ورشة عمل لتصويب "الانحطاط الإعلامي" في تغطية المواضيع الاجتماعية
عندما يردّد أطفالنا ألفاظاً بذيئة، أو جارحة بحق أحدهم، بعد مشاهدة حلقة من برنامج حواري معيّن، وعندما يستبق الاعلامي نتائج التحقيقات بقضية اجتماعية معينة، او يجعل من مادته أيا كان نوعها، منبرا لإحراج بعض الحالات الاجتماعية التي شاء القدر ان يخصصها بشيء من المعاناة، تصبح اعادة رسم خارطة طريق اخلاقية للتغطية الاعلامية في المواضيع الاجتماعية أمراً واجباً، حتى وإن بقيت هذه الخارطة، في اطار المثاليات التي انقرضت على عتبة السبق الصحفي، واضمحلت في لعبة جذب المتلقّي، الا ان يبقى من الضروري التذكير بها والتأكيد عليها في عصر انحطّ فيه بعض الاعلام والاعلاميين الى ما يطلبه بعض الجمهور حتى لو كان فساداً، إرهاباً، وتشهيراً...عوضاً عن محاولة القيام بالعكس.
تحت عنوان "الإعتبارات الأخلاقية والتغطية الإعلامية للمواضيع الإجتماعية"، عقدت جمعية العناية الصحية امس ورشة عمل للإعلاميين برعاية وزير الإعلام رمزي جريج، مُمثّلاً بالمستشار أندريه قصّاص، وحضور ممثل نقيب المحرّرين الأستاذ ابراهيم عبده الخوري، ومديرة الوكالة الوطنية للإعلام لور سليمان، والأمينة العامة للمجلس الأعلى للطفولة ريتا كرم، ومديرة جمعية العناية الصحية كارين نصّار.
أرقام مقلقة
وفي دراسةٍ عن اخلاقيات المهنة، عرضتها مديرة الوكالة الوطنية للإعلام لور سليمان، اجرتها احدى الطالبات في المعهد الوطني للادارة التابع لمجلس الخدمة المدنية على عينة من الشباب اللبناني، تبيّن من خلال هذه الدراسة ان 92% من العينة يعتبرون أن وسائل الإعلام اللبنانية غير ملتزمة بالأخلاقيات الإعلامية؛ ووافق 66% على أن الوسائل المذكورة تعبّر عن هموم المواطنين وقضاياهم اليومية، وأجمعت نسبة 88% على وضع ضوابط على حرية الإعلام وإلزامها بمواثيق الأخلاق، وأجاب 52% أن علة الإعلام اللبناني هي كل ما يلي مجتمعاً: "على رأسها التبعية والتمويل، ويليها غياب الموضوعية والدقة، الطائفية، الإنحلال الأخلاقي" . وأظهر الاستبيان أن نسبة 82% لا يثقون بمصداقية الإعلام اللبناني.
شرعة سلوك
وانطلاقا من ذلك، أكدت سليمان ان على وسائل الإعلام "اعتماد شرعة سلوك مهني تتركز على طريقة تعامل وسائل الإعلام مع موضوع تغطية إعلامية عقلانية وواقعية، مع ضرورة التقيد بأخلاقيات المهنة وأهداف المصلحة العامة"، على ان تطبق شرعة المبادئ التالية: "الرقابة الذاتية من الاعلاميّ نفسه، الإحجام عن نشر كل ما يحض على العنف والكراهية، الحذر من الانزلاق من النقد إلى الإهانة، ومن المعارضة إلى التهديد ومن المساءلة إلى القدح والذم، ومن اختلاف الرأي إلى التخوين، والتشديد على أن السرعة في نقل الخبر، في ظل المنافسة الشديدة، لا تبرر التسرع في الاستغناء عن المصادر الموثوق بها وفي عدم التحقق من المصادر وصدقيتها...".
ركائز واهداف
وقدّمت منسّقة البرامج في جمعية العناية الصحية، ناديا بدران تعريفاً عن الأخلاقيات وماهيتها، مشيرة الى ركائزها الأساسية، وأهداف وسائل الإعلام في توصيل الرسائل ( المعنوية، التوجيهية، التنموية، والتثقيفية..)، وفي تحسيس الرأي العام حول موضوع ما، وإشراكه بنشاطات وأعمال تنموية، بما فيها التغيير والتنمية والتحرير، وذلك من خلال 3 ركائز اساسية وهي "الدقّة والموضوعية والإنصاف". وتطرّقت الى مدوّنة قواعد السلوك التي تقوم على احترام الحقيقة والصدق والأنصاف وحقّ الجمهور بالحصول على المعلومات، واحترام مبدأ التمييز والمصلحة العامة، واحترام الخصوصية والآداب العامة، والتمييز بين الوقائع والآراء.
