الثلثاء 29 كانون الثاني 2008 العدد – 437
محليات
في أرض المعركة أشلاء كثيرة
بسام القنطار
أثار حديث السيد حسن نصر الله عن الأشلاء ردود فعل عديدة، أعادت إلى الواجهة طرح موضوع الأسرى ورفات الشهداء إلى الواجهة. في ما يلي إضاءة سريعة على تطوّر التعامل مع هذا الملف من جانب الطرفين
انضمّت عائلتا الجنديين الإسرائيليين موشيه نيسان ورون مشيح وثماني عائلات أخرى إلى قائمة «الانتظار» على لائحة الأسرى الاسرائيليين، بعدما كثر الحديث في الأيام الأخيرة عن احتمال أن تكون أشلاء أبنائهم قد تُركت في أرض المعارك خلال المواجهات القاسية التي خيضت مع مقاتلي حزب الله على امتداد القرى الجنوبية الحدودية في عدوان تموز 2006.
وكان للتفاصيل التي أدلى بها الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصرالله في خطاب عاشوراء عن وجود أشلاء لجنود إسرائيليين في قبضة المقاومة وقع الصاعقة داخل المؤسستين العسكرية والسياسية في إسرائيل.
ومن المتوقع أن يتصاعد الضغط الذي ستمارسه عائلات هؤلاء الجنود على الحكومة الإسرائيلية، والذي سيضاف إلى ضغوط عائلتي الجنديين الإسرائيليين المحتجزين لدى الحزب منذ 12 تموز 2006 أيهود غولدفاسر والداد رغيف. سيناريو الضغط هذا ليس بجديد على عائلات الجنود القتلى، الذين بقيت أشلاؤهم في أرض المعركة. فقد سبق لعائلة الجندي التابع للوحدة البحرية «شييطت» إيتمار إيليا الذي بقيت أشلاؤه في أرض المعركة مع أشلاء عدد من الجنود والضباط بعد كمين أنصارية عام 1997 أن مارست ضغطاً كبيراً على الحكومة الإسرائيلية برئاسة بنيامين نتنياهو آنذاك.
يراهن الإعلام الإسرائيلي على «برودة أعصاب» عائلات الجنود الذين لولا الرقابة العسكرية الصارمة لقالوا أكثر بكثير مما سُمح لهم بأن يقولوه بعد خطاب نصر الله. عامل آخر أسهم في تخفيف رد الفعل الأولي لدى العائلات هو أن صور الأشلاء لم تعرض على خلاف بقايا رأس إيتمار إيليا التي وُجدت في أرض المعركة وصوّرتها وسائل الإعلام.
صور الأشلاء؟
وقد أثار إعلان «الأخبار» امتلاكها نسخة من صور هذه الأشلاء وامتناعها عن نشرها لأسباب إنسانية اهتماماً غير مسبوق من جانب الإعلام الإسرائيلي. وراوحت التعليقات بين تكذيب الخبر والاستخفاف به وصولاً إلى حد اعتباره إشارة إضافية للحرب النفسية التي يخوضها حزب الله.
ولقد دأبت قناة المنار، بعد إلقاء السيد نصر الله خطابه، على بث مقاطع منه مع ترجمات باللغة العبرية تركّز على فكرة إخفاء الجيش الإسرائيلي المعلومات المتعلقة بالأشلاء. ومن غير المعلوم إلى أين سيتجه المسار التصاعدي لهذه الحرب النفسية التي عادة ما يتولاها قسم «الإعلام الحربي» في حزب الله، علماً أن قرار عرض صور الأشلاء يرتبط بشكل أساسي بمسار التفاوض والنتائج التي يمكن أن يتم التوصل إليها.
جثث في ثلاجات
أظهرت عملية فحص رفات الجنود الإسرائيليين آدي أفيتام وبيني أفراهام وعمر سواعد في مطار فرانكفورت في ألمانيا من جانب الحاخامات العسكريين في الجيش الإسرائيلي، قبيل ساعات من إتمام صفقة التبادل في 29 كانون الثاني 2004، أن حزب الله استطاع الاحتفاظ بجثث هؤلاء طوال أربع سنوات من التفاوض بطريقة تقنية متقدمة.
