Pages

September 24, 2012

Assafir - Liban, les femmes sans justice, September 24 2012



المـرأة تفتقـد العدالـة: ابحثـوا عـن قوانيـن الأحـوال الشخصيـة 
سعدى علوه 
رسم «التجمع النسائي الديموقراطي اللبناني» ما يشبه لوحة للاعدالة التي تحكم وضع النساء على مختلف المستويات. وكان لتخصيص التجمع ورشته في قصر الأونيسكو مؤخراً لموضوع «العدالة للنساء في قوانين الأحوال الشخصية»، أن يرد المشكلة إلى جذورها في مجمل التركيبة الثقافية والاجتماعية والسياسية في البلاد، إلى درجة «فقدت معها المرأة اللبنانية الإحساس بالعدالة»، وفق المحامية منار زعيتر، من التجمع. 
يعود غياب إحساس المرأة بالعدالة في لبنان ببساطة، وفق زعيتر، إلى أن «لا شيء ينمو ويتحرك في لبنان خارج اسوار الطوائف». فالمرأة هنا «مواطنة في طائفتها، تدين بالولاء لقياداتها المدنية والدينية ولأجهزتها القضائية». وبهذا المعنى خلعت الطوائف «لونها الخاص على البلاد، قاطعة صلات الوصل التي تجعله وطناً جامعاً لمواطنيه»، وساهمت في نشوء «جُدُر حالت دون مواطنية حقيقية».
وبعدما أكدت زعيتر أن المرأة اللبنانية تعيش في دولة «دينية بالرغم مما يقال عن عدم دينية الدولة»، وهي ولدت في إطار «تسيطر عليه القبيلة ولا مكان فيه للفردية، وصولاً إلى حصول رجال الدين على السلطة الاستبدادية المطلقة». 
وكنتاج لهذه التركيبة تعيش المرأة في ظل «العديد من التفسيرات الذكورية، المرتبطة بالكتب الدينية التي تقر بالفروق بين الرجل والمرأة عبر أحكام واضحة وتفسيرات متشابهة تجمع على ضعف النساء نتيجة عجز مفترض فيهن، وليس بسبب كم الامتيازات التى منحها الرجل لنفسه، والتي منحتها الأديان له». 
ومنحت الأديان، ومعها قوانين الأحوال الشخصية، الامتيازات المطلقة للرجل عبر «افتراضها نقص أهلية المرأة واشتراط سلطة الولي عليها في الزواج ومعاملتها كقاصر، وتكريس سلطة الزوج». فالأسرة مبنية، في معظم القوانين، على رئاسة الرجل للعائلة مع ما يستتبع ذلك من موجبات. وفي مقارنة الموجبات بالحقوق «يتضح أن حق الزوج بطاعة زوجته يلزمه بدفع المهر والإنفاق عليها، ويبدو العنف المزدوج واضحاً لجهة إلزام المرأة بالطاعة، والانتقاص من إرادتها وحريتها، كونه يقابل هذه الطاعة الثمن النقدي وهو المهر. ونتيجة للتطبيق العملي، تواجه المرأة بالمذلة والإهانة وهي تطالب بالطاعة تحت طائلة تسميتها ناشزا، كذلك التطبيق العملي السيئ لجهة تجاهل كثيرين للمهر المعجل (عادة يكون رمزياً) مما يسمح للزوج بالتقدم بدعوى الطاعة بسهولة. ومفهوم الطاعة يتفرغ عنه سلوك متكامل يجعل الزوجة ملزمة بتلبية رغبات الزوج (ما يبرر مثلا عدم تجريم اغتصاب الزوجة في قانون العقوبات).
وتكمل الأديان تمييزها، وفق قراءة زعيتر «بتشريعها الطلاق بإرادة منفردة، مما يبرز التناقض بين التشدد في الشروط الشكلية في عقد الزواج وبين إطلاق حرية الزوج في الطلاق». وبينما نرى المحاكم تستجيب لطلب الرجل بالطلاق نراها تضع المعيقات أمام حصول المرأة على الحق عينه». وهناك العلاقة المادية التي لا تنظر إليها المحاكم بالنسبة إلى المرأة العاملة، والقيمة النقدية للمهر، والطلاق الرجعي الذي يمكّن الرجل إرجاع زوجته في العدة من دون الحاجة لرضائها ولا لمهر جديد. وتبيح بعض الأديان تعدد الزوجات وإطلاق يد الرجل في استعماله هذا الحق. 
ولا تقل نظرة الأديان وتعاملها مع حق الحضانة عن أدائها في القضايا الأخرى، ويخضع أطفال لبنان كلٌ وفق طائفته إلى سن حضانة مختلف ودون الأخذ بالاعتبار مصلحة الطفل. وتعتبر الحضانة نقطة الضعف الأساسية التي تضطر النساء في معرضها إلى التنازل عن حقوقها خوفاً من فقدان حقها بحضانة أبنائها. وفي موضوع الإرث «تشترك المذاهب الإسلامية في تحديد حصة البنت بنصف حصة الذكر، وفي حين يسجل للمذهب الجعفري توريث البنت الوحيدة، توجد اجتهادات للمحاكم تحرم الزوجة مما يسمى «عين الارض» ومن قيمتها.
وبالرغم من إقرار قوانين الأحوال الشخصية لحق النفقة، إلا أن الأحكام الصادرة فيه تبين عدم إيفاء المبالغ المحكوم بها لحاجات الحد الأدنى للعائلة، إضافة إلى أن هذه الدعاوى تستغرق مدة طويلة لا يراعى فيها حاجة المرأة (العاجزة غالبا اقتصادياً). 
