سامر الحسيني
لم تكن ملاك (اسم مستعار) السورية، تعلم أن رحلة هروبها من بلدها إلى لبنان، ستدفع بها إلى الوقوع في قبضة، من تصفهم القوى الأمنية اللبنانية بـ «المهربين وتجار البشر». هؤلاء اختطفوا ملاك وابنها لأكثر من خمسة أيام ريثما يؤمن زوجها مبلغ 900 دولار أميركي، كانوا قد طلبوه منه كـ «بدل أتعاب».
لجأت ملاك إلى هذه الطريقة بعدما تعذر دخولها عبر المصنع الحدودي لعدم توافر الشروط المطلوبة لعبورها إلى لبنان. في حينها لم تفلح كل مناشداتها بتأمين دخولها إلى البلد «الشقيق». بعد يأس خلّفه الانتظار أمام مركز الأمن العام في المصنع قام سائقها السوري بإرشادها إلى أحد العاملين في مجال التهريب عبر الطرق الجبلية. اتفقت معه على تأمين دخولها إلى لبنان لقاء 500 دولار يستلمها المهرب من زوجها الذي يعمل في إحدى القرى البقاعية.
بدأت رحلة ملاك، تحت جنح الظلام، واستمرت لنحو ساعتين تقريباً. لكن بعد المعاناة لم يستقبلها زوجها بل نظارة قصر العدل في زحلة، هي وابنها البالغ من العمر سنة ونصف السنة، وذلك إلى أن يتم تسليمهما إلى الأمن العام.
لم تصل ملاك وابنها إلى زوجها بسبب احتجازها من قبل مسؤول عصابة تهريب وقد رفع المبلغ المتفق عليه من 500 إلى 900 دولار، وعلى هذا الأساس تم التواصل مع زوجها الذي قام بتأمين المبلغ، لكن عند لحظة التسليم والاستلام، جرى توقيفهم من قبل مفرزة استقصاء البقاع التي كانت تتابع منذ فترة نشاط المهرب وقد أوقف في شتورة خلال عملية التبادل. ويصنف هذا المهرّب، بحسب القوى الأمنية بأنه واحد من أكثر الناشطين في ما يطلق عليه «تجارة البشر».
وجه آخر للعذاب، ترويه غنوة (اسم مستعار) 16 عاماً، ذلك أن أحد المهربين أُعجب بجمالها، ما عرّضها للخطف والاغتصاب، وقد بقيت الفتاة مع المهرّب لأكثر من شهر قبل أن يعيدها إلى أهلها لقاء 800 دولار، وبما أن وضع الأهل غير قانوني في لبنان، فلم يتمكنوا من رفع دعوى لدى الأجهزة المعنية للمطالبة بحقهم وحق ابنتهم.
الكلفة والمداخيل
تتراوح كلفة الدخول خلسة الى لبنان، التي تتم بإشراف مجموعات من المهرّبين اللبنانيين، من 500 للنازحين العاديين الذين يمرون من خلال الأمن السوري إلى 2000 دولار للمطلوبين من قبل الدولة السورية، والممنوعين من مغادرة الأراضي السورية، وهؤلاء هم الأخطر حيث يُشتبه بعلاقتهم بالإرهاب. وهؤلاء يتم تهريبهم من خلال أشخاص ينتظرون عند الحدود (مهربون) ولدى وصولهم إلى «بر الأمان» يجدون من ينقلهم إلى الداخل اللبناني من دون أن يتعرضوا للمساءلة او المتابعة.
ويشير مصدر أمني لـ «السفير» إلى أن عمليات تهريب السوريين إلى الداخل اللبناني كثيرة، وناشطة بشكل يومي، كاشفاً أن نحو ستة آلاف سوري يدخلون شهرياً إلى لبنان بطريقة غير شرعية من خلال معابر المهرّبين في البقاع. ويلفت المصدر الانتباه إلى ان بعض الذين يتم تهريبهم من سوريا قد لا يكونون سوريين، إذ إن بعضهم قد يكون من جنسيات أخرى.
بحسب محاضر التحقيقات فإن عملية التهريب تتم بالاعتماد على ثلاثة: السائق السوري الذي يرتبط بعلاقات طيبة مع المهرّبين، المهرّبون، والسائرون في مقدمة قوافل التهريب.
كذلك يلعب جنس الذي يتم تهريبه دوراً في تعزيز عملية الابتزاز، إذ إن الأمر يختلف ما إذا كان المطلوب تهريبه «امرأة أو فتاة» فهذا يسهل الابتزاز ويسرع في عملية الدفع، لأن اللاجئ يريد «صون عرضه وشرفه» حتى لو دفع أموالاً طائلة.
وما يعزز عمل المهرّبين هو أن دخل كل مهرّب قد يبلغ نحو 15 ألف دولار في ليلة العمل الواحدة من دون تكاليف أو مصاريف. كذلك عدم وجود رقابة أمنية أو ملاحقة قانونية فعلية يفاقم المشكلة، خصوصاً أن من يقعون ضحية هذا الابتزاز يخشون من اللجوء إلى القانون اللبناني لأن وضعهم في الأساس غير شرعي.
هروب من الملاحقة
وأيضاً ابتكر المهرّبون، وبحسب بعض محاضر التحقيقات مع مَن أوقف من قبل هؤلاء اطلعت «السفير» عليها، طرقاً عدة للهروب من الملاحقة القضائية والأمنية، فأغلب المهرّبين غير معروفين بالأسماء عند ضحاياهم كما أن استيفاءهم الفدية المالية يتم عبر التحويل المالي وباسم أشخاص سوريين يكونون في الغالب مخطوفين لديهم ويصر الخاطف على تحويل المال باسم شخص سوري، ثم يأخذه الخاطف اللبناني الى أحد مكاتب تحويل الأموال فيسحبه السوري ويسلمه إلى مرافقه اللبناني.
يبقى أن الإجراءات الأمنية اللبنانية لا تزال غير فاعلة في مواجهة هذا النوع من «الإتجار بالبشر»، وذلك بحكم عدم قدرة الأجهزة الأمنية اللبنانية ومعها العسكرية على مراقبة كل الحدود اللبنانية السورية.
في ظل هذا الواقع المحكوم بانعدام الإنسانية وقسوة الجغرافيا، يظل الهاربون السوريون هم الضحايا. بعضهم يتعرض للاغتصاب، وآخرون للاحتجاز والتعذيب.. أما الأسوأ فهي النهايات الشبيهة براجحة السورية التي قتلها الجليد منذ أيام.
No comments:
Post a Comment