شهادتان لضحايا التعذيب في السجون السورية: الداخل مفقود .. والخارج «يضحك بعبّو»
عكّارـ زياد منصور
ندوب التعذيب في السجون السورية أشبه بـ«وصمة» وجع لا تبرأ منها النفوس ولا الأجساد مهما تعاقبت السنوات.
ومن تكتب له الحياة بعد الاعتقال، «يضحك بعبه» وإن غادر مقعداً أو معوقاً أو عاطلا يعاني من مشكلات نفسية تفضي به الى العوز والحاجة والفقر، تماما كما هو حال محمد اسماعيل وعبد السلام محمد جمعة من باب عمرو، والاثنان خبرا فنون التعذيب وتبعاته من المعتقل الى العائلة والمحيط ومن ثم التهجير والنزوح، وفي القلب عتب على المنظمات الدولية لكونها لم تدافع عن حقوق المعتقلين أو تقاضي من عذبهم وتحاسب من حجز حرياتهم، أو حتى تتقصى السبب الذي يمكن أن يكون همسة أو موقف أو مرور بالصدفة في مكان ما في الوقت والزمن الخاطئين.
وعلى حد تأكيد محمد وعبدالسلام، ليس شرطاً أن يكون المعتقل ناشطاً، بل يكفي أن يكون الانتماء الى منطقة أو مجرد الاشتباه بشخص، أو وشاية من مخبر مفبرك ومندس السبب المباشر للاعتقال، وهو الأمر الذي حصل معهما، إذ يسترجعان فصول العذاب، وفي الذاكرة القريبة الكثير والكثير مما يروى وينبغي الافصاح عنه.
اسماعيل: نازح بلا ساقين
يحكي محمد اسماعيل معاناته بعدما أصبح جليس كرسي بشكل دائم، فهو مبتور الرجلين جراء التعذيب الذي واجهه في السجن، الأمر الذي أدى الى اصابته بمرض «الغرغرينا» فبترت ساقاه.
يدفع محمد فاتورة مرتفعة للاعتقال، فهو الحزين والمنطوي على ذاته، وبالاضافة الى اعاقته، هجرته زوجته وبقي وأولاده الأربعة وشقيقته التي هي زوجة شهيد في الثورة يعيشون من لا شيء، فلا يوجد مصدر دخل واحد، والعائلة بأفرادها تنتظر من يمد يد لها العون ويحمي العائلة من شظف العيش.
وفي ظل ظروف صعبة، يقيم محمد في دير عمار في شبه منزل في ظل تلكؤ وتراجع المساعدات ما يجعل الأشهر القادمة قاتمة وسوداء بالنسبة للمعتقلين السابقين.
يروي محمد اسماعيل أنه وبسبب القصف على باب عمرو نزح الى جوبر ومكث هناك 15 يوماً الى أن جرت مداهمة مكان إقامته وتم «جرّه» الى فرع الأمن العسكري. هناك ومنذ اللحظة الاولى، تعرض لوسائل تعذيب مختلفة كالصعق الكهربائي والضرب بالكرباج ما أدى الى تضرر وتلف الأنسجة والعروق والاعصاب في قدميه.
عن مراحل الاعتقال، يستذكر: «تم تحويلي من الأمن العسكري الى الشام لاستكمال التحقيق،ومن الشام الى السجن المركزي، حتى تمكنت وبعد وساطات وتدخلات من دفع مبالغ مالية فأخرجوني «.
يضيف: «لم يكن هناك من سبب لاعتقالي.. سوى انني كنت في المنزل، بل حتى لم أعتقل وفي حوزتي سلاح أو أي شيء آخر ليقال انني كنت مسلحا او من افراد العصابات المسلحة كما يدعون«. وهذا يدل على أن التوقيف في سوريا عشوائي واعتباطي ومن دون سبب.فلقد تم اعتقالي في 20 شباط 2011 وقضيت في المعتقل خمسة أشهر..عند دخولي المعتقل كانت قدماي سليمتين، لكن جراء صنوف ووسائل التعذيب بالكهرباء أصبت بمرض الغرغرينا. وفي المستشفى لم أتلق أي علاجً ولم أحظ بأي اهتمام، العلاج في هكذا مشافي يسمى بلغتنا «هات ايدك والحقني».. لاحقا خرجت مجددا الى السجن المركزي، حتى قامت شقيقتي بتعيين محام لي وساعدني أهل الخير بدفع ما هو متوجب كي أخرج«.
واختتمت الجلجلة من السجن الى يبرود فلبنان بمساعدة أصدقاء عن طريق عرسال الى عكار.