فروقات وقواسم
فيما عرضت المسؤولة في جمعية "العيش بإيجابية" ريتا وهّاب "للصعوبة في التعامل مع الإعلاميين في ما يتعلّق بإجراء مقابلات مع أشخاص متعايشين مع مرض نقص المناعة المكتسبة والمدمنين على المخدرات"، وطلبت من أحد الإعلاميين إجراء مقابلات حيّة كنموذج عن الأسئلة التي تُطرح عادة مع الأشخاص المتعايشين مع المرض وتجرح كرامتهم ولا توصل الرسالة المطلوبة.
وشرحت الأمينة العامة للمجلس الأعلى للطفولة ريتا كرم، العلاقة بين العمل الإجتماعي والإعلام التي تتكامل حيناً وتتناقض حيناً آخر، مشيرة الى أنّ "الفرق بينهما يكمن في أنّ العمل الاجتماعي يراعي سريّة المهنة وكسب ثقة الطفل، في حين أنّ الإعلام لا يحترم السريّة المهنية ولا يراعي مشاعر الأطفال، أمّا القاسم المشترك بينهما فهو التوعية". وتناولت المبادىء الأساسية لشرعة أخلاقيات التعامل الاعلامي مع الطفل التي تقوم على عدم ذكر إسم الطفل بالكامل أو نشر صوره، وعدم نشر إسم والديه أو صورتهما، وعدم إجراء مقابلات تلفزيونية مع الأطفال وعرضها. وأشارت الى أنّ القانون رقم 422 حول "حماية الأحداث المخالفين للقانون أو المعرّضين للخطر"، في المادة 48 منه يُحظّر نشر وقائع التحقيق والمحاكمات والصور، وإلاّ تعرّض المخالف لعقوبة السجن من 3 أشهر الى سنة، وللغرامة من مليون الى 5 مليون ليرة، أو لإحدى هاتين الحالتين.
تحديات وتوصيات
وتوزّع الإعلاميون على مجموعتي عمل، إحداهما خصّصت للوسائل المرئية والمسموعة والثانية للمكتوبة، جرى خلالها عرض للتحديات التي يواجهها الاعلام اليوم على مختلف المستويات، وأقرّوا ما يواجهها من توصيات. فأجمع الإعلاميون على ان التحديات تتلخّص في سياسة المحطات الاعلامية، المنافسة الإعلامية، الترويج والتسويق (بغض النظر عن المضمون الذي يكون في بعض الأحيان متدنياً)، الجهل وعدم الإلمام الكافي بالمواضيع المطروحة وطريقة تناول الحالة الإجتماعية، سرعة تداول الخبر خصوصاً على وسائل التواصل الاجتماعي والمصادر غير المضبوطة، والتوفيق بين ما يريده الرأي العام والأخلاقيات المهنية. وتوصلوا الى توصيات يجب ان يتبعها الاعلامي في تغطيته للمواضيع الاجتماعية، وكان اهمها، رقابة ذاتية مستدامة، وجود ضوابط ومعايير مهنية ومرجعية رقابية وقانون محاسبة، تكريس وتعزيز مفهوم الإعلام- الرسالة، إعادة هيكلة موحّدة للجسم الإعلامي، تفعيل الرقابة الذاتية من الوسيلة الإعلامية على البرامج، دورات تثقيفية تدريبية من الجمعيات والجامعات المختصّة، ضرورة التقيّد بالمواثيق الإعلامية، التأكّد من الأخبار المتداولة على مواقع التواصل الإجتماعي قبل نشرها، والتعاون والتنسيق ما بين الاعلام والمؤسسات المعنية بالمواضيع المطروحة.
وتمّ التوافق ختاماً على ضرورة تقديم هذه التوصيات الى كلّ من وزير الإعلام، ونقابتي المحرّرين والصحافة، والمجلس الوطني للإعلام، وأصحاب المؤسسات الإعلامية، ووزير التربية، لكي يحيلها بدوره الى كليات الإعلام "من أجل تطبيق هذه التوصيات خدمة للمجتمع والصالح العام".
No comments:
Post a Comment