أخيراً، تحرّكت النيابة العامة التمييزية، وقدمت طلباً، أمس، لنقض الحكم «غير العادل» الصادر بحق قاتل منال عاصي، وذلك بعد تقاعس النيابة العامة الاستئنافية عن أداء واجباتها في المهلة المحددة لها في غضون شهر من صدور الحكم عن محكمة الجنايات في تموز الماضي، والذي منح المجرم «العذر المخفف» وخفض عقوبة قتل زوجته إلى 5 سنوات فقط. يجمع الحقوقيون على أن «فداحة» هذا الحكم هي التي دفعت النيابة العامة التمييزية إلى التحرّك لدرء خطر تكريس هذا النوع من «القرارات الخطيرة»
هديل فرفور
تقدّم المُدعي العام التمييزي القاضي سمير حمّود، أمس، بطلب من محكمة التمييز الجزائية من أجل نقض القرار الصادر عن محكمة الجنايات في بيروت برئاسة القاضية هيلانة اسكندر، والمُتعلّق بقضية مقتل منال عاصي.
وكانت القاضية اسكندر قد أصدرت في 14 تموز الماضي قراراً يقضي بتخفيف عقوبة القاتل محمد النحيلي، زوج الضحية منال عاصي، من حكم الإعدام الى الحبس لمدة 5 سنوات (ضمنها فترة توقيفه منذ سنتين، علماً بأن السنة السجنية هي 9 أشهر)، مُستندة الى المادة 252 من قانون العقوبات اللبناني، التي تمنح مرتكب الجريمة العُذر المُخفّف «إذا أقدم عليها بثورة غضب شديد ناتج من عمل غير محق وعلى جانب من الخطورة أتاه المجنى عليه». حينها اعتبر بعض الحقوقيين والقانونيين أن قرار القاضية اسكندر أحيا ما يُعرف بـ»جرائم الشرف»، وأغفل المعطيات الجرمية الموثقة التي تستدعي التشدّد في عقوبة النحيلي.
يُشير القاضي حمّود في اتصال مع «الأخبار»، الى أن محكمة الجنايات أخطأت في تفسير وتطبيق المادة 252 من قانون العقوبات. ويلفت طلب النقض الى الخطأ القانوني الذي وقعت فيه القاضية في تطبيق المادة وذلك سنداً إلى الفقرة «ب» من المادة 196 من قانون أصول المحاكمات الجزائية. وتنصّ هذه المادة على أنه في حال «ثبت للقاضي المنفرد أن الجنحة المُدعى بها مكتملة الأركان وأن الأدلّة كافية على توافر الصلة السببية بينها وبين فعل المُدّعى عليه، فيُثبتها ويُحدّد المواد المُطبّقة عليها ويحكم بإدانة المُدعّى عليه وبالعقوبة المنصوص عليها (..)».
يرى حمّود أن
الحكم أخطأ في
تفسير المادة 252
وطلب القاضي حمّود تجريم المطلوب النقض ضدّه محمد النحيلي بجناية المادة 549، الفقرة ب (عقوبة الإعدام في حالة إقدام المُجرم على أعمال التعذيب والشراسة نحو الأشخاص)، معطوفة على المادة 189.
تقول المحامية منار زعيتر إن أهمية طلب النقض تكمن في إقراره بالخطأ القانوني الذي يُرسيه الحكم، «فهو اجتهد في تحديد العمل غير المُحق للضحية، من دون أن يلحظ القانون نفسه الشروط الواجب توافرها كي يُعتبر ما تُقدم عليه الضحية سبباً كافياً لمنح الجاني العذر المخفف»، مُشيرةً الى أن هذا الأمر من شأنه أن يُشكل «ضمانة» من أجل عدم استخدام المادة 252 كذريعة تُبرّر جرائم الشرف.
يقول القاضي حمّود إن محكمة التمييز الجزائية حالياً أمام خيارين: إمّا أن تقبل الطلب وبالتالي تعاد المحاكمة، وإما أن ترفض الطلب، فيما تُشير زعيتر الى أن محكمة التمييز، سواء قبلت الطلب أو لم تقبله، مُطالبة بتقديم اجتهاد نوعي يشرح معنى «الغضب الشديد» وصحة اعتماده كذريعة لتخفيف الحُكم. وتُضيف زعيتر في هذا الصدد: القاضية أعطت لنفسها حق توصيف ما قامت به الضحية بأنه عمل على جانب من الخطورة انطلاقاً من خلفيات اجتماعية ذكورية.
أن يُقدم المُدعي العام التمييزي على نقض حكم صادر عن محكمة الجنايات فهو أمر ليس «مألوفا»، بحسب زعيتر، التي ترى في الضغط الذي مارسته الحركات النسوية عاملاً مهماً في إصدار الحكم، «لكنّ السبب الأساسي يكمن في كون الحكم صادماً بحدّ ذاته»، مُشيرة الى أن القاضي حمّود «لا يريد أن يُكرّس أحكاماً ذكورية».
هذا الكلام يتوافق وما تقوله المسؤولة الإعلامية في منظمة كفى عنفاً واستغلالاً مايا عمّار التي تقول إنه «لم يسبق للمدعي العام التمييزي أن يطلب نقض حكم لم تنقضه محكمة الاستئناف»، مُعتبرةً أن «الثغرة القانونية الفادحة التي يرسيها الحكم هي الدافع لنقضه»، ولافتةً الى أن «القاضي حمّود لا يريد أن يُرسّخ هذا النوع من المخالفات الخطيرة على حقوق النساء». وتختم عمّار بالقول إن طلب نقض القرار هو «جواب على القاضية اسكندر الذي وجب أن تكون السبّاقة في الحفاظ على حقوق النساء».
يمكنكم متابعة الكاتب عبر تويتر |
Source & Link : Al Akhbar
No comments:
Post a Comment