معراب تتبنّى «العدالة»... جعجع: للتمييز بين المحكمة والجيش
تبدو معراب بجهوزية تامّة في شهر نيسان، إذ تزدحم أجندتها بسلسلة من اللقاءات والمؤتمرات والمحطات، أبرزها «أزمة العدالة» التي نكبَت أحكامُها لبنانيّي الوطن، وقد عايشَت «القوات اللبنانية» تحديداً فصولَها الصعبة منذ بداية التسعينات، فيما لا يزال اللبنانيون حتى اليوم يعانون من بعض أحكام القضاء العسكري.
حاولت «القوات» رفعَ الصوت من خلال اقتراح قانون سعى إلى إلغاء المحاكم العسكرية ، قدّمته عام 2013 إلى مجلس النواب فلم يبصر النور، فعلّت الصوتَ مجدداً أمس من معراب خلال مؤتمر تحت عنوان «إشكالية القضاء العسكري وحقوق الإنسان»، شاركَ فيه نخبة من الاختصاصيين في لبنان ومن الخارج، ونخبة من السلك القضائي والسياسي والأمني والإعلامي.
بدأ المؤتمر بكلمة لرئيس حزب «القوات» سمير جعجع، دعا فيها إلى «وجوب التمييز بين المحكمة العسكرية والجيش اللبناني، إذ لا علاقة للمحكمة العسكرية بالجيش، بل هي كالفطريات تنمو على طرَف الزهرة».
ولفتَ إلى أنّ «هناك فرقاءَ سياسيّين يلجأون إلى المحكمة العسكرية، لأنّهم لا يستطيعون الإفادة من القضاء بالطريقة الشرعية»، موضحاً «أنّنا من أكثر الفرَقاء الذين تعرّفوا إلى المحكمة العسكرية، فهناك آلاف الاعتقالات ومئات القرارات الجائرة التي لم ننتهِ منها حتى اليوم»، متطرّقاً إلى قضية سماحة، قائلاً: «تمَّ ضبط ميشال سماحة بالدليل القاطع، إذ تأكّدَ بالصوت والصورة قبل القبض عليه وبعده أنّه كان على علاقة مع ميلاد كفوري وأعطاه قرابة الـ 100 كلغ من المتفجّرات»، سائلاً: «هل ضبطُ شخص مع مثلِ هذه الكمّية من العبوات للقيام بأعمال تخريبية في لبنان بالجرم المشهود يَصدر الحكم بحقّه بـ 4 سنوات ونصف فقط؟
ألَا يشكّل هذا تهديداً للسلامة العامة والسلم الأهلي؟». وأضاف: «انطلاقاً من هنا تشكّل المحكمة العسكرية بشكلها الحالي خطراً على السلامة العامة». وأعلن أنّه «بعد المؤتمر سيلتقي النائب إيلي كيروز الكتلَ النيابية كافّة لتأمين أكثرية لاقتراح قانون تعديل صلاحيات المحكمة العسكرية».
وفي السياق، يلخّص النائب روبير غانم عبر «الجمهورية»، والذي شاركَ في مؤتمر معراب، موقفَه من إشكالية القضاء العسكري، والذي خالفَ إلغاء المحاكم المتخصّصة، ويشدّد على أنه «مع الحفاظ على المنظومة القضائية القائمة حالياً، لكن مع تحسينها وضمانات الدفاع وحقوق الإنسان»، مشيراً إلى أنه «شخصياً لا يشجّع كثيراً المحاكم المتخصّصة».
ومن جملة الأسباب، اعتبر غانم «أنّنا نكون بذلك نُنشئ محاكم استثنائية جديدة، أي قضاة يختلفون عن القضاة العاديين، وبالتالي سنقع مجدداً في إشكاليّة محاكم استثنائية وصلاحياتها الواسعة التي ستخلق لنا إشكالية في المستقبل، وإذ أردنا الحفاظ على المنظومة القضائية الحاليّة فإنّها تحوي على محكمة تمييز تكون فيها مرجعية أخرى أعلى».
ويضيف: «في المقابل نكون أجرَينا نوعاً من تخصّص في غرَف الاستثناء في الجزاء ويمكننا بالتالي إجراء دورات للقضاة، وبالتالي فلماذا نغيّر المجرى الموجود طالما إنه أصبح لدينا مدّعٍ عام ماليّ وأصبح لدينا نيابات عامة بيئية في بيروت وفي المحافظات، كما أنّه مَن يضمن أن لا تأتي غداً اقتراحات أخرى تطالب بمدّعٍ عام صحّي».
ويختم غانم بالقول: «أين نصبح عندها، نكون نفتّت المنظومة والهيكلية القضائية وانا لست مع ذلك».
بدوره أقرّ كيروز، في دردشة مع «الجمهورية»، بأنّ «العملية تتعلق بورشة كبيرة، ولكن بعد كلّ هذه السنوات والمطالبات العديدة بإعادة النظر في صلاحيات القضاء العسكري نعتقد أنّه حان الوقت أن نبدأ من مكان معيّن ونقطة معيّنة، ونحن لسنا متوهمين، ونعلم أنّ المسألة معقّدة ويلزمها وقت.
لذلك وببساطة نقول إنّ القوات قدّمت اقتراح مشروع في مجلس النواب عام 2013 طالبنا فيه بإعادة نظر جذرية في صلاحيات القضاء العسكري بحيث يقتصر دوره على ملاحقة الجرائم العسكرية دون أن يمتدّ اختصاصه إلى المدنيين، لأنّه يجب على اللبنانيين أن يعلموا أنّ القضاء العسكري الحالي لا يراعي المحاكم العادلة وحقوق الإنسان، وهو مخالف للدستور وللإعلان العالمي لحقوق الإنسان وللمواثيق الدولية المتعلقة بحقوق الإنسان.
