وقف المساعدات الغذائية: اللاجئون وحدهم
لا مساعدات غذائية هذا الشهر للاجئين السوريين في 4 دول هي: لبنان، مصر، تركيا والأردن. برنامج الغذاء العالمي استنفد كامل تمويله للأزمة السورية، وبالتالي لم يعد بإمكانه مساعدة اللاجئين، في ظل توقّف المانحين عن تقديم المزيد. تُرك اللاجئون وحدهم، يواجهون صقيعاً قاتلاً وجوعاً كافراً ستكون انعكاساتهما كارثية على الصعد الإنسانية، الاجتماعية والصحية
إيفا الشوفي
كأنه لم يكن ينقص اللاجئين السوريين سوى وقف المساعدات الغذائية عنهم لتكتمل مأساتهم. يخافون كثيراً من الشتاء حين يتسلل إلى شوادر الخيمة، لم يظنوا أن الوضع قابل ليصبح أسوأ. ما الأسوأ من التهجير، التشرد، العيش في خيمة، والموت من البرد؟
أول من أمس أطلّ علينا برنامج الأغذية العالمي ليعلن أنه لا تمويل لهذا الشهر، وبالتالي لا مساعدات غذائية لمليون و700 ألف لاجئ في 4 دول، يتحمّل منها لبنان عبء مليون و100 ألف لاجئ. أصبح على هؤلاء أن يخافوا الموت برداً وجوعاً.
أبى المجتمع الدولي «المانح» إلا أن يزيد تعاسة السوريين، فقرر وقف تمويل برنامج الأغذية العالمي كأنه بذلك يقول للاجئين «موتوا من الجوع». موتوا من الجوع أيها اللاجئون لأن المانحين تعبوا، قدموا الكثير خلال 3 سنوات ونصف سنة، قدموا بسخاء لكنّ أزمتكم طالت، فما ذنب المانح الكريم؟ بيان «البرنامج» يعلن «بأسى» أنه «من دون القسائم، سيصبح العديد من الأسر جوعى. وبالنسبة إلى اللاجئين الذين يصارعون بشدة من أجل البقاء في فصل الشتاء القارس، فإن عواقب وقف هذه المساعدة ستكون وخيمة».
سترتفع حدّة التوترات داخل التجمعات، فالسعي وراء تأمين القوت أشرس صراع في الحياة. الضغوط النفسية والمادية ستزداد ما سيؤدي إلى ممارسات خطيرة. قد ترتفع نسبة الجريمة، الدعارة، التسوّل، عمالة الأطفال، زواج القاصرات، الأمراض... مقابل هذه المخاطر ستكبر مشاعر العنصرية في أحشاء المجتمعات المضيفة، وهذا الطريق مدمّر.الضغوط النفسية والمادية ستزداد ما سيؤدي إلى
ممارسات خطيرة
يتحدثون في بيانهم عن أن اللاجئين «غير مستعدين لبدء شتاء قارس آخر، وخاصة في لبنان والأردن، حيث يوجد العديد من الأطفال الحفاة الأقدام، الذين لا يملكون الملابس المناسبة. العديد من الخيام غارقة في الوحل، والأوضاع الصحية يزداد تعرضها للمخاطر». ألا يُدرك هؤلاء أنه منذ أيام ماتت «طفلة» من البرد في عرسال؟ علمنا بموتها لكن لم نعلم باللاحقين، ولم نعلم حقاً إذا ما كانت هي فعلاً الطفلة الأولى. كان الجميع يدرك، بدءاً بالمنظمات الدولية، أن ثمة أطفالا سيموتون من البرد لأن شوادر الخيمة لا تردع صقيع الجرود والمرتفعات. بالرغم من ذلك لم يتحركوا، مرّ موت الطفلة بارداً. شُغلوا في البحث عن حجج تبرّر موت الطفلة: مشكلة عند الولادة، نقص في الأوكسيجين... لا يهمّ، ابنة الثلاثة أيام لا يمكنها تحمّل الرياح «اللئيمة» لجرود عرسال. عرسال التي غادرتها المنظمات الدولية حفاظاً على سلامة طواقمها، تركوا فيها أطفالاً ونساءً وشباباً لا يتحملون اليوم الصقيع والجوع.
