لا تزال عقوبة الاعدام موضع اخذ ورد في ظل تزايد الاعمال الارهابية والقتل بدم بارد، حيث ارتفعت الاصوات في السنوات الماضية بضرورة تطبيق عقوبة الاعدام للمتهمين بقضايا الارهاب، لتقابلها اصوات رافضة لتلك النظرية باعتبار ان الاعدام لا يردع المجرم خصوصاً ان المنظمات المتطرفة تعتبر الموت وسيلة لتطبيق مشروعها والقتل لا يمنعها من تنفيذ عمليات ارهابية اضافية، بل يكون عبر محاربة الافكار المتشددة لا القتل بعد الاعتقال.
لبنان لا يزال من الدول التي جمّدت تطبيق العقوبة من دون إلغائها، ومنح قاضي تنفيذ العقوبات حق تحويل عقوبة الاعدام الى السجن المؤبد… آخر حكم بالإعدام في لبنان نفذ بتاريخ 17 كانون الثاني العام 2004 بحق كل من أحمد منصور شنقا، وبديع حمادة وريمي أنطوان زعتر رميا بالرصاص. حكم الإعدام هذا لم يكن إستثنائيا. فمنذ العام 1943 تمّ تنفيذ 51 حكما بالإعدام في لبنان. وفي كل مرة كان يفتح باب الجدل حول ماهية قرارات الأحكام بالإعدام وما إذا كانت تحد من معدل الجرائم وتثني القاتل عن ارتكاب جريمة قتل. والثابت أن الجدلية ستبقى مفتوحة بين النظرة الدينية والإنسانية والعدالة حتى في حال انضمام لبنان الى الدول التي ألغت عقوبة الإعدام… وعلى رغم مشاريع القوانين المقدمة إلى مجلس النواب لإلغاء قانون الإعدام إلا أنها لا تزال في أدراج المجلس في انتظار طرحها على اللجان المختصة وإقرارها وتحويلها إلى مجلس الوزراء.
مدير البرامج في جمعية "الف" جورج غالي رأى ان في لبنان هناك تعليق لعقوبة الاعدام، فتصدر بعض الاحكام بالاعدام على المتهمين الا انها لا تنفذ، وفي مجلس النواب هناك العديد من القوانين التي قدمت من التحالف الوطني لمناهضة عقوبة الاعدام قبل سنوات ومشروع النائب ايلي كيروز، والوزير السابق ابراهيم النجار، حيث طالبت تلك القوانين بضرورة الغاء عقوبة الاعدام. واللافت بحسب غالي، الاصوات السياسية التي رفضت الاعدام، في مقابل اصوات مع رفع تلك العقوبة ما عدا بعض القضايا كالارهاب مثلاً او التعاون مع اسرائيل، الا ان التغيّر القانوني ليس كافياً بل يتطلب تغيّرا على صعيد المجتمع من خلال الوعي.
60 موقوفا ينتظرون الاعدام
وكشف غالي عن تواجد ما يزيد عن 60 موقوفا في السجون اللبنانية ينتظرون حكم الاعدام من دون تحديد الفترة الزمنية لانتظارهم، ففي الوقت الحالي لا يوجد اعدام ولكن يمكن بعد سنوات ان يتغيّر النظام ويحكمون بالاعدام، بينما يعيشون الآن بانتظار الموت.
ورأى غالي ان الاعدام يخلف ضحية اخرى هي عائلة المحكوم بالاعدام، فيما تنفيذ الاعدام لن يخفف من نسبة الجريمة، فبعض الدول نسبة الاعدام فيها مرتفعة كذلك نسبة الجريمة. فالمسألة تعود الى المجتمع والاعدام لا يردع الجريمة، خصوصاً عند مسألة الارهاب.
