الثلاثاء 02 شباط 2010 - السنة 77 - العدد 23948
قضاء وقدر
زيارة استكشافية لسجن زحلة قبل ان يكتشفه "نزلاؤه"
مخاوف من ان يسقط عامل الوقت "النجوم الخمس"
وزحلة – من دانييل خياط:
كمن يتحرق للحصول على تأشيرة هجرة الى بلد تتوافر فيه ظروف عيش افضل، هي حال انتظار انتقال سجن زحلة للرجال من مقره الحالي في الطبقة الارضية لمبنى بلدية زحلة – معلقة الى المبنى الجديد عند اطراف المدينة. وهو ليس انتقالا من الأسوأ الى السيئ بل نقلة نوعية من المخزي، وهي حال السجن بأوضاعه الراهنة، الى "سجن خمس نجوم"، كما يوصف السجن الجديد الذي شارفت الاشغال فيه الانتهاء. النجوم الخمس التي تعلق للسجن الحديث ليست نتيجة مقارنة لا تجوز اصلا، مع السجن الحالي، بل للمواصفات التي تتوافر فيه، لانه صمم هندسيا للقيام بوظيفة السجن ان من حيث متطلبات الامن او الاحتجاز والتأهيل.
مشاغل وفسحات للتنزه
من 5 زنزانات ورواق بمنفذ واحد، سجن وسط الاحياء السكنية، لا تدخله اشعة الشمس وترافق يومياته عيون زوار البلدية، الى مبنى خاص عند اطراف المدينة، مؤلف من طبقتين تضمان 30 زنزانة ومشاغل وعيادات ومطبخا وفسحات للتنزه، مزود تدفئة مركزية عصرية وكاميرات مراقبة. انه عبور من عصر الظلمات الى عصر الحداثة، انما وفق التوقيت اللبناني، احتاج إنجاز البناء فقط الى ثماني سنوات، بهبة حجمها 100 مليون ليرة تبرعت بها بلدية زحلة – معلقة.
قبل ان يصبح الدخول الى السجن الجديد بإذن من السلطات او بحكم صادر عنها، كانت جولة لنا في أرجائه من دون رقابة، لكن خط سيرنا املاه تصميمه الهندسي الذي يتوافق والاعتبارات الامنية للسجون. تشغل مكاتب ادارة السجن المبنى القديم لتعاونية البيض عند مدخل السجن المزود بابين، واحدا للافراد وآخر كبيرا للسيارات يفضي الى ساحة خارجية. مبنى السجن في ذاته يبدأ لزائريه من القسم المخصص لهم مع كل المنتفعات، اما المقابلات مع السجناء فتتم في غرفتين، تسمح كل واحدة منها بمقابلات مع 10 سجناء، وهي مقسمة الى رواقين يفصل بينهما حائط تعلوه قضبان حديد.
من قسم الزوار تلج الى السجن عبر رواق ينفتح على صالة داخلية فسيحة تتوزع على جانبيها 10 زنزانات، 5 كبيرة و5 متوسطة، ومنها يفتح باب على فسحة خارجية للتنزه تزنرها الاسوار وشرائط الحديد. امتداد الصالة يقودك، وعبر ابواب حديد، من جهة الى المطبخ الفسيح ايضا الذي يضم غرفا للتخزين والتبريد والى جانبه غرفة لمراجل التدفئة المركزية. ومن الجهة الثانية الى عيادات للاطباء وغرفة للحلاقة ومكاتب والزنزانات الانفرادية، واحدة فقط من هذه الزنزانات، وهي على شكل "فطيرة" ستشعر نزيلها بالضيق، أما الأخرى فيمكن ان تتسع لسجينين من حيث المساحة، وبالتالي فعلى رغم ان الهدف من هذه الغرف عقابي فانها تشكل ملاذا من الحجز الجماعي في الغرف الكبيرة والمتوسطة، وخصوصا اذا ما شهد السجن اكتظاظا في عدد نزلائه. تنتهي الجولة في الطبقة الارضية من السجن بمزيد من الزنزانات الكبيرة، ومنها يمكن ان تخرج، عبر منافذ عدة، الى رواق خارجي يحوط مبنى السجن من الجهة الشرقية وينتهي عند الباحة الخارجية لمدخله تعلوه أسوار وشرائط حديد و3 أبراج مراقبة.
تطل الطبقة الثانية من السجن عبر شرفات على باحته الداخلية، ومنها يمكن للسجين ان يسرح نظره في اتجاه المدينة الصناعية، تشغلها 10 زنزانات متوسطة وكبيرة ومشاغل. كما توزيع أقسام السجن، فان مواصفات بناه التحتية والخدماتية مدروسة ايضا، من الامدادات الكهربائية الى الاضاءة والتدفئة المركزية العصرية عبر تمديدات في الارض والتهوئة والنظافة، فكل زنزانة مزودة مرحاضا او اكثر داخلها، بحسب حجمها ونافذة أعلى الجدران.
الجولة في المبنى الحديث تثير تساؤلات عن متطلبات ادارته البشرية والمادية، وشكوكا لها ما يبررها: أولها في تضارب الاجوبة عن عدد السجناء الذين يتسع لهم السجن، فبين انه صمم ليستقبل 400 سجين مع امكان رفع العدد الى 500، وبين انه يتسع لـ600 سجين هناك فارق 200. الاكتظاظ في السجن أمر يتوقعه اهل البيت انفسهم وينطلقون من تجربتهم للقول انه اذا كانت 5 غرف يتألف منها السجن الحالي، وهو سجن مناطقي للعقوبات من 5 سنوات وما دون، يحشر فيها 150 سجينا كحد ادنى فكيف ستكون الحال مع 30 غرفة في سجن مركزي؟ ولهم في سجن رومية مثال حي عما أريد له وما أصبح عليه.
تساورك الشكوك عندما تعرف أنه بعد 8 سنوات على بدء انشاء السجن الجديد وقبل أسابيع من تسلمه، رفع تقرير ببعض العيوب الامنية من حيث الهندسة الانشائية تحتاج الى اعادة نظر، وان تكن وصفت بأنها غير ذات أهمية وتنتابك الحيرة عندما يدور نقاش حول الجهة التي ستدير السجن المركزي الجديد: فالمرسوم التنظيمي لقوى الامن الداخلي لا يلحظ سرية سجون في المناطق الاقليمية باستثناء سرية سجون مركزية تابعة لقيادة منطقة جبل لبنان.
من المتوقع ان يسلم المتعهد مبنى السجن في شباط المقبل، ولكن السجن لا يقتصر على البناء بل يحتاج الى تجهيزات وأثاث قبل الانتقال اليه. ليس تجهيز السجن وتأثيثه مسألة مستعصية، فالى المناقصات، كما هي الحال بالنسبة الى مناقصة تجهيز المطبخ وتركيب كاميرات مراقبة، يمكن الاستعانة بالجمعيات الخيرية وتأمين بعض ما يلزم من الموجودات، لكن الخوف هو من عامل الوقت. ففي ظل العجلة للانتقال الى المبنى الجديد للتخلص من وصمة السجن الحالي ومتاعبه يخشى الانتقال على طريقة "بالتي هي أحسن" فتؤول أحواله مع الوقت من سجن خمس نجوم الى خان، ومن تدفئة مركزية عصرية مثلا الى التدفئة بوسائل بديلة وبدائية كتلك التي نراها في الدوائر الحكومية. فالحداثة لها ثمنها، واذا كان عدم توافر الاعتمادات أدى الى تأخير بناء السجن 5 سنوات، ألا يحق السؤال عن القدرة على إدامة توفير الاعتمادات لنفقات تشغيل سجن حديث وادارته؟
سئل أحدهم: لماذا تنفخ على اللبن؟ فأجاب: لأن الحليب "كواني". ليس الهدف التقليل من شأن الانجاز المتمثل بالسجن الجديد، ولكن المخاوف مشروعة، لأن الانتقال لا يعني فقط تغيير المبنى، بل تغييرا شاملا على صعيد الامكانات لادارة سجن سيتحول مركزيا، لأجل كل ذلك هناك من يتمنى ان يكون قد انتقل من منصبه قبل ان ينتقل السجن.
.........................................................................................................................................................................................
جميع الحقوق محفوظة - © جريدة النهار 2010
No comments:
Post a Comment