The Lebanese Center for Human Rights (CLDH) is a local non-profit, non-partisan Lebanese human rights organization in Beirut that was established by the Franco-Lebanese Movement SOLIDA (Support for Lebanese Detained Arbitrarily) in 2006. SOLIDA has been active since 1996 in the struggle against arbitrary detention, enforced disappearance and the impunity of those perpetrating gross human violations.

Search This Blog

April 22, 2011


الجمعـة 19 جمـادى الاولـى 1432 هـ 22 ابريل 2011 العدد 11833 

سجون لبنان.. برميل بارود
والد أحد السجناء لم يعثر على ابنه المصاب بعد إيداعه المستشفى.. وسجين آخر يعاني مرضا خطيرا ممنوع من الخروج للعلاج
بيروت: نذير رضا
لم يتوان المسؤولون والناشطون في مؤسسات حقوق الإنسان عن التحذير من أن تتحول السجون في لبنان إلى «قنبلة موقوتة قابلة للانفجار في أي لحظة». تلك القنبلة، انفجرت قبل أسبوعين، ولم تنته تداعياتها بعد، ولو أن الوعود التي قدمها المسؤولون «سكنت الجراح قليلا»، فعاد الهدوء إلى السجن، وانحصرت تحركات ذويهم باحتجاجات أمام قصر العدل، وبخطوات قضائية على غرار تقديم دعاوى قانونية ضد المتسببين بأذية أولادهم.وأجمع اللبنانيون، من كافة الأقطاب السياسية، على أن قضية السجون هي «قضية محقة»، ذلك أن السجناء «يعيشون وضعا مأساويا يبدأ من الاكتظاظ الذي يفوق قدرة السجن الاستيعابية، ولا ينتهي بتأخير المحاكمات»، على حد قول مرشد عام السجون الأب مروان غانم. بيد أن الأحداث الأخيرة، حملت بعض وجوه الضغط السياسي على أعتاب تشكيل الحكومة، وسط الخلافات على تسمية وزير الداخلية العتيد بين رئيس الجمهورية ميشال سليمان ورئيس تكتل التغيير والإصلاح ميشال عون.
وإذا كانت وعود المسؤولين بالنظر في تغيير الواقع، وبدء الإجراءات التنفيذية لحل المشكلات العالقة قد هدأت من غضب السجناء وذويهم، فإن مؤشرات تجدد الاحتجاجات تتراءى بين حين وآخر. فذوو السجناء ينظرون إلى الوعود على أنها «غير جدية»، وعلت أصواتهم مؤخرا احتجاجا على «الثأر من بعض السجناء الذين قادوا الاحتجاجات داخل السجن». وينقل سفير المنظمة الدولية لحقوق الإنسان علي عقيل خليل عن أهالي السجناء، في حديث مع «الشرق الأوسط»، استياءهم من «وضع بعض السجناء في السجن الانفرادي»، مشيرا إلى أن «هذا الإجراء ليس علاجا للقضية، وسط وعود بعدم الانتقام من المحتجين داخل السجن». ونقل أن ذوي السجناء «سيواصلون تحركاتهم المطلبية على كافة الصعد للوصول إلى حلول بشأن تنفيذ الوعود بأسرع وقت ممكن».
قضية السجون، ليست وليدة اللحظة. فقد حذرت منظمات حقوق الإنسان من انفجار القضية بسبب المآسي الإنسانية التي تلم بالسجناء. وتؤكد التقارير الإنسانية التي تناولت أوضاع السجون في لبنان أن السجون، بما فيها أماكن الاحتجاز الاحتياطي، «لا ترقى لأي من الوظائف السامية التي يفترض أن تلعبها السجون».
