975 ألف لاجئ سيعانون في فصل الشتاء
كل عام، يتراجع وضع اللاجئين السوريين إلى الأسوأ. المفوضية لم تحصل على التمويل الذي طلبته، فبدأت بشطب اللاجئين عن لوائحها ليبلغ عدد المحرومين من مساعداتها خلال 9 أشهر أكثر من 149 ألف لاجئ. إضافة إلى هذا، يستعد اللاجئون لمواجهة جديدة مع فصل الشتاء، فالخيم التي اهترأت بعد 5 سنوات ستنهار حتماً، فيما بدأ تخزين البلاستيك والإسفنج والثياب لإحراقها بهدف الحصول على التدفئة عندما تتدنى درجات الحرارة
أسامة القادري
منذ أن وصل اللاجئون السوريون الى لبنان باتوا يكرهون فصل الشتاء. الشتاء بالنسبة إليهم هو خيمة تنهار تحت ثقل الثلوج، وسيول تجرف مخيماً بأكمله تاركةً أهله في العراء وسط درجات حرارة لا ترحم. وقد يكون الشتاء أقسى، مثل موت 12 طفلاً خلال 45 يوماً العام الفائت في عرسال.
كل شيء سيتكرر وقد يصبح أسوأ: فمفوضية شؤون اللاجئين شطبت أعداداً كبيرة عن لوائحها، بحجّة هجرتهم، إلا أن بعض الشهادات تفيد بأن قسماً من المشطوبين لا يزالون في لبنان، وقد جرى شطبهم لخفض الحاجات التمويلية، ما يعني حرمان الكثيرين من أي مساعدات، إذ شُطب أكثر من 149 ألف لاجئ بين كانون الثاني وأيلول 2015، بينهم 35280 لاجئاً شُطبوا خلال شهر أيلول. التمويل المطلوب لتأمين أبسط مقومات العيش للاجئين لم يصل إلى النصف، حيث تلقت المنظمات 840 مليون دولار فقط، أي 45% من المبلغ المطلوب، فيما طرقات الهجرة غير الشرعية مفتوحة على مصراعيها لتنحصر خيارات اللاجئين في أمرين: إمّا المخاطرة بالموت في خيمة أو في البحر.
في تقريرها الصادر أول من أمس، أعلنت المفوضية أنّ جوانب الضعف لدى اللاجئين السوريين ازدادت بنسبة 100 في المئة، مقدرةً أنّ 975 ألف شخص سيعانون جرّاء فصل الشتاء.
آلاف اللاجئين الموزعين على نحو 220 مخيماً عشوائياً في البقاع ينهمكون في الاستعداد لمواجهة الشتاء؛ هذا يسعى إلى تأمين النايلون لخيمته وترميم الشادر الذي أكلته حرارة الشمس صيفاً كي لا تتسرب المياه الى الداخل، وذاك يقف حائراً منتظراً ما قد تمنّ عليه الجمعيات قبل حلول العواصف، فيما الغالبية يعملون على تأمين الوسائل الأقل كلفة للحصول على التدفئة، مثل جمع البلاستيك والاسفنج والعيدان والأحذية والأقمشة البالية لتكون وقوداً للمدافئ عندما تتدنى درجات الحرارة. يبلغ عدد الذين سيتلقون مساعدة مالية (بين 100 و147 دولاراً شهرياً) على مدى 4 أشهر من أجل تأمين وقود التدفئة، وفق تقرير المفوضية، 750 ألف شخص، ما يعني أن هناك 225 ألف لاجئ (اعترفت المفوضية بمعاناتهم في فصل الشتاء)، عليهم أن يتدبروا أمرهم.
ينتظر عمران بيع أرضه في داريا لتأمين كلفة السفر في زوارق الموت
عمران محمد، باع منذ أيام بعض قطع الأثاث ليؤمن ثمن برميلَي مازوت. لا عمل لهذا الرجل منذ مدة طويلة، أمّا مدخراته فقد نفدت منذ زمن، ولم يبق له سوى أثاثه يبيعه قطعةً تلو الأخرى لتأمين دفء سيتوق إليه خلال الشتاء. إلّا أن عمران لم يفقد أمل الوصول الى أوروبا، يقول «شو اللي بدو يبقيني هون، أنا وعيلتي مخالفين إلنا سنة، اعتقلني الجيش لأني مخالف وبعد 4 أيام تركني الأمن العام وأعطوني مهلة 15 يوم لتسوية أوضاعي». ينتظر عمران إتمام صفقة بيع أرض في داريا لتسوية وضعه وعائلته ويؤمن كلفة السفر في زوارق الموت.