مِن جهته، يكشف رئيس مؤسسة «جوستيسيا» الحقوقية الدكتور بول مرقس لـ«الجمهورية» أنّ «المؤسسة سبقَ ان أطلقت برنامجاً في موضوع تعديل قانون القضاء العسكري لناحية حصرِ صلاحيات المحكمة العسكرية بالجرائم العسكرية التي تتناول العسكريين دون المدنيين والتي ترتبط بوظائفهم وعناصر التعديل، ثمّ وضعه في كتاب صدر هذا الأسبوع بعنوان «المحكمة العسكرية والمحاكمة العادلة وإعادة تحديد الصلاحيات» وذلك لمصلحة المؤسسة العسكرية أيضاً التي تقتضي عدم إقحامها في نزاعات مع مدنيين أو في قضايا اجتماعية وسياسية لا شأن لها بهما، ممّا يثقِل كاهلَ المحكمة العسكرية عوض أن تنصرف إلى مهمّاتها الأساسية الوطنية في الدفاع عن الحدود وضبط الأمن.
ريفي
وبالعودة إلى فعاليات المؤتمر، فقد تابعَ جعجع الكلمات بدقّة، واستمعَ إلى كافة المتحاورين، فقد حمل المحور الأول، عنوان: «حلول المحاكم العسكرية»، وأدارَه رئيس مصلحة المهَن القانونية في «القوات اللبنانية» المحامي فادي مسلّم، تحدّث وزير العدل اللواء أشرف ريفي عن «إشكالية القضاء العسكري وحقوق الإنسان». وقال: «لا يخفى عليكم أنّ ملف محاكمة ميشال سماحة كان أحد أسباب استقالتي من الحكومة.
لقد شعرتُ بأنه يراد لي كوزير للعدل أن أحمل وزراً لا يرضاه ضميري، ولا يقبل به أيّ مخلِص لوطنه»، معتبراً أنّ «هذه المحكمة العسكرية ارتكبَت جريمة، تفوق جريمة ميشال سماحة وعلي المملوك وبشّار الأسد، فالمجرم سيحاكم على جريمته ولو بعد حين، أمّا العار الكبير، فسيبقى على جبين الجالس على قوس العدالة، إذا تخاذلَ أو جبنَ أو خضع للترهيب أو الترغيب».
وأضاف: «لقد رفضتُ أن أغطّي هذه الفضيحة، ليس فقط وفاءً لدم الشهيد اللواء وسام الحسن، بل حفظاً لدماء أهلنا وأولادنا، التي كانوا يريدون لها أن تُراق في الإفطارت، وفي الكنائس، والتي يجب ان نكون أمَناء لها بمعاقبة المجرم الصغير، وإفهام المجرم الكبير أنّنا جاهزون لمواجهته، وأنّ إجرامه قد يَقتل بعضاً منّا لكنّه، لا يقتل فينا إرادة الحياة. لقد رفضتُ في كلّ مسيرتي أيّ مساومة على المبادئ.
تمسّكتُ دائماً بالدولة والمؤسسات، واليوم أؤكّد هذا النهج، في مواجهة الدويلة وأبواقها، التي تريد أن تستهدف المؤسسات وتشوّه صورتها، والأبرز منها مؤسسة قوى الأمن الداخلي، التي كان لي شرفُ قيادتها في مرحلة مفصلية من تاريخ لبنان الحديث».
من جهته، دعا غانم إلى «حصر صلاحيات المحكمة العسكرية في مختلف درجاتها بالعسكريين، إنْ لجهة الصلاحية النوعية أو لجهة الصلاحية الشخصية، وإبقاء جرائم الإرهاب والجرائم الواقعة على أمن الدولة أو التي تنال من الوحدة الوطنية أو إثارة النعرات الطائفية والحروب الأهلية وجرائم الإتجار بالأسلحة والذخائر والأشخاص، من صلاحية محاكم الاستئناف الجزائية، وإنشاء ضابطة عدلية متخصّصة في جرائم الإرهاب تكون تابعة مباشرةً إلى الغرف الناظرة بهذه الجرائم».
وتمحورَت مداخلة كيروز حول «القضاء العسكري في لبنان: أيّ حقوق؟ فلفتَ إلى أنّ اقتراحه يقوم على «حصر اختصاص المحاكم العسكرية بالجرائم العسكرية، وتوقّف العمل في المحاكم العسكرية وإلغاء صلاحياتها الخارجة عن نطاق اختصاصها، وإحالة الدعاوى والشكاوى الخارجة عن نطاق الاختصاص العسكري والتي ما زالت قيد الملاحقة أو التحقيق أو المحاكمة أمام أجهزة القضاء العسكري إلى المراجع القضائية العدلية المختصة التي تسير بها من النقطة التي وصلت إليها».
أمّا المحور الثاني، الذي أداره الناشط الحقوقي وعضو مؤسسة حقوق الإنسان والحق الإنساني جان بيار قطريب، فقد ناقشَ «انتهاكات حقوق الإنسان في المحاكم العسكرية»، وتحدّثَ فيه مرقس، ومدير البرامج في جمعية «ألف» (تحرّك من أجل حقوق الإنسان) جورج غالي.
من جهتها، أشارت الأمينة العامة للفدرالية الدولية لحقوق الإنسان السفيرة أمينة بو عياش إبنة المغرب في مداخلتها الى أن «المملكة المغربية «تمكنت من إلغاء المحاكم العسكرية، فاعتبر هذا الإنجاز الاهم على مستوى الإرتقاء بالعدل الى مصاف الدول المتقدّمة».
No comments:
Post a Comment