رولا عبد الله
لأن «الأبيض ما بيغطي الاغتصاب»، كان لا بدّ أن ينتصر مجلس النواب أمس، لنساء لبنان في نضالهن الطويل ضد المادة 522 من قانون العقوبات، والتي تعفي المغتصب من العقوبة في حال زواجه من الضحية، وتنص على: «إذا عقد زواج صحيح بين مرتكب إحدى الجرائم الواردة في هذا الفصل وبين المعتدى عليها أوقفت الملاحقة. وإذا كان صدر الحكم بالقضية عُلق تنفيذ العقاب الذي فرض عليه»، ليصبح التعديل: «ألا يعفى المغتصب من العقوبة حتى في حال تمّ الزواج». أما الجرائم فهي، الاغتصاب والخطف وفض البكارة والتحرش والإكراه على الجماع واستغلال ضعف الضحية وعدم قدرتها على المقاومة.
وإذ انتصر أخيراً أبيض القانون على أسود الواقع الذي يشير الى ثلاث حالات اغتصاب في الأسبوع، بحسب إحصاءات مكتب الآداب في قوى الأمن الداخلي، مع معطيات وفيرة عن ارتفاع مؤشر العنف والتحرش الجنسي، والتغطية على حوالى 40 في المئة من حالات الاغتصاب التي يتم التعاطي معها وفق «يا عين ما شافت شر»، فإن الـ«مبروك» الحقيقية التي تناقلتها مؤسسات المجتمع المدني وحملة «أبعاد» والناشطات أمس ممن سعين لإقرار قانون الإلغاء في تدرجه من الأدراج الى المؤسسات الرسمية ومن ثم الى الاعتراف به بعد 68 عاماً من إقراره، تترجم في عيني كل امرأة ذاقت وجع الانتهاك الجسدي. ومع ذلك ظلت حريصة على أن تكون الصوت الذي أثمر منعاً رسمياً وزوداً وتحصيناً لكل النساء اللواتي هن في الأصل معرضات، ولا سيما أن غالبية نساء لبنان هن من العاملات اللواتي يغادرن منازلهن يومياً، ولا يدرين ماذا تخبئ لهن الزواريب السوداء ولحظات الغفلة والإجرام.
وفي وداع المادة 522، تحضر كثيرات في البال، منهن تلك التي كانت طفلة تلعب في زقاق الحي قبل أن تتبدل حياتها الى صراخ وجحيم ومن ثم تصير مسؤولة عن طفل مثلها، ولد في الظلمة يبحث عن اسم ونسب وهوية أب، إن اعترف به يبقى في الأساس معتدٍ وسارق طفولة وأحلام مبتورة. وتحضر استغاثات اللواتي وضعهن القدر في اختبار شهوات زوج الأم، الأب، الخال، العم، ومن ثمّ جرى التعامل معهن بجرائم شرف مدبرة وكفيلة في أن تنهي «وجع الرأس» برصاصة أو سلاح أبيض وبالكثير من نزف الدماء. وتحضر أيضاً حكايا موجعة كيف أن فتيات في عمر الورد سجنّ في غرفهن، ضربن بالكرباج وأحرقت أصابعهن ببقايا السجائر، وكان على أمهاتهن أن يصمتن ويتواطأن مع أزواجهن المعتدين نصرة لـ«معيل العائلة الوحيد».. وعلى المنوال تكر سبحة الاعتداءات على الرغم من كل حملات التوعية والإعلام والاعتصامات في ظل صعوبة الإفصاح عن العنف الجنسي باعتباره مسألة تجلب العار للأسرة بأسرها.
وإذ أصبح القانون في خلفية المشهد الأليم، بعد طول إلحاح من لجنة «سيداو» التابعة للأمم المتحدة والتي تراقب مدى تقدم لبنان في التقرير الدوري لتطبيق اتفاقية إلغاء كافة أشكال التمييز ضد المرأة، تبقى الطريق طويلة في تعقب آثار الاعتداءات الجنسية، ولا سيما النفسية والاجتماعية منها، مع ما تتركه من تدمير لآدمية المرأة وإنسانيتها وخوفها في ذلك السجن الكبير الذي لن تنجح بعده ببناء علاقات مع المحيط، ويوماً لن تثق برجل، أو تستكين لقرار.
وإذ أقر القانون، ماذا بعد من تحصينات لا بدّ منها، ومن يعيد فتح ملف مقاربة العنف الجنسي برمته لجهة تعديل التشريعات على أساس تأمين العدالة للنساء؟. أسئلة مفتوحة.. ويبقى الأهم أن التغيير بدأ.
