مسيرات حقوقية ومطلبية في بيروت بمناسبة عيد العمال
رانيا حمزة
لم تكن مسيرة الاحتفال بعيد العمال الذي يصادف في الأول من أيار هذا العام كما الأعوام السابقة. فقد تميزت هذه المسيرة التي دعا إليها الاتحاد الوطني لنقابات العمال والمستخدمين في لبنان، والحزب الشيوعي بمشاركة الأمين العام الجديد للحزب، حنا غريب الذي تقدم المتظاهرين وأسهم حضوره بتأمين حشد كبير على خلاف الأعوام السابقة.
ولعل مشاركة النقابي العتيق الذي أعاد الوهج والزخم للحركة النقابية، شكل دافعاً لعموم الناس للنزول الى الشارع والمشاركة في مسيرة الشيوعي ورفع شعارات حملت مطالبهم عالياً. وقد أعاد انتخاب غريب لمنصب الامين العام للحزب الشيوعي الأمل للشيوعيين في إحداث تغيير داخل صفوف حزبهم عسى ان يعود له دوره ومكانته على الساحة السياسية اللبنانية.
اذاً منذ الساعة العاشرة من صباح الأحد 1/5/2016 بدأ تجمع الجماهير امام مركز الاتحاد الوطني لنقابات العمال والمستخدمين في لبنان. اللون الاحمر كان طاغياً على المشهدية. ومع ذلك لم يكن من الصعوبة ملاحظة تجمعات للعاملات المنزليات المنضويين تحت نقابة العاملات في الخدمة المنزلية في الاتحاد الوطني لنقابات العمال والمستخدمين. كذلك كانت مشاركة ملحوظة للجنة الدفاع عن حقوق المستأجرين في لبنان، واللقاء النقابي التشاوري، والتيار النقابي المستقل.
مظاهرة حمراء من الكولا الى رياض الصلح
من منطقة الكولا مروراً بكورنيش المزرعة وشارع مار الياس وصولا الى اشارة سبيرز ومنها عبر النفق وصولاً الى ساحة رياض الصلح، سار الآلآف رافعين شعاراتهم المطلبية ومنها: "تعزيز التعليم الرسمي مدخل رئيس لدولة المواطنة"، "سلسلة رتب ورواتب عادلة"، "استقلالية العمل النقابي في محاربة الفساد"، "إلغاء بنود باريس"، "الوطن يتهاوى بالرشاوى"، "يا عمال لبنان اتحدوا، انتفضوا ضد ظلم الطبقة السياسية". كذلك كانت شعارات رفعتها العاملات في الخدمة المنزلية ومنها: "نعم للتصديق على الاتفاقيات الدولية لحقوق عاملات الخدمة المنزلية 87 و189"، "الحق بزيارة الطبيب عندما نكون مرضى"، "الحق بيوم عطلة".
المفارقة وانه بينما كانت العاملات المنزليات يعبرن مع اليافطات، لمحت عاملة تعبر من تحت جسر الكولا وهي ترتدي المريول، حاملة أغراض ربة عملها التي كانت تسير قربها وترمق العاملات بنظرة ازدراء. وعند المرور ببرج الغزال نحو رياض الصلح استقبلت المشاركين شاحنات تنقل النفايات قتلت الجو بالروائح الكريهة، الأمر الذي أعطى دوافع مضاعفة لأهمية هذه المسيرة المطلبية والحقوقية.
وفي ساحة رياض الصلح كانت كلمات في المناسبة استهلها كاسترو عبدالله، رئيس الاتحاد الوطني لنقابات العمال والمستخدمين مشيراً الى ان 30% من الشعب اللبناني يعيش تحت خط الفقر وبالكاد يستطيع تأمين الغذاء والدواء والسكن والمستشفى والحياة الكريمة". واعتبر أن أمل لبنان وخلاصة يكون في عماله ومعلميه وشبابه: "أنتم من تستطيعون إخراجه من أزمته التي تعمقت بفعل سياسات الحكومات المتعاقبة، الأمر الذي أدى إلى زيادة الدين العام الذي تخطى كل الحدود، في ظل غياب كل المؤسسات الدستورية، وإلى تفاقم الفقر والبطالة، خاصة بين الشباب والنساء. فشبابنا اليوم ليس أمامهم سوى أبواب الهجرة والاغتراب"،داعياً الى الاتحاد من أجل استعادة حقوقنا من تلك الطغمة التي تدمر الوطن وتذبح أبناءه لزيادة أرباحها، ومن أجل بناء دولة الديمقراطية والرعاية الاجتماعية".
