الضاحية قبل «المقداديين» ليست كما بعدها. الخروج عن القانون، كما كان فجّاً لسنوات، بدا أخيراً في انحسار. أكثرية الناس هناك مؤيدة لبذلة الجيش التي ما زالت مهابة. لكن، في المقابل، ثمة عائلة كبيرة ألمّ بها «صيت» لا تستحقه. أفرادها يشكون النظرة «السيّئة» من غير ذنب اقترفوه. الكل تبرّأ من «الخوّات» الآن... هل تكمل الضاحية مسيرة أمنها الاجتماعي؟
محمد نزال
تنفّست الضاحية الصعداء. مرّ قطوع آل المقداد على خير. فعلتها الدولة هناك بعصا الجيش. لم تفعلها في طرابلس، كما يجب، مع شادي المولوي وما قبله وبعده. لم تفعلها في صيدا، مع أحمد الأسير وسواه من «قطّاع الطرق». كثيرون كانوا يتوقعون أن ترتفع الصرخة في الضاحية: «لماذا هنا»؟ لم يحصل هذا. همس قليل، فقط، تناقله بعض المتضررين. بدا أن للجيش وقاراً في الضاحية، الضاحية ذاتها، أكثر بكثير من مناطق أخرى. خرج الجميع من آل المقداد، ولعدم شمول العائلة، يقال اليوم: «الكل تبرأ من الضالعين في أعمال الخطف من آل المقداد». حتى وجهاء العائلة وكبارها أعلنوا «الالتزام بالقانون». بعضهم التزم الصمت ولم يحرك ساكناً. كأنهم أدركوا، ولو بعد حين، أن هذا الحمل ثقيل عليهم. فهموا أن المسألة أكبر من عائلة. إذاً «راحت السكرة وإجت الفكرة». عبرت الدولة. حركة أمل وحزب الله كانا صاحبي الضوء الأخضر. هذا الضوء الذي ما زال، سياسياً، أحمرَ في كثير من «بؤر» العنف في مناطق أخرى.
ثمة من يقول اليوم إن ماهر المقداد خُدع. فبعد توقيف عدد من أقاربه، في عمليات دهم للجيش، جرت مفاوضات بينه وبين «الدولة». سلّم المخطوف التركي، بهدوء، وأُفهم أن الاستنابات القضائية لن تشمله شخصياً. ظهر على قناة «العربية» في مقابلة خاصة، من قلب الضاحية، كرر فيها مواقفه، مركزاً على عدم العداء لحزب الله في مقابل بعده عن الإطار الحزبي. تحدث عن طموحه السياسي. الرجل كان يريد الترشح للانتخابات النيابية المقبلة.
فجأة، ماهر بيد الجيش. اعتقل بعد عملية أمنية، وأحيل على القضاء. تعاطف وزير الداخلية لم يكن كافياً لاستثنائه من التوقيف. طويت الصفحة. ادّعى مفوض الحكومة لدى المحكمة العسكرية، القاضي صقر صقر، على 6 موقوفين من آل المقداد وسوريين موقوفين، وذلك في «جرم إنشاء تنظيم مسلح بهدف القيام بأعمال إرهابية، وخطف الناس وترويعهم بقوة السلاح وتهديد عناصر عسكرية ومعاملتها بالشدة والعنف، وحيازة أسلحة حربية غير مرخصة». أحالهم صقر على قاضي التحقيق العسكري طالباً إصدار مذكرات وجاهية بتوقيفهم. من المدّعى عليهم من آل المقداد: ماهر وشقيقه حسن (الشيخ) ومحمد عادل وحسن ضاهر. أما السوريان فأحدهما كان يجلب الماء للخاطفين في حي السلم، إلى المنزل الذي كانوا يحتجزون فيه عدداً من السوريين، أما الثاني فكان صاحب المنزل. لاحقاً، أصدر القاضي مذكرات توجيه بحق الموقوفين، بعد الاستماع إليهم، ونقلوا إلى سجن رومية.
