الانوار
الخميس 10 كانون الاول 2009 العدد – 17322
محليات لبنان
كيروز: التمييز بين المقاومة والميليشيات بقراءة الطائف
اجتهاد سوري للإبقاء على السلاح غير الشرعي كورقة ضغط
قال عضو كتلة القوات اللبنانية النائب ايلي كيروز في مداخلتين انطلاقا من قراءة اجمالية للبيان الوزاري وانطلاقا من النقاش العام في البلاد سأناقش الآتي:
في مسألة سلاح حزب الله: ان عنوانَ المقاومة لم يعد منذ العام 2000، تاريخِ الانسحاب الاسرائيلي من الجنوب والبقاع الغربي تطبيقاً للقرار 425 صالحاً، والا ما معنى اعلانِ يوم 25 أيار عيداً وطنياً للتحرير.
اليوم لم يعد هناك من مبرر لأيِّ سلاح خارج الدولة خصوصاً وان هذا السلاحَ قد تحوّل مادةً خلافية وموضوعاً اشكالياً بين اللبنانيين. لقد أكّدت نتائجُ الانتخابات النيابية في الـ 2005 وفي العام 2009 ان أكثرَ من نصف اللبنانيين يرفضون الاعترافَ بالسلاح الخارج على الدولة. إن المكابرةَ في هذا الموضوع لم تعد تجدي نفعاً.
أما ما يسوَّقُ من طروحاتٍ على الطريقة اللبنانية، فهو كلُّه للالهاء. فحيناً يقالُ ان السلاحَ غير الشرعي شأنٌ لبناني وحيناً يقالُ ان حلَّه يكونُ على طاولة الحوار وسوى ذلك من الطروحات التي ليست بمنزلة الحلول انما مجرّدُ مخارجَ مقدمة لتأجيل حلِّ الأزمة، وبالتالي من حقنا نحن هذه المرة أن نسألَ : الى أين ?
إن اللبنانيين مدعوون الى الذهابِ مباشرةَ الى لبِّ المشكلة الحقيقية في لبنان، وهي كيف نعملُ على تحييدِ لبنان عن الصراعات القاتلة الدائرةِ من حولنا في المنطقة من اجل حماية اللبنانيين وخصوصاً الجنوبيين. إن الجوابَ بسيطٌ اذا صفتِ النياتُ، الدولةُ ثم الدولة ثم الدولة وتطبيقُ القرار 1701 بحذافيره ولو كانت اسرائيل مصرةً على تدميره من خلال مواصلتها انتهاك السيادة اللبنانية.
إن المعادلةَ واضحةٌ وكلُّ القضايا الأخرى محكومةٌ بهذه المعادلة. لن يكونَ الرئيس رئيساً للجمهورية، ولا رئيسُ الحكومة رئيساً للحكومة، ولا رئيسُ مجلس النواب رئيساً لمجلس النواب ولا الجيشُ جيشاً ولا الاقتصادُ اقتصاداً ولا الديموقراطيةُ ديموقراطيةً ولا النظامُ نظاماً وبالمختصر لن تكون الدولةُ دولةً اذا لم تكن هي صاحبةُ الحصرية في كلِّ ما يعودُ لها. إن حزبَ الله يقدم نفسَه على أنه قوةُ ردعٍ ودفاع وطني لا قوةَ تحرير فحسب. ولكن ان كان هذه او تلك، أو هذه وتلك فان المسألةَ تستلزمُ تكليفاً ليس شرعياً بل دستورياً وقانونياً من الدولة اللبنانية.
سقوط الإجماع اللبناني
ومن نافل القول ان سلاحَ حزب الله وبعد سقوط الاجماع اللبناني حوله (وخلافاً لرأي دولة الرئيس ورأي حزب الله) لا مرتكزَ له في وثيقة الوفاق الوطني المدونة في الطائف وفي الدستور اللبناني،
1- لقد نصّت المادةُ 65 من الدستور اللبناني في الفقرة الخامسة المتعلقة بالمواضيع الاساسية التي يستوجبُ اقرارُها أكثريةً موصوفةً على حصر قرار الحرب والسلم في مجلس الوزراء.
2- لقد شددتِ الوثيقة على الاتفاق بين الاطراف اللبنانية على قيامِ الدولة القوية والقادرة على اساس الوفاق الوطني ووضعِ خطة امنية هدفُها بسطُ سلطة الدولة على كامل الأراضي اللبنانية بواسطة قواها الذاتية.
3- إن عنوانَ بسطِ سيادة الدولة على كامل الأراضي اللبنانية وردَ في الوثيقة قبل عنوانِ تحرير لبنان من الاحتلال الاسرائيلي، ما يعني ان سيادةَ الدولة لها الأولوية ويمكنُ ان تخدم مسألةَ التحرير.
