أهالي ضحايا الإخفاء القسري في يوم حقوق الإنسان: خذوا بصماتنا الجينية وأعطونا هيئة مستقلة
رولا عبدالله
أغنية فيروز التي صدحت من حديقة جبران خليل جبران المقابلة للإسكوا، حيث نصبت قبل عشر سنوات خيمة أهالي المخطوفين والمخفيين، وفيها تنده: «وينن صار في وادي بيني وبينن»، ربما بحاجة الى تعديل بالصيغة اللبنانية «المخطوفة» هذه الأيام، فالوادي صار أودية والمطبات ابتلعت المزيد من المفقودين الأحياء والأموات والجرود باتت مفتوحة على كل انتهاك، وكل ذلك على عين الشرائع والهيئات التي تنادي بالحقوق وما زالت تحتفل باليوم العالمي لحقوق الانسان وتؤمن بالانسان لكنها لا ترى دمعته، ولا دموع أمهات وزوجات وشقيقات مفقودين منذ أكثر من ثلاثة عقود. منهم من لا زالوا على قيد الحياة ولا زالوا يسألون وينبشون في الماضي، ومنهم من فارقوا الحياة أو قضوا دهسا وفي القلوب حرقة «المفقود»، وعدد لابأس به منهم باتوا في عداد المقعدين ينتظرون الموت أن يضع حدا لمعاناتهم التي لا يبدو أن مكتوبا لها «الخاتمة» بذريعة السلم الأهلي و»الأهلية بمحلية». والى حين يأتي اليوم الذي يجرؤ فيه البلد على نبش ملفات 17 ألف مفقود بينهم 600 معتقل في السجون السورية، ليس بإمكان أهالي ضحايا الاخفاء القسري سوى التشبث بالمناسبات التي تعيد اليهم بعضا من رائحة مفقوديهم والتلاقي في الحديقة حيث تجتمع عائلات من مختلف الأطياف اللبنانية لتتذكر «شباب كانوا متل البدر»، أخذتهم الحواجز الطيارة الى المجهول. وليس بعيدا عنهم، عائلات هي الأخرى انضمت حديثا الى سجل المعاناة، تاركة لمسلسل الخطف خيطا لا يبدأ بأسر جندي في الثمانينات ولا ينتهي بأسر جنود منذ حوالى الخمسة أشهر والسؤال: من يعود أولا ومن لا يعود».
أمس استعاد أهالي اللبنانيين المعتقلين في السجون السورية وضحايا الاخفاء القسري في الذكرى السنوية «للاعلان العالمي لحقوق الانسان»، بدعوة من دعم المعتقلين والمنفيين اللبنانيين سوليد والمركز اللبناني لحقوق الانسان، والتي نظمت بحضور الوزير السابق شكيب قرطباوي والنواب غسان مخيبر وحكمت ديب وسيمون أبي رميا وممثل عن مكتب المفوض السامي لحقوق الانسان في الأمم المتحدة، حرقة الاحساس بالمجهول والفقدان، فكانت صرخة أطلقتها وداد حلواني بعدما بات لافتا أن الأهالي يتضاءلون يوما بعد يوم بفعل تقدم الزمن من دون أن تكلف الحكومات المتعاقبة نفسها عناء إجراء اختبار الـ«DNA« للأهالي والاحتفاظ بالبصمات الجينية، وهو المدخل الرئيسي للتعاطي مع القضية بجدية وبالتالي حفظ حقوق المخفيين. والى تلك الخطوة أعاد يوم أمس التذكير بضرورة إنشاء هيئة وطنية مستقلة للمخفيين قسرا والمفقودين، علّ تلك الهيئة تخفف على الأهالي معاناة المبادرات الفردية والابتزازات والمتاجرة بهم، إذ تعترف ربيعة رياشي زوجة طوني رياشي الذي خطف قبل نحو 28 سنة ومعه قريبان له: «الكل تاجر بنا وأوهمنا كثيرا بامكان استعادة مخطوفينا إن نحن دفعنا المال، لكنّ الذي تبين بعد التجربة اللبنانية في هذا الموضوع أن المخطوفين الذين كانوا ينتمون للأحزاب وجدوا من يطالب بهم أما الذين خطفوا فرق عملة فلا أحد يهتم بهم». وتتذكر: «كان زوجي مسافرا وقريبيه، وحين حذرناه من الخطف قال: أنا لا أنتمي لأي جهة حزبية فلماذا