ووصلت لدى بعضهم الآخر إلى حدّ قراءتها سياسياً بمسوّغ لا يمتّ إلى القانون بصلة وبعيداً عن إطارها القانوني البحت، وبين الحالين لا تزال دعوى السيّد سارية المفعول، وبالتالي التبليغات، وقد أكّد صاحبها أنّه لن يتراجع عنها حتّى يقتصّ من المدعى عليهم، مهما كثرت المراجعات السياسية والتدخّلات لدى السوريين بحسب قول السيّد نفسه.
ومنذ يومين خرجت «القوّات اللبنانية» عبر دائرتها الإعلامية، بنظرية حول حقّ اللواء السيّد في تقديم شكواه، تقول إنّ «القانون اللبناني لا يمنح الحقّ لأيّ لبناني بتقديم شكوى على لبناني آخر في جرم حاصل على الأراضي اللبنانية، أمام أيّ محكمة أخرى، سوى المحاكم اللبنانية»، لتخلص إلى القول بأنّ هذه «الاستنابات ( أيّ معاملات التبليغ) السورية ساقطة سلفاً بحكم القانون»، وفي هذا الكلام خطأ، فما هي الحقيقة بالاستناد إلى القانون اللبناني؟.
من البديهي الجزم بأنّ القانون اللبناني، مثله مثل قانون أيّ دولة، لا يبحث في الصلاحية القضائية لدولة أخرى، فالقانون اللبناني يحدّد فقط الحالات التي يكون فيها القضاء اللبناني صالحاً للنظر في بعض الجرائم، والقانون السوري يحدّد فقط الحالات التي يكون فيها القضاء السوري الجزائي صالحاً للنظر في بعض الجرائم.
وتبعاً لذلك، فلا القانون السوري يمنع المواطنين السوريين من اللجوء إلى القضاء اللبناني، ولا القانون اللبناني يمنع المواطنين اللبنانيين من اللجوء إلى القضاء السوري، أو إلى أيّ قضاء آخر.
ويقول أحد القانونيين، إنّه بالمقابل، فإنّ القانون السوري المطابق نصّه للقانون اللبناني مضموناً وترقيماً باعتبار أنّه من تركة الانتداب الفرنسي، يجعل من المحاكم اللبنانية والسورية صالحة للنظر بالجرائم التي يرتكبها مواطنوها على أراضيها، أو التي يرتكبها مواطنوها خارج أراضي إقليمها إذا كان قانون الدولة التي ارتكب الجرم ضمن نطاقها، يعاقب عليه بنفس شروط التجريم التي يعاقب عليها القانون الوطني، أيّ اللبناني أو السوري.
وتطبيقاً لهاتين القاعدتين، وفي قضية اللواء الركن السيّد، فإنّ القضاء الجزائي السوري هو الوحيد الصالح للحكم في مدى صلاحيته، سلباً أو إيجاباً، في الدعوى التي رفعها أمامه السيّد، مع العلم بأنّ صلاحية القضاء السوري مرتبطة فقط بجنسية شهود الزور الخمسة وهم: عبد الحليم خدّام، ومحمّد زهير الصدّيق، وهسام طاهر هسام، وأكرم شكيب مراد، وإبراهيم ميشال جرجورة، وليست مستمدة من مكان وقوع الجرم، لأنّ شهادات هؤلاء المزوّرة لم يُدلَ بها على الأراضي السورية.
ويلفت متابع لحيثيات دعوى السيّد، النظر، إلى أنّ اللواء السيّد لم يدع بالاسم في دعواه، على أيّ شخص لبناني، بل سمّى حصراً الأشخاص الذين يحملون الجنسية السورية، بينما التبليغ القضائي الصادر عن قاضي التحقيق في دمشق بحقّ أشخاص لبنانيين (سياسيين وأمنيين وقضاة وإعلاميين)، ناجم فقط عن تلازم أفعالهم، شركاء كانوا، أو محرّضين، أو متدخّلين، مع الأفعال المدعى بها ضدّ السوريين الخمسة والذين يكون القضاء السوري صالحاً حتماً، لمحاكمتهم تبعاً للجنسية.
وللتوضيح أكثر، وبطريقة معاكسة، فلو كان اللواء الركن السيّد قد ادعى على المدعى عليهم اللبنانيين بالاستناد إلى جنسيتهم، فإنّ القضاء اللبناني هو الصالح الوحيد لمحاكمتهم، وكذلك الأمر بالنسبة لمكان وقوع الجرم، إذ إنّ القضاء السوري كان سيرفض حتماً هذه الدعوى، لو كان الأمر يتعلّق بادعاء لبناني على لبناني آخر، بجرم حاصل على الأراضي اللبنانية.
ولا يمكن أن تقتصر ملاحقة شهود الزور على المحاكم السورية واللبنانية، بل هناك القضاء الفرنسي وهو صالح للنظر بأمرهم، باعتبار أنّ بعض المدعى عليهم يحملون الجنسية الفرنسية، مع أنّ الجرم غير مرتكب في فرنسا، بل على الأراضي اللبنانية، كما هو الأمر بالنسبة إلى الوزيرين السابقين مروان حمادة وشارل رزق.
ويعلّق حقوقي آخر، بالقول إنّه إذا كان من عبرة تستخلص من هذه القضية، فهي أنّه يجب على من يريد استعمال شهود زور في قضية جزائية، أن ينتبه أولاً وآخر، إلى جنسياتهم، لأنّ كلّ قوانين العقوبات الدولية تعطي للقضاء الوطني صلاحية محاكمة مواطنين عن جرائم ارتكبوها في الخارج، وهذه الصلاحية المستمدّة من الجنسية، تشمل جميع شركاء المواطنين، مهما كانت جنسية الشركاء، وذلك بالنظر إلى التلازم القائم.
وقياساً على ذلك، فإنّ القضاء السويدي صالح للنظر في أيّ دعوى يمكن أن تقام على الشاهد الفلسطيني عبد الباسط بني عودة، كونه يحمل الجنسية السويدية، وهذه الصلاحية السويدية تشمل شركاء بني عودة، مهما كانت جنسيتهم، حتّى ولو لم يرتكبوا الجرم على الأراضي السويدية.
وبشأن تنفيذ الحكم في دعوى السيّد في المستقبل، فإنّ ادعاء السيّد يوازي أيّ ادعاء أمام المحاكم الجزائية ويبقى مدنياً وليس جزائياً، لأنّه لا يحقّ للمدعي الشخصي في أيّ دعوى جزائية، إلاّ المطالبة بالتعويضات المادية الشخصية، ولا علاقة له بالعقوبة التي تبقى حكراً على المدعي العام وليس للمدعي الشخصي أن يطالب بها.
وما قصده السيّد في مقابلة تلفزيونية على محطة«OTV» يوم السبت في الثاني من كانون الثاني 2010، بتنفيذ الحكم، هو تنفيذ الشقّ المدني من الحكم، والمرتبط بمقدار العطل والضرر الذي قد تحكم به المحاكم السورية.
وبحسب قانوني خبير، فإنّه باستطاعة السيّد أن ينفّذ هذا الحكم بعد إعطائه الصيغة التنفيذية، على أملاك أيّ من المحكوم عليهم أينما وجدت على الكرة الأرضية.
No comments:
Post a Comment