4- لقد اكدت الوثيقةُ على حلِّ جميعِ الميليشيات اللبنانية وغير اللبنانية وتسليمِ اسلحتِها الى الدولة خلالَ ستةِ أشهر. ولم تأتِ بأي استثناء ولم تميّز بين مصطلح المقاومة ومصطلح الميليشيا. بل أن مصطلحَ المقاومة، لم يرِدْ اساساً في الوثيقة، وبالتالي فان التمييزَ بين المقاومة والميليشيات في قراءة الطائف هو اجتهاد سوري ونتاج الوصاية السورية للإبقاء على السلاح غير الشرعي كورقةِ ضغطٍ على الدولة اللبنانية في الداخل وكورقة مساومة على المستوى العربي والدولي.
5- ان الاجتهادَ القائلَ بأنَّ المقصودَ بكافة الاجراءات اللازمة للتحرير يعني المقاومةَ، لا يستقيمُ واقعاً وقانوناً، ويتناقضُ مع التمسك باتفاقية الهدنة ومبدأ بسطِ سيادةِ الدولة على جميع اراضيها، علماً ان الفقرة ج من البند الثالث لم تُشِرْ الى اي جهة غير الجيش اللبناني وقوات الطوارئ الدولية في الجنوب، ولا الى اي سلاحِ آخر غيرَ شرعي لتأمين تحرير لبنان.
6- اما في الدستور نفسِه فانَّ مقدِمتَه التي وُضعت بعد نشوء الاحتلال الاسرائيلي بسنوات كثيرة إنما جاءت خاليةً من الاشارة الى مبدأ المقاومة والى ايِّ سلاحٍ خارجِ الدولة اللبنانية.
العلاقات اللبنانية - السورية
في مسألة العلاقات اللبنانية السورية: لا يمكنُ ترتيبُ العلاقات اللبنانية - السورية من دون معالجةٍ جدية للملفات العالقة، بدءاً بملف المفقودين والمعتقلين في السجون السورية، وبتَّ مصيرِهم، وفي مقدِمِهم الرفيق بطرس خوند، خصوصاً وانَّ بعضَ الوقائع والالتباسات باتت اقربَ الى الفضيحة وتشكلُ استفزازاً وامعاناً في نكء جراح الأهالي.
وهنا نَلْفُتُ الى اقتراحِ القانون الذي قدمته كتلةُ القوات اللبنانية النيابية بهدف اعطاءِ تعويضاتٍ او معاشاتِ تقاعد للمعتقلين المحررين من السجون السورية لانصافهم وتخفيفِ وطأةِ التداعيات الخطيرة لاعتقالهم. وقد أصبحَ هذا الاقتراحُ لدى لجنة الإدارة والعدل النيابية وسنسعى قريباً الى بتّه.
في مسألة الغاء الطائفية السياسية: دولة الرئيس، ان مبادرتَكم الى طرح تشكيل الهيئة الوطنية لالغاء الطائفية السياسية أثارت جدلاً كبيراً بأبعادها وتوقيتها، وتستحق في هذه العجالة الملاحظات التالية:
1- نصَّ الطائفُ على قيامِ الدولةِ القويةِ والقادرة كما شدّد على أن هدف هذه الدولة هو بسط سلطتِها على كامل الأراضي اللبنانية بواسطة قواها الذاتية وحلُّ جميع الميليشيات اللبنانية وغير اللبنانية وتسليم أسلحتها.
من هنا، فان استكمالَ تنفيذِ الطائف يجب ان يبدأ من البنود الأمنية التي لا يمكنُ أن تنتظرَ أكثرَ مما انتظرتْ على مدى نحوِ عقدين، وهي بنودٌ تمُسُّ أمنَ لبنان واستقرارَ اللبنانيين ويجب بالتالي ان تتفوقَ وتتقدَم على البنود الأخرى في الوثيقة من سياسية واصلاحية.
2-ما هو تعريفنا لالغاء الطائفية السياسية ? ان الغاءَ الطائفية السياسية لوحدها يعني عملياً استبدالَ طائفية سياسية بطائفية سياسية بديلة وبالتالي العودةَ الى تحكيم منطق العدد. ان هذا الطرحَ يعيدُنا الى السؤال الاساسي المتعلق بمعنى لبنان وعلةِ وجوده في العالم العربي وفي العالم. إن خصوصيةَ لبنان تكمنُ في وجود التمثيل الطوائفي على كل المستويات كما تكمنُ هذه الخصوصية بأن نظامَه قائمٌ على التعايش السوي والتوازن بين طوائفه أو ما يمكن تسميتُه بديموقراطية الجماعات بغض النظر عن تركيبها العددي. من هنا، فان الغاء الطائفية السياسية يهدد بتهديم رسالةِ لبنان في دعوته التاريخية القائمة على التعايش السوي بين المسيحية والاسلام وبتحويل لبنان الى معادلة عددية تكونُ الفاعليةُ السياسية فيها وقفاً على العدد خلافاً للخبرة اللبنانية الطويلة التي تقولُ ان لبنانَ لا يساسُ بحكم الارقام. (قول الرئيس صائب سلام).