ويوضح النائب غسان مخيبر، في تقرير حمل عنوان «السجون في لبنان: بين القانون والواقع وحاجات الإصلاح»، أنه «قياسا على القواعد الدنيا لمعاملة السجناء الصادرة عن الأمم المتحدة، يمكن اختصار وضع السجون بأنه يتأرجح بين السيئ والسيئ جدا واللاإنساني»، مشيرا إلى أن «وظيفة القصاص تتجلى بأبشع صورها إلى حد يصبح فيها المكوث في عدد من السجون اللبنانية ضربا من ضروب التعذيب والمعاملة القاسية واللاإنسانية». أما عن وظيفة الردع، بحسب التقرير، «فلا تؤدي ظروف السجن إلا إلى إنتاج مساجين حاقدين على سجانيهم والقضاء والمجتمع، وغالبا ما يخرج المساجين للانتقام ولتكرار الجريمة التي يتمرسون في معرفة فنونها ومحترفيها في السجون». وفي ما يخص وظيفة التأهيل والإصلاح، يرى مخيبر أنها «شبه غائبة لولا جهود ومبادرات فردية لبعض المسؤولين عن إدارة السجون وللجمعيات الأهلية والمدنية التي تعنى برعاية شؤون السجناء».
ويلخص تقرير مخيبر المشكلات التي تعاني منها السجون في لبنان بعدة نقاط، أولها «الاكتظاظ الشديد (الخانق) لجميع السجون التابعة لوزارة الداخلية بما يقارب 5876 سجينا وسجينة، ذلك ما يتجاوز نسبة متوسطة قدرها 300 في المائة تقريبا من طاقة جميع الأبنية على الاستيعاب». بالإضافة إلى انتهاك الحقوق والأصول الأساسية الآتية بنسب متفاوتة من سجن لآخر، على غرار خلط المساجين بعضهم ببعض وعدم تصنيفهم بالطريقة المناسبة، وإلغاء أو الحد من الحق بالنزهة اليومية، وعناية صحية غير مناسبة، وبيئة غير مواتية للصحة الشخصية والعامة، وغياب النشاطات التربوية والاجتماعية والاقتصادية، وصعوبة إجراء الزيارات.
أما العوامل المؤسسة لذلك التردي في حال السجون، فتعود إلى عدم تناسب الأبنية المستعملة (باستثناء سجن رومية) بالنسبة لعدد غرفها وأسرتها وقاعاتها وهندستها العامة وتجهيزاتها الفنية، مع حاجات الإدارة السجنية المتكاملة السليمة وفق «القواعد الدنيا». بالإضافة إلى الاكتظاظ الشديد الخانق وغير الطبيعي بالموقوفين احتياطيا. ويستدل التقرير بأن 4020 من المساجين (أي 68 في المائة من المجموع العام) هم في الواقع من الأشخاص الموقوفين احتياطيا، المودعين في السجون لمدد متوسطة وطويلة ريثما تنتهي محاكمتهم، مما يؤشر إلى خلل في عمل المحاكم، إن لجهة البطء في المحاكمات، أو لجهة استعمال مفرط، أو حتى المخالف للقانون في بعض الأحيان، لحق التوقيف الاحتياطي.
ويضيف تقرير مخيبر أسبابا أخرى تتمثل في عدم توافق الإطار التشريعي (في الكثير من أحكامه) والإطار الإداري مع «القواعد الدنيا» ومع متطلبات علم إدارة السجون والسياسة العقابية الحديثتين، وعدم توافر الإمكانيات المالية المناسبة لتطوير جميع الخدمات الضرورية لحسن إدارة السجون وفق «القواعد الدنيا».
