قضية المخطوفين والمفقودين ما زالت تنزف... وجراحها مفتوحة حتى الآن
قلوب أمهات الصيداويين لم تبرد... ولم يفقدن الأمل بعودتهم سالمين
انتهت الحرب الأهلية اللبنانية، لكن قضية المخطوفين والمفقودين ما زالت حاضرة بمآسيها، وجراحها نازفة ومفتوحة لغاية الآن على ذكريات أليمة... رغم مرور سنوات عدّة إلا أنّ دموع الأهل والأحبة لم تجف وقلوبهم لم تبرد بعد...
فجرح ذوي المخطوفين والمفقودين لم يندمل بعد، ولم توضع له خاتمة مهما كانت، وما زالت الأمهات ينتظرن أبناءهن غداة كل صباح ومساء لمعرفة مصيرهم. لم يفقدن الأمل بعودتهم سالمين... يطالبن الدولة بوقفة جادة ومسؤولة لإقفال هذا الملف المفتوح على الألم والوجع لأنّه دون ذلك لا يمكن نسيان ذكريات الحرب الأليمة...
صحيح أنّ اللبنانيين ندموا على ما فعلوه في هذه الحرب، لكن الدولة بعد اتفاق الطائف وعودة السلم الأهلي وحل الميليشيات لم تلامس القضية السياسية والإنسانية بجدّية، وما زالت خيمة الاعتصام مفتوحة تذكّرهم بين الحين والآخر بأنّ هناك أشخاصاً مجهولي المصير، ما زالوا ينتظرون العودة إلى الحياة والنور، خاصة أنّ البعض رفع شعار «المسامحة».. فكيف يمكن لأم أنْ تنسى فلذة كبدها وهي لا تعرف مصيره...
«لـواء صيدا والجنوب» يسلّط الضوء على قضية المخطوفين والمفقودين في مدينة صيدا، رغم مرور سنوات طويلة إلا أنّه ما زالت عائلاتهم تعيش العذاب والحزن، مطالبين بكشف ومعرفة مصيرهم...
ذكريات.. أليمة
* ففي مدينة صيدا ما زال الجرح ينزف في المنازل الصيداوية، حيث هناك الكثير من أبنائها المخطوفين والمفقودين الذين لم يُعرف مصيرهم حتى الآن، وما زالت غصّة الفراق في قلب الأمهات تنزف... بينما ما زالت «أم فادي» الحبّال تقف على شرفة منزلها في صيدا بانتظار أنْ يعود بها الزمن إلى ما قبل 17 شباط 1983 إبان الحرب الأهلية في لبنان، وأنْ يأتي فلذة كبدها فادي إلى حضنها بعد فراق 32 عاماً... أم فادي رغم مرور الزمن على اختطاف ابنها فادي، إلا أنّ دموعها لم تجف، قالت وهي ترتجف من الخوف: «أريده حيّاً أو ميتاً... لقد احتفلتُ بعيد ميلاد فادي في 4 نيسان، وكنتُ أتوقّع أنْ يأتي... يريدون منّا أنْ ننسى ونسامح... كيف يمكن لأم أنْ تنسى فلذة كبدها وهي لا تعرف مصيره... منذ اختطافه، لا أعرف كيف أنام وأمشي، وكيف أتعامل مع أقرب الناس إليَّ، وهل ممكن لأحد في العالم أنْ ينسى قطعة منه».
وأضافت وهي حاملة صورة فادي وتبكي من حرقة الفراق: «لقد خُطِفَ ابني فادي من على حاجز في الشمال في 17 شباط 1983، وكان عمره آنذاك 19 عاماً، كان يتعلّم في المدرسة المهنية في بيروت، وأثناء تنقّله بين بيروت والمناطق خُطِف، لم نترك أحداً إلا وذهبنا إليه، حاولنا بجميع الوسائل إرجاع فادي وفشلنا، فأنا كنتُ موظّفة بالجيش وزوجي بالقوى الأمن، راجعنا كثيراً وفي كل مرّة كانوا يقولون لنا بأنّه قيد التحقيق، إما أنْ يُسلّم للدولة أو تروه يقرع جرس المنزل فجأة، لقد مضت سنوات وسنوات، لكن لم يرجع فادي، ولم يطرق الباب...
هذا الجرح الذي في قلبي لم يتلئم، ما زال نازفاً، فأنا وإخوته نعيش أياماً سوداء، لم نعرف فيها معنى الفرح والحياة، وأتساءل كيف يعيش إنْ كان حيا يا تُرى؟ هل يتعذّب؟ وماذا حصل له؟
جنَّ جنوني من الأفكار، خاصة أنّ زوجي توفي حسرة عليه، وكانت أمنيته أنْ يحضنه إلى صدره ويراه يملأ المنزل حياة وفرحا ويزوّجه».
يأس.. وتضارب المعلومات
لكن المفاجأة أنّ «أم فادي» ما زالت حتى الآن تبحث عن ولدها وقالت: «أنا لم أترك بابا إلا وطرقته، وفي كل مرّة أصطدم بجدار من اليأس وتضارب المعلومات، ففي العام 1985 عندما تم الإفراج عن 35 سجيناً عند «القوّات اللبنانية» و«الكتائب» في تلك الفترة وسُلّموا إلى دار الفتوى، وكان إسم ولدي فادي في عِدادهم، لكنه لم يصل مع المفرج عنهم... لقد سمعنا اسمه عبر وسائل الإعلام، وأطلق سراحه معهم، ونُقِلَ إلى المتحف مع 3 أشخاص، وتم تسليمهم إلى جهة ما... اما الآن فقد عرفنا من أشخاص بأنّه في السجون السورية وقد تعرّف عليه أحد المفرج عنهم، وقال لي: رأيته وأصبح قليل الشعر، أصلح من الأمام»..
وتوقّفت قليلاً وهي تمسح دموعها، وقالت بكل فخر واعتزاز: «إبني مقاوم ويحب الجهاد، حيث طلب من والده شراء سلاح حين اجتاحت «إسرائيل» لبنان سنة 1982، فنحن في مدينة صيدا لنا الشرف أنْ نقاوم الاحتلال الإسرائيلي... ولو يرجع الزمن الآن لقاومت أنا أيضاً... وآخر المعلومات حسب موقع لتيار الوطني الحر، قال عن المخطوفين بأنّ ابني فادي عند السوريين معتقل منذ تلك الفترة دون أي ذنب أو سبب».
مناشدة
وناشدت «أم فادي» الحبّال «الرئيس السوري بشار الأسد وأمين عام «حزب الله» السيد حسن نصر الله بأن يتابعا قضية كل الأسرى المخطوفين، إنْ كان في السجون السورية كما مخطوفي الجيش اللبناني والقوى الأمنية من قِبل «جبهة النصرة» و«داعش» ويفرج عنهم لأنّهم من المظلومين، فكفى ظلماً وقهراً وعذاباً ولوعة وحرقة قلب».
وختمت: «أمنيتي أن أراه قبل أنْ أموت.. أضمّه إلى صدري وأحضنه وأشم رائحته، لقد اشتقت إليه كثيراً، وطيفه لا يغادر مخيّلتي رغم كل هذه السنوات، أحلم بأنّه يدخل المنزل فجأة، وأريد أنْ يتحوّل هذا الحلم إلى حقيقة».
No comments:
Post a Comment