عدالة المحكمة الدولية تلهب حناجر جماهير 14 آذار
المستقبل - الجمعة 11 آذار 2011 - العدد 3936 - تحقيقات - صفحة 13
| |||||||
كتب المحرر القضائي: بدءاً من الأول من شهر آذار الحالي، تدخل المحكمة الدولية الخاصة بلبنان، والتي ستحاكم مرتكبي جريمة إغتيال الرئيس الشهيد رفيق الحريري وسائر شهداء ثورة الإستقلال عامها الثالث، بعد عامين منصرمين حفلا بكثير من الأحداث والمحطات الأساسية. محطات مرّت بها هذه المحكمة، وكانت أساسية وضرورية، لتصبح كما هي عليه اليوم وأكثر من أي وقت مضى مهيأة بالكامل للشروع في المحاكمة العلنية والشفافة فور تسلّمها القرار الإتهامي المرتقب إعلان تفاصيله ومضمونه ولائحة الإتهامات التي يتضمنها بين يوم وآخر، والذي سيكون (القرار) ثمرة مسيرة طويلة وجهود محفوفة بكثير من المخاطر بذلتها لجنة التحقيق الدولية، بالتعاون مع الأجهزة القضائية والأمنية اللبنانية على مدى السنوات الست الماضية. لكن إنطلاقة سنة جديدة من عمر المحكمة، يبقى لها هذا العام طعمها الخاص، إذ إنها تحلّ عشيّة صدور القرار الإتهامي الذي ينتظره معظم اللبنانيين منذ وقوع زلزال 14 شباط 2005، وقبل أيام قليلة من الحشد الشعبي الذي دعت اليه قوى الرابع عشر من آذار تحت شعار "تأييد المحكمة الدولية وإحقاق العدالة" في تحدٍّ لكل محاولات الإنقلاب على المحكمة ونسفها وتكريس مبدأ الإغتيال السياسي والإفلات من العقاب، ورفضاً لمنطق هيمنة السلاح والإنقلاب على النظام والدستور بقوّة هذا السلاح، والذي أطاح حكومة الرئيس سعد الحريري بعد رفض الأخير المساومة على العدالة، وإبرام صفقة تنهي المحكمة مقابل بقائه في الحكم. وعلى الرغم من أن السنة الأولى من عمر المحكمة كانت مهمّة وأساسية وتأسيسية لبرنامجها ووضع قوانينها وأنظمتها والأطر الكفيلة بضمان حسن عملها وشفافيتها، وإختيار قضاتها وموظفيها، الاّ أن السنة الثانية كانت سنة التحوّل والإنتقال الفعلي من مرحلة التأسيس لبناء هيكلية المحكمة وجسمها القضائي، الى مرحلة التنفيذ وعقد الجلسات العلنية التي شهد على نزاهتها الراسخون في علم القانون، بمن فيهم المتوجسون منها ومن تجارب المحاكم الدولية، وليس أدل على ذلك من الجلسات التي عقدت بناء لطلب اللواء المتقاعد جميل السيد، وما شهدته تلك الجلسات من نقاشات قانونية مستفيضة، وهجمات كالها السيّد ووكيله في عقر هذه المؤسسة القانونية وصلت بعضها الى حدّ شتم القضاة وتهديد بعضهم، من دون أن تقابلهم بأي إجراء ردعي، ومن دون أن تسمح لهكذا أساليب تهويلية وتهديدية أن تؤثر في نزاهتها، أو تحول دون إعطاء المتقاضين أمامها كلّ حقوقهم. إذا كانت القنوات التي عبرتها المحكمة كثيرة وذات دلالات مهمّة جداً بحسب ما يرى المتابعون من أهل الإختصاص، ومنها مسألة التعديلات التي أدخلت على قانون الإجراءات والإثبات، والمحاكمات الغيابية للمتهمين في حال رفضوا المثول أمام المحكمة، يبقى الحدث الأبرز في مسيرة هذه العدالة هو إعلان المدعي العام الدولي القاضي دانيال بلمار تسليم قراره الإتهامي الى قاضي الإجراءات التمهيدية القاضي دانيال فرانسين، يوم الإثنين في 17 كانون الثاني الماضي، من دون أن يكشف عن أي حرف فيه قبل أن يصادق عليه فرانسين ويقرر الأخير ما إذا