أما كلمة التيار النقابي المستقل فألقتها بهية بعلبكي معتبرة أن الأول من أيار هو محطة لنضال من أجل:
- "اقرار سلسلة رتب ورواتب عادلة معدلة تعطي الجميع 121% على الأقل.
- حماية الحريات النقابية بتطبيق الاتفاقية الدولية 87 بكامل بنودها حول الحريات النقابية، وانشاء نقابات حرة ومستقلة بعيداً عن تدخلات السلطة وأدواتها.
- إقرار حق التنظيم النقابي لموظفي القطاع العام بتعديل المرسوم الاشتراعي رقم 112 تاريخ 12/6/1959 تطبيقاً ايضاً لبنود التوصية الدولية بشأن حقوق المعلمين.
- إلغاء بنود باريس حيث قالت "يريدون إعادة إحياء مشاريع مؤتمر باريس 3 من التعاقد الوظيفي ووقف التوظيف في الملاك الدائم ومد اليد الى التقاعد وإعتماد الضرائب غير المباشرة التي تطالنا وتطال أمثالنا من الفقراء وذوي الدخل المحدود".
- محاربة الفساد والمفسدين الذين جعلوا لبناننا بلد العلم والإشعاع مزبلة الشرق كل ما فيه غير مطابق إلا لمواصفات الفساد والمفسدين ولطمع جشع الوقحين الذين لا تهمهم الا المحاصصة ونهب مقدرات الدولة".
وطلبت من هيئة التنسيق النقابية "ان تضع خطة تحرك تصعيدية متواصلة مترابطة بحيث تكون مؤثرة، وان لا تركن الى الوعود العرقوبية، وان تعود دائما الى القواعد التي يحاولون تيئيسها بالتراجعات المتكررة وبنهج انتظار المكرمات من هذا الطرف السياسي او ذاك".
ولأن عيد العمال لا يكتمل دونهم كانت كلمة للنيبالية روجامايا ليمبو بإسم "نقابة العاملات في الخدمة المنزلية في الاتحاد الوطني لنقابات العمال والمستخدمين قالت فيها: "رغم ان قانون العمل اللبناني لا يعترف ولا يحمي مهنتنا، ويتركنا تحت وطأة نظام الكفالة، ولكن نحن هنا اليوم لاننا اخترنا واخذنا القرار بالمشي مع العمال اللبنانيين للمطالبة بالتوقيع على اتفاقية منظمة العمل الدولية عن العمل اللائق لعمال الخدمة المنزلية، الاتفاقية 189 لاننا نواجه نفس ظروف الحياة والمشاكل ونعاني مثل العمال اللبنانيين، وكلنا لدينا حقوق".
بدورها تحدثت رئيسة اتحاد المقعدين اللبنانيين سيلفانا اللقيس مثنية على "المشهد المتنوع والموحد حول غاية واحدة وهي العدالة الاجتماعية"، داعية الى تكريسه في الانتخابات البلدية المقبلة. وقالت كلمة بإسم "15% من عدد سكان لبنان المنسيين الى اليوم من كل أجندة اجتماعية قطاعية أم عامة. ونعتبر إما شأن اجتماعي أو صحي أو طبي ولكن هذا غير صحيح. جئنا لنطالب بفك القيود عنا، نحن مواطنون ممنوعون من كافة حقوقنا الاساسية".
وتابعت: "انتظرنا كثيراً، وبقينا على لائحة الانتظار. انتهت الحرب فاعتبرنا انه جاء دورنا لندخل في النظام. ما نطالب به هو حقنا في التنقل بحرية دون عوائق". وشددت على انه: "لا يعد انساناً ولا نقابياً ولا مناضلاً كل شخص يضع برنامجه دون ان يأخذ بعين الاعتبار حقوق الأشخاص المعوقين".