لأن «الأبيض ما بيغطي الاغتصاب»، كان لا بدّ أن ينتصر مجلس النواب أمس، لنساء لبنان في نضالهن الطويل ضد المادة 522 من قانون العقوبات، والتي تعفي المغتصب من العقوبة في حال زواجه من الضحية، وتنص على: «إذا عقد زواج صحيح بين مرتكب إحدى الجرائم الواردة في هذا الفصل وبين المعتدى عليها أوقفت الملاحقة. وإذا كان صدر الحكم بالقضية عُلق تنفيذ العقاب الذي فرض عليه»، ليصبح التعديل: «ألا يعفى المغتصب من العقوبة حتى في حال تمّ الزواج». أما الجرائم فهي، الاغتصاب والخطف وفض البكارة والتحرش والإكراه على الجماع واستغلال ضعف الضحية وعدم قدرتها على المقاومة.
وإذ انتصر أخيراً أبيض القانون على أسود الواقع الذي يشير الى ثلاث حالات اغتصاب في الأسبوع، بحسب إحصاءات مكتب الآداب في قوى الأمن الداخلي، مع معطيات وفيرة عن ارتفاع مؤشر العنف والتحرش الجنسي، والتغطية على حوالى 40 في المئة من حالات الاغتصاب التي يتم التعاطي معها وفق «يا عين ما شافت شر»، فإن الـ«مبروك» الحقيقية التي تناقلتها مؤسسات المجتمع المدني وحملة «أبعاد» والناشطات أمس ممن سعين لإقرار قانون الإلغاء في تدرجه من الأدراج الى المؤسسات الرسمية ومن ثم الى الاعتراف به بعد 68 عاماً من إقراره، تترجم في عيني كل امرأة ذاقت وجع الانتهاك الجسدي. ومع ذلك ظلت حريصة على أن تكون الصوت الذي أثمر منعاً رسمياً وزوداً وتحصيناً لكل النساء اللواتي هن في الأصل معرضات، ولا سيما أن غالبية نساء لبنان هن من العاملات اللواتي يغادرن منازلهن يومياً، ولا يدرين ماذا تخبئ لهن الزواريب السوداء ولحظات الغفلة والإجرام.
وفي وداع المادة 522، تحضر كثيرات في البال، منهن تلك التي كانت طفلة تلعب في زقاق الحي قبل أن تتبدل حياتها الى صراخ وجحيم ومن ثم تصير مسؤولة عن طفل مثلها، ولد في الظلمة يبحث عن اسم ونسب وهوية أب، إن اعترف به يبقى في الأساس معتدٍ وسارق طفولة وأحلام مبتورة. وتحضر استغاثات اللواتي وضعهن القدر في اختبار شهوات زوج الأم، الأب، الخال، العم، ومن ثمّ جرى التعامل معهن بجرائم شرف مدبرة وكفيلة في أن تنهي «وجع الرأس» برصاصة أو سلاح أبيض وبالكثير من نزف الدماء. وتحضر أيضاً حكايا موجعة كيف أن فتيات في عمر الورد سجنّ في غرفهن، ضربن بالكرباج وأحرقت أصابعهن ببقايا السجائر، وكان على أمهاتهن أن يصمتن ويتواطأن مع أزواجهن المعتدين نصرة لـ«معيل العائلة الوحيد».. وعلى المنوال تكر سبحة الاعتداءات على الرغم من كل حملات التوعية والإعلام والاعتصامات في ظل صعوبة الإفصاح عن العنف الجنسي باعتباره مسألة تجلب العار للأسرة بأسرها.
وإذ أصبح القانون في خلفية المشهد الأليم، بعد طول إلحاح من لجنة «سيداو» التابعة للأمم المتحدة والتي تراقب مدى تقدم لبنان في التقرير الدوري لتطبيق اتفاقية إلغاء كافة أشكال التمييز ضد المرأة، تبقى الطريق طويلة في تعقب آثار الاعتداءات الجنسية، ولا سيما النفسية والاجتماعية منها، مع ما تتركه من تدمير لآدمية المرأة وإنسانيتها وخوفها في ذلك السجن الكبير الذي لن تنجح بعده ببناء علاقات مع المحيط، ويوماً لن تثق برجل، أو تستكين لقرار.
وإذ أقر القانون، ماذا بعد من تحصينات لا بدّ منها، ومن يعيد فتح ملف مقاربة العنف الجنسي برمته لجهة تعديل التشريعات على أساس تأمين العدالة للنساء؟. أسئلة مفتوحة.. ويبقى الأهم أن التغيير بدأ.
No comments:
Post a Comment