كان سينشر مضمونه أم لا. وبعد تسليمه قراره الإتهامي بدا بلمار مرتاحاً لنجاحه في إنجاز المهمّة الشاقة والخطرة التي أوكلت اليه، وأعلن أن "هذا القرار لا يعتبر خطوة أولى في سبيل وضع حدّ للإفلات من العقاب في لبنان فحسب، بل هو أيضا خطوة أولى في سياق الإجراءات القضائية"، لافتا إلى أن "الذين تمت تسميتهم بالقرار الظني أبرياء حتى إثبات التهمة عليهم، وذلك يعني أنه سيكون على المدعي العام أن يثبت أمام المحكمة أنهم مذنبون دون أدنى شك، وفي حال وجود أي شك، يتم عندئذ تبرئة المتهم". وأشار إلى أنه "يحقّ للمتهم الدفاع عن نفسه بقوة ضد الإدعاءات المتضمنة في القرار الظني، وقد تم تشكيل مكتب الدفاع لمساعدة المتهم ومحاميه في سبيل تأمين أفضل دفاع ممكن له". واستتبع تسليم القرار الإتهامي بتصريح لرئيس قلم المحكمة الدولية الخاصة بلبنان هرمان فون هايبل، أعلن فيه أن "المحاكمة في قضية اغتيال رئيس الوزراء اللبناني الأسبق رفيق الحريري يمكن أن تبدأ في سبتمبر (أيلول) أو أكتوبر (تشرين الأول) المقبلين بوجود أو غياب المتهمين". [ تعريف مفهوم الإرهاب أما الإختبار الأكثر وضوحاً ودلالة على أن المحكمة انطلقت في عملها فعلياً، كان في الجلسة التقنية التي عقدتها غرفة الاستئناف في المحكمة في السابع من شباط الماضي، بطلب من قاضي الاجراءات التمهيدية في المحكمة دانيال فرانسين المكلف دراسة وتأكيد القرار الاتهامي الذي تسلّمه من بلمار، بهدف تعريف العناصر التأسيسية للقرار الاتهامي في اطار التحقيق في اغتيال الرئيس رفيق الحريري. كان فرانسين يرغب في "معرفة ما اذا كانت المحكمة ستستند الى قانون العقوبات اللبناني الذي تعتمد عليه المحكمة في قانونها الاساسي، او على القانون الدولي، او على الاثنين معا لتعريف مفاهيم جرائم الارهاب والتآمر والقتل المتعمد مع سابق الاصرار والترصد ومحاولة الاغتيال التي تشكل العناصر التاسيسية للقرار الاتهامي". وإعتبر رئيس المحكمة انطونيو كاسيزي خلال افتتاح الجلسة في مقرّ المحكمة في لايدشندام في ضاحية لاهاي ان "هذه الجلسة تمثل لحظة مهمة في حياة المحكمة"، وقال "انه من مصلحة كل لبنان والمجتمع الدولي برمته ان تتقدم هذه العملية بثبات وسرعة". وتخلل تلك الجلسة، رأي لمكتب المدعي العام ومكتب الدفاع، مفاده ان "المحكمة يجب ان تستند الى قانون العقوبات اللبناني". وقال بلمار في الجلسة نفسها "لا يوجد تعريف في القانون الدولي للجريمة الارهابية يتفق عليه الجميع، في حين أن كل العناصر المكونة للجريمة الارهابية موجودة في قانون العقوبات اللبناني"، أما رئيس مكتب الدفاع المحامي الفرنسي فرنسوا رو، فقال للقضاة "نؤيد في هذه النقطة رأي المدعي العام وعليكم ايها السادة تطبيق قانون العقوبات اللبناني". [ اعتماد التفسير اللبناني للإرهاب في 16 شباط الماضي، أصدرت غرفة الاستئناف في المحكمة الدولية برئاسة كاسيزي، قرارا تمهيديا في شأن المسائل القانونية الـ15 التي طرحها قاضي الإجراءات التمهيدية دانيال فرانسين في الجلسة الأولى للغرفة التي عقدت في السابع من شباط، لتعريف العناصر التأسيسية للقرار الاتهامي في قضية اغتيال الرئيس رفيق الحريري. قررت المحكمة الاعتماد على القانون اللبناني في تفسير نظامها الأساسي