أمّا رقية فتشتكي من عدم وجود ثياب شتوية لأولادها الصغار، تقول إنّ «أولادها وصلوا الى الموت بسبب البلاستيك والصرامي والاسفنج الذي كنا نحرقه للحصول على دفء». اشترت رقية صوبيا مستعملة هذا العام كي لا تتكرر مأساة العام الفائت، آملةً أن تستخدم فيها المازوت بعدما وجد زوجها عملاً بـ 15 ألف ليرة يومياً.
تقرير المفوضية أعلن أنه سيستفيد من توزيع المساعدات التي تتضمن مواقد وبطانيات وملابس شتوية ووقوداً للمدارس، فقط 325 ألف شخص، من ضمنهم لبنانيون، في حين بدأ توزيع البطانيات في البقاع على الأسر التي لم تتلق المساعدة خلال الشتاء الماضي وقد شملت 8000 لاجئ فقط. أمّا المستفيدون من تجهيز المساكن لمقاومة العوامل المناخية فيبلغ عددهم 135 ألف شخص.
أسعد الدوماني لن يستفيد من شيء: لا مساعدات مالية، لا بطانيات، لا شادر ولا مازوت، فـ»الأمم» شطبته من لوائحها منذ ثلاث سنوات. يروي معاناته في الشتاء الفائت، وهو يستعد ليعيدها هذا العام أيضاً، فقد تعرض أولاده الأربعة وزوجته لمرض صدري لا يزالون يعانون منه جراء استعمال البلاستيك والاسفنج في الموقدة.
رضوان جميل، اللاجئ من حلب، لا يزال حائراً ماذا يفعل. كيف سيؤمن لعائلته أدنى مقومات العيش في فصل الشتاء بعدما شطبته «الأمم» من لوائحها؟ يعاني رضوان من آلام في ظهره تمنعه من العمل، يسكن في منزل يبلغ إيجاره الشهري 450 ألف ليرة لم يعد باستطاعته تأمينها. يصرّ الرجل على التأكيد أنّ الحال لا يختلف كثيراً بين لاجئين يقيمون في مخيمات عشوائية، ولاجئين يسكنون في بيوت مستأجرة. فبعد خمس سنوات، الجميع تحوّلوا الى بؤساء، منهم من يقبع رهينة تقديمات المفوضية الشحيحة، ومنهم من يرزح تحت مقصلة الديون لعدم قدرتهم على تأمين المصاريف اليومية وإيجار البيت وكلفة تسوية أوضاع إقامتهم في لبنان. «الدين أكلني، لو بقدر إرجع على سوريا رجعت زمان، لكن بيتي صادرته داعش وأصبح مخفراً»، يقول الرجل الذي صرف كل ما ادخره طوال سنوات عمله، خلال السنوات الخمس الفائتة، ولم يكن شطبه من لوائح المفوضية سوى ضربة أخرى موجعة له.
حتى العجوز السبعيني نور عساف شُطب وزوجته المريضة من لوائح المفوضية. العجوز القاطن في مخيم في سهل قب الياس يحار كيف سيمضي فصل الشتاء، فهو قد يموت برداً كما حصل مع من قضوا تحت الثلوج التي غطّت خيم بر الياس على مدى 5 سنوات. تقول المفوضية في تقريرها إن «الشطب يتم إثر عملية تحقق تجري على مدى عدة أشهر للتأكد من النازحين الذين لا يزالون موجودين داخل البلاد»، تُلغى ملفات أولئك الذين يتبين أنهم قد غادروا البلاد والذين توفوا، إلّا أنّ نور ورضوان وأسعد لم يموتوا ولم يهاجروا.
No comments:
Post a Comment