The Lebanese Center for Human Rights (CLDH) is a local non-profit, non-partisan Lebanese human rights organization in Beirut that was established by the Franco-Lebanese Movement SOLIDA (Support for Lebanese Detained Arbitrarily) in 2006. SOLIDA has been active since 1996 in the struggle against arbitrary detention, enforced disappearance and the impunity of those perpetrating gross human violations.

Search This Blog

March 8, 2017

Al Akhbar- The International Women’s Day, March 08 , 2017

لا بشاعة الجريمة ولا هوية مرتكبيها عزّزت من مكانة قضايا قتل النساء في ميزان القضاء. صحيح أنّ بعض القرارات القضائية حملت معها أملاً، إلا أنّها لم تجعل ذلك التوجّه، الذي كان في الغالب يحمل بصمات قاضٍ بعينه، مساراً عاماً يمكن البناء عليه. لا يزال الطريق طويلاً... إذا ما أخذنا في الاعتبار «ذكورية» المشرعين والقضاة الممسوسين بعادات العشائر وتقاليدها
راجانا حمية
مطلع العام الحالي، ردّ قاضي محكمة التمييز، جوزف سماحة، «طلب التمييز المقدّم من زوج الضحية رولا يعقوب إلى محكمة الجنايات في الشمال بجناية التسبّب بالموت».
جاء ذلك بعد أربع سنوات على مقتل رولا، أي بعد مسار طويل تخللته تبرئة زوجها (ك.ب.) المشتبه فيه بالقتل ومنع المحاكمة عنه وثم إعادة اتهامه وفتح المحاكمة من جديد. مسار مضنٍ يوضح نقص «العدالة» في قضايا قتل النساء من قبل ذكور عائلاتهن.
رد طلب الزوج فتح كوة الأمل من جديد أمام النساء المقهورات، ولكنه يبقى رداً ناقصاً، في انتظار القرار الذي ستصدره محكمة الجنايات، التي يفترض أن تستمع إلى «المتهم» في منتصف أيار (مايو) المقبل.
رولا، الأم التي سبحت بدمها على مرأى من بناتها الخمس، بقي دمها حتى الآن في رقبة القضاء. برغم بشاعة الجريمة التي أودت بعمرها وصارت معها قضيّة رأي عام، إلا أن ذلك لم يغيّر الكثير. فملفّ رولا القضائي بقي مبعثراً بين ملفات محكمة الجنايات في الشمال أشهراً، و«الذكورية» التي طبعت تعامل القضاء مع هذا الملف، كانت الشرارة التي أطلقت حراكاً نسائياً أدى إلى إقرار قانون «العنف الأسري» المبتور.
هي ليست قضيّة رولا فقط. فجلّ جرائم العنف الأسري لا تزال في ميزان القضاء شأناً عائلياً. ورغم تسجيل 14 جريمة قتل لنساء من قبل ازواجهن، في غضون عامين، لم تحظ هذه القضايا بـ «الأولوية». وحتى مع تحوّل بعضها إلى قضايا رأي عام، لم يحدث ما يمكن اعتباره مساراً يحتذى به: منال العاصي التي أخرج محمد النحيلي روحها بيده، كادت تفقد «العدالة» روحها بقرار ذكوري من محكمة جنايات بيروت يمنح القاتل عذراً مخففاً «لأنّ الضحية ارتكبت عملاً غير محق وعلى جانب من الخطورة هو الخيانة الزوجية». كاد يمرّ كل ذلك لو لم يستدرك قاضٍ آخر فداحة الخطأ، مستغلاً الهامش الممنوح له في القانون. ونسرين روحانا التي كاد القضاء يقتلها مرّة ثانية بمنحه عذراً تخفيفياً للزوج في بداية الأمر بحجة «إقرارها الخطي بالخيانة»، وغيرهما كثيرات.
اليوم، يحلّ يوم المرأة العالمي في ظلّ المطلب الذي لم يتغيّر: «أسرعوا في محاكمة قتلة النساء». إلى الآن، لا تعديلات على الشعار، خصوصاً في ظلّ وجود قضايا عالقة منذ سنوات بلا نهايات. يعيد هذا اليوم الذي يحمل هذا العام شعار «الجرأة للتغيير» التذكير بما يتجاوز الستين حكاية عن نساءٍ قضين نتيجة العنف الأسري (56 ضحية ما بين العامين 2010 ومنتصف 2016 بحسب منظمة كفى عنف واستغلال)، فيما لا يزال السؤال واحداً: متى تصبح قضايا قتل النساء أولوية في القضاء؟
برغم صدور قانون «حماية النساء وسائر أفراد الأسرة من العنف» منتصف 2014، وصدور المئات من القرارات الحمائية للنساء المعنفات وأطفالهن، إلا أن القانون الذي كان يفترض أن يحمي النساء، ظهرت شوائبه عند التطبيق. في هذا الإطار، أقامت جمعية «كفى عنف واستغلال» «جردة حساب» بعد عامين من دخول القانون حيز التنفيذ، واضعة جملة من التعديلات المفترضة، وقدّرتها بـ14 تعديلاً قابلة للإضافة، لعلّ أهمّها ثلاثة: التعريف الضيّق للعنف الذي جاء محصوراً في مادته الثانية بـ«الإيذاء والضرب والتسبّب في الأذى (...)»، من دون أن يشمل مثلاً أنواعاً أخرى من العنف منها المعنوي على سبيل المثال، وهنا أيضاً تعميم العنف على سائر أفراد الأسرة من دون تخصيص الحماية للنساء، وثالثهما تخصيص محكمة للنظر في قضايا تعنيف النساء، التي كان يُفترض أن تحمل اسم المحكمة الأسرية.