رسائل نصية مخيبة وصلت على هواتف اللاجئين، ومن لا يملك هاتفاً أخبرته المنظمات الشريكة أن هذا الشهر سيكون رصيده في البطاقة الإلكترونية صفر دولار، لكنهم لم يخبروه ماذا يفعل. هم بدورهم لا يعلمون ماذا على اللاجئ أن يفعل. تقول المتحدثة باسم البرنامج ساندي مارون إن «المكتب الإقليمي للبرنامج هو الذي يوزّع التمويل، كنا نعلم أن هناك أزمة كبيرة في التمويل، حذّرنا منها منذ تشرين الأول عندما تقلّص تمويل البرنامج في لبنان بنسبة 33% ، لكننا فوجئنا بأنه لا تمويل لهذا الشهر».
غداً سينام الأطفال في خيمهم الباردة جائعين. سيعود الأب خائباً إلى خيمته بينما تبكي الأم بصمت. أصحاب المحال المتعاقدة مع البرنامج سيحزنون أيضاً، لأن أرباحهم ستنقص. لن يتهافت اللاجئون في اليوم الخامس من الشهر عند الساعة 12 ظهرا ليشتروا الخبز والأرز والحبوب. سيدرك قسم كبير منهم أن الانعكاس الاقتصادي للاجئين كان إيجابياً عكس الحديث الشائع عن دمار الاقتصاد. سيلمسون هذا بيدهم، لكنهم لن يموتوا من الجوع. أرقام البرنامج تشير إلى 217 مليون دولار جرى ضخها في الاقتصاد اللبناني خلال العشرة أشهر المنصرمة، ليصبح المجموع النهائي منذ بداية الأزمة 341 مليون دولار دخلت الاقتصاد اللبناني عبر القسائم الإلكترونية للاجئين السوريين. لا يعلم أحد إذا كان وقف التمويل سيطول ليشمل الشهر المقبل أيضاً، توضح مارون أنّ «التمويل يجري على نحو شهري لذلك لا يمكن تأكيد وجود أموال للشهر المقبل سوى نهاية هذا الشهر». تؤكد أنه «ما من منظمة يمكنها تأمين تغطية شاملة ومستمرة للاجئين في موضوع الغذاء كما كان يفعل برنامج الأغذية العالمي، الذي يعد أكبر منظمة إنسانية في العالم لمكافحة الجوع».
يحتاج البرنامج إلى 64 مليون دولار على نحو فوري لدعم اللاجئين السوريين في البلدان المجاورة خلال شهر كانون الاول. إذا وصل تمويل جديد، فسوف يستأنف البرنامج على الفور المساعدة للاجئين الذين يستخدمون القسائم الإلكترونية. لكن ماذا سيحصل إذا لم يصل هذا التمويل؟ لا إجابة شافية لدى المعنيين «نتمنى أن يتمكنوا من تدبّر أمورهم»، إلاّ أن التمنيات هنا لا تجدي نفعاً. فالمجتمع الدولي سئم من دفع أموال لإطعام اللاجئين، يفضّل صرفها على «المجتمع المدني» ومشاريع «الديمقراطية»، و»الشفافية»، و»المواطنة». توضح مارون أن «تمويل البرنامج تطوعي يرتبط بدول وأفراد ومنظمات، وبالتالي لا يُعد تمويلاً إجبارياً دورياً، مع العلم أنه يدخل ضمن النداء الموحد للاستجابة للحالة السورية، لكنه مستقل عن تمويل مفوضية شؤون اللاجئين»، لكن ماذا عن المفوضية المكلّفة «حماية» اللاجئين؟ «ما من خطة بديلة لدينا لتأمين المساعدات الغذائية»، تقول الناطقة الإعلامية باسم المفوضية دانا سليمان، مضيفةً أنّ «الأزمة واحدة لجميع المنظمات التي تتخوف على نحو كبير من تراجع التمويل، ودورنا تنسيقي. حتى الشهر الحالي ما من تراجع أو تغيير في برامج المفوضية، لكننا لا نضمن الشهر المقبل». التقرير الأخير للمفوضية تحدّث عن «الأمن الغذائي» عبر استفادة قرابة 900 ألف لاجئ من نظام البطاقة الإلكترونية خلال شهر تشرين الثاني. جميعهم اليوم باتوا من دون أي مساعدة غذائية. رأسمالهم الوحيد بطانية، بطاقة وقود وخيمة، لأن العالم لا يملك مالاً كافياً لمساعدتهم.
No comments:
Post a Comment