في الذكرى الـ33 لاعتقال المناضل اللبناني جورج عبد الله في فرنسا، لا يزال هذا المناضل رمزا للتمرد على الظلم، ولا تزال «الفصائل الثورية اللبنانية»، التي كان أحد مؤسسيها، تثير الحنين الى الماضي اليساري النضالي.
ربما كان عمر تلك الحركة من الاقصر عمرا في تاريخ المقاومات اللبنانية، لكنها بقيت لغزا محيرا لسنوات، عجزت اجهزة المخابرات العالمية لا سيما الفرنسية، عن فك رموزه.
وقد كانت ولادتها من رحم الأحزاب اللبنانية والتنظيمات الفلسطينية المقاومة، وضمت المجموعة الأولى عددا من المناضلين الذين حصروا بوصلة عملهم العسكري بالعدو الرئيسي: اسرائيل ومن ورائه الولايات المتحدة.
الرد على الجرائم الاسرائيلية كان من اولويات عمل هذه المجموعة التي وجدت في فرنسا مكاناً ملائماً لتنفيذ عملياتها الامنية ضد قادة العدو الأمنيين والعسكريين.
وكان من الطبيعي أن يحمل توقيت الإعلان عن انطلاقتها الهجوم الأول الذي نفّذته، وقد استهدف يومها رئيس البعثة الأميركية في فرنسا كريستيان تشابمان في 13 تشرين الثاني العام 1981، والذي كتبت له النجاة من محاولة الاغتيال تلك في منطقة Champ de Mars، بعد ان لاحظ أن شابا ذا ملامح شرق أوسطية يتجه نحوه، فسارع الى الانبطاح أرضا والاختباء تحت سيارته متفاديا الرصاصات التي أطلقت عليه.
وأعلنت «مجموعة صالح المصري» انها التي قامت بالعملية، موضحة في بيان صدر في 16 تشرين الثاني من العام نفسه ان «الهجوم هو رسالتنا الأولى الموجهة الى الرئيس الأميركي (الاسبق) رونالد ريغان وزعامته الامبريالية التي تقوم بعملية تدمير منظمة للبنان والتي أعلنت بمناورتها الأخيرة حربا مكشوفة ضد جميع حركات التحرر في العالم».
ولم تتأخر كثيرا الرسالة الثانية والتي تمثلت باغتيال الضابط في الاستخبارات العسكرية الأميركية تشارلز راي الذي كان يشغل آنذاك منصب مساعد الملحق العسكري الأميركي في العاصمة الفرنسية باريس.
ففي 19 كانون الثاني 1982 ، انتظر شاب من «المنظمة» راي خارج شقته في بولفار اميل أوجييه في الدائرة الـ16 في باريس، ولحظة دخوله سيارته أطلق عليه الشاب رصاصة واحدة من مسدس من طراز 7,65 ملم استقرت في مؤخرة صدره فقتل على الفور.
أما الصيد الاثمن، فكان احد قادة جهاز «الموساد» الاسرائيلي في أوروبا ويدعى ياكوف بارسيمانتوف الذي كان يتولى مهمة السكرتير الثاني في السفارة الإسرائيلية في باريس، وكان يعرف في الأوساط الصحافية الغربية بـ «الحذر جدا».
ففي نيسان 1982، أردت شابة سمراء في العشرين من عمرها (اظهر التحقيق الفرنسي في ما بعد انها من افراد «المنظمة الثورية»)، ياكوف بارسيمانتوف، بإطلاق النار عليه أمام مدخل المبنى الذي كان يقطنه، من مسدسها، فأصابته بـ5 رصاصات في عنقه ورأسه، ثم لاذت بالفرار.
ومع حلول 22 آب 1982، فجعت الأجهزة الأمنية الفرنسية بنبأ مقتل اثنين من خبرائها اثناء محاولتهما تعطيل طرد ملغوم أرسلته المجموعة الى المحلق التجاري في السفارة الأميركية في باريس ردوريك غرانت.
وبعد أشهر عدة، وتحديداً في 15 أيلول 1982، تلقت إسرائيل ضربة موجعة جديدة من «الفصائل» التي عملت على زرع عبوة ناسفة في حقيبة دراجة نارية استهدفت سيارة الديبلوماسي الإسرائيلي اموس مانيل في احد الإحياء الباريسية، حيث كان يعمل في مكتب المشتريات الإسرائيلي في فرنسا التابع لوزارة الدفاع الإسرائيلي، الأمر الذي أدى الى مقتله مع اثنين من الموظفين التابعين للمكتب المذكور.
وقد وضعت المنظمة هذه العملية في «سياق الرد الطبيعي على الاجتياح الإسرائيلي للبنان».