جلّ جرائم العنف
الأسري لا تزال في ميزان القضاء جريمة كغيرها

ثلاثة تعديلات ليست هي النهاية، ولكنها بداية المعركة الطويلة أصلاً. أما المطلوب، فهو «الإرادة»، تقول المحامية ليلى عواضة من منظمة «كفى عنف واستغلال». من دون هذه الإدارة، «ستبقى قضايا العنف وقتل النساء مثلها مثل أي قضية أخرى»، وفي أحيانٍ كثيرة قضيّة ثانوية في مواجهة قضايا كالإرهاب والسرقة وغيرها.
هذه ليست مسؤولية القضاة وحدهم، فهؤلاء يتذرعون بنصوص القوانين، وإن كان البعض منهم يغوص في روحية القانون وضمن الهامش المسموحة لهم لإصدار أحكامٍ منصفة. فإن نفّذوا القانون، فهم «غير ملومين»، تتابع عواضة. أو بالأحرى، هم ملزمون بتنفيذه. أما المسؤولية الأكبر، فتقع على عاتق المشرّع الذي من المفترض أن يضع قانوناً يستجيب للتطورات وروحية المجتمعات. وهذه نقطة بديهية. أما هنا، في البلد الذي تقضي فيه امرأة كل شهرٍ على يد زوجها أو أخيها أو أبيها، فالمشرّع لا ينفكّ يدسّ في نصوصه تقاليد المجتمع وأعرافه وعاداته. في البلد، الذي كلما تقتل فيه امرأة، يأتي التعليق القاتل «بتكون عاملتلها شي عملة». والنماذج كثيرة هنا، منها على سبيل المثال إلغاء المادة 522 من قانون العقوبات التي كانت «تعفي المغتصب من العقوبة في حال تزوج الضحية»، ودسّها في مواد أخرى، وإن بطريقة غير مباشرة (الأخبار 8/12/2016)، ولعلّ كلام رئيس لجنة الإدارة والعدل النيابية في الجلسة الأخيرة لدرس المادة «502 إلى 522» من قانون العقوبات ومناقشتها وتعديلها هو أبلغ وصف لعقلية المشرّع التي لا تزال تحمل في طياتها عبارات كـ «السترة» و«الشرف». من ينسى كلام غانم عن الأخذ في الاعتبار في أثناء النظر في التعديلات «العادات اللبنانية وكل الامور التي يتميز بها المجتمع اللبناني عن غيرنا من البلدان، بحيث لا يزال لدينا عشائر وقبائل وعادات تختلف تماماً عن الاخرين (...)؟». وكذلك الأمر بالنسبة إلى قضية تزويج القاصرات، حيث خرج النائب غسان مخيبر، وهو مشرّع للأمانة، متأبطاً مشروع قانون يهدف إلى «تنظيم زواج القاصرات».
هنا، تقع المسؤولية المضاعفة على المشرّع الذي يكرّس ذهنية العادات والتقاليد في روحية نصوصه، ولم يستطع إلى الآن تنزيه نصوصه منها، ما انعكس على القضاة في قرارات «الأحكام التخفيفية» التي شاركت في القتل. أما المسؤولية التالية، فهي على المجتمع الذكوري الذي لا يزال يعتبر موت النساء قضية ثانوية. هذا كله انعكس في القانون «المبتور». لكن، للإنصاف، أخيراً، ساعد القانون في أمرٍ واحد: توصيف جريمة القتل بعدما كانت بلا توصيف. وهذا انتصار، ولو طفيفاً.

