أكثر من 3350 عائلة سورية في القضاء سجل منها 2289
النازحون إلى بعلبك.. حيث تُهدر الكرامة للحصول على بعض المساعدات
عبد الرحيم شلحة
تجاوز عدد العائلات السورية النازحة إلى قضاء بعلبك ثلاثة آلاف وثلاثمئة وخمسين، وفق إحصائية «لجنة المتابعة»، المؤلفة من ممثلي عدد من الجمعيات الأهلية، الأمر الذي يطرح سؤالاً عن ضرورة وجود خطة طوارئ كاملة، تتجاوز جهود الجمعيات الأهلية، وتقصير هيئات الأمم المتحدة. فمع بداية العام الدراسي، وإطلالة فصل الشتاء، تغيب خطط المنظمات الدولية عن كيفية تأمين متطلبات المرحلة المقبلة، مع ما تحمله من مآس سيعاني منها النازحون، إذا ما استمر التعامل معهم بالوتيرة نفسها.
وبالرغم من الزيادة المتصاعدة في أعداد العائلات النازحة، وتمركز غالبيتها العظمى في مدينة بعلبك وبلدة عرسال، لا تزال هيئات الأمم المتحدة تتجنب فتح مكتب لها في المدينة، ما يجعل العائلات النازحة تلاحق أماكن وجود اللجنة الدولية المكلفة بالتسجيل. وذلك ما تسبب بحرمان نحو ألف ومئة عائلة من الاستفادة من المساعدات الصحية والغذائية. وفي مكتب مستعار لعدة أيام، في إحدى المدارس الرسمية داخل مدينة بعلبك، لمصلحة منظمة «اليونسيف»، تبدو الصورة أكثر مأساوية، حيث يتحول الإنسان إلى رقم في جداول المنظمات الدولية. هناك يسعى رب العائلة لضمان حقه في الاستشفاء على الأقل. فمئات العائلات تجمعت منذ التاسعة صباحاً، كي تأخذ لها دورا في عملية التسجيل. إلا أن الطاقم المكلف من «اليونسيف» لا يكفي لا لعملية التسجيل ولا لعملية التنظيم، فكيف يُحافظ على كرامات الناس. فتلك المرأة السبعينية تستجدي أحد الموظفين كي يساعدها الإسراع في إنجاز تسجيلها لأن زوجها «عمبيموت»، حسب وصفها لحالته المرضية التي تمنعه من الحراك. لكن الموظف تعامل معها بكل فظاظة. أما ذلك الشاب المنزوي في طرف الملعب، فيحاول تجنب الكأس المرة في المزاحمة، وأخذ الدور، بدت عليه علامات الحزن للوضع الذي وصلت إليه حالته. دقائق وانسحب الشاب من حيث أتى رافضاً الإهانة مقابل الإعانة.
أما الطاغي على المشهد الصباحي، فالنساء المتشحات بالسواد لفقدان زوج أو ابن أو أخ، والدموع تذرف من عيونهن، ويصعب عليهن الكلام. لكن الحاجة تضطر صاحبها، أحياناً، إلى أن يتخلى عن بعض من كراماته. فحجم تقصير هيئات الأمم المتحدة لا يقتصر على نوع المساعدات المحدودة، التي لا تشبع ولا تغني من جوع، بل يبدو التقصير واضحاً في عدم تسجيل العائلات، حيث يتبين أنه من أصل 3350 عائلة، تم تسجيل نحو 2289 في بعلبك وعرسال.
يعاني النازحون من نقص في عدد من المسائل، أهمها، عدم وجود منازل كافية لإسكان كل العائلات، ويترافق ذلك مع ارتفاع الحاد في الإيجارات التي تضاعفت أكثر من مرتين. كما أن الهم التربوي بات يتصدر جدول أعمال العائلات النازحة، خصوصا أن الامم المتحدة لم تحسم بعد إمكانية تسجيل الطلاب في المدارس الخاصة، لعدم قدرة المدارس الرسمية التي تعلم اللغة الإنكليزية على استيعاب كل الطلاب. كما أن بدلات النقل إلى «المجمع التربوي» في ضهور راس العين في بعلبك، قد توازي قيمة الأقساط التي حددتها بعض المدارس الخاصة نصف المجانية (200 ألف ليرة بدل قسط سنوي عن الطالب، وذلــك بمثابة مساهمة من قبل أصحاب بعض المدارس).