هذه النجاحات التي حققتها الفصائل في فترة وجيزة، دفعت بأجهزة الاستخبارات الفرنسية والأميركية والإسرائيلية الى اتخاذ اعلى درجات الحيطة والحذر كما وضعت في حالة استنفار دائم، ما اضطر «الفصائل» الى تغيير تكتيكها الميداني، فوجّهت نشاطها نحو مدن أخرى خصوصا مرسيليا، وذلك عبر تفجير الجناح الأميركي في معرض تجاري كان يقام في المدينة في محاولة لاستهداف القنصل الأميركي.
وفي محاولة لتشتيت أنظار الشرطة الفرنسية، نقلت «الفصائل الثورية» نشاطها العسكري الى مدينة ستراسبورغ. أما الهدف فكان القنصل الأميركي في المدينة ربورت هوم، الذي كتبت له الحياة، بعد تلقيه رصاصات عدة في رأسه وعنقه أثناء توجهه الى عمله عند الثامنة صباحا، من قبل شاب ينتمي الى «المنظمة» نجح على اثرها في الفرار سريعا والتواري عن الأنظار.
لاحقا، أعلنت «المنظمة» في بيان مسؤوليتها عن العملية، ووصفت هوم بأنه معروف جيدا بنشاطه كعضو في وكالة الاستخبارات الأميركية، مشيرة الى «المناورات الامبريالية الفرنسية التي تحاول تغطية التدخل الفرنسي في لبنان».
ولم تكد تمضي فترة وجيزة على محاولة اغتيال هوم، حتى وقع خبر محاولة اغتيال السفير الإسرائيلي في باريس مائير روزين، كالصاعقة على المخابرات الفرنسية، بعد ان استخدمت «الفصائل» أسلوبا تضليليا تمثل بتفخيخ دراجة هوائية وركنها بمحاذاة مفترق طرق يضطر السفير عادة الى التوقف عنده لتأمين سيره. لكن أجهزة التشويش التي كانت داخل سيارة السفير، حالت دون انفجار العبوة الأمر الذي ادى الى فشل عملية الاغتيال.
لكن بدأ نجم «المنظمة» بالأفول مع نجاح السلطات الفرنسية في اعتقال عبد الله في 24 تشرين الثاني العام 1984، في مدينة ليون الفرنسية بتهمة استخدام جواز سفر مزور إيطالي وآخر مصدره مالطا فضلا عن استخدامه لاسم مستعار هو عبد القادر السعدي.
وكان سبق ذلك إلقاء القبض على احد عناصر هذه المجموعة ويدعى عبدالله محمد المنصوري في مدينة تريست الايطالية في آب من العام نفسه، عندما كان ينقل ما بين 7 و8 كيلوغرامات من مادة «سمتكس» الشديدة الانفجار من جمهورية يوغوسلافيا السابقة. تلا ذلك وقوع جوزيفين سركيس، العنصر في «الفصائل»، في شباك الشرطة الايطالية في مطار ليوناردو دافينشي في روما في كانون الاول من العام نفسه أيضا.
وبعد حوالي عام على اعتقال عبد الله ورفاقه، وتحديدا في نيسان من العام 1985، أعلنت وزارة الداخلية الفرنسية ان الاستخبارات أغارت على مخبأ للاسلحة ليتبين لاحقا انه عبارة عن شقة كان يستأجرها شخص لبناني يدعى «ثائر» قرب الشانزليزيه، حيث عثرت على نحو 20 كيلوغراما من المتفجرات وقاذفتي صواريخ ومجموعة مختلفة من الأسلحة بينها مسدس تشيكوسلوفاكي الصنع من عيار 7,65 ملم.
وفي محاولة للضغط على باريس، أقدمت عناصر تابعة لـ «الفصائل» على اختطاف مدير المركز الثقافي الفرنسي في بيروت جيل سيدني بيرول، في 24 آذار 1985 في مدينة طرابلس اللبنانية، وطالبوا بإطلاق رفاقهم المعتقلين. ثم ما لبث ان أطلق سراحه بعد أن تمكن «تنظيم محلي» من تحريره، بعد 10 أيام على احتجازه، أثناء نقله الى قرية في شمال البقاع.
وباعتقال هؤلاء الثلاثة طويت صفحة فاعلة من كتاب الفصائل المقاومة. وبرغم انكفاء «المنظمة»، فقد تحوّل جورج من «معتقل» الى رمز لكل الثائرين على الظلم والتسلط.
يذكر أن رفاق جورج عبدالله اعتصموا، أمس الأول، لمناسبة الذكرى الثالثة والثلاثين لاعتقاله أمام وزارة الخارجية اللبنانية في الأشرفية، وطالبوا الحكومة بتبني قضية عبدالله.
Source & Link : Assafir
No comments:
Post a Comment