جمعة: حكموا عليّ بالـ«فتاق»
أما عبد السلام محمد جمعة من حمص باب عمرو، فبدأت حكايته مع الاعتقال في أيّار من العام الفائت، يروي: «سجنت لأنني من باب عمرو وهذه هي تهمتي الوحيدة. نقلوني الى أمن الدولة وبقيت هناك حوالي العشرين يوما وبعد ذلك الى الرباعية واستدعيت الى التحقيق الذي هو الأصعب والامر بالنسبة لي ولسائر المعتقلين».
ويستعرض مراحل التحقيق على مدى خمسة أيام متواصلة :» يبدأ من التاسعة ويبقى مستمرا من ثلاث ساعات الى أربع ساعات، وتترافق الاسئلة مع ضرب مستمر وتعذيب مبرح.. فكل معتقل يواجه ما يواجهه حسبما هو مكتوب له ومقدر«.
ويضيف: «هناك أناس يتم رش المياه الساخنة جدا على اجسادهم، آخرون يصعقون بالكهرباء، وبعضهم يتم ضربهم بغاية الوحشية والمذلة.. بالنسبة الي قضيت خمسة أيام في التعذيب، في اليوم الأخير وكان نهاية الدوام، أي يوم الخميس وعند الثانية ظهراً، وكنت طبعا معصوب العينين، فلا اعرف أين وكيف، تعرضت للضرب والدفع والدعس، وأدخلوني الى غرفة حيث أجبروني على «البصم»، ومعنى هذا أنّ التحقيق انتهى».
ويروي ما حصل معه من أشكال التعذيب وألوانه: «ضربت بقساطل المياه البلاستيكية، أي ما يسمى البواري التركية، وفي المرحلة الأخيرة وعند البصم أي عند نهاية التحقيق، كان هناك رجلان واحد من اليمين وآخر من اليسار وكنت في حالة يرثى لها وغير قادر حتى على الوقوف، في هذه اللحظة قام أحدهم بضربي على بطني وصدري وبسبب ذلك أصبت «بالفتاق».
عن حالته يقول جمعة:» أنا الآن غير قادر على العمل وإن أجهدت نفسي قليلاً أعاني من أوجاع كثيرة في كل جسمي، لا أستطيع أن أحمل أكثر من خمسة كيلوغرمات، علما أني كنت أعمل معلم بلاط وهي مهنتي الاساسية التي كنت اعتاش منها، واليوم لا أستطيع ممارسة ومزاولة هذه المهنة التي تحتاج الى قوة وحمل اثقال، كما أن رجلي جراء الضرب والكسور والضرب المبرح على الظهر شبه متعطلتين«.
عن كيفية خروجه من المعتقل يقول: الحظ وحده هو الذي أخرجني من السجن، هناك لا يزال البعض ومن باب عمرو في السجن حتى هذه اللحظة، أي منذ حوالي السنة والنصف وهم معتقلون، اليوم نسأل عنهم فيقال لي أن البعض منهم إما مجهول المصير واما لم يخرج بعد».
وعن سبب نزوحه الى لبنان بعد الافراج عنه:» جئت الى لبنان مع سائق سرفيس تواصلنا معه عن طريق بعض الأقرباء وسردت له قصتي في سوريا، وقلت له عائلتي في لبنان فأخذ اسمي الثلاثي وقال لي أنه «سيفتش لي عند الحدود « أي يحاول معرفة إن كان لي اسم عند نقطة الحدود فيما يسمى بالأمانة السورية، فإذا كان هناك اسم لي أي مطلوب فلا يمكن العبور..
وبعد التأكد كفل لي ايصالي الى لبنان،حيث أعيش في ظل هذه الظروف الصعبة..
ويختم جمعة: «أنا لا أريد الانتقام لأن الله هو من الذي ينتقم، وممن سأنتقم.. أنا لا أعرف حتى من الذي عذبني.. بل من أنا حتى اواجه النظام وهل اواجه وحدي.. ليس لدي قدرة حتى أواجه النظام لوحدي وهذه هي الحقيقة، إذا كان كل العالم قد أدار ظهره لهذا الشعب ماذا بقي لنا نحن... كل ما نقوم به من اجل قضيتنا ونفعله ممنوع دوليا، بينما هو يستخدم البراميل المتفجرة والطيران والسلاح المحظور.. العالم لم يفكر ولو لمرة واحدة في انقاذنا.. ما يهمني اليوم هو كيف نأكل ونشرب وأطعم أولادي وهذا ما يقلقني اليوم..«.
No comments:
Post a Comment