في المسألة الاصلاحية:
1- في مشكلة المخدرات، إن المخدرات تفقد من يتعاطاها أو يدمنها حريته وكرامته، كما تصيب المدمن أو المتعاطي بضرر جسيم في كيانه الروحي، ان المكافحة الجدية لآفة المخدرات باتت أولوية وطنية، من هنا تدعو القوات اللبنانية الى التفريق بين النظرة العقابية التي يجب أن تتناول التاجر والموزع والمصنع والمورد والمهرب وبين المقاربة العلاجية التي يجب أن تتناول المدمن والمتعاطي العرضي. إني أدعو الى اصدار قانون عفو عام عن جميع المحكومين ومن تتم محاكمتهم بجرائم الإدمان والتعاطي والحيازة العرضية لمواد ممنوعة واحالتهم الى المصحات او العيادات النفسية والاجتماعية المتخصصة والافراج الفوري عمن تثبت صحيا وعلميا شفاؤهم بصورة نهائية من الادمان، كما أدعو الى التعجيل في تشكيل اللجنة الوطنية لمكافحة المخدرات برئاسة رئيس مجلس الوزراء وتشكيل لجنة مكافحة الادمان على المخدرات بقرار من وزير العدل وانشاء المديرية المركزية لمكافحة المخدرات في وزارة الداخلية?
2- في الغاء كل أشكال التمييز ضد المرأة في قانون العقوبات اللبناني، إن القوات اللبنانية تدعو وتشدد على تنزيه قانون العقوبات عن كل ما له علاقة بالتمييز وبالعنف ضد المرأة، وتدعو القوات اللبنانية الى الغاء المادة 562 من قانون العقوبات حتى بعد تعديلها في العام 1999 بغية وضع حد نهائي لما عرف بظاهرة جرائم الشرف تحقيقا لمبدأ المساواة امام القانون وتجاه العقوبة من أجل عدالة أكثر انسانية ومجتمع أكثر انصافا ومساواة. كما تدعو القوات اللبنانية الى تعديل المواد 487 و488 و489 والمواد 503 و504 و522 من قانون العقوبات اللبناني المتعلقة بالجماع بالعنف وتزويج المعتدى عليها من المعتدي لالغاء التمييز بين الرجل والمرأة من حيث الملاحقة والعقوبة وفي وسائل الاثبات، وتدعو القوات اللبنانية الحكومة الى اقرار مشروع قانون حماية المرأة من العنف الأسري.
3- في الغاء المحاكم العسكرية: إن لبنان ما زال دولة ديموقراطية تتمتع بسلطة قضائية نريدها أن تتمتع بالمزيد من الاستقلالية وان تتقدم على طريق الاصلاح.
إن المحاكم العسكرية بحكم تكوينها غير القضائي هي محاكم استثنائية لا تتمتع بالضمانات القضائية اللازمة وتقع بالتالي خارج مفهوم الرقابة القانونية على عمل القضاء. من هنا ندعو الى الغاء المحاكم العسكرية تمهيدا لإلغاء كل المحاكم الاستثنائية بغية تأمين ضمانات قضائية فعالة للمتقاضين وحرصا على حقوق الدفاع وحقوق الانسان.
4- أدعو الى تخصيص وزارة من وزارات الدولة لحقوق الانسان على أن تبدأ عملها بملف المفقودين والمعتقلين في السجون السورية.
وخلص الى القول: ان ما طرحنا هو غيض من فيض لأن معظم القضايا في لبنان ترتدي صفة المؤقتة - الدائمة وبالتالي فإن ما نبغيه هو على الأقل الاعتراف بوجود خلاف حول الكثير من العناوين الاساسية التي تمس الكيان والمصير ومعالجة الامور انطلاقا من هذا الواقع، وآمل أن يكون لبنان فعلا في موقع الاولوية لدى الجميع لأن اللبنانيين شبعوا دفع الفواتير عن سواهم وتعبوا من الاستمرار ساحة وأوراقا في ايدي القريبين قبل البعيدين.
No comments:
Post a Comment