وفيما تبقى آلية الاحتفاظ بهذه الأشلاء وأماكن الاحتفاظ بها سرّاً من أسرار المقاومة التي يتم التحفظ بشكل كامل عن إعلانها، فإن التصريحات الإسرائيلية عقب تبادل عام 2004 لمّحت إلى أن جثث الجنود كان تحتفظ بكامل ملامحها، ما يشير إلى أن حزب الله قام بعملية تحنيط هذه الجثث والاحتفاظ بها في ثلاجات خاصة تمنع تآكلها وتحلّلها.
«مقابر الأرقام» مبعثرة
تطورت آلية تعاطي الجيش الإسرائيلي مع الجثث والأشلاء المحتجزة لمقاومين لبنانيين وفلسطينيين وعرب على امتداد سنوات الصراع. وليست المقابر الجماعية للجنود المصريين في سيناء سوى دليل قاطع على اللامبالاة الإسرائيلية في تلك الفترة بالاحتفاظ بالجثث بغرض مبادلتها.
وتفيد آخر الإحصاءات إلى أن عدد الشهداء الفلسطينيين والعرب المحتجزين لدى إسرائيل يزيد على 250 شهيداً، يحتجزهم الجيش الإسرائيلي في مقابر الأرقام، وفي أوضاع مهينة دينياً وأخلاقياً.
ولقد جرت في السابق العديد من المطالبات من جانب منظمات حقوقية لرفع دعاوى على الحكومة الإسرائيلية لاستعادة جثث الشهداء لدفنها في أماكن سكنها، مطالبين بتحرّك دولي للكشف عن مقابر الأرقام السرية التي فيها الشهداء، لكونها تفتقر إلى الحد الأدنى من المقومات اللائقة دينياً وإنسانياً، وخاصة أن الكلاب الشاردة تجول في هذه المقابر وتنهش الجثث، إضافة إلى تعرضها للإغراق بسيول الشتاء.
وأثمرت جهود الفلسطينيين داخل أراضي عام 1948 المهتمين بقضية الشهداء، الى الكشف عن أربع مقابر تحتجز فيها سلطات الاحتلال أجساد الاستشهاديين، وهذه المقابر أقامتها إسرائيل منذ عقود لدفن الشهداء المجهولين، أو شهداء الأرقام، وقد أطلق على المقابر والشهداء (الأرقام) لأن سلطات الاحتلال ترقّم جثامين الشهداء وتحتفظ بأسماء الشهداء والأرقام التي تسجل على جثامينهم في سجلات سرية داخل وزارة الدفاع.
وتتوزع هذه المقابر في أنحاء متفرقة من الأراضي الفلسطينية، إذ تقع إحداها بجوار قرية «فصايل» والثانية قرب منطقة «الجفتلك» في غور الأردن، أما الثالثة، ففي قرية «وادي الحمام» قرب بحيرة طبريا، وبالتحديد في سفح الجبل الذي شهد معركة حطين، فيما تقع الرابعة في منطقة عسكرية عند ملتقى حدود فلسطين ولبنان وسوريا. ويحيط الاحتلال الإسرائيلي هذه المقابر بنوع من السرية والكتمان، إلا أنه نتيجة الجهود المضنية جرى الكشف عن اثنتين منها بشكل رسمي.
وتقع مقبرة «جسر بنات يعقوب» في منطقة عسكرية عند ملتقى حدود فلسطين ولبنان وسوريا، وهي تضم رفات مئات الشهداء الفلسطينيين واللبنانيين الذين قتلوا في حرب 1982، وليس فيها ما يدل على هويات الشهداء سوى لوحات معدنية تحمل أرقاماً أكلها الصدأ وتناثرت على جوانب قبور لا فواصل بينها. وكان الراحل أحمد حبيب الله رئيس «جمعية أصدقاء المعتقل والسجين» في الناصرة أول من كشف النقاب عن هذه المقبرة، وأطلق عليها اسم «مقبرة شهداء الأرقام». ونقل حبيب الله عن أحد رعاة الغنم الفلسطينيين أنه شاهد عناصر من جيش الاحتلال عام 1982 يدفنون مئات الشهداء في مدافن جماعية داخل مقبرة «جسر بنات يعقوب»، وأشار إلى أن احتجاجاً قدّمه سكان المستوطنات اليهودية إلى الحكومة آنذاك ـــــ بسبب الروائح التي كانت تنبعث من تلك الجثث المتفسخة.