مسيرة من الأشرفية إلى قصقص
في مناسبة يوم المرأة العالمي، قررت مجموعات نسوية وطلابية ونسائية ومدنية أن تمشي معاً في مسيرة تجوب أحياء بيروت. تأتي هذه المسيرة تأكيداً لـ «تضامننا مع قضايا كل النساء المتعددة، احتفالاً بنضالات النساء اليومية ومعاركهنّ وقدرتهن على الانتصار الدائم، ومن أجل التأكيد أنه لا مساومة على أنَّ المساواة الكاملة الشاملة قابلة للتحقيق» وفق ما جاء في الدعوة. تنطلق المسيرة من ساحة ساسين في الأشرفية، وصولاً إلى حديقة قصقص عند ظهر يوم السبت ١١ آذار (مارس).
يمكنكم متابعة الكاتب عبر تويتر

قوانين الاحوال الشخصية: استعباد المرأة باسم الدين

فيفيان عقيقي, هديل فرفور

من مظاهرة في بيروت لمناسبة «يوم المرأة العالمي» 2014 (هيثم الموسوي)
ينأى المشترع والقضاء المدني بنفسيهما عن كلّ ما له علاقة بالأحوال الشخصيّة للمواطنين والمواطنات تاركين الفصل فيها للمحاكم الدينيّة. عوض الحكم باسم الشعب اللبناني، تصدر الأحكام باسم الطوائف، ويكرّس الغبن باعتباره مُنزلاً من الله.
المرأة هي الأضعف في هذه المنظومة الذكوريّة.
منذ أشهر، سُجنت فاطمة حمزة لأنها رفضت التخلّي عن ابنها الذي حُرمت منه بموجب حكم شرعي. ولولا التحرّكات والضجة الإعلاميّة التي رافقت سجنها، لربّما كانت لا تزال في سجنها حتى اليوم، باعتباره أمراً إلهياً مُنزلاً لا يجوز التصدّي له. وقبلها، حرمت «قوانين الطائفة» جوسلين يحيى من رؤية ولديها، رغم تعرّضهما للتعنيف من والدهما، فقط لأنها تجرأت على طلب الطلاق. والأمر نفسه ينطبق على ريتا شقير المحرومة من رؤية ابنها منذ ثلاثة أشهر، لابتزازها للتراجع عن دعوى إثبات طلاق وتسليم مهر.
ولم ير قاضي الأمور المُستعجلة في النبطية حقاً لامومتها يتجاوز رؤية ابنها آدم (4 سنوات) أكثر من مرة أسبوعياً، يوم السبت، لمدّة 3 ساعات فقط!
فاطمة وجوسلين وريتا واجهن منظومة غسل الدماغ المصبوغة بالقدسيّة، التي تعتبر الرجل رأس المرأة في الكنيسة وقوّاماً عليها في الإسلام. كسرن أصعب المحرّمات، وهن عيّنة عن آلاف النساء اللواتي يُحرمن يومياً من أبسط حقوقهن أمام «عدالة» رجال الدين الذكور، وتُنتهك كرامتهن بموجب قوانين الأحوال الشخصيّة التمييزيّة.
قوانين ظلم المرأة
في تقرير صادر عن منظّمة «هيومن رايتس ووتش» عام 2015، بعنوان «لا حماية ولا مساواة: حقوق المرأة في قوانين الأحوال الشخصيّة اللبنانيّة»، وصفت هذه القوانين القائمة على الديانة بالتمييزيّة ضدّ المرأة، وفي كلّ الطوائف الدينيّة البالغ عددها 18 من دون استثناء. واعتبر التقرير أن هذه القوانين لا تضمن حقوق المرأة الأساسيّة، وتنصب حواجز أمام السيّدات الراغبات في إنهاء زيجات تعيسة أو مسيئة، أو في بدء إجراءات الطلاق، أو ضمان حقوقهن المتعلّقة بالأطفال بعد الطلاق، أو تأمين حقوقهن الماليّة من زوج سابق، فضلاً عن مسائل الارث والملكية وغيرها.
