يقال إن السجن للرجال، وإن الاشخاص ذوي القلوب الضعيفة لا يمكنهم ارتكاب الجرائم وافتعال المشاكل. ورغم هذه الاقوال والنظريات، هناك أولاد سجناء، من الذكور والإناث، ارتكبوا جرائم وجنحاً مختلفة، مثل السرقة والقتل والإتجار بالمخدرات وممارسة الدعارة والقيام بأعمال ارهابية... ومارسوا أفعالاً مخالفة للقانون ومخلّة بالآداب العامة، وشكّلوا خطراً على غيرهم وعلى أنفسهم، لذا استحقوا السجن والعقاب أو التأهيل. أي شخص تجاوز الثانية عشرة من عمره، سواء أكان ذكراً أم أنثى، يصبح مسؤولاً ويُحاكم على الجرائم التي يقترفها ويدخل سجن الأحداث ليعاد تأهيله فيخرج إلى المجتمع مواطناً صالحاً. فمن هو الولد الحدث، وما الفرق بين الأحداث الذكور والإناث؟ وكيف يعيش الحدث داخل السجن وما الأفعال أو الجرائم التي يحاكم عليها، وما هي مدة عقوبته وكيف يمضي محكوميته في السجن؟ مجلة «لها» قصدت سجن الأحداث في منطقة رومية والتقت آمر السجن هناك النقيب محمد القرصيفي الذي تحدث عن وضع السجون بشكل عام وسجن الأحداث والقاصرات بشكل خاص، كما التقت المرشدة الاجتماعية السيدة ريتا دعيبس التي تواكب الاولاد الأحداث منذ لحظة دخولهم السجن وحتى خروجهم. أيضاً قصدت سجن القاصرات في منطقة ضهر الباشق والتقت المرشدة الاجتماعية المشرفة على القاصرات داخل السجن السيدة ماري رعد، واطلعت منها على أحوال القاصرات لتنشرها في هذا التحقيق.
غنى حليق
لم يكن الوصول الى سجن رومية سهلاً، خصوصاً بعد الاجراءات الامنية المشددة التي اتّخذت فيه. فالأسلاك الشائكة وحواجز التفتيش تطوّق المكان وتؤخر الوصول الى مباني السجناء رغم التصاريح والتسهيلات التي قُدمت لنا من قبل المديرية العامة لقوى الأمن الداخلي.
في سجن رومية، أطلعنا النقيب محمد القرصيفي على أوضاع سجن الاحداث والذي كان أفضل حالاً بقليل من سجن الراشدين، لننتقل بعدها إلى سجن ضهر الباشق حيث السجينات القاصرات يقبعن في ذلك العقار النائي كالمنفى، إذ هو عبارة عن منزل متواضع وسط حديقة مليئة بأشجار الصنوبر ويحيط به سور عالٍ ويحرسه عناصر من قوى الامن الداخي في الخارج، وتتولى حارسات إناث حراسته في الداخل. دخلت بينما كانت الفتيات السجينات يتناولن طعام الغداء، فوقفن فوراً لرد التحية ونظرات الخجل تملأ عيونهن. وإلى حين يكملن طعامهن، تجولت في المكان الذي كان وضعه شبه مقبول فهو يحتوي على كل المستلزمات الاساسية التي تحتاج اليها الفتيات، ومن ثم التقيت ببعض الفتيات اللواتي روين لي قصصهن وظروف دخولهن السجن، وهذه تفاصيلها...