ورغم أن كثيرين أشاروا إلى تخوفهم من سرقة أعضاء الشهداء حين تُحتجز، فإنه لم تتبلور تحقيقات جدية بعد لأجل كشف هذه الأفعال. وتمكنت «جمعية القانون» في رام الله من توثيق حالة واحدة في منطقة طولكرم، اتّضح فيها قيام سلطات الاحتلال بسرقة أعضاء من جسد شهيد.
القائمة اللبنانية
فتحت عملية استعادة رفات الشهيدين سامر نجم ومحمد عسيلي في 15 تشرين الأول 2007 التكهنات بشأن عدد المقاومين الذين لا تزال إسرائيل تحتفظ برفاتهم قبل حرب تموز 2006 وبعدها. ويعكس تضارب المعلومات بشأن هوية الجثمانين المستعادين مقابل تسلم إسرائيل جثة المستوطن الإثيوبي من يهود الفالاشا غابريال دهويت عدم اهتمام إسرائيل بالتقصي الدقيق عن هوية كل جثة على حدة، حيث أفادت المعلومات الأولية التي تناقلتها وسائل الإعلام في حينها أن الجثتين تعودان إلى الشهيدين علي الوزواز ومحمد دمشق.
وبحسب مصادر متابعة لملف الأسرى، لا تزال إسرائيل تحتفظ بعشرات الجثث العائدة إلى مقاومين ومدنيين لبنانيين تعود فترات احتجازهم إلى مراحل متعاقبة بينهم 8 شهداء في عدوان تموز 2006 استعيد اثنان منهم في عملية التبادل الأخيرة.
المفقودون أحياء؟
في ذمّة إسرائيل العديد من المفقودين وعلى رأسهم الأسير يحيى سكاف من المنية. وهو وقع في الأسر في 11/3/1978 أثناء تنفيذ عملية استشهادية بقيادة الشهيدة دلال المغربي بين حيفا وتل أبيب، وما زالت قوات الاحتلال تنكر وجوده رغم أن الصور تظهر وزير الدفاع الحالي ايهود باراك والرائد في الجيش الإسرائيلي في حينها يمسك بجثمان الشهيدة المغربي بعدما تمّت السيطرة على أرض المعركة. وإذا كذبت التوقعات التي تشير إلى أن سكاف لا يزال حياً يرزق في السجون الإسرائيلية، فإنه يمكن اعتبار تمنّع إسرائيل عن كشف مصير سكاف رغم المطالبات الملحة من جانب حزب الله خصوصاً في تبادل عام 2004، أحد الأدّلة التي تدلّ على إهمال السلطات الإسرائيلية في تلك الفترة (1978) الاحتفاظ اللائق بجثامين الشهداء ومعرفة أماكن دفنهم، واحتمال أن يكون سكاف واحداً من هؤلاء.
وفي 23 تشرين الأول 2005 اختفت آثار الصياد محمد عادل فرّان (21 عاماً) من مدينة صور، قبالة شاطئ الناقورة. وبعد أربعة أيام، سلّمت إسرائيل إلى قوات الطوارئ زورقه (موهانا) الذي عثر عليه في نهاريا وعليه آثار دماء، ومصاباً بطلقات نارية عدة من سلاح رشاش، وأعلنت إسرائيل أنها لا تعرف شيئاً عن محمد الذي لم يلفظ البحر جثته حتى الآن، لذا، فإن أسرة فران، إضافة إلى كل الأطراف اللبنانية المعنية، تتّهم إسرائيل بخطف محمد.