عملياً يوجد في لبنان 15 قانوناً منفصلاً للأحوال الشخصيّة للطوائف المُعترف بها، في ظل غياب قانون مدني يساوي بين الجميع. علماً أنّ المحاكم التي تطبق هذه القوانين مستقلّة ولا تخضع لأي إشراف حكومي، وتصدر أحكامها، التي غالباً ما تكون مشمولة بانتهاكات لحقوق المرأة الإنسانيّة. حلّلت «هيومن رايتس ووتش» نحو 447 حكماً قضائياً صدر عن المحاكم الدينيّة الإسلاميّة والمسيحيّة في قضايا الطلاق والحضانة والنفقة الزوجيّة ونفقة الأطفال. ووجدت أنّ «مراجعة 243 حكماً قضائياً في ملفات طلاق تثبت التمييز المُمنهج ضدّ المرأة، ويشتمل على قصور في توصلها إلى الطلاق، والأعباء الماليّة المترتبة على إجراءات المحاكم، والتي تنصب أمامها حواجز عند إنهاء الزواج، تضاف إلى عدم الاعتراف بالحضانة المشتركة ومنحها للأم حتى سنّ معيّنة، مع بقاء الأب الولي الشرعي على الأولاد، والتي تنتقل إلى أقاربه من الذكور في حال وفاته». كما أن مراجعة 101 قرار يبيّن أن «المحاكم نادراً ما كانت تنظر في سلوك الأب عند الفصل في قضايا الحضانة، بينما كانت تدقّق في سلوك المرأة بطريق تعكس تحيزات أو تنميطات إجتماعيّة، وهو ما رفع احتمالات إسقاط الحضانة عن المرأة أكثر منها عن الأب».
تشريع الإضطهاد لدى المحاكم الاسلامية
تشكّل قضية الحضانة لدى الطائفة الشيعية التعسّف الأكبر في قضايا الاحوال الشخصية الطائفية، اذ تحدد المحكمة الشرعية سن الحضانة للأم بسنتين فقط للذكر و7 سنوات للأنثى.
دعاوى الحضانة يتقدّم فيها الأب أو الأم من أجل حقّ حضانة الأولاد في حال وصل الخلاف بينهما إلى مرحلة الانفصال. يحدَّد سن حضانة الأم للطفل لدى الطائفة السنية بـ 12 عاماً للذكر والأُنثى. هذه السنّ من حق الأم فقط، فإذا انتقلت الحضانة الى أم الأم بسبب وفاة الأم، تكون سنّ الحضانة لأهل الأم 7 سنوات للذكر و9 سنوات للأنثى. أمّا عند طائفة الموحدين الدروز، فتُحدد السن بـ7 سنوات للذكر و 9 سنوات للانثى.
تفقد المرأة حضانة أطفالها لدى الطائفة الشيعية إذا كانت على غير دين الأب أو في حال تزوّجت بمحرم الصغير أو بغير محرم. كذلك، تسقط حضانة الأم لدى الطائفة السنية بإتمام الطفل 5 سنوات في حال كانت الأم على غير دين الأب، أو إذا تزوجت من غير محرم الصغير. بالنسبة إلى الطائفة الدرزية، تسقط حق الحضانة للأم في حال تزوجت الأم من غير محرم الصغير أيضاً.