غريب نحو تعزيز استقلالية الحركة النقابية نهجا وروحا
أما في كلمته كأمين عام للحزب الشيوعي فقد أكد حنا غريب على "متابعة المسيرة من اجل بناء دولة مدنية، علمانية ديمقراطية، دولة مقاومة ودولة للرعاية الاجتماعية". وشدد على "توحيد النضال الوطني والنقابي للطبقة العاملة بكل مكوناتها، من أجراء نظاميين وغير نظاميين في القطاع الخاص، ومن موظفين واساتذة ومعلمين واداريين ومتعاقدين ومتقاعدين ومياومين في القطاع العام. ومعهم كل الفئات الاجتماعية الفقيرة وما دون المتوسطة في المدن والأرياف بمن فيهم مزارعو التبغ، والجمهور العريض من الشباب والنساء والعاملون لحسابهم والمتعطلون من العمل، ومعهم خريجو الجامعات والمثقفون والفنانون والإعلاميون، وفئات المهن الحرة، من اجل تحصيل الأجر العادل والضمانات الاجتماعية الفعلية وخدمات الصحة والتعليم، والنقل العام والسكن وشبكات الأمان الاجتماعي. ودعا الى "ربط كل الحراكات والمبادرات من الحراك النقابي بقيادة اللقاء النقابي التشاوري الى الحراك الشعبي ومجموعاته الشبابية والطلابية على تنوعها، الى الحراك البلدي، الى الحراك السياسي في "مواطنات ومواطنون في دولة" من اجل تحقيق هذا الهدف".
وعن الانتخابات البلدية لفت غريب الى ان "الشيوعي" يخوض المعركة الانتخابية "على اساس سياسي تنموي في المدن الرئيسية والبلدات كافة ضد القوى الطبقية المهيمنة، والثنائيات الطائفية المختلفة، تعبيراً عن المصالح السياسية والاقتصادية والاجتماعية الحيوية للفئات الشعبية التي نسعى إلى تمثيلها".
وأكد في معرض نضال الحزب المتدرج من أجل التغيير الديمقراطي والعلماني في البلاد على:
- "ضرورة تعديل قانون الانتخاب النيابي في اتجاه قانون يعتمد النسبية خارج القيد الطائفي على أساس لبنان دائرة انتخابية واحدة.
- اعتماد قانون مدني موحد للأحوال الشخصية يحرر المواطن من قرار المؤسسة الدينية.
- استحداث قانون لمفهوم الاقامة يعتق اللبنانيين المقيمين من استمرار الخضوع لسجلات النفوس المحكومة بنتائج الاحصاء السكاني الوحيد المنفذ عام 1932.
- إقرار قانون عصري للامركزية الادارية، فضلا عن إقرار كل التشريعات الآيلة الى تحقيق المساواة الكاملة بين المرأة والرجل، بما في ذلك حق المرأة في إعطاء الجنسية لأولادها".
وختم قائلاً: "في الأول من ايار يجدد الحزب الشيوعي اللبناني موقفه الداعي الى تعزيز استقلالية الحركة النقابية نهجاً وروحاً في ممارسته اليومية. وهو يحيي الجهود النقابية التي تبذل في هذا الإطار من قبل المكونات النقابية كافة، ومنها على وجه الخصوص تلك المنضوية إلى إطار اللقاء النقابي التشاوري، التي تعمل جاهدة لملء الفراغ النقابي الحاصل في البلاد وتحقيق المطالب الاجتماعية لأصحاب الحقوق وبناء دولة الرعاية الإجتماعية".
ومن ضمن المشاركين في المسيرة تحدث جهاد اسماعيل من اتحاد المقعدين اللبنانيين قائلاً: "نشارك في مسيرة الاحتفال بعيد العمال حتى نطالب بحقوقنا ولكي نطالب بوظائف تليق بنا وبمقدراتنا وكي تطبق 3% بناء للقانون 220/2000 ويتم تطبيق هذه الكوتا فوراً وان تكون الوظائف ليس كما يشاء المسؤولين وانما وفق ما نص القانون".
أما "ألسي" من أثيوبيا فعبرت عن سعادتها بالمشاركة في هذه المسيرة وقالت: "ان الأول من أيار هو عيد لجميع العمال ومنهن العاملات المنزليات. نحن اسسنا نقابة في العام الماضي واتحادنا ضمن هذه النقابة سيعود بالخير علينا في الايام المقبلة".
احتفال للعاملات المنزليات في الحمرا
على ان مسيرة "الحزب الشيوعي" لم تكن الوحيدة التي شهدها الأول من أيار. فقد احتفل قسم آخر من عاملات المنازل في لبنان بعيد العمال، بمسيرة مطلبية انطلقت عند الساعة الثانية عشر ظهراً من كنيسة مار يوسف في مونو، وصولا إلى ساحة كنيسة مار فرنسيس في شارع الحمرا، حيث شاركن بمهرجان ثقافي وسوق تجاري نظمته عاملات من جاليات مختلفة أعضاء في نقابة عاملات الخدمة المنزلية في الاتحاد الوطني لنقابات العمال والمستخدمين بالتعاون مع مجموعة من المنظمات والجمعيات المدنية؛ حركة مناهضة العنصرية، منظمة كفى عنفا واستغلالا، كاريتاس لبنان- مركز الأجانب، مؤسسة إنسان، المركز اللبناني لحقوق الإنسان، مؤسسة عامل الدولية، ومركز المهاجر الافريقي- الآسيوي.
