محمد حرز يحرق نفسه احتجاجاً: استمرار الاعتقال التعسفي للحشّاش وسليمان
احراق الشاب محمد حرز نفسه امام المحكمة العسكرية امس، لم يكن عملا مرحباً به من جانب مجموعات الحراك المدني، التي رأت ان السلطة لا تتمتع بأدنى الاخلاق كي تستجيب للوجع. الا ان ما قام به هذا الشاب اليائس مثّل انذارا مهما على المسار الذي تتخذه الاحتجاجات نتيجة التعسّف والوقاحة غير المحدودتين
هديل فرفور
أقدم الشاب محمد حرز (25 عاما)، أمس، على إحراق نفسه امام المحكمة العسكرية في بيروت. قرابة الخامسة عصرا، «غطّى» نفسه بالبنزين ورمى بعضا منه على يوسف الجردي، الشاب الذي كان واقفا بالقرب منه، اضرم النار في جسده وبدأ بالركض مشتعلا، فيما نجح الجردي بالهروب وتفادي النار، ليقترب اياد (16 عاما) من حرز محاولا اخماد صديقه فأصيب بحروق متوسطة في يديه. حاليا، يقبع حرز في مستشفى الجعيتاوي، ويعاني حروقاً متوسطة الى خطيرة، بحسب ما نقل بعض زائريه على ألسنة الاطباء هناك.
خيار النار الذي لجأ اليه حرز لم يكن احتجاجا على مقاضاة متظاهرين «عسكريا» فحسب، فعلها لانه «يائس»، على حد تعبير اياد، الذي يقول ان صديقه يعيش حياة صعبة ومعدمة: «هو لا يعمل، بيتو تعتير وحياتو كمان». يحاول اياد تبرير ما قام به رفيقه، الذي تعرّف عليه منذ بداية الاحتجاجات: «آتي يوميا من صور لاشارك في التظاهرات لاني اشعر باليأس من الواقع، فما بال محمد الذي يكبرني بـ 9 اعوام من اليأس». الا ان اياد يرفض ما قام به محمد، «هذه الدولة ما بتستاهل نموت كرمالها».
قرار حرز لم «يستسغه» الكثير من الناشطين وفي اوساط مجموعات الحراك المدني. هؤلاء، أجمعوا على ان حرز مُعدم، ويدفع نحو «الكفر»، الا انهم رأوا ان معركتهم تقتضي ان «يوجعوا السلطة لا ان يتوجعوا وهي تتفرج». يقول الناشط في حملة «بدنا نحاسب» احمد ضاهر إننا «لسنا امام سلطة أخلاقية، يؤلمها مشهد النار او الاضراب عن الطعام»، وبالتالي، المطلوب هو ان نبادر في ردّ الوجع الذي تسببت به السلطة لنا على مر سنوات.
منذ مدة، أقدم توفيق خوام، الرجل المسن المُقعد على احراق نفسه تحت جسر الكولا، لم تُحرّك «الدولة» ساكنا، ولم ترَ ان اقدام مواطن على الانتحار خبر يستدعي الوقوف عنده. انطلاقا من هذا المبدأ، اجمع ناشطو الحراك على ضرورة استخدام حادثة حرز وقرار المحكمة العسكرية، لشحذ الهمة سعيا لمواجهة السلطة التي تحرق مواطنيها.
احراق حرز لنفسه جاء بالتزامن مع إصدار قاضي التحقيق العسكري الاول رياض ابو غيدا، قرارا قضى بإخلاء سبيل ثلاثة من المتظاهرين الموقوفين هم: فايز ياسين، رامي محفوظ، وحسين ابراهيم مقابل كفالة مالية قدرها 100 ألف ليرة لبنانية، فيما ردّ طلب اخلاء سبيل كل من وارف سليمان وبيار الحشّاش، وابقاهما موقوفين.
سيعمد محامو الحراك الى التمييز ضد قرار القاضي ابو غيدا
لم يُفهم سبب ردّ طلبات اخلاء سبيل الحشاش وسليمان، علما ان الاخيرين، وبحسب القرار القضائي، ليسا متهمّين بجرم مُغاير او اضافي يستدعي تمديد مدة توقيفهما، إذ يرد في القرار ان المدعى عليهم الخمسة أقدموا على التعدي على عناصر قوى الامن الداخلي (..) ونزع الاسلاك الشائكة والعوائق الحديدية للوصول بالقوة الى مجلس النواب (..)، لـ «يُميّز» القرار فيما بعد بينهم، ويشير الى أن «فعل كل من المدعّى عليهم يختلف عن الآخر، لناحية الوصف القانوني والمادة الواجب تطبيقها استنادا للمشاهدات في الوثائق المصورة، وبالتالي النظر بطلبات تخلية السبيل على ضوء مضمونها».