ينطوي موضوع منحها الحضانة على شروط تمييزيّة كـ «حسن السلوك» و«عدم الزواج»

تجدر الإشارة الى أن الحضانة تختلف عن مفهوم «الولاية». الأخير يعني الولاية على النفس (حق التربية والتأديب والتعليم والتزويج والحفظ)، فضلاً عن الولاية على المال (العناية بمال القاصر/ة وحفظ إدارته وتدخل فيها الوصاية والقيمومة). عند الطوائف الإسلامية الثلاث، لا ولاية للأم على أولادها.
في حال الطلاق، يحقّ للزوج لدى الطائفتين السنية والشيعية إرجاع زوجته لعصمته من دون رضاها أو علمها أثناء عدّة الطلاق الرجعي. والزوج غير مُلزم بتسجيل هذه الرجعة أمام المحكمة، ويحق للزوجة لدى الطائفة السنية فقط مراجعة القضاء وطلب تطليقها من زوجها. وتتفرّد الطائفة السنية بالطلاق الخلعي الذي يحصل بتراضي الزوجين حين تتنازل الزوجة عن حقوقها في المهر ليوقّع الرجل الطلاق ويُشترط موافقته (الزوج).
بحسب قوانين الأحوال الشخصية الإسلامية، يحق للزوج أن يتقدّم بدعوى المُساكنة في حال غادرت الزوجة المنزل الزوجي بدون إذنه أو من دون عذر مشروع. وفي حال رفضت الزوجة تنفيذ حكم يلزمها بمساكنة الزوج، تُعتبر «ناشزاً» وبالتالي تسقط عنها النفقة. ولا يحق للزوجة ترك المنزل الزوجي، إلا إذا أصبحت المعيشة المشتركة بين الزوجين مُستحيلة أو في حال كان بقاؤها في المنزل يُعرّض حياتها للخطر أو حياة أولادها.
بإمكان القاضي الشرعي لدى الطائفة السنية، أن يأذن بزواج القاصر الذي أتمّت الـ 12 سنة والقاصرة التي أتمّت الـ 9 سنوات في حال بلوغها وبعد إذن ولي الأمر. أما معيار التزويج لدى الطائفة الشيعية، فهو إثبات البلوغ الشرعي ويُتوقع بلوغ الذكر الـ15 سنة والأنثى الـ 9 سنوات. بالنسبة إلى طائفة الموحدين الدروز، بإمكان قاضي المذهب أو شيخ العقل أن يأذن بزواج القاصر الذي أكمل عمر الـ 16 سنة والقاصرة التي أكملت الـ15 سنة بعد إذن وليّها.
تُظهر دراسة «التزويج المُبكر للفتيات: انتهاك للطفولة وتناسل الفقر» المُعدة عام 2015 من قبل الأستاذ الجامعي والباحث الإجتماعي زهير حطب بالتعاون مع «التجمّع النسائي الديموقراطي اللبناني»، أن أكثر من 90% من حالات تزويج القاصرات حصلت بـ «سهولة تامة» وبـ «إجراءات بسيطة» في المحاكم الشرعية في لبنان. يلفت حطب في دراسته الى «الصمت المُتمادي للمؤسسات الدينية تجاه تزويج القاصرات»، مُشيراً الى أن التزويج المُبكر يُجسّد حجم انتشار ثقافة إجتماعية وإيديولوجية ذات بعد ديني بين الناس، «وبموجب هذه الثقافة يُفضّل الرجال اختيار قريناتهم الصغيرات في السن وبمواصفات تُسهّل عليهم بسط سلطتهم باسم الدين». اللافت هو ما يُشير اليه حطب، بأن التزويج المُبكر للفتيات «يكشف عن المفهوم السائد للزواج الذي يستبعد عملياً فكرة التواصل بين زوجين ناضجين يتفاعلان عاطفياً واجتماعياً، انطلاقاً من بنية الزواج بين طرفين ينتمي أحدهما الى مرحلة الرشد واكتمال النمو فيما ينتمي الطرف الثاني، أي الزوجة، الى مرحلة الطفولة ونقصان النضج».
يقول مصدر قضائي في هذا الصدد، إنّ موضوع حماية القاصرات من الزواج المُبكر في لبنان هو موضوع شائك «نظراً الى طبيعة النظام الطائفي في لبنان والاختلاف الكبير في تحديد سن الزواج بين الطوائف والمذاهب وعدم وجود رقابة موحدة من أي سلطة على هذا الأمر».
تمييز جندري لدى المحاكم المسيحية