قسمت الباحة الى طاولات فعرضت كل جالية ما يرمز الى بلدها من لباس ومأكل ومشرب فتهافت على المعرض اللبنانييون قبل غيرهم. أما في الوسط فقد وضع مسرح صغير قدمت عليه كل جالية رقصة خاصة ببلدها وسط تصفيق حار من الحضور.
وعن مشاركتها في المعرض قالت ماريتاس من الفيليبين: "نحن كل نهار أحد نقوم ببيع منتجاتنا هنا، وذلك من أجل تحقيق مدخول إضافي لنا. نبيع أطعمة وحلي وملابس خاصة في الفيليبين. كذلك بعض العاملات اللواتي يمنعن من طهي طعامنا الخاص او الخروج من المنزل تأتي صديقاتهن الى هنا ويقمن بشراء الأغراض لهن".
يذكر ان هذا الاحتفال يجري للعام السابع على التوالي، وقد ارادت العاملات هذا العام التشديد على ضرورة "تصديق الدولة اللبنانية على اتفاقية منظمة العمل الدولية رقم 189 المتعلقة بظروف العمل اللائق لعاملات المنازل التي دخلت حيز التنفيذ في 5 أيلول 2013".
وعن مشاركتها بالاحتفال قالت ايتافراويكا من أثيوبيا: "أشارك اليوم بإحتفال عيد العمال للمطالبة بحقوقنا ومنها إلغاء نظام الكفالة. كذلك نريد ان نعيش في هذا البلد مثل باقي الناس ودون عنصرية".
وفي حديث "للمفكرة القانونية" قالت منسقة برنامج عاملات المنازل في "منظمة كفى" ناي الراعي: "لقد اختارت العاملات في هذا العام التركيز على تصديق الدولة اللبنانية على اتفاقية منظمة العمل الدولية رقم 189 المتعلقة بظروف العمل اللائق لعاملات المنازل. فهذه المعاهدة تنظم العمل على نحو تحمي العاملات من الاستغلال والعنف. وعلى سبيل المثال فهي تصر على:
- "ان يكون عملهن بين 8 و10 ساعات في اليوم.
- ان يكون لديهن الحق في الاحتفاظ بجواز سفرهن. وان يكون لديهن غرفة نومهن الخاصة.
- الحق في نهار راحة في الاسبوع وساعات راحة في اليوم.
- الحق في الوصول الى العدالة والمحاكم.
- كذلك تنص هذه المعاهدة على ضرورة مراقبة عمل مكاتب استقدام العاملات.
- المطالب كثيرة ولكن عنوانها الأبرز هو تصديق هذه المعاهدة التي صوتت عليها الحكومة ولكنها لم تصدق عليها ولم تضعها حيز التنفيذ".
ولفتت الراعي الى ان "تصديق لبنان على هذه المعاهدة يلزم الدولة اللبنانية بالكثير من الأمور ومنها تغيير نظام الكفالة والتي هي مشكلة العاملات الأكبر التي تقيدهم بشخص واحد هو صاحب العمل الذي يصبح اسمه موجود على كل أوراقهم الرسمية وبالتالي لا يمكنهم استبداله على نحو شبه مطلق. وهذه العلاقة الحصرية تفتح المجال امام أصحاب العمل نحو انتهاك الكثير من حقوق العاملات. كذلك سيتوجب على الدولة اللبنانية ان تراقب عمل مكاتب استقدام العاملات التي تخضع حالياً للرقابة اللازمة".
وبالسؤال ان كانت "كفى" قد لحظت تحسناً في ظروف عمل ومعيشة العاملات خلال السنوات المنصرمة أجابت: "هناك تحسن ما، الا انه لم يحصل على مستوى سياسات الدولة والأنظمة وهو ما نتطلع لرؤيته. ولكن الذي يحدث ان العاملات بدأن بإكتساب القدرة على التعبير عن انفسهن وأحد الأمثلة أنهن قمن بإنشاء نقابة لهن. بتن يخضن مسيرات تعبر عن مطالبهن. وبات بمقدورهن الكلام عما يحصل معهن وهذا يعد بصيص أمل لهن".
No comments:
Post a Comment