وقد ظهر نوع من الصراع بين اتجاهين أساسيين، فريق أول يطالب بإلغاء هذه العقوبة وتحويلها إلى عقوبة بديلة محددة، مؤكدا أن إلغاء عقوبة الإعدام مطلب إنساني قبل أن يكون جزءا من المواثيق الدولية لحقوق الإنسان، وهو من الأمور التي أقرّتها المنظومة الدولية خاصة في البروتوكول الملحق بالعهد الدولي الخاص بحقوق الإنسان.
في المقابل، يرى الفريق الثاني أن إلغاء عقوبة الإعدام يجب أن لا يشمل كافة الجرائم، على اعتبار أن معالجة الظاهرة الإرهابية مثلا من قبل السلطات المختصة تستدعي، في الوقت نفسه، ضمان حقوق الضحايا، وحقهم في الحياة لكونه أسمى حقوق الإنسان.
وشهد العام 2015، حسب المنظمات الحقوقية العالمية، "ارتفاعا كبيرا" في عدد الأشخاص الذين أعدموا، إذ زادت أعداد الإعدامات بأكثر من النصف، بالمقارنة مع سنة 2014، مضيفة أنه تم تسجيل ما لا يقل عن 1998 حالة نفذت فيها هذه العقوبة وهو أعلى رقم منذ سنة 1989.
وعلى الرغم من تزايد عمليات الإعدام خلال السنة الماضية، فثمة توجه دولي نحو إلغاء هذه العقوبة، حيث ألغت أربع دول عقوبة الإعدام بالنسبة لجميع الجرائم كمدغشقر تلتها فيجي، وشطبت دولة سورينام في أميركا الجنوبية عقوبة الإعدام من منظومتها القانونية، كما أقرّت الكونغو دستورا جديدا جعل من عقوبة الإعدام شأنا من الماضي بالنسبة لجميع مواطنيها.
عقوبة الإعدام في القانون اللبناني
في مطالعة للدكتور نادر عبد العزيز شافي اشار فيها الى ان لبنان شهد عدة محاولات لإلغاء عقوبة الإعدام، حيث يوجد منذ العام 2004 اقتراح قانون يرمي إلى إلغاء هذه العقوبة وإبدالها بعقوبة الأشغال الشاقة المؤبدة، ومشروع قانون مماثل من وزير العدل في العام 2008.
وقد صدر قانون تنفيذ العقوبات رقم 463/2002 وجرى تعديله بالقانون رقم 183/2011، وهو بالغ الأهمية كون التعديل منح قاضي تنفيذ العقوبات حق تحويل عقوبة الإعدام إلى السجن، شرط ارتباطها بحسن السلوك والتعويضات الشخصية وإعلام أهل الضحية. وتوصي الخطة الوطنية لحقوق الانسان التي ناقشها البرلمان اللبناني في كانون الأول من العام 2012 الحكومة اللبنانية باعتماد قرار الجمعية ﺍﻟﻌﺎﻣﺔ للأمم المتحدة الرقم ١٤٩/٦٢ ﺑﺸﺄﻥ ﻭقف ﺗﻨﻔيذ ﻋقوبة ﺍلإعدام، ﻭالتصديق ﻋﻠﻰ البروتوكول ﺍلاختياري الثاني للعهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية ﻭﺍلسياسية.
أخذ قانون العقوبات اللبناني الصادر في العام 1943 وتعديلاته بإنزال عقوبة الإعدام على بعض الجرائم الخطيرة جدًا. وفي العام 1994 صدر القانون رقم 302/1994 الذي أنزل عقوبة الإعدام في القتل العمد والدافع السياسي وبمن يقتل إنسانًا قصدًا ومنع منح فاعل الجريمة الأسباب المخففة. لكن هذا القانون ألغي بالقانون الرقم 338/2001، وأعيد العمل بالمادتين 547 و548 عقوبات وهما تعاقبان على القتل القصدي بالأشغال الشاقة الموقتة أو المؤبدة، وليس بالإعدام.
وهناك العديد من المواد في القانون اللبناني التي تتطرق إلى عقوبة الإعدام، ومنها في قانون العقوبات:
- المادة 37 التي تنص على العقوبات الجنائية العادية ومنها الإعدام.
- المادة 43 التي توجب عدم تنفيذ حكم الإعدام إلا بعد استطلاع رأي لجنة العفو وموافقة رئيس الدولة، وتقضي بشنق المحكوم عليه بالإعدام داخل بناية السجن أو في أيّ محل آخر يعيّنه المرسوم المتعلّق بتنفيذ العقوبة. كما تنصّ هذه المادة على حظر تنفيذ الإعدام أيام الآحاد والجمع والأعياد الوطنية أو الدينية، وتأجيل تنفيذ الإعدام بالحامل الى أن تضع حملها.
- المادة 163 التي حدَّدت مدة مرور الزمن على عقوبة الإعدام بخمس وعشرين سنة.
- المادة 198 التي نصت على أنه إذا تحقق القاضي أن للجريمة طابعًا سياسيًا، قضى بالاعتقال المؤبد بدلًا من الإعدام أو الأشغال الشاقة المؤبدة.
- المادتان 200 و201 اللتان نصتا على أنه في محاولة الجريمة تخفّض العقوبات ويمكن أن تُستبدل عقوبة الإعدام بالأشغال الشاقة المؤبدة أو الموقتة.
- المادة 251 التي نصت على الأعذار المخففة فإذا كان الفعل جناية توجب الإعدام حوّلت العقوبة الى الحبس. والمادة 253 المتعلقة بالأسباب المخففة فتقضي المحكمة بدلًا من الإعدام بالأشغال الشاقة المؤبدة أو الموقتة. وكذلك المادة 257 التي نصت على تشديد العقوبة وإنزال الإعدام بدل الأشغال الشاقة المؤبدة. والمادة 258 التي تنص على أنه من حكم عليه بالأشغال الشاقة المؤبدة حكمًا مبرمًا وارتكب جناية أخرى توجب العقوبة نفســها قضي عليه بالإعدام.
كما يقضي القانون اللبناني بالمعاقبة بالإعدام على الجنايات الواقعة على أمن الدولة الخارجي في حالات معينة (المادة 273) وما يليها، وفي الجنايات المرتكبة من الجمعيات غير المشروعة (المادة 336).
- المادة 549 التي تعاقب بالإعدام على القتل قصدًا إذا ارتكب: عمدًا، أو تمهيدًا لجناية أو لجنحة، أو تسهيلًا أو تنفيذًا لها أو تسهيلًا لفرار المحرضين على تلك الجناية أو فاعليها أو المتدخلين فيها أو للحيلولة بينهم وبين العقاب، أو على أحد أصول المجرم أو فروعه، أو في حالة إقدام المجرم على أعمال التعذيب أو الشراسة نحو الأشخاص، أو ضد موظف في أثناء ممارسته وظيفته أو في معرض ممارسته لها أو بسببها، أو ضد انسان بسبب انتمائه الطائفي أو ثأرًا منه لجناية ارتكبها غيره من طائفته أو من أقربائه أو من محازبيه، أو باستعمال المواد المتفجرة، أو من أجل التهرّب من جناية أو جنحة أو لإخفاء معالمها.
وفي ظل الخلافات المحتدمة بين النظريتين تمت المواءمة بين الفكرتين من خلال الإبقاء على النصوص القانونية التي تعاقب بالإعدام على بعض الجرائم البشعة، وعدم تنفيذ هذه العقوبة إلا في حالات محدودة. ويرى هؤلاء أنّ حذف النص القانوني من شأنه إضعاف هيبة السلطة وعمل محاكمها، بينما يتيح الإبقاء على النص معاقبة مرتكبي الجرائم الكبرى أو غير العادية، رغم انه منذ 2004 آخر عملية اعدام تم تنفيذ عشرات الجرائم البشعة والمتعلقة بالارهاب وغيرها من الجرائم التي هزت لبنان الا ان المتهمين ما زالوا خلف القضبان.
Source & Link : Albalad
No comments:
Post a Comment