النساء في خطوط المواجهة: تمييز جندري بين أهل البيت
ساندي الحايك
توقع «المنتدى الاقتصادي العالمي» (World Economic Forum) في العام 2014 أن تختفي الهوّة بين النساء والرجال في العام 2095. بعد مرور عام، أي مطلع العام 2015، مدد «المنتدى» المهلة إلى العام 2133. التوقعات هذه تكشف أن مسيرة النضال النّسوي لا تزال في بداياتها. وتدفع إلى التساؤل عن جدوى المؤتمرات التي تُعقد وسط قاعات فخمة لبحث «واقع النساء». فتلك الأخيرة، على أهميتها، تبقى قاصرة عن إيجاد حلول واتخاذ قرارات تُسهم في تعزيز مشاركة النساء في الحياة العامة. تماماً، كمؤتمر «نساء على خطوط المواجهة» (Women On the Front Lines ) في دورته الرابعة، الذي نظمته أمس «مؤسسة مي شدياق» برعاية عقيلة رئيس مجلس الوزراء تمام سلام، لمى سلام، وحضور عدد كبير من الرسميين والديبلوماسيين، لمناسبة يوم المرأة العالمي. إذ لم يخرج الأخير بأي توصيات عملية، بل شابه التكرار وإعادة صياغة ما قيل سابقاً.
حاول المؤتمر مناقشة أكثر من مسألة في وقت واحد، فبدا كمن يصطاد في كل وادٍ عصا. عرج بدايةً على «النساء في الشؤون الدولية: مع التركيز على أزمة اللجوء السوري»، حيث أجمعت المشاركات على أن «حضور المرأة في المحافل الدولية لا يزال أدنى من المستوى المطلوب». وأشارت مديرة مركز الأمم المتحدة للإعلام في الشرق الأوسط ومصر سوسن غوشيه إلى أن «الإعلام الغربي بات يهتم بصنع القصة الصحافية أكثر من اهتمامه بصناعة الخبر، ويقدم الدعم على مختلف المستويات للنساء الرائدات، على عكس الإعلام في العالم العربي الذي يخضع لاعتبارات سياسية وعقائدية جمّة».
وأكدت المنسقة الخاصة للأمين العام للأمم المتحدة في لبنان سيغرد كاغ أنه «بعد مرور كل هذا الوقت وكل التطورات التي رافقت البشرية لا نزال نتحدث في كيفية تعزيز دور المرأة والكفّ عن ممارسة التمييز في حقها، بدلاً من أن تكون هذه الأمور من البديهيات في عصرنا»، مشيرةً إلى أنه «إن التفتنا إلى قاعة المؤتمر، فسنجد أن معظم الرجال غادروا المكان بمجرد أن المتحدثات من النساء، وهذا أمر مؤسف للغاية».
وعن وضع المرأة محلياً، رأى وزير الاقتصاد آلان حكيم أن «نسبة مشاركة المرأة في الاقتصاد الوطني مرتفعة ولكنها ليست كافية». فيما أكد وزير الداخلية والبلديات السابق زياد بارود أن «مشاركة النساء في الحياة العامة في لبنان مقارنة مع النسب العالمية وحتى العربية ضعيفة جداً»، مشيراً إلى أن «تعزيز دور المرأة يبدأ بالكوتا النسائية ويمر باعتماد النسبية في الانتخابات وصولاً إلى إقرار الزواج المدني».
ومع استضافة المؤتمر مذيعة الأخبار ومقدمة البرامج في قناة «سي أن أن» بيكيه أندرسون، التي حاورتها الإعلامية بولا يعقوبيان، تحوّل عن هدفه في عرض أوضاع النساء للحديث عن وضع الإعلام ومستقبله. وخلال النقاش مرت الإعلاميتان عابراً على كيف أن «الإعلام يكون مجحفاً في كثير من الأوقات بحق النساء، ولا سيما في العالم العربي».