يصبّ القسم الأكبر من المعضلات التي تواجهها المرأة في المحاكم المسيحية في طول فترة حصولها على بطلان الزواج الذي تنطبق شروطه على الطرفين والحصول على النفقة. أما حرمانها من الأطفال، فمحدد في الحالات المنصوص عليها في القانون. وينطوي موضوع منحها الحضانة على شروط تمييزيّة لا تُطبق على الرجل مثل اشتراط «حسن السلوك» و«عدم الزواج». وكذلك، تعاني المرأة الخاضعة لقوانين الاحوال الشخصية المسيحية من تشريع زواج القاصرات واجبارها على الخضوع للرجل.
تختلف سنّ الزواج بين الطوائف المسيحيّة، إلا أنّ القاسم المشترك بينها هو تشريع زواج القاصرات؛ إذ تحدّده الطوائف الكاثوليكيّة بـ16 سنة للذكر و14 سنة للأنثى، فيما تحدّده طائفة الأرمن الأرثوذكس بـ 18 سنة للذكر و15 سنة للأنثى مع إمكانيّة الحصول على إذن خاصّ من المرجع الروحي لسبب مهمّ جداً يتيح للذكر الزواج في سن الـ16 والأنثى في سن الـ14 سنة. في المقابل، حدّدت طائفة الروم الأرثوذكس سن الزواج للذكر والأنثى بـ18 سنة، على أن يسمح بحالات خاصّة بزواج الذكر في سن 17 عاماً والأنثى في سن الـ15 عاماً بعد موافقة كلّ من ولي الأمر وراعي الأبرشية. أمّا طائفتا السريان الأرثوذكس والأشوريين، فقد سمحتا بالزواج للذكر في سن الـ18 والأنثى في سن الـ14.
التمييز في المحاكم المسيحية يطاول حقوق الزوجة وواجباتها، فطائفة الأرمن الأرثوذكس تُلزم الزوجة باتخاذ شهرة زوجها وعدم السماح لها بالعمل من دون موافقته، على أن يعود حقّ الولاية (أي السلطة الوالديّة الممنوحة للأهل على القاصر حتى بلوغه سنّ الرشد وتشمل إدارة الأموال والتربية) في كلّ الطوائف المسيحيّة، باستثناء طائفة الأرمن الأرثوذكس، إلى الأب بمفرده، إلا في حال منحها للأم أو سقطت عنه ومُنحت للمرأة مع اشتراط تمتعها بـ«أخلاق حسنة». أمّا بالنسبة للحضانة، فقد اخضعت كلّ الطوائف المسيحيّة الام لمجموعة من الشروط للحصول على هذا الحقّ الطبيعي المكرّس لها، مثل أن لا تعقد زواجاً جديداً، وأن لا تكون «سيئة السلوك»، فيما حصرت الحضانة لدى الطوائف الكاثوليكيّة في سنّ الرضاعة أي سنتين، على أن يكون للمحكمة الروحيّة سلطة استنسابيّة في تقرير هوية الحاضن وفقاً لما تقتضيه مصلحة الطفل. في المقابل حصرتها طائفة الأرثوذكس بسن الـ14 عاماً للذكر و15 عاماً للأنثى، وحدّدتها الطائفة الإنجيليّة بسن الـ12 للذكر والأنثى، فيما حدّدت بسن الـ7 للذكر والـ9 للأنثى لدى طوائف الأرمن الأرثوذكس والسريان الأرثوذكس والآشوريين.
تضاف إلى ذلك، مجموعة من المواد التمييزيّة بحق المرأة، مثل إجبارها على مساكنة زوجها والعودة إلى المنزل الزوجي، تحت طائلة حرمانها من النفقة والحضانة. ولدى طائفة السريان الأرثوذكس، تُحكم بدفع نفقة شهريّة للزوج توازي راتب عاملة في الخدمة المنزليّة في حالة «النشوز»، في مقابل حقّها برفع دعوى فسخ زواج بعد مضي خمس سنوات على ترك الزوج للمنزل، إضافة إلى تحديد مدّة العدّة بعشرة أشهر للمرأة و40 يوماً للرجل لدى السريان الأرثوذكس، واعتماد مدّة متساوية لدى الطوائف الأخرى (الطوائف الكاثوليكيّة لا تفرض العدّة)، وعدم اعتبار المحاكم الكاثوليكيّة الإساءة الزوجيّة سبباً كافياً لبطلان الزواج، مقابل إثبات المرأة أمام المحاكم الأرثوذكسية والإنجيليّة أن العنف يوازي محاولة القتل لإنهاء الزواج.
يمكنكم متابعة الكاتب عبر تويتر


لحرب على الهيمنة الذكورية: هل يجب «تنقية» التيارات النسوية؟


من تجهيز للفنان السعودي فيصل السمرة
أن يسمّي أحد ما نفسه «نسوياً» يختلف تماماً عن أن يكون «نسوياً». و«النسوية»، بمعزل عن أي شرح «ايتيمولوجي»، قبل الغرق في العرض والتأويل التاريخيين، ليست مرادفاً لـ«جمعية نسوية». للتيار نشأته وروافده وقدرته على الجرف وعلى التغيير والاقتلاع، وللجمعية دورها ووظيفتها التي تقرأ بتأنٍ، من دون أن تسبغ صفة «النسوية» على كل من يدّعي الاسم بإنجازات التيار أو بجِلدته. هذه البديهيات ليست مدخلاً لمحاسبة «الجمعية النسوية»، إنما مدخل لنقاشٍ هادئ
أحمد محسن
ليس سهلاً أن تُقرأ التجربة النسوية في بلادنا، أو أن تُجترح محاولات لقراءتها «خارج المكان»، على منهج إدوار سعيد. أي محاولة من هذا النوع، قد تؤدي ــ بسبب سوء نية البعض ــ إلى الخلط بين هذا المنهج، وبين الخطاب الذكوري المهيمن الذي يستعين بدورهِ بأدوات الماضي للحفاظ على المكتسب القميء: السُلطة.
لكن، هل هناك «ذكورية» تعمل تحت غطاء الخطاب الما بعد كولونيالي أو تتأثر بهِ؟ نتحدث عن خطورة أي خطاب يرسخ البنية الاجتماعية ويمدها بالقوة والقدرة على مقاومة التغيير. سؤال أكثر وضوحاً: هل هناك «نسوية» لا تنتبه إلى هذا الخطاب، أو تخضع إليه خضوعاً تاماً، فترتدي ثوباً نسوياً ظاهرياً أو «ظواهرياً»، بينما يكون أهمُّ نتائجِ أفعالها هو إسقاط نظام هيمنة تحت ذريعة وجود نظام آخر؟ (أحلام مستغانمي في الأدب، جمانة حداد في المسرح) آنيا لومبا، ربما لديها الإجابة. فلنقل، الطريق إلى الإجابة. تحذّر الكاتبة الهندية من أنه أثناء البحث عن المرجعيات الفكرية المستخدمة لتأسيس خطاب ما بعد الكولونيالية، وخلال محاولة تفسير مدى تشابك هذه المرجعيات واتصالها على مستويين أساسيين (التأويل والتحليل)، يجب الانتباه إلى أن «رصف» هذه المرجعيات على قاعدة واحدة ــ رغم تعارضها فكرياً وابستمولوجياً ــ قد يؤدي إلى تشتت منهجي.
لماذا يبقى الباحثون الأوروبيون الذين اشتغلوا خلال فترة الاستعمار هم المسؤولين عن إنتاج معرفة تتماشى مع الصورة التي رسمتها المجتمعات الغربية عن الشعوب التي سيطرت عليها؟ يركّز الاستشراق على أن هذه الأمم، المُستَعمرة، ظلت في هامش الحداثة الغربية. وعندما يُقال في لبنان مثلاً، بخِفة، إن «الكوتا ضرورية»، في البرلمان وفي الحكومة، لأنه «في السويد هكذا هو الوضع» وفي «فرنسا هكذا هو الوضع»، فإن قياس الهيمنة الذكورية في هذه الحالة هو قياس «ما بعد كولونيالي». للنساء العربيات أدوارهن ونضالاتهن في المجتمع وفي المقاومة، وهي من ضمن النضال النسوي لا خارجه. وهذه الأدوار والنضالات التي تبقى في العتمة لأنها لا تؤاتي «العقل الغربي» وتصوراته، لا تلغي حق المرأة في الوصول، أو في تجاوز المواقع التي تصلها المرأة الأوروبية، وضرورة استمرار النضال النسوي وزيادة وتيرته. لكن في المنهج، وفي القياس، يجب إعادة الاعتبار للأنتروبولوجيا، ولنبذ العنصرية والفوقية الغربية، لأن الخطاب سرعان ما يتحول إلى سُلطة.