قمر... اغتصاب ودعارة
بكثير من الحذر والخجل والارتباك تجلس قمر أمامي، تحني رأسها وكتفيها الصغيرتين وتغض نظرات عينيها الجميلتين لئلا تلتقي بعيني. الناظر اليها يظنها طفلة في الثالثة عشرة من عمرها، بسبب نحول جسدها، فيما عمرها الحقيقي خمسة عشر عاماً. قمر من التابعية السورية، توفي والداها واثنان من إخوتها خلال الحرب، فيما نزحت وشقيقها مع خالتها وخالها إلى لبنان. مأساة قمر ولدت مع تيتّمها ونزوحها على ما يبدو، إذ بدأت تعاني ظلم خالها لها وقسوته عليها منذ كانت في العاشرة من عمرها. دخلت قمر السجن بتهمة ممارسة الدعارة، وكانت تعرضت للاغتصاب في العاشرة من عمرها. تعترف بجرمها وتقول: «في البداية لم أفعل ذلك بإرادتي، إذ لاحقني الشبان أنا ورفيقتي وقاموا باغتصابنا. بعدها، عرض عليّ رفيقي العمل معه وأعطاني حبوباً مخدرة ودفعني للعمل في الدعارة». لا تستطيع قمر تفسير ما حصل معها بتسلسل، فهي مشوشة وتنطق الكلمة تلو الأخرى بخجل وعدم تركيز، وكأنها لا تريد استرجاع تفاصيل ما حدث معها. لذا لم أقسُ عليها أو أشعرها بأنها في جلسة استجواب، ولكنني فهمت منها أنها اغتُصبت وهددت بالقتل هي وصديقتها بينما كانتا تتمشيان في الساعة العاشرة ليلاً، على يد مجموعة من الشبان. وتروي قمر انها كانت تخرج ليلاً هرباً من خالها الظالم الذي كان يضربها بقسوة، وأن صديقاتها كن يأتين إليها وتخرج معهن ليلعبن في الحي. لم تخفِ قمر خبر اغتصابها عن خالتها، وقالت إنها اخبرت القاضي بالحادثة ولكنها لم تستطع التعرف إلى من اغتصبوها. وبعد فترة على حادثة الاغتصاب، مارست قمر الدعارة رغماً عنها، إذ اضطرت الى الهرب من البيت بسبب خوفها من خالها، لأنه وفق قولها «كان يريد تعليق مشنقتها». لم يكن لدى قمر ملجأ تذهب إليه إلا بيت رفيقها الذي ساعدها وشجعها على الهرب من البيت، ولما أصبحت في منزله حاول اغتصابها هو أيضاً فضربته وقاومته. وبعد نقاش طويل بينهما، عرض عليها العمل معه فوافقت من دون أن تعلم طبيعة العمل. توضح قمر: «لم أكن أعلم انه سيفعل بي هذا. عندما طلبت «بنادول» أعطاني حبوباً مخدرة، وبعدها عرض علي العمل معه فوافقت، وبات يأتي لي بالشبان ليل نهار... كان يستغلني ولا يدفع لي شيئاً، وكنت أبكي وأصرخ. ولكثرة ما بكيت طردني، وعدت إلى بيت خالتي وأخبرتها بما حصل معي، وبعد فترة تم القبض علي بتهمة الدعارة ودخلت سجن القاصرات». دخلت قمر سجن القاصرات منذ ستة أشهر، وهي لا تعرف حتى اليوم مدة عقوبتها، إلا أن القاضي وعدها بإخلاء سبيلها في حال كان سلوكها جيداً. هي تحب أن تعود للعيش مع خالتها لأنها الانسانة الوحيدة التي تحنّ عليها وتحتضنها. تمضي قمر الآن فترة سجنها براحة وأمان حيث كل شيء جيد وفق قولها، فهي تتعلم مهارات عدة، منها حياكة الصوف التي أصبحت بارعة فيها، وتنوي عند خروجها من السجن أن تصنع القطع الصوفية وتبيعها، لأنها تابت من العمل في الدعارة مؤكدة: «التوبة ما بقى عيدا». من اللافت أن قمر طفلة مدمرة نفسياً ومعنوياً، ولا تعرف معنى للفرح أو الأمل أو حتى الأمنية، لأنني عندما سألتها في ختام الحديث عن أمنيتها، تلعثمت في الرد وكأنها لا تحلم بغد أفضل، ربما لأنها طفلة لم تذق طعم الفرح والسعادة لذا لا يمكنها تمنيهما.
