قانون «مخالف للطبيعة»: رهاب المثلية يضرب من جديد
هي القضية الأساس في البلد. تفرّغ لها القضاء وأوعز إلى قوى الأمن كي تتحرّك. خطر المثليين على الأبواب! سيناريو بدأ بإشاعة خبر كاذب عبر إحدى الصحف، لينتهي باستعراض أمني حصيلته إلقاء القبض على 28 شخصاً في حمام تركي بتهمة «المثلية»، أو بحسب النص القانوني «المجامعة خلافاً للطبيعة»
إيفا الشوفي
«أول زواج مثلي في لبنان»، انتشر هذا الخبر بسرعة قياسية. استنفرت القوى المحافظة، وبرزت الأصوات المعارضة والداعية إلى فرض عقوبات قاسية على المثليين واجتثاثهم. تبيّن لاحقاً أن الخبر كاذب، إلا أنّ ردود الفعل عليه ومفاعيله بقيت نفسها. بعد أيّام قليلة جاءت عملية دهم حمام «الآغا» في بيروت، المعروف بكونه مكاناً يرتاده المثليون، للتأكيد على أنّ أي خرق يمكن أن يمسّ بأسس النظام الاجتماعي القائم ومنظومة علاقاته المسيطرة، سيُقمع.
ماذا حصل؟
منذ مدّة تم توقيف أحد الأشخاص بتهمة «المثلية»، أي بناءً على المادة 534 من قانون العقوبات التي تنص على أن «كل مجامعة على خلاف الطبيعة يعاقب عليها بالحبس حتى سنة واحدة»، وهي تُستخدم لتجريم المثلية في لبنان. تقول المصادر الأمنية إنه خلال التحقيق مع الشاب تبيّن أنه يعمل في الحمام التركي، واعترف بممارسات جنسية مثلية تحصل هناك. بناءً على هذه المعلومة، تمّ الاتصال بالنائب العام وعُرضت عليه هذه الوقائع، فأمر بدهم المكان. دهمت دوريّة من مكتب «حماية الآداب» في وحدة الشرطة القضائيّة الحمام التركي، وألقت القبض على 28 شخصاً كانوا موجودين هناك، من ضمنهم جميع الموظفين ومالك الحمام (13 شخصاً). يؤكّد المقدّم جوزيف مسلّم أنه لم تُجرَ أي فحوصات شرجية (يُطلق عليها صفة فحوصات العار) لهؤلاء، لكن وُجّهت إليهم التهم بناءً على أقوالهم، ما عدا 3 أنكروا علاقتهم بالموضوع، إضافة إلى ضبط بعض الأغراض التي تشير إلى حصول علاقات مثلية بينهم! كذلك أظهرت الصور التي وجدت على هواتفهم أثناء عملية التحقيق أنّ هؤلاء يمارسون «مجامعة خلافاً للطبيعة»، وفق القانون.
تمّ انتهاك خصوصيات الموقوفين والتفتيش في هواتفهم
حصل الموضوع بطريقة استعراضية، لتُرينا «الدولة» أنها موجودة، وأن لديها أجهزة أمنية ناشطة جداً في حماية المواطنين من «المثلية» والتصدي لأي مخالفة «للطبيعة». لم ينته الموضوع هنا، إذ تم يوم الجمعة الماضي نقل الموقوفين إلى سجن زحلة، لأنه «لا توجد أماكن»، بحسب المصادر الأمنية، على الرغم من أن المخافر اعتادت استقبال الموقوفين في جرائم القتل والسرقة إلى حين محاكمتهم نظراً إلى الاكتظاظ في السجون. في الحالة هذه ارتأى المعنيون نقلهم إلى سجن زحلة الواقع «تحت سلطة المساجين»، ويضم مجموعة من السجناء الخطرين الذين يمكن أن يتعرضوا لهم بأبشع الطرق. بعد ذلك أحيلوا جميعهم على القاضية المنفردة الجزائية في بيروت ميرنا كلاس التي أخلت في نهاية الأسبوع الماضي سبيل 12 منهم مقابل كفالة مالية (100 ألف ليرة)، ثم أخلت أمس الاثنين سبيل 16 موقوفاً الباقين، علماً بأن ثلاثة من الـ16 الذين تمّ إخلاء سبيلهم أمس هم لبنانيون، فيما الباقون جميعهم من جنسيات أجنبية، وهذا يزيد الأمور تعقيداً. لن يُخلى سبيل هؤلاء، إذ عليهم أن يقبعوا في سجن العدلية إلى حين يقرّر الأمن العام مصيرهم. وُجّهت التهم بموجب المواد 531 حتى 534 (عقوبات) إلى زبائن المحل، والتي تجرم التعرض للآداب والأخلاق العامة، إضافة إلى المادة 523 من قانون العقوبات للموظفين في الحمام والتي تعاقب على الدعارة السرية، والمادة 527 التي تعاقب على الاعتماد على دعارة الغير، لمالك الحمام.