لجنة المحامين الموكلة الدفاع عن موقوفي الحراك استنكرت قرار ابوغيدا، مشيرة إلى انه قرار «سياسي بامتياز». يقول المحامي واصف حركة ان جميع الموقوفين موجهة اليهم التهم نفسها، «فلماذا افرج عن البعض دون الآخر؟»، لافتا الى ان الجرم الذي يحاكم الحشاش وسليمان على اساسه يفترض مقاضاتهما بدفعهما غرامة مالية، فلماذا التوقيف؟
تشكك المحامية غيده فرنجية في ما يدّعيه القاضي ابو غيدا عن وجود أدلة ووقائع تثبت تورطهما بأعمال شغب. من جهته يقول المحامي شريف سليمان إن «السلطة السياسية الفاسدة اختارت أن تبطش بالمطالبين وتحاربهم من خلال القضاء»، ناعيا العدالة والسلطة القضائية المستقلة، مشيرا إلى ان ابقاء وارف وبيار «تعسفي»، ومشيرا الى انه قدم كافة المعطيات القانونية التي تناقض ما يدعيه قاضي التحقيق، لافتا الى ان المواد القانونية التي استند اليها القاضي «فضفاضة»، فيما رأت والدة وارف ان «ابنها مخطوف من الدولة وليس معتقلا، هو لم يقدم على فعل يستدعي توقيفه ومحاكمته كالمجرمين».
لن يحاول محامو الحراك تقديم طلبات اخلاء سبيل من جديد، بل سيعمدون الى تمييز قرار أبو غيدا. فقد باتوا يعوّلون على ضغط الشارع أكثر من تعويلهم على أي خطوة قانونية يمكنهم اتخاذها، بعدما فقدوا كامل الثقة بنزاهة وعدالة القضاء العسكري، وهو ما يترجمه قول المحامي حركة «لنا في الشارع حديث آخر».
استفزّ قرار ابو غيدا مجموعات الحراك المدني، التي دعت الى اعتصام حاشد عند الخامسة من بعد ظهر اليوم السبت في ساحة رياض الصلح، تحت عنوان «لانو الشريط هزن .. نازلين نهز الشريط»، وجاء في بيان الدعوة انها «لاجل حرية المعتقلين بيار حشاش ووارف سليمان، ولاجل حريتنا من نظام العصابة، لنهز اسلاك ظلمهم وقمعهم في ساحة رياض الصلح». ونفذت المجموعات مساء امس اعتصاما امام المحكمة العسكرية، لتجدد رفضها مبدأ «الترهيب والتخويف عبر محاكمة المتظاهرين عسكريا وتوقيفهم تعسفيا»، مستنكرة «التدخل السياسي السافر في القضاء»، فيما نصب اقرباء وارف خيما على الرصيف المقابل واعلنوا اعتصاما مفتوحا حتى الإفراج عنه.
نقاش محاكمة المتظاهرين «عسكريا» كان الحديث السائد بين المتظاهرين، الذين خبروا معنى ان «يُحاكم ضابط مدنيا»، على حد تعبير احدى المعتصمات، التي كانت تردد ما اثير عن «استشارات قام بها القاضي ابو غيدا مع ضباط ومسؤولين قبل اتخاذ قراره باستمرار توقيق الحشاش وسليمان».
امس، ارتفع مستوى الاستجابة مع دعوة المجموعات للاعتصام مقارنة بالدعوات السابقة. رئيس التيار النقابي المستقل حنّا غريب يقول ان ما حصل هو «انبعاث روح جديدة في الحراك»، لافتا الى ان المرحلة المقبلة تستوجب «وضع برنامج يمكّن المجموعات الانتقال من الحركة الاحتجاجية الى حركة تغييرية تعيد التصويب نحو هدف الحراك الاساسي».
بعض المعتصمين رأوا ان السلطة قررت اشغال الحراك في قضايا المعتقلين لاستنزافه. يقول الناشط في حملة «جايي التغيير» أيمن مروة ان قضية الموقوفين هي «جزء من قضية الحراك الا انه علينا الا ننجر الى ما تدفعنا باتجاهه السلطة وهو غض النظر عن مطالب الحراك»، لافتا الى ان المطالب الرئيسية تبقى برفع النفايات من الشوارع واستقالة وزير البيئة وتعميم مراسيم نافذة لتحرير اموال البلديات، وان»الافراج عن الموقوفين ورفض المحاكمات العسكرية» هما مطلبان رئيسيان من هذه المطالب.
No comments:
Post a Comment