عقب الأزمة الأخيرة، اتخذت بعض الإجراءات الضرورية للحد من تلك الأزمة المتفاقمة جيلا بعد جيل. وأكد رئيس لجنة حقوق الإنسان في مجلس النواب النائب ميشال موسى، في حديث لـ«الشرق الأوسط» أن القرار السياسي لتحسين أوضاع السجون «قد اتخذ على أعلى المستويات، وستتحول الوعود إلى وقائع في أسرع وقت»، مشيرا إلى أن هناك «تحركا رسميا جديا للمباشرة بالإصلاحات، ينطلق من قرار الهيئة العليا للإغاثة بتخصيص 7.5 مليار ليرة لبنانية (5 ملايين دولار) لبناء قاعة للمحاكمات ونظارتين فوق قصري العدل في بيروت وجبل لبنان». غير أن التحرك الجدي، يحتاج بنظر موسى إلى «مراقبة على أعلى المستويات لمتابعة تنفيذ الوعود»، مشددا على أن هناك إجراءات تنفيذية سريعة بشأن هذه القضية.
وإذ أكد موسى أن «معاناة السجناء الإنسانية هي أمر غير مقبول، وأن المشكلة كبيرة وتحتاج إلى حلول جذرية»، شدد على أن الخطوات التنفيذية «ستكون قريبة جدا»، مشيرا إلى «أننا شرعنا بقضية تسريع المحاكمات عبر الجهات القضائية المختصة، وستحل قضية الاكتظاظ عبر بناء سجنين في الشمال والجنوب، وسيباشر في موضوع تخفيض مدة السجن حال تشكيل الحكومة».
وكان من المفترض أن تكظم تلك الإجراءات والخطوات التنفيذية غيظ ذوي السجناء، بيد أنهم ينظرون إلى الوعود على أنها «غير جدية». وأشار مرشد عام السجون الأب مروان غانم في اتصال مع «الشرق الأوسط» إلى أن فتيل انفجار هذه القنبلة لم يسحب بعد، ذلك أن «التحسن خجول». وفيما يخص العفو العام، أكد غانم أنه لا يعارض «العفو العام المشروط، أسوة بالعفو الذي استفاد منه بعض السجناء في عام 2005»، موضحا أن العفو الذي يطالب به السجناء «يجب أن يطال المحكومين والموقوفين بقضايا حق عام، مثل القضايا المالية والمدنية». وأضاف أنه «ليس هناك قرار واضح بخصوص العفو العام، وتخفيض السنة العقابية إلى تسعة شهور، رغم أن هذا الإجراء يخفف من الأعباء على الدولة اللبنانية». وقال: «نطالب بهذين المطلبين، بالإضافة إلى تحديد سنوات المؤبد من دون قيد أو شرط، أسوة ببلدان أخرى مثل مصر، لأنه لا يجوز أن يموت شخص في السجن، من غير أن تنتهي محكوميته المؤبدة»، مقترحا أن يكون حكم المؤبد 25 عاما إذا كانت سنة السجن 9 أشهر، أو 20 عاما إذا كانت سنة السجن 12 شهرا».
وإذا كانت معظم المطالب قد باتت على سلم التنفيذ، فإن مطلب العفو العام يبدو صعبا، بدليل ما قاله النائب ميشال موسى، بأن قضية العفو العام «تحتاج إلى توافق بين جميع الفرقاء السياسيين»، لافتا إلى أنه «أثناء طرح القضية على الكتل النيابية التي ستصوت على القانون في الحكومة ومجلس النواب، تبين أن هناك اختلافات في وجهات النظر»، موضحا أن القضية «تحتاج إلى الكثير من الأخذ والرد، ولا يمكن أن تحل بسهولة». وفيما اعتبر البعض أن أزمة سجن رومية المطلبية، تحمل وجها سياسيا، «كون معظم المحتجين كانوا من الطائفة الشيعية، وبالتالي تعد الحملة موجهة، وتهدف للضغط على وزير الداخلية زياد بارود على أعتاب تشكيل الحكومة»، رأى عضو كتلة المستقبل النيابية النائب هادي حبيش أن هذا التحرك، «وإن عمد البعض إلى استثماره سياسيا وحاول الاستفادة منه للضغط على الفريق الحاكم، إلا أنه مطلب محق»، معتبرا أن الدولة اللبنانية «لا تراعي الأصول القانونية المتبعة في العالم، حيث هناك ضيق في السجون، وتأخير في إصدار الأحكام».