وفي موضوع العنف ضد النساء، لا تحمي القوانين الدينية النساء من العنف فحسب، بل تشرعه وتشترك في وقوعه، فلا تستطيع النساء مثلاً، في بعض الطوائف، التذرع بالعنف الممارس ضدهن لطلب التفريق، بل إننا نشهد لما سمي بحق التأديب، مع التوقف عند ما يصل أحيانا إلى الاغتصاب تحت عنوان الحق بالعلاقة الزوجية. وما المعركة التي خيضت بوجه تجريم الاغتصاب الزوجي إلا نموذجاً.
وفي موضوع الوصاية، يتقدم ذكور العائلة على الأم في الوصاية على الأولاد عند وفاة الأب، انطلاقاً من افتراضها نقص أهلية المرأة وقصورها، مع التأكيد أن ممارسة المرأة لحقها في التقاضي يبقى قاصراً بسبب ارتفاع كلفته في بعض المحاكم الدينية. ولا تقنن بعض الطوائف سن الزواج بل تبيحه عند البلوغ الجسدي للفتاة. 
وكان لمداخلة زعيتر أن تفتح النقاش على تلازم العدالة مع المساواة المفقودة، وهو ما يتناقض في وضع المرأة اللبنانية مع التزام لبنان بحقوق الإنسان ومصادقته على العديد من الاتفاقات الدولية، على الرغم من تحفظه على مواد بعضها تحت شعار «ممارسة الحق السيادي للدولة». ويدعو توصيف الواقع الدولة إلى إطلاق نقاش جدي حول حقيقة التزاماتها وتحفظها من جهة، وازدواجية موقفها من كرامة النساء، في ظل حياديتها المطلقة تجاه سلطات الطوائف كقوانين تشريع وأحكام وصولاً إلى الامتثال لمواقفها بكل ما يتعلق بالتحديث. وهو ما يقود إلى الاستنتاج بتخلي الدولة عن سلطتها في المادة التاسعة من الدستور التي تضمن «حرية المعتقد لكل الأديان والمذاهب تحت سقف عدم الإخلال بالانتظام العام»، فماذا «لو تضاربت المصالح الدينية المختلفة مع الانتظام العام أو مع المصلحة العليا للوطن؟». 
وتنتقل الباحثة كارولين سكر من كلام زعيتر عن تأثير قوانين ألأحوال الشخصية على اللاعدالة تجاه المرأة، لترصد نتائج التأثير عينه على «دينامية العلاقات الزوجية، وعلى أفراد ألأسرة». 
وتستشهد سكر بدراسات ميدانية عدة لتقول إن «انخراط المرأة في سوق العمل والمجال العام وزيادة تحصيلها العلمي وفرصها، لم تترجم فعلياً بتحسن وضعها في المعادلة الجندرية في حياتها الخاصة، حيث ما زالت تخضع للقيم الثقافية الأبوية والبطركية التي تدخل في صلبها قوانين الأحوال الشخصية». 
وترسخ قوانين الأحوال الشخصية صوراً مشوهة عن أنفسنا كنساء ورجال. فالرجل، وفق سكر، يرى نفسه «السيد المطلق ومالك كل شيء وله الحق بكل شيء»، في مقابل سعي المرأة الدائم إلى نزع صورة الضعف عنها والحاجة المستمرة للحماية والخضوع والتبعية.
وتبين دراسة ميدانية أن العلاقات داخل الأسرة تنطلق من تراتبية جنسية حيث التفوق والامتيازات للذكور والدونية والتبعية للنساء. 
فللمرأة، وفق ما كتبت خالدية سعيد في كتابها «في البدء كان المثنى»، «نصف حقوق من حيث أنها كائن ناقص يضبط شؤونه قانون الأحوال الشخصية، وهي شبه إنسان من النواحي العائلية والاقتصادية والقضائية والدينية (الميراث والشهادة)... وهي تنتمي إلى جنس ناقص العقل والدين، وتحتاج إلى وسيط أو وصي مذكر هو ولي الأمر بينها وبين الحقوق التي يمنحها اياها القانون. والولي يكون الأب أو الزوج أو الأخ أو العم وحتى الإبن أو الحفيد، المذكر طبعاً.
وبناء على تأثير قوانين الأحوال الشخصية في حياة الناس تساءل القاضي جون القزي عن «متى تنتهي صلاحية قوانين الأحوال الشخصية»؟ ليقول إن هناك في القضاء «حياد ايجابي وحياد سلبي». ووفق الحياد السلبي يقول القاضي إنه مقيد بالنص، فيما يسعى من يعتمد الحياد الإيجابي إلى احترام النص ولكن مع الاجتهاد في الهامش المعطى له بموجب صلاحياته. 
وفي معرض تأكيده على ضرورة وجود قانون لبناني للأحوال الشخصية، اشار القزي إلى أن القاضي اللبناني «يضطر في حال قضية زواج مدني، إلى قراءة كل قوانين العالم، وتفسير نيات مشترعيه».
وعرض القزي لتأثير قوانين الأحوال الشخصية في قضايا الحضانة والنفقة والقيمومة والوصايا والجنسية، وصولاً إلى تحفظ لبنان على بعض مواد سيداو.



No comments:

Post a Comment