على مقربة من خيمة أهالي المفقودين والمخفيين قسراً، وقفت مجموعة من «المحاربين» القدامى ليعلنوا نيّتهم «مدّ اليد لأهالي الضحايا والمخفيين قسراً» من أجل كشف مصير الغائبين من أبنائهم. مقاتلون حموا في ما مضى خطوط تماس الحرب واستحالوا اليوم محاربين من أجل السلام ولكشف مصير من ساهموا هم أنفسهم في إخفائهم
راجانا حمية
زياد صعب. أسعد شفتري. فؤاد الديراني. بدري أبو دياب. (…). أربعة مقاتلين، عاشوا عبث الحرب الأهلية. قاتلوا عند خطوط تماسها وقَتَلوا أيضاً. لهم ذاكرة طويلة عن الحرب التي ساقت عشرات آلاف القتلى.
لكلّ منهم «رتبة» ساهمت بشكلٍ أو بآخر في ذلك الموت المجاني. صعب، الذي كان مسؤولاً للقوات المركزية في الحزب الشيوعي اللبناني، والذي حارب «الآخر»، انطلاقاً من «الإدعاء بامتلاك الحقيقة المطلقة»، نائب رئيس جهاز الأمن والإستخبارات في القوات اللبنانية شفتري الذي ساق العشرات بيديه إلى الموت، ووقف بعد سنواتٍ على كلّ هذا، معتذراً من أهالي الضحايا، وأبو دياب والديراني وغيرهم كثر ممن كانوا «هناك». والـ«هناك» هي هذه الفترة القاتمة التي لا يزال بابها مشرّعاً على سبعة عشر ألف مفقود. أمس، وقف المحاربون القدامى، الذين استحالوا اليوم «محاربون من أجل السلام» أمام خيمة أهالي المفقودين والمخفيين قسراً، الفارغة إلا من صور من راحوا، مطالبين الحكومة اللبنانية بتشكيل «هيئة للحقيقة والإنصاف كمؤسسة وطنية من أجل معالجة جذرية لملف المفقودين في لبنان على غرار ما حصل في الكثير من البلدان»، يقول صعب، ممثلاً هذه المرّة جمعية «المحاربون» من أجل السلام. هذه الدعوة التي ستليها، دون شك، دعوات وخطوات أخرى، على ما يقول «المحاربون» الجدد الذين باتوا اليوم خمسة وعشرين، منها مثلاً دعوة مقاتلين شاركوا في الحرب وشهوداً عاينوا أو سمعوا، مباشرة أو بالتوارد، للمشاركة في «جلاء الغموض وكشف أكبر قدر من الحقائق عن هذه القضية من خلال الإدلاء بما يملكون من معلومات»، قبل التوصّل إلى «يومٍ وطني للإعتذار من أهالي المفقودين والمخفيين قسراً».
دعوة لـ«تطراية» القلوب تأتي بعد 39 عاماً على الجرح
هي دعوة لـ«تطراية» القلوب، على ما يقول شفتري، تأتي بعد 39 عاماً على الجرح المفتوح. يأمل هؤلاء أن تحمل الدعوة الكثيرين على «التوبة» ونبش ما في حوزتهم من معلومات. ولكن، لمن ستعطى هذه المعلومات؟ يجيب صعب لـ «اللجنة التي ندعو لتشكيلها». هذا الجواب يعيد الكثيرين إلى حكاية مشروع القانون العالق منذ ثلاث سنوات في أدراج المجلس النيابي، وهو الذي انتقل تحت «ضغط» أهالي المفقودين من لجنة حقوق الإنسان إلى لجنة الإدارة والعدل، فيما لا يزال أمامه طريق طويل قبل الوصول إلى الهيئة العامة للبت بمصيره، إما إقراره أو طمسه. في هذا المشروع، ثمة بند يتعلّق بتشكيل الهيئة الوطنية لكشف مصير المفقودين والمخفيين قسراً، والتي من المفترض أن تصبح الجهة الرسمية التي تصبّ عندها كافة المعلومات من المقاتلين والشهود وغيرهم. ودعوة المحاربين للجنة مماثلة سينتظر بلا شكّ قيام الدولة بواجباتها، ولكنها إلى الآن غائبة. وما يجري في هذا الملف هو صنيع مبادرات فردية أو دولية، منها مثلاً مبادرة الصليب الأحمر الدولي لجمع العينات البيولوجية من أهالي المفقودين تمهيداً لحفظها وتسليمها في وقتٍ لاحق للهيئة الوطنية المفترضة للكشف عن مصير المفقودين.
مع ذلك، يقوم هؤلاء الذين يحاربون اليوم من أجل السلام بأقلّ الواجب. صحيح أنهم ليسوا «كل الحرب الأهلية»، على ما يقول صعب، ولكنّهم جزء منها ويملكون معلومات قد تسهم بشكلٍ أو بآخر بكشف مصير الكثيرين... اللهم فيما لو اعتبرت الدولة أن هذه القضية قضيّتها. وهو ما لا يحصل إلى الآن. والدليل؟ باب الخيمة الموصد على عشرات صور المفقودين... وصور الأمهات اللواتي رحلن، حاملاتٍ كل هذا الوجع.
يمكنكم متابعة الكاتب عبر تويتر
Source & Link : Al Akhbar
No comments:
Post a Comment