وبالرغم من مرور أكثر من سنة ونصف على بدء أعمال إغاثة النازحين السوريين، لا تزال الفوضى هي السائدة، فلا تنسيق بين الهيئات الأهلية والقوى السياسية، كي تضمن وصول المساعدات متساوية لكل العائلات ولا هيئات الأمم المتحدة، عمدت إلى فرض حضورها في عملية التنسيق، فيبدو الأمر وكأن كل جهة تحاول استغلال بعض المساعدات لغايات ليست إنسانية. مسؤول في «لجنة المتابعة لشؤون النازحين في بعلبك» خالد زين الدين، أعلن أن «منسقي لجان الأمم المتحدة يهربون من عمليات التنسيق من دون مبرر، فأكثر من اجتماع تم الاتفاق عليه تم تطييره لأسباب واهية». وحسب تقديره «يعود ذلك لغياب الخطة الواضحة لدى المنظمات الدولية، خصوصا أننا على موعد مع استحقاقات كبيرة وتتطلب خطة طوارئ متكاملة لمواجهة تداعيات فصل الشتاء والعام الدراسي، إضافة لاستيعاب العدد الهائل من العائلات النازحة حديثاً». ويضيف زين الدين «العائلات التي تعلن عنها الأمم المتحدة، لا يزال التعامل معها بطريقة مربكة، فالمساعدات الدولية ناقصة ولم تقدم لجميع العائلات». ويكشف زين الدين أن «المجلس الدانمركي قد أوقف تقديم مساعداته من دون معرفة الأسباب، فيما يعتبر البعض أن سبب انسحابه غياب التنسيق بين الجهات المعنية، ما يترك فراغاً كبيراً في حجم المساعدات». وعن مشاكل السكن وتأمين بدلاته، يقول زين الدين: «أكثر من خمسين عائلة تسكن في خيم في محيط مدينة بعلبك، وأكثر من مئتي عائلة تسكن في منازل غير منجزة وخالية من الأبواب والشبابيك والحمامات. وقد أمنت جمعية الهلال الأحمر الاماراتي قسماً من بدلات الإيجار لنحو 320 عائلة، بمبلغ 150 ألف ليرة، لكل عائلة، ولمرة واحدة فقط». وعن الحالات الصحية، يؤكد زين الدين «ضرورة الإسراع في تسجيل كل العائلات، حتى تحظى بالخدمات الاستشفائية، ويبقى على الجمعيات الأهلية ان تؤمن الـ15 في المئة، وهي فروقات الاستشفاء. أما العلاجات الصحية غير الاستشفائية فيؤمن القسم الأكبر منها عبر المستوصفات الصحية وهي مستوصف الأبرار، ومستوصف الحريري، وبعض الخدمات من الهيئة الصحية الإسلامية. كما أمنت بعض الادوية عبر شرائها من قبل الهلال الاحمر الاماراتي بمبلغ 15 ألف دولار».
وقد دفعت احتياجات السكن بـ«الجمعية البلجيكية الدولية»، وإحدى الجمعيات الكويتية، الاهتمام بترميم عدد من المنازل غير المجهزة. فعقد اتفاق مع «دار الفتوى» في بعلبك، تم بموجبه ترميم مبنى المقاصد لإسكان عدد من العائلات المهجرة. وتم تأمين مبلغ 45 ألف دولار للترميم وأشغال أخرى، على أن يأوي المبنى 36 عائلة. كما تم تبني ترميم العديد من البيوت المشغولة من نازحين في بيوت غير جاهزة.
من جهة أخرى، أعلن مسؤول لجنة النازحين في «جمعية الإرشاد والإصلاح» الشيخ محمد جمال الشل، أن «الجمعية بدأت بدراسة احتياجات المرحلة المقبلة، لمساعدة النازحين لجهة تأمين مواد التدفئة وأغطية وثياب شتوية، إضافة لمساعدة الطلاب الجامعيين في الجامعات اللبناينة، وتأمين فارق الاستشفاء، مع إبقاء حالة الطوارئ لتوفير الدعم المباشر للعائلات النازحة حديثاً». وأضاف أن «الجمعية بدعم من الهلال الأحمر القطري وجمـــعيات قطرية وتركية، أبلغتنا عن التـــغطية الكاملة لمن خسر أحد أطرافه بتركيـــب أطراف اصطناعية، وإعـــطاء مساعدات مميزة لأبناء الشهــداء والجرحى والأيتام السوريين».
وكشف أن الجمعية بصدد تنظيم مساعدة خاصة بمناسبة عيد الأضحى، عبر توزيع كسوة العيد ولحوم الأضاحي. وأكد الشل ضرورة العمل لوجود هيئة تنسيق مشتركة بين كل الجمعيات المساندة كي تنظم عمليات المساعدات وتوفر المطلوب بحده الأدنى. وطالب بتبني تغطية تكاليف أصحاب الأمراض المزمنة التي لم تغط. وأعطى مثالاً على ذلك حالة المريضة ز. و. (مريضة سرطان) لم توفر لها العلاجات اللازمة، ما دفــع بالجمعية لأن تعالجها بما كلفته ستة آلاف دولار، كـــان بإمكاننا بهذا المبلغ أن نوفر دفع فـارق الـ15 في المئة، لأكثر من 30 مريضاً».
No comments:
Post a Comment