المقاهي في الضاحية لم يكن لروّادها حديث، خلال الأيام الماضية، سوى عن «ظاهرة» آل المقداد التي ضربت فجأة، ثم تبخرت، فجأة أيضاً. البعض كان لديه مع بعض أفراد العائلة مشاكل لا تحصى. لطالما حكي عن حركة «الخوات» في المنطقة، التي يتهم فيها أفراد من العائلة، إلى جانب أفراد من عائلات أخرى. بدا، أخيراً، أن نشاط الخوات، وافتعال المشاكل، قد تراجع نسبياً. البعض عزا ذلك إلى توقيف المعنيين، أو ربما نتيجة خوف الباقين من إمكانية توقيفهم.
على كل حال، أهل الضاحية، وتحديداً غير الحزبيين، هم أكثر المستفيدين مما حصل. فخلال السنوات الماضية، كانت المنطقة تضج بالشكاوى من «فرعنة» الخارجين على القانون، الخارجين على الدولة والأحزاب، الخارجين على كل شيء، وربما، على أنفسهم أيضاً. إلى ذلك، يبدو أن ثمة ظلماً لحق بآل المقداد، كعائلة، إذ شمل «الصيت» كل من يحمل بطاقة هوية مدوّن عليها اسم العائلة. ما حصل صبغ الجميع بطابع «العنف». باتوا يشعرون بخوف الناس منهم. هكذا، يتحمل آلاف من العائلة نتيجة ما فعله عدد قليل منهم. هادي أحد هؤلاء. الشاب «سلمي» إلى أبعد الحدود. لديه شهادة أكاديمية عالية. قبل أيام عرف أن رب العمل الذي كان يفترض أن يباشر العمل لديه عدل عن قرار توظيفه. أخبره أحد الموظفين أن السبب «كونه من آل المقداد... عم خبرك الحقيقة بلا لف ودوران». عنوان العمل هذا في منطقة عين الرمانة. عبثاً يحاول هادي اليوم أن يثبت للآخرين أنه «سلمي». ومن نماذج الأثر السلبي الذي لحق بالعائلة ما تقوله فاطمة، الفتاة العشرينية. تكاد تصرخ في وجه من يسألها عن العائلة، فـ«كأننا من كوكب آخر. يسألونني عن الجناح العسكري وغيره. كلما عرف أحد أنني من آل المقداد يبدأ بالأسئلة. بات الأمر مزعجاً جداً ويسبّب لي الإرباك». يزعجها أن يستمر الحديث، فتقول: «باختصار، أرفض أن تمثل العائلة من قبل أشخاص».
أحد وجهاء العائلة، وهو من علماء الدين المعروفين في الضاحية، أسف لـ«هذه النظرة الظالمة بحق العائلة التي تضم نخبة من المعلمين والمثقفين والصالحين. ولكن في كل الأحوال هي مسألة وقت وسوف ينسى الناس، فكل يوم لدينا قصة جديدة في البلد». ويلفت الشيخ، وهو مقرّب من حزب الله، إلى أن وجهاء العائلة «لا يقبلون بما حصل، وكان على الدولة أن تتحرك. صحيح أنها مقصّرة بحق الناس على كثير من الصعد، ولكن تبقى هي المرجعية، ونحن لا نقبل بخطف الأبرياء، إذ لا تزر وازرة وزر أخرى». ويختم الشيخ قائلاً: «على كل حال، كل الذين ظهروا في الإعلام، مهما قيل عنهم، هم ليسوا من الشخصيات الوازنة في العائلة، وبالتالي لا يتحدثون باسمها».