تتعاطى المخدرات وتبيعها
رندى. ك فتاة واثقة بنفسها تعرف ماذا تريد وتصرّ عليه حتى لو كان خطأ. هذه هي باختصار شخصية رندى ابنة السابعة عشرة. وجهها وجسدها لا يوحيان بأنها صبية، لأن شعرها القصير وآثار الندوب على جسدها وتعابير وجهها القاسية رغم جماله تظهر مدى الشقاء والبؤس اللذين عاشتهما وتنذر بأنها شخصية يصعب التعاطي معها.دخلت رندى السجن بتهمة تعاطي المخدرات والإتجار بها، وهي المرة الثانية التي تدخل فيها السجن، لأنها تتعاطى المخدرات وتبيعها منذ كانت في الثانية عشرة من عمرها. تروي رندى قصتها وتقول: «والداي منفصلان، وكنت أعيش مع والدي وزوجته. ولما كنت في الحادية عشرة من عمري، زوجني أبي شخصاً بعمر الـ45 ولم أوفّق بالزواج منه وعدت إلى منزل والدي، فما كان منه إلا أن أرغمني على العودة الى زوجي أو الزواج بشخص آخر. لم يعجبني الأمر فهربت من المنزل بمساعدة أختي الصغرى، وقصدت أختي الكبرى التي كانت تسكن في منطقة نائية، وهناك تعرفت على المخدرات وأدمنت عليها بعدما حاولت العمل في مجالات كثيرة ولم أفلح. تعلّمت تعاطي المخدرات من أختي، وأدمنتها وأصبحت أبيعها كي أؤمّن حاجتي منها. كنت أذهب إلى التاجر وأشتري منه الحبوب وأقف على الطريق لأبيعها. كنت أدرك أن هذا طريق الخطأ، لكنني لم أستطع التخلي عنه لأنني أدمنت المخدرات.
دخلت رندى السجن مرتين بتهمة تعاطي المخدرات وبيعها. في المرة الأولى، أمضت شهرين في السجن، ثم حُولت إلى مؤسسة «أم النور» لتُعالج من الادمان، ولكنها لم تتعاون مع القيمين على المؤسسة وهربت قبل انتهاء علاجها. توضح رندى: «كانوا يريدون علاجي وتعليمي، ولم أتجاوب لأنني لست مقتنعة ولم أرتح عندهم بسبب قوانينهم الصارمة... لم يرق لي الوضع فهربت بعد مضي خمسة أشهر».
مرت رندى بأزمات كثيرة، وأُدخلت الى مؤسسات عدة للمعالجة من الادمان، منها «دير الصليب» و «أم النور»، ولكنها لم تستطع الاقلاع عن تعاطي المخدرات. لذا تم القبض عليها أخيراً وأعيد سجنها لأنها هربت من مؤسسة «أم النور»، خصوصاً أنها قاصر ومن التابعية السورية ولا تملك أوراقاً رسمية.
تقبع رندى اليوم في السجن كتدبير حماية، وتحاول التأقلم مع الجو المحيط بها، وتنتظر بفارغ الصبر بلوغها سن الثامنة عشرة لتخرج من السجن وتمارس حياتها الطبيعية. وعن وضعها في السجن ومدى رضاها عنه، تعلّق رندى: «أعيش هنا بشكل جيد ولائق. لا فرق بين داخل السجن وخارجه إذ يتغير الاشخاص فقط. السجن يبقى سجناً وحجزاً للحرية مهما كان وضعه جيداً. أستمد قوتي من الأيام الصعبة. وعندما أخرج من السجن سأنتقم من الذين ظلموني وآذوني». وتستدرك رندى بالقول: «لا أريد قتلهما، بل تعذيب ضميرهما لا أكثر... أبي وأختي ظلماني وعذّباني ولا بد من معاقبتهما والانتقام منهما».
أكثر ما يهم رندى في الحياة، أن تكون قوية فقط كي تدافع عن نفسها، ولا أمنيات لديها أو رسائل ترسلها الى الناس، لأنها لا تهتم لكلامهم ولا تتدخل في شؤونهم، ولكنها تتمنى على كل فتاة ظُلمت مثلها ألا تسكت أبداً عن الظلم وتدافع عن نفسها بقوة.
هدى... طفلة تشتاق الى طفلتها
هدى .م فتاة في السادسة عشرة من عمرها، دخلت السجن بتهمة السرقة منذ شهر تقريباً، تاركة طفلة رضيعة في عمر السنة، وزوج يحبها ويسعى الى إخراجها بشتى الوسائل. تؤكد هدى أنها بريئة من التهمة المنسوبة اليها، وتشعر بالقهر والظلم لأنها مسجونة.
تروي هدى قصتها بخجل وحسرة: «أنا من الاشخاص المكتومي القيد، أي العرب الرحّل. كنت أعيش مع زوجي وعائلتي بأمان. وفي أحد الايام قصدت السوق مع قريبة لي لنشتري حذاء، وكان مع كل واحدة منا 20 دولاراً، فدخلنا الى محل للصيرفة لنحوّلها الى العملة اللبنانية، ولما كانت فئة الـ50 ألف ليرة مطروحة حديثاً في الأسواق، طلبت قريبتي من المسؤولة عن المحل عرضها علينا لنراها فقط، فلبّت الطلب ولكنها ارتابت عندما لمست قريبتي العملة وظنت أننا سنسرقها، وما كان منها إلا ان استدعت الشرطة وساقونا إلى السجن بتهمة السرقة».