عمل للإيراني رامين حائر زاده
سُلطة فوق سُلطة، ويعيد النظام البطريركي إعادة إنتاج قوته مستغلاً «سوء الفهم» الكبير. أبسط مثال على ذلك، افتقار (معظم) الجمعيات، ويمكن القول «التيارات» النسوية، في لبنان، إلى فهم «ابتسمولوجي» للدين، خارج الإنتاج الغربي الاستشراقي لهذا الدين، وعدم إيلاء هذا الأمر أي أهمية. لقد أبرز ميشال فوكو كيفية تحوّل الخطاب إلى ُسلطة عبر مجموعة من القنوات التي تبثها الدولة في مختلف مؤسساتها لتشكيل الذات وفق ايديولوجيتها المسبقة، وتثبيت سيطرتها، لكن إدوار سعيد استلهم بدوره هذا الإبدال المعرفي الفوكوي، واستثمره في توصيف كيفية تحوّل الخطاب الاستشراقي الغربي المتدثر بالتعالي والإقصاء للآخر إلى تقاليد ناجزة، ومسلمات قبلية يلتهمها كل غارق في الثقافة الأوروبية من دون أي تشكيك أو مساءلة.

أدوار ونضالات تبقى في العتمة لأنها لا تؤاتي «العقل الغربي»

لا يعني ذلك اتهام «التيارات النسوية» بأنها لا تسائِل «الثقافة الأوروبية»، أو القول إن الثقافة الأوروبية هي التي أنتجت الوعي النسوي. فذلك لا يكون إلا تطبيقاً حرفياً للاستشراق. وفي نهاية الأمر، الثقافات متداخلة في ما بينها، ومساراتها هجينة على نحوٍ معقد، ومتلاقحة بين بعضها البعض، إلى درجة أنه لا يمكن الفصل في ما بينها. لكن المرأة (العربية) التي خضعت للاستعمار وللاحتلال، قاومت وقاتلت، مِثلها مِثل المرأة التي تعمل، من دون أن يكون هذا محصوراً بتمثيلات جغرافية على النمط الاستعماري. وكلما جُرد الشرق من تاريخيته، وتحول مجموعة نصوص متخيّلة تتغذى بتقاليد تتكدس لتشكّل تمثيلاً خاطئاً له، حظي الخطاب الغربي الاستعماري بالمنافذ لاستعباده، تحت ذريعة «الحضارة»، حاملاً مشعل «المدنية الحديثة».
في الحرب على الهيمنة الذكورية، هل يجب «تنقية» التيارات النسوية؟ ربما. في كتاب شولاميث فايرستون «العجيب» (جدلية الجنس)، إشارة (واحدة) مفيدة إلى كارل ماركس، وإشارته إلى «العائلة» التي تضم كل بذور التناقضات القابلة للاتساع والتمدد في الدولة وفي المجتمع. «ثوري»، ويجب على الثورة أن تأكل في طريقها البنى الاجتماعية للنظام الأبوي، وتجنب إعادة إنتاج هذه البنى في أشكال متعددة للاستغلال، وربما العودة إلى «مفهوم غرامشي» عن الهيمنة. يشدد المفكر الإيطالي على ضرورة كشف الاستراتيجيات التي تعتمدها الدولة في إيهام الطبقات الاجتماعية، وخاصةً منها المهمشة، بأن مصالحها هي مصالح الجميع، مستثمرة بذلك قوة ضمنية أكثر نظاماً وشمولية تتجاوز الاقتصاد وأجهزة الدولة المباشرة، ويقصد التعليم والإعلام. وفي العصر «النيوليبرالي»، الما بعد غرامشي، يمكن أن نضيف... «المجتمع المدني».

Source & Link : Alakhbar

No comments:

Post a Comment

Archives