ثم عاد المؤتمر للتركيز على سيَر نجاح لسيدات رائدات. فقدمت المديرة العامة لشركة «أوبتيموم تيليكوم» غادة جبارة سرداً تفصيلياً عن حياتها العملية. إلا أن مفهوم «الريادة» بات مبتوراً بعدما اختصرته الإعلامية مي شدياق بـ «الأصهرة». فبنظر شدياق ان «المرأة اللبنانية عندما تتحيّن لها الفرصة تحقق الإبداعات، وإن لم تكن هي شخصياً في الواجهة، فهي تحفز شريكَها على التقدم، إذ بات لبنان يحكُم معظم العالم بفضل الأصهرة»، مشيرةً إلى أنه «بعد رولا سعادة زوجة الرئيس الأفغاني أشرف غني، كان دور أمل علم الدين زوجة جورج كلوني، ثم سابين غانم التي اقترنت بالملياردير جوزف Getty Josep صاحب وكالة Getty Images العالمية للصور، بعدها، جوليانا عواضة زوجة الرئيس الأرجنتيني الجديد ماوريسيو ماكري، فلينا الأشقر زوجة رئيس الـ FIFA الجديد Gianni Infantino». هنا نالت شدياق من نضالات النسوة، باعتبارها أن زواج المرأة ريادة، وأنها إذا تزوجت من «ملياردير» أو رجل ذي شأن، تكون قد حققت إنجازاً يستحق التصفيق! في حين أن ربط تحقيق المرأة لكينونتها بالزواج مفهوم ذكوري شعبوي تكافح الكثير من النساء في سبيل نزعه من الأذهان.
وتبقى المرأة الخاسر الأكبر في حروب الرجال. وعكست شهادات أربع نساء خسرن أبناءهن في الحرب السورية حجم معاناتهن. الفرنسية فيرونيك روي بورين وصفت ولدها بدقة متناهية: «حنطي البشرة، شعره أشقر، ولون عينيه كلون عينيَّ تماماً. يشبهني كثيراً». تسرد قصتها بتأثر كبير، وتكشف أن ابنها قرر فجأة اعتناق الإسلام. «وعلى الرغم من أن الأمر كان صادماً، إلا أننا لم نعارضه ولم نعامله على أنه (غريب)».
تتابع بورين: «شيئاً فشيئاً بدأ سلوك الولد يتبدل، يتحول تحولاً ملحوظاً، إلى أن بات متعصباً جداً. كان أخوه الأكبر وأبوه يرددان على مسمعي أن الأمر مجرد تغيّر مؤقت، وسوف يعود الشاب إلى سابق عهده».
حاولت بورين الاقتراب من ولدها عبر الاطلاع على الدين الإسلامي، إلا أنه في العام 2014 غادر في رحلة عمل مع شركة «أوبر» (شركة سيارات أجرة) من دون أن يصل العائلة أي أخبار عنه. بعدها، تلقت بورين اتصالاً من ولدها يعلمها فيه أنه غادر فرنسا إلى الشرق الأوسط لمساعدة الناس هناك، متمنياً أن تفهم حقيقة ما يناضل من أجله. وتكشف أنه «بعد وقوع أحداث باريس، ساورنا قلق كبير، معتقدين أن لابني علاقة بالأمر. لكننا تلقينا مطلع العام الحالي رسالة على تطبيق (واتس آب) علمنا من خلالها أنه قُتل أثناء قتاله إلى جانب المجموعات المسلحة في سوريا».
إلى جانبها تجلس نزيهة بلجيد. تُعدّل السيدة حجاب رأسها وتمضي متحدثة عن ابنها البكر محمد. كان ابن الـ26 من العمر يعمل طاهياً في أحد مطاعم تونس. يُعيل العائلة ويشرف على تعليم شقيقاته الثلاث الأصغر سناً، سميرة وأمل ومفيدة، فضلاً عن أنه يدّخر الأموال لكي يتمكن من عقد قرانه. بحسب بلجيد سافر محمد في العام 2013 إلى ليبيا بعدما مضى عقد عمل مع أحد المطاعم هناك، إلا أنه مرّ 20 يوماً من دون أن يتواصل مع ذويه. وتكشف والدته أنه «بعد فترة وجيزة جاءني اتصال من رقم مجهول أعلمني أن محمد قُتل أثناء قتاله إلى جانب تنظيم (داعش) في سوريا».
الحضور الذي غلب عليه الطابع النسائي تفاعل تفاعلاً غير مسبوق مع قصص السيدات، ولا سيما أنهن جسدن آلام آلاف النساء في العالم العربي. إلا أن النقاش اكتفى بالشق السردي، ولم يتطرق إلى أصل المشكلة ولم يبحث في دور المرأة بحماية عائلتها ومكافحة انزلاق الشباب إلى آفة الإرهاب الاجتماعي.
No comments:
Post a Comment