يخطفونني، ولنفرض خطفت سوف أشرب الشاي عندهم ومن ثم أغادر وأكمل طريقي«. وتعلق: «للأسف خطف طوني تاركا طفلا بعمر السنة وقد اختار ابني السفر خارج البلد وها أنا أشارك قدر الامكان في نشاطات الأهالي إنما لأحصل على الدعم النفسي ولأقول لزوجي الغائب «مش تاركتك على الرغم من كل السنين «. وتتمنى جانيت يوسف التي تسلمت المهمة عن والديها بعدما توفيا وفي قلبهما حرقة على ابنهما الجندي ميلاد يوسف الذي خطف في العام 83: «أحيانا أقول في سري لو أن لأخي قبرا لزرته اليوم وحملت اليه الورود، لكن المجهول أصعب ما يمكن أن يواجهه الأهالي في السؤال عن مفقوديهم». وتعلق ماجدة بشاشة شقيقة المخطوف أحمد بشاشة: «حين أستمع الى أهالي العسكريين المخطوفين في ساحة رياض الصلح، أبكي على أحوالهم وأحوالنا، فنحنا اعتصمنا ونمنا في الخيم مثلهم وفي نفس مكان تواجدهم ووعدنا خيرا وانتظرنا وما زلنا ننتظر وكل الرجاء أن لا يلقوا المصير نفسه الذي وصلنا اليه في قضيتنا».
وبعد كلمة باسم المنتدى الحر التجددي ذكر خلالها أنطوان أبي راشد ببعض خواطر شارل مالك ودور لبنان في الاعلان العالمي لحقوق الانسان، تلا غازي عاد باسم سوليد الرسالة المقدمة الى رئيس مجلس الوزراء تمام سلام بالتعاون مع المركز اللبناني لحقوق الانسان وبدعم من «حركة المسيحيين لمناهضة التعذيب» و»العمل معا لحقوق الانسان» و»الفيديرالية الأورومتوسطية ضد الاخفاء القسري» و»الفدرالية الدولية لحقوق الانسان» و»ألف» و»مركز الخيام لتأهيل ضحايا التعذيب»، وفيها تذكير بضرورة انصاف أهالي ضحايا الاخفاء القسري بمعرفة مصير أبنائهم، مناشدا الحكومة الموافقة على انشاء «الهيئة الوطنية المستقلة للمخفيين قسرا والمفقودين» وفق مشروع مرسوم انشاء الهيئة الوطنية الذي كان أحاله وزير العدل السابق شكيب قرطباوي الى مجلس الوزراء في آذار 2012 ثم أعاد وزير العدل اللواء أشرف ريفي إيداعه لدى الحكومة. وقال: «باستطاعتكم أن تعيدوا الامل بوضع مشروع المرسوم على جدول اعمال اول جلسة لمجلس الوزراء وليتحمل الجميع مسؤوليته».
وختم عاد بالتأكيد على الطابع المعجل لهذه القضية خوفا من أن تؤدي الفوضى الحالية في سوريا الى فقدان الامل بعودتهم أحياء، موضحا: «القضية ليست قضية أموات وانما أحياء في السجون السورية«.
ديتال
وشدد نائب الممثّل الإقليمي لمكتب مفوّضيّة الأمم المتحدة السامية لحقوق الإنسان في بيروت رينو ديتال
على «ضرورة المطالبة بكشف مصير ضحايا الإختفاء القسري والإختطاف من أطراف أخرى وحث الحكومات والحكومة اللبنانية على التصديق على الإتفاقية الدولية لحماية جميع الأشخاص من الإختفاء القسري ودمج الإتفاقية في القانون الوطني اللبناني بإعتبارها جريمة ضد الإنسانية والتعاون مع الفريق العامل حول الإختفاء القسري في الأمم المتحدة للتحقيق بكل عمليات الإختطاف وكشف مصير المختطفين«.
ودان ديتال باسم مكتب المفوّض السامي لحقوق الإنسان جميع حالات الإخفاء القسري والإختطاف، مستذكرا كلّ الذين قضوا تحت التعذيب أو كانوا ضحايا التعذيب في السجون مُجددين المطالبة بتشكيل هيئة وطنية مستقلّة لحقوق الإنسان ذات صلاحيّات للتحقيق في جرائم العقود الماضية من اجل معالجة جذرية لكل انتهاكات حقوق الإنسان في لبنان«.
No comments:
Post a Comment