يذكر أنه في مثل هذا اليوم، قبل أربعة أعوام، أطلق السيد حسن نصر الله «يوم الحرية»، الذي مثّل واحدة من أبرز محطات تحرير الأسرى وجثث الشهداء من السجون الإسرائيلية. فهل يقترب «حزب الله» من تحقيق إنجاز جديد؟
ضابط اسرائيلي يشرف على تسلم جثة المستوطن غابريال دهويت (أرشيف - أ ف ب)
إسرائيل لم تستعد سوى توابيت
رغم أن ردّة الفعل الأولى لدى القيادة السياسية في إسرائيل كانت الاعتراف بوجود أشلاء لجنودها في قبضة «حزب الله» ورفض التفاوض عليها، إلا أنّ التجارب السابقة تبرهن أن الغالبية العظمى من الأثمان التي دفعتها إسرائيل في عمليات التبادل التي جرت مع «حزب الله» كانت مقابل جثث وأشلاء. يشذّ عن هذه القاعدة العقيد في الاحتياط إلحنان تنينباوم الذي لم يؤسَر في أرض المعركة واقتيد في سياق عملية أمنية معقدة إلى لبنان عن طريق مطار بيروت.
عملية التبادل الأولى بين الطرفين كانت عام 1991، وقد جرت على مرحلتين. تمّت الأولى في 21 كانون الثاني وأفرجت إسرائيل بموجبها عن 25 معتقلاً من معتقل الخيام بينهم امرأتان، والثانية بتاريخ 21 أيلول أفرج خلالها عن 51 معتقلاً من معتقل الخيام مقابل استعادتها جثة جندي إسرائيلي كانت محتجزة لدى الحزب.
وفي 21 تموز 1996 استعادت إسرائيل رفات الجنديين يوسف بينيك ورحاميم الشيخ وأفرجت في المقابل عن رفات 132 لبنانياً استشهدوا في اشتباكات مع القوات الإسرائيلية. كما أطلق حزب الله سراح 17 جندياً من ميليشيا أنطوان لحد فيما أطلق الأخير سراح 45 معتقلاً من معتقل الخيام، وقد تمت العملية بوساطة ألمانية.
وفي 26 حزيران 1998 أعادت إسرائيل 40 جثة لشهداء لبنانيين وأطلقت سراح 60 معتقلاً لبنانياً منهم 10 معتقلين كانوا محتجزين في السجون الإسرائيلية في فلسطين المحتلة و50 آخرون من سجن الخيام. وقد أخرجت جثث 38 شهيداً من المقابر وجثتان من مشرحة أبو كبير إحداهما جثة الشهيد هادي نصر الله. في المقابل سلّم حزب الله رفات الرقيب إيتامار إيليا وبقايا أشلاء 11 ضابطاً وجندياً إسرائيلياً آخرين من الكوماندوس البحري كانوا قد وقعوا في كمين محكم نصبه حزب الله في بلدة أنصارية.
وفي عام 2003 أفرجت إسرائيل عن رفات عنصرين من حزب الله هما عمار حسين حمود وغسان زعتر مقابل السماح للوسيط الألماني بزيارة تنينباوم المحتجز لدى الحزب.
وفي 29 كانون الثاني 2004 جرت الصفقة الأكبر عبر الوسيط الألماني، وأفرجت إسرائيل بموجبها عن 462 معتقلاً فلسطينياً ولبنانياً منهم 30 أسيراً عربياً وهم 24 لبنانياً و6 أسرى عرب من جنسيات مختلفة كما أعادت جثث 59 مواطناً لبنانياً. كما أُفرج بموجبها عن31 فلسطينياً من الضفة الغربية وقطاع غزة. في المقابل أفرج حزب الله عن تنينباوم ورفات 3 جنود إسرائيليين هم آدي أفيتام وبيني أفراهام وعمر سواعد الذين أسروا في تشرين الأول عام 2000 في عملية جرت في مزارع شبعا.
وفي 15 تشرين الأول 2007 ووسط تكتم غير مسبوق من جانب الطرفين، أنجزت عملية تبادل سلّمت خلالها إسرائيل الأسير حسن نعيم عقيل المعتقل منذ عدوان تموز 2006، وجثماني شهيدين للمقاومة هما سامر نجم ومحمد عسيلي، مقابل تسلمها جثة المستوطن الأثيوبي من يهود الفلاشا غابريال دهويت الذي كان يعمل صياداً وفقد قبالة شاطئ حيفا بتاريخ 20/1/2005 وعثر عليه حزب الله قبالة الشاطئ اللبناني.
No comments:
Post a Comment