ومفهوم الإرهاب، وأقرت الشك لصالح المتهم ومبدأ جمع الجرائم. وتوصلت الغرفة إلى هذا القرار بعد الاستماع إلى الملاحظات الشفوية التي أدلى بها كل من المدعي العام ومكتب الدفاع، وبعد الاطلاع على مذكرتيهما الخطيتين وموجز حججهما، كما تلقت غرفة الاستئناف مذكرتين من نوع مذكرة صديق للمحكمة (وهي آراء قانونية) من أستاذين جامعيين وأخذتهما في الاعتبار. وأشار رئيس المحكمة، القاضي أنطونيو كاسيزي إلى أن "وظيفة المحكمة الدولية لا تقتصر على محاكمة من ارتكبوا الجرائم بل ترسيخ مبدأ المساءلة بالمجتمعات الديمقراطية، والتأكيد على أنه لا يجوز أن تحل المشكلات من خلال سفك الدماء ولكن بالنقاش والحوار". وأمل في أن "تساعد جهود المحكمة في السير بخطى ثابتة للوصول إلى تحقيق العدالة من خلال الطابع النزيه الذي تتسم به المحكمة". ولفت كاسيزي إلى أن "القانون اللبناني والقانون الجرمي الدولي ينصان على اجتماع الجرائم المادية والمعنوية وبالتالي لا يوجد تنازع بينهما"، مؤكداً أن "الطابع المختلط للمحكمة أمن مزيجا من الخبرات ما يوفر وسيلة فكرية مهمة للمساعي اللبنانية والدولية للمساءلة". واسترعى قرار المحكمة إنتباه العديد من رجال القانون، الذين رأوا أن "الاعتماد على القانون اللبناني في تعريف الإرهاب لم يكن مستغربا لأن القانون الدولي لا يحوي أي تعريف محدد لهذا المفهوم"، مشيرين الى أنه "بعد هذا القرار تنتهي المراحل الإجرائية للمحكمة حاليا بانتظار صدور القرار الاتهامي الممهّد للمحاكمة العلنية". [ حرب مفتوحة على العدالة وبالتزامن مع التقدم النوعي الذي يجري في لاهاي، كانت المحكمة تتعرّض الى حرب لبنانية إقليمية غير مسبوقة، في محاولات دائمة ومستمرة لإسقاطها وإلغائها ووقف مفاعيلها ومنع صدور أية قرارات عنها، ففي لبنان فتح "حزب الله" النار على المحكمة، واصفاً إياها بأنها "إسرائيلية - أميركية وقوس عبور لوصايات دولية على لبنان وأمنه واستقراره وسيادته الدستورية والقانونية"، متوعداً من "يتعامل معها بالتعاطي معه كمن يتعامل مع إسرائيل ويتآمر على المقاومة"، واستتبع هذا الهجوم بتقديم رؤيته القانونية التي تقول "إن المحكمة الخاصة بلبنان لا يُنتظر منها إحقاق حق ولا إقامة العدل كونها مسيسة". وبالتأكيد لم تكن حرب "حزب الله" على المحكمة بعيدة عمّا تضمره السياسة السورية والنظام الإيراني ضدها، ففي وقت قالت فيه القيادة السورية "إن أي قرار ظني يصدر عن المحكمة سيشعل المنطقة برمتها، وسيغرقها في بحر من الدماء"، دخل المرشد الأعلى للجمهورية الإيرانية السيد علي خامنئي على الخط، فأعلن أن "المحكمة صورية وأن أي حكم يصدر عنها سيعتبر لاغياً وباطلاً"، معتبرا أن "المحكمة تتلقى أوامر من جهات أخرى". ومع اشتداد عاصفة الردود السياسية على كلام خامنئي، جاء الرد القانوني من مسؤول العلاقات العامة في المحكمة الدولية كريسبين ثورولد، الذي أوضح "ان المحكمة لا ترد على تصريحات سياسية كونها جسما قضائيا"، وبما يشبه الرد غير مباشر على خامنئي قال "من المهم أن نشدد على أن المحكمة تقودها الأدلة، والقضاة، الذين تم تعيينهم من قبل الأمين العام للأمم المتحدة، جميعهم يتمتعون بخبرة قانونية واسعة". | |||||||


No comments:
Post a Comment