وتوقف حبيش في اتصال مع «الشرق الأوسط» عند المشكلة الكبيرة التي «تتفاقم في لبنان»، حيث تؤكد التقارير أن «عدد المساجين يتزايد في السجون نتيجة التأخير بإصدار الأحكام، وازدياد عدد السكان، والفلتان الأمني في البلدان، وعدم قدرة الدولة المطلقة على ضبط الأمن». وأعرب عن رؤيته بأن يكون موضوع السجون «أولوية أمام الحكومة المقبلة، كونه يحمل طابعا إنسانيا»، مشددا على أن «الحل يتمثل بإيلاء الاهتمام الكامل لموضوع السجون، وإيجاد حل جذري لها»، معتبرا أن المشكلة تتفاقم «لأن كل وزير يتبع خطة مختلفة، فيما يفترض أن يكمل كل وزير يتعاقب على السلطة خطة سلفه كي نصل إلى حلول جذرية لمختلف القضايا».
وإذ أكد حبيش أن «ما يحصل داخل السجن من مخالفات، غير مقبول نهائيا»، أشار إلى أنه «يجب أن نأخذ بعين الاعتبار خطوات لتخفيف عدد المساجين، وإخراج السجين من سجنه مواطنا صالحا، لا خارجا على القانون»، معربا عن اعتقاده بأن هذا الملف «لا يتحمل مسؤوليته فريق معين، بل تقع المسؤولية على جميع المعنيين بالقضية».
ولا يبدو أن الحلول المقترحة والإجراءات الرسمية قد أنهت الاحتجاجات، إذ تُسمع في كل يوم أنباء عن معاناة جديدة في سجن رومية، كان آخرها ما علمته «الشرق الأوسط» عن مسجون يصارع الموت بسبب إصابته بمرض الغرغرينا، ولم يفرج عنه حتى للمعالجة. كما أن هناك شابا آخر الذي أصيب بطلق ناري في صدره أثناء الاحتجاجات، لا يعلم والده في أي مستشفى أودع ابنه بغرض العلاج. وقال الوالد إنه يبحث عن ابنه في حلقة مفقودة إذ «تارة يقولون إنه في مستشفى ضهر الباشق، ومرة أخرى في مستشفى الحياة.. لكنني لم أعثر على ابني في أي من المستشفيين»، مشيرا إلى أنه تقدم بدعوى قضائية ضد رجل الأمن الذي أطلق النار على ابنه.
وكان لافتا خلال الاحتجاجات الأخيرة أن السجناء الإسلاميين وسجناء تنظيم «فتح الإسلام» لم يتحركوا، علما أنهم كانوا في مقدمة المحتجين خلال أزمات سابقة. وقال رئيس جمعية «اقرأ» الشيخ بلال دقماق الذي يتابع قضية السجناء الإسلاميين، إن هؤلاء «لم يكونوا معنيين بالأحداث الأخيرة، لأن الاحتجاج الأخير كان مطلبيا لأصحاب السوابق وليس للسجناء الإسلاميين»، نافيا أن يكون سجناء «فتح الإسلام»، «يعيشون في سجن 5 نجوم»، كما تردد.
وأشار في اتصال مع «الشرق الأوسط» إلى أن هؤلاء السجناء «يحظون بتعامل خاص مراعاة للقوانين الشرعية الإسلامية، ولا يحظون براحة في السجن نفسه»، موضحا أن ذلك التعامل ينسحب على عدم كشف وجوه زوجاتهم لدى زيارتهم، وغيرها من الإجراءات التي تتوافق مع مبدأ حرية المعتقد الديني في لبنان. سجون لبنان، مشكلة متجذرة لم تجد لها السلطات المتعاقبة حلولا جذرية، ويجمع المسؤولون والمعنيون على أنها، إذا لم تحل جذريا، ستكون برميل بارود قابلا للانفجار في أي لحظة، كما حصل خلال الأزمة الأخيرة.

No comments:

Post a Comment

Archives