رهاب «الاختلاف»
ليس حمام «الآغا» المكان الوحيد الذي يرتاده مثليون. أجهزة الدولة لديها كافة المعلومات عن هذه الأماكن. ما حصل أوحى بأن الدولة اكتشفت شيئاً جديداً، دهمت مكاناً مشبوهاً واعتقلت الموجودين فيه، وهذا غير صحيح. حضر النائب العام شخصياً من أجل استجواب هؤلاء المواطنين المعتدى عليهم باسم القانون. تمّ انتهاك خصوصياتهم عبر التفتيش في هواتفهم والاطلاع على الصور الموجودة داخلها. يوضح المحامي نزار صاغية أنّ «ما يحصل في النيابة العامة في بيروت مؤسف جداً. إذا أرادت الدولة أن تغلق الحمام، يمكنها أن تقوم بذلك بطريقة معقولة عبر توجيه إنذار لصاحب المكان بعدم السماح بأي ممارسات جنسية. في حال لم يمتثل يمكنها عندئذ إغلاقه عندما يكون خالياً وبهدوء من دون أي ضجة إعلامية واستعراض». أصبحت القضية ليست إغلاق حمام، بل إهانة مواطنين من خلال الممارسات التعسفية في التوقيف والاستجواب والتحقيق. العملية ليست بريئة، بل ممنهجة بهدف ضرب أقلية معينة.
يرى الناشط في المجتمع المدني شربل ميدع أنّ «هناك حرية شخصية جنسية للأشخاص يحق لهم أن يمارسوها كما يشاؤون في الأماكن الخاصة»، وبالتالي إذا كانت «الدولة تخاف فعلاً على الآداب العامة، فلتتوجه إلى حيث تحصل في الكثير من الأحيان دعارة إجبارية للنساء الأجنبيات»، وغالباً تحت نظر القضاء وأجهزة الأمن. اختباء الدولة خلف حجة الحفاظ على الأخلاق العامة يبقى غير مبرر ما دامت لا تلتفت إلى تلك الأماكن لتبقى القضية واضحة: استهداف أقلية ضعيفة تخالف «مقدسات» هذا النظام. يرفض شربل تسمية «رهاب المثلية»، الموضوع برأيه هو «تخلف مجتمع ذكوري، إذ إن وجود مثليين يهدد الصورة النمطية للرجل الشرقي التي تمّ بناؤها على مرّ عقود».
قانون مخالف للطبيعة
تعاقب المادة 534 من قانون العقوبات بالحبس لمدة سنة «كل مجامعة على خلاف الطبيعة»، وهي تستخدم لتجريم المثلية وملاحقة المثليين وإدانتهم. التحركات من أجل إلغاء هذه المادة موجودة منذ عام 2002، باعتبار أنّ المثلية «ليست مرضاً (بالمعنى الطبي أو الاجتماعي) يستوجب علاجاً أو استئصالاً». يؤكّد صاغية أن «النسخة الأخيرة لمشروع قانون العقوبات الجديد الذي طرحته اللجنة المصغرة لتحديث القوانين عام 2009 يلغي المادة 534، إلا أنه حتى اليوم لم يُبتّ القانون بأكمله». كذلك فإن القضاء «قام بمبادرات جيدة، إذ صدر حكمان عامي 2009 و2014 اعتبرا أن المادة 534 لم تعد قابلة للتطبيق على المثليين، ولم يعد بالإمكان الحديث عن علاقة مخالفة للطبيعة».
من ناحية أخرى، يمكن أن تؤدي هذه المادة «الظالمة» إلى مفاعيل خطرة جداً تهدّد أمن هذه الفئة الهشّة من الناس. يروي مهدي شرف الدين، الناشط في جمعية حلم، ما يتعرّض له الكثير من المثليين «من عمليات تهديد وابتزاز من قبل البعض، من دون أن يتمكن هؤلاء من التوجّه إلى القضاء، لأن المدعى عليه يمكنه استخدام موضوع المثلية لتحويل مجرى التحقيق بأكمله، ويعتبر القاضي أن المدعي يمارس علاقات جنسية «مخالفة للطبيعة» وتتم محاكمته».
No comments:
Post a Comment