هنا، لا بد من الإشارة إلى أن ثمة نائباً «مقدادياً» في البرلمان. إنه عضو كتلة الوفاء للمقاومة علي المقداد. لم يظهر خلال كل «الهمروجة» إلا مرة واحدة. جاء في لحظة الذروة إلى مركز رابطة العائلة في الرويس. هناك حصلت مشادة بينه وبين عدد من الضالعين في عمليات الخطف. سجل الإعلام بعض تلك الحادثة. غاب النائب كلياً عن السمع لاحقاً. حالياً يفضّل التزام الصمت أيضاً. سيكون لديه ما يقوله، ولكن «ليس الآن». يكتفي الآن بالإشارة إلى أن عائلة «من نحو 15 ألف مواطن لا يمكن أن يسيء إليها 10 أشخاص منها. قبل أن تنتهي المسألة إلى ما انتهت إليه. تمنيت عليهم أن يتوقفوا، لكن هذا لم يحصل». يرفض النائب أن يقال ثمة متعلمون في العائلة، فهذا «يعني كأن غير المتعلمين هم من الخارجين على القانون. هذا غير صحيح. العائلة فيها الكثير من الأوادم، متعلمين وغير متعلمين، وهم أبعد ما يكون عن جو الخطف والأجنحة المسلحة».
الكل خرج من الخاطفين. حتى النائب غازي زعيتر، الذي كان من أول الزائرين لمركز الرابطة، بعد عمليات الخطف. اليوم هو ضد ما حصل، وزيارته إلى هناك كانت «بصفتي نائباً عن المنطقة، ولا بد لي من متابعة شؤون أبناء منطقتي، لمحاولة إيجاد المخارج والتصويب. ولكن في مطلق الأحوال لم نكن في أي لحظة مع الخروج على القانون». يضيف زعيتر مفاخراً: «أنا عشائري، وهذا أصلي، ولكني عشائري بالمعنى الإيجابي والأصيل. الضاحية مرتاحة حالياً بعدما انتهت الأزمة». ويلفت النائب البقاعي إلى أن ما يقال عن أشخاص من آل زعيتر يفرضون الخوات على الناس «غير دقيق، إذ ربما بعض الأشخاص يفعلون، ولكن ليس باسم العائلة. وفي كل الأحوال أنا حاضر لأن أتلقى شكوى من أي مواطن، أو بالأحرى لأساعد في أي شكوى، يكون فيها أحد من آل زعيتر طرفاً، ليعاقب المعتدي أمام القضاء وأنا أتعهد بتسهيل الأمور».
________________________________________
آل المقداد: لسنا خارجين عن القانون
عقدت عائلة المقداد، قبل ثلاثة أيام، اجتماعاً في بلدة مقنة _ بعلبك، بحضور كبار أبناء العائلة ووجهائها. بعد الاجتماع، خرجوا ببيان موحد، حيّوا فيه المؤسسة العسكرية لـ«القيام بدورها الرائد في حفظ الامن الاجتماعي، ولا سيما أنها المؤسسة الجامعة لكل اللبنانيين»، مؤكدين «التزام العائلة التام واحترامها للقانون والأنظمة المرعية، وأن المؤسسة العسكرية وكافة الأجهزة الأمنية تلقى كل دعم وتأييد ومحبة». بدت العائلة مصرّة على تواصلها مع وسائل الإعلام لنقل موقفها الحقيقي للناس والرأي العام. أوضح البيان أن ماهر المقداد هو أمين سر الجمعية التي تملك العلم والخبر في وزارة الداخلية. ورفضت العائلة «أي محاولة من هنا أو هناك لتشويه صورة العائلة أو تصويرها كأنها خارجة عن القانون أو عن سلطة الدولة».
أما عن حسان، ابن العائلة الذي خطف على أيدي مسلحين في سوريا، فأكدت العائلة أن «من قام باختطاف المواطن التركي إنما سلّمه من تلقاء نفسه، وبالتالي فلا نية أصلاً للخطف أو الأذية، بل الهدف تمثل في استرداد المخطوف حسان المقداد، وأن العائلة بتسليمها المخطوف التركي إلى المديرية العامة للأمن العام تكون قد وضعت قضية ابنها المخطوف بين يدي الدولة».
No comments:
Post a Comment