تشير هدى الى أنها أخبرت القاضي بالحقيقة وتتمنى أن يتم إخلاء سبيلها قريباً، لأنها بريئة، فهي مسجونة اليوم بموجب مذكرة توقيف صادرة عن المحكمة، ولا تعرف المدة التي ستقضيها في السجن. زوجها يتابع قضتها ويحاول تسريع عملية خروجها. تشعر هدى بالضيق والانزعاج لأنها مقيدة الحرية وبعيدة عن طفلتها وزوجها وتحاول تمرير وقتها في السجن، والتأقلم مع قوانينه، لأن ما حصل معها أتعبها نفسياً، خصوصاً أن السجن تقييد للحرية وغربة عن الأهل. وعن وضعها في السجن وطريقة التعاطي معها، تقول بخجل وصوت خافت: «كل شيء جيد، وجميعهم طيبون، أنا منزعجة لأنني بريئة، وحزينة بسبب بعدي عن زوجي وابنتي وأهلي».
لا تكشف هدى تفاصيل كثيرة عن وضعها داخل السجن أو خارجه، كما لا تُحسن التعبير عما في داخلها. هي كباقي القاصرات لا تزال طفلة رغم أمومتها. جسدها، تعابير وجهها، حركاتها، أسلوبها في الحديث... كل ما فيها يشير إلى أنها قاصر، لا تدرك طبيعة بيئتها أو صحبة السوء التي قادتها إلى السجن الذي تتمنى الخروج منه في أقرب وقت.
آمر سجن رومية
النقيب محمد القرصيفي
يفيد آمر سجن الأحداث في رومية والمسؤول عن سجن الأحداث والقاصرات النقيب محمد القرصيفي بأن دخول أي شخص إلى السجن يتم بناء على قرار المحكمة أو حكم قضائي، ولا فرق بين قاصر أو بالغ بالنسبة الى آلية الدخول إلى السجن، ولكن قانون العقوبات يلحظ وضع الحدث وصغر سنّه، إذ يعتبره شخصاً غير مكتمل الأهلية. وبناء عليه، تكون غالبية الأحكام الصادرة في حقه مخففة، وتحدد عادة مدة سجنه وفق قرار القاضي وبما يتلاءم مع الجرم الذي ارتكبه. وهناك نظام في قانون السجون ينص على أن الحدث الذي يبلغ سن الرشد (18 سنة) خلال فترة وجوده في سجن الأحداث ولم ينه فترة عقوبته بعد، يمكن استبقاؤه فيه حتى عمر الـ 21 سنة في حال كان سلوكه جيداً كتدبير حماية له ومنعاً لاختلاطه مع السجناء البالغين. وعادة ما يراوح عمر الولد الحدث ما بين 12 و18 عاماً، إذ يوضع الاولاد الذين تتراوح أعمارهم ما بين 12 و14 عاماً في إصلاحية، فيما يدخل الباقون سجن الأحداث. والولد في عمر 12 سنة ويوم واحد يصبح مسؤولاً ويمكن الحكم عليه. أما الأولاد الذين تتراوح أعمارهم ما بين 7 سنوات و12 سنة فلا تُتخذ في حقهم تدابير منع الحرية في حال خالفوا القانون أو ارتكبوا جرائم، ولكن يمكن إخضاعهم للمراقبة الاجتماعية.
وعن أنواع الجرائم التي يقترفها الأحداث، يلفت النقيب قرصيفي الى أنها مختلفة ومتنوعة ما بين السرقة، وإدمان المخدرات والإتجار بها، والمشاركة في عمليات إرهابية كتجارة الأسلحة ونقلها، ووضع المتفجرات ونقل جثث وغيرها من الجرائم التي تتم غالباً بالتواطؤ مع الأب أو البيئة المحيطة بالحدث. وتشكل السرقة النسبة الأعلى بين الاولاد الأحداث، إذ تصل إلى 70 في المئة، فيما تتوزع الجرائم الأخرى على النسبة الباقية، لتشكل جرائم القتل النسبة الأقل بينها.
ويرى النقيب قرصيفي أن كل سجين بالغ أو قاصر يجب أن يحصل على أدنى حقوقه كأي إنسان آخر، إن من ناحية الطعام أو النوم أو الرعاية الصحية والسكن في غرفة مناسبة. ولكن مشكلة الاكتظاظ التي يعانيها سجن رومية بالذات تحول دون ذلك، إذ يضم ما يقارب الألف ومئة سجين بدلاً من 600 وهو المعدل الطبيعي لقدرته على الاستيعاب. ويورد النقيب قرصيفي أنه يحاول تجنيب سجن الأحداث مشكلة الاكتظاظ هذه، إذ تعتبر غرف السجن مقبولة إلى حد ما، وتتوافر فيها البيئة الصحية الجيدة والمنامة الصحيحة، كما تلقى دعماً واهتماماً من بعض الجمعيات التي تؤمّن للسجناء الأحداث المتطلبات الاساسية. «ما نسعى اليه هو فصل الحدث عن السجناء البالغين، بحيث نمنع اجتماعهم أو اختلاطهم ببعضهم بعضاً. ونخصص للأحداث مبنى خاصاً بهم، ونعمل على أن يكون توقيت فسحتهم مغايراً لفسحة السجناء الراشدين». أما بالنسبة الى اسلوب التعامل مع الأولاد الأحداث، فيشير الى أنهم يعاملون الأحداث بأسلوب مغاير لأسلوب الراشدين ويحاولون تأهيلهم وإصلاحهم مهما كان نوع تهمتهم. ويرى قرصيفي أن الولد في هذا العمر لا يزال غير ناضج وشخصيته لم تتكون بعد، وحتى لو كان يعيش في بيئة ملؤها الارهاب، يمكن إصلاحه وتقويمه، والسيطرة عليه وتغيير أفكاره وثقافته وتحسين سلوكه من خلال برامج التوعية التي تنفذ بالتنسيق مع الجمعيات والتي تتضمن نشاطات ترفيهية وتعليمية وتوعوية، إضافة الى زيارات رجال الدين الدورية الى السجن ليتواصلوا مع الأحداث. كما ننظّم لهم دورات تدريبية مهنية وتعليمية تمكّنهم في ما بعد من العمل بشكل محترم ولائق، ولدينا مشاغل للكهرباء والميكانيك ومعاهد مهنية يتعلم فيها الحدث اللغات والعمل على الكومبيوتر ويحصل على شهادات رسمية فيها.
وعن أعداد الأحداث الموجودين في السجن ومدى متابعتهم بعد انقضاء مدة سجنهم، يقول: «هناك حالياً ما يقارب الـ 137 حدثاً، ونستقبل خلال العام الواحد 450 ولداً حدثاً، وهو رقم كبير يحول دون قدرتنا على متابعه الأحداث بعد خروجهم من السجن، وقد يجعل البعض منهم عرضة لتكرار الجريمة لأنهم يعودون إلى البيئة نفسها التي دفعتهم الى ارتكابها».
وعن سجن القاصرات بالتحديد، يفيد النقيب القرصيفي بأن القانون الذي يطبّق على الأحداث الفتيان هو نفسه الذي يطبّق على الفتيات، ولكن أعداد السجينات الفتيات أقل بكثير من الفتيان، إذ تتراوح بشكل دائم ما بين 6 و 8 فتيات، وتتنوع جرائمهن ما بين السرقة والمخدرات والدعارة. ومن الممكن أيضاً ان تدخل الفتاة إلى سجن القاصرات كتدبير حماية في حال كانت معرّضة للانحراف أو للخطر وليس لارتكابها جرماً. وفي هذه الحالة، يقرر القاضي إدخالها الى السجن لحمايتها فقط. وبما انه لا يوجد مكان مخصص للحماية، توضع الفتاة في سجن القاصرات وتخضع لنظام السجن وقوانينه.
وكان مكان السجن قد استحدث قبل عشر سنوات بهدف فصل القاصرات عن السجينات البالغات. يقول النقيب القرصيفي: «هذا السجن عبارة عن بيت تبرع به أحد الاشخاص، فيه حراسة خارجية وداخلية، والفتيات يعشن ضمنه في جو مريح وآمن وشبه عائلي مع حارسة مسؤولة عنهن ليل نهار، ومرشدة اجتماعية تلازمهن وترشدهن في الفترة الصباحية. وبشكل عام، وضع هؤلاء الفتيات أفضل من غيرهن من حيث عدم الاكتظاظ، وتأمين كل حاجاتهن ومستلزماتهن الاساسية، فيطبخن ما يرغبنه بأنفسهن، ويتقيدن بالنظام والقوانين، ويتعلمن المهارات والمهن التي تؤهلهن للعمل بكرامة في ما بعد السجن. وتتراوح أعمار المسجونات ما بين 14 و18 عاماً، وتعيش كل فتاتين في غرفة واحدة، وفي السجن مطبخ مخصص لهن وغرفة للطعام ومشغل للحرف اليدوية، وباحة خارجية للفسحة».
أما بالنسبة الى طريقة التعامل مع القاصرات وفيما إذا كان يتم فصلهن وفق جرائمهن وحرصاً على عدم تأثيرهن في بعضهن، يشرح النقيب القرصيفي بأن «الفتاة التي تعرضت أو أُجبرت على ممارسة الدعارة، والفتاة التي تتعاطى المخدرات وتروّج لها، متشابهتان في الخطيئة، ولا يمكنني فصل الواحدة منهما عن الأخرى أو عزلها لمجرد مهنتها أو جرمها، لأن كل انسان معرّض للخطيئة، خصوصاً إذا نشأ في بيئة غير نظيفة تدفعه الى ارتكاب مثل هذه الافعال. المهم أن يتوب ويخرج من السجن. لكن المشكلة التي نواجهها، أننا نُصلح الأحداث ونرشدهم، لكنهم يعودون بعد انقضاء محكوميتهم إلى البيئة نفسها التي دفعتهم إلى ارتكاب تلك الجرائم وشجعتهم عليها، مما يجعلهم عرضة لارتكاب الجرم نفسه مجدداً. في العادة، تتابع المحكمة بعض الحالات وتعيّن مرشدة اجتماعية لمتابعتهم بعد السجن، ورغم ذلك يعود البعض الى السجن بسبب المحيط السيئ الذي يعيشون فيه».
يرى النقيب قرصيفي أن السجن مؤسسة إصلاحية تهدف الى تقويم المجرم وإصلاحة وليس الاقتصاص منه ودفعه إلى الجريمة أكثر، ولكن مشكلة الاكتظاظ وتعدد المسؤوليات وعدم وجود مبانٍ مخصصة لكل فئة عمرية تحول دون تحقيق هذا الهدف، ويختتم حديثة بالقول: «لا بد من حل مشكلة الاكتظاظ وتسريع جلسات المحاكمة ومتابعة الاشخاص الذين لا يستطيعون دفع الكفالات بعد انقضاء مدة حكمهم، ودعم السجن لوجيستياً حتى تُحل هذه الازمة».
المرشدة الاجتماعية ريتا دعيبس
تشير المرشدة الاجتماعية ريتا دعيبس إلى انها متعاقدة مع قوى الأمن الداخلي، ومهمتها التواجد في سجن الأحداث ومواكبة الاولاد الأحداث من فتيات وفتيان منذ وصولهم إلى السجن وحتى خروجهم، إذ يجب أن يتم تسلّم السجين الحدث بحضورها. فهي تستقبل الولد فور وصوله وتتعرف إليه وتفتح له ملفاً وتجمع كل المعلومات المتعلقة به كاسمه وعمره ووضعه العائلي وتفاصيل حياته وتاريخ عائلته وجنسيته ومستواه العلمي وقدرته على القراءة والكتابة، كما تخبره عن حقوقه وواجباته في السجن وتعرّفه على المكان الذي سينام فيه والمهارات والمهن التي يمكنه اكتسابها وتعلمها. وتتابع كذلك وضعه الصحي، إذ يتم إخضاعه لفحوصات طبية ومخبرية للكشف عن حالته الصحية والنفسية. كما تدرس طبيعة جرمه لتتابع ملفه مع المحكمة والقضاة، لأن القضاة يأخذون برأيها في ما يتعلق بسلوك الولد ووضعه».
وتضيف: «نحن نواكب الحدث في كل مراحل حياته في السجن وبعده، ونستدعي أهله في حال شارفت مدة سجنه على الانتهاء، كي يكونوا جاهزين لاستقباله نفسياً ومعنوياً». وفي ما يتعلق بالسجينات، تقول: «نطبّق عليهن الاجراءات نفسