"حراك" الخميس: اعتقالات وإصابات
إبراهيم بنوت
كاد بيان "الحراك المدني" في ساحة الشهداء في بيروت أن يصل إلى نقطة النهاية، وكادت التظاهرة الشعبية التي ضاقت ذرعاً بممارسات السلطة ورموزها أن تخلي ساحة التظاهر وتتفرق شِيَعَاً، إلا أن العقل الأمني الذي يدير "معركة" السلطة ضد الشعب، أبى أن يترك تحرك اليوم ليصل إلى خواتيمه التي أراد منظمو "الحراك" أن تكون سلمية و"بلا ضربة كف".
شارع "ويغان" المحصن بجدار حديدي قائم على قواعد إسمنتية، كان الشاهد على اعتقال عدد من المتظاهرين بينهم بيار حشاش ووارف سليمان وسينتيا سليمان، الذين نزلوا إلى الشارع، مع من نزل للمطالبة بالحق في العيش الكريم، كذلك فقد شهد الشارع نفسه على طول نَفس شعب أراد الحياة بكرامة تقيه ذل الموت أمام المستشفيات.
لم يعتد "الحراك" مهادنة السلطة وأمنها. أمهل القوى الأمنية ربع ساعة لإطلاق سراح شبابه المعتقلين، مهدداً بتخطي الحائط الذي يفصله عن ساحة النجمة. دقائق معدودة وجاء جواب الأمن عبر مدافع المياه التي أثبتت عجزها أمام إصرار المحتجين مرة تلو الأخرى، لأن من نزل إلى ساحات التظاهر كان بأمس الشوق إليها (المياه)، وهي الزائر الذي لا يأتي إلى بيوت اللبنانيين إلا بشكل متقطع. استقطبت مياه السلطة المتظاهرين بدل تفريقهم، إلا أنها تسببت بإصابات عدة في صفوفهم. هكذا أصيب الناشط عماد بزي في أذنه، الذي عانى صعوبات في السمع فنقل على أثرها إلى المستشفى للعلاج.
الهجمة المائية التي نفذها عناصر مكافحة الشغب لم تفلح في إحباط عزيمة المتظاهرين. أعاد هؤلاء تنظيم صفوفهم. تقدموا بثبات لينفذوا وعدهم، تكاتفوا معاً واقتلعوا الستار الحديدي، ثم عملوا على نقله ليغلقوا به شارعاً مجاوراً كانت قوات مكافحة الشغب تتجمع في نهايته، وتتحضر للإنقضاض على المتظاهرين عندما تحين لحظة المواجهة، فبات التحرك "مضطرا غير باغ" على مواجهة الأمن بأسلاكه الشائكة نفسها.
لم تعد القواطع الإسمنتية تشكل حائلاً أمام جموع المتظاهرين، أسقطوها بأيديهم وأزاحوها من مكانها. استشعرت القوى الأمنية خطورة ما أقدمت عليه. تحركت قوات مكافحة الشغب بعصيها لتنهال بالضرب على متقدمي التحرك، فيما تلبدت الأجواء بدخان القنابل المسيلة للدموع الذي ارتفع في فضاء الساحة حاجبا تمثال الشهداء وشعلة الحرية.
تسارع الأحداث خلط أوراق "الحراك" والسلطة معا. لم يجد المحتجون في جدار القوى الأمنية سوى أنه "جدار العار الذي يحمي زمرة سياسية مغتصبة للسلطة من أهلها الحقيقيين.. جموع الشعب اللبناني". لحظات تبدل المشهد، زاد عناصر الأمن من إطلاق القنابل المسيلة للدموع، ما أدى إلى إصابة عدد من المعتصمين بحالات اختناق.
علت الأصوات التي كانت تطالب باستقالة وزير البيئة محمد المشنوق "لفشله في إدارة أزمة النفايات"، وصدحت بالشعار الشهير "الشعب يريد إسقاط النظام"، داعية أيضاً وزير الداخلية نهاد المشنوق إلى الإستقالة بعد التعاطي العنيف من قبل القوى الأمنية.
حسم "الحراك المدني" أمره. وحدد المتظاهرون لاءات ثلاث: "لا مغادرة للساحات، لا رضوخ للترهيب الأمني ولا للتخلي عن المعتقلين"، وهذا المطلب الأخير (إطلاق المعتقلين) تم إدخاله كبند أساسي في بيان "الحراك" الذي كان منظمو التظاهرة قد أصدروه في وقت سابق وطالبوا فيه "بتحويل الأموال للبلديات، وتخلي السلطة عن تقاعسها والتحرك من أجل تحرير العسكريين المختطفين في جرود عرسال منذ أكثر من سنة، وإقرار قانون انتخابي جديد".
لاحقا أصدرت المديرية العامة لقوى الأمن الداخلي، بيانا عقبت فيه على الأحداث في ساحة الشهداء، مبررة التصرف العنيف لعناصرها، بإقدام "بعض المشاغبين على استفزاز عناصر مكافحة الشغب ومحاولة إزالة العوائق الحديدية والإسمنتية"، موضحا أن "بعض المتظاهرين قام برشق العناصر بالحجارة وعبوات المياه والمواد الصلبة، ما تسبب بسقوط إصابات في صفوف القوى الأمنية"، مشيرة إلى أنها "وبهدف الحفاظ على السلامة العامة ومنعاً لتفاقم الأمور. اضطرت إلى إستعمال وسائل مكافحة الشغب التي تستخدم في أرقى الدول الديموقراطية".
وعلى الرغم من تراجع أعداد المتظاهرين، إلا أن هناك من فضل منهم البقاء لمواجهة ممارسات القوى الأمنية، ولتبقى الساحة وكأنها "أرض معركة" لا يعلو في سمائها إلا دخان القنابل المسيلة للدموع.. وهتافات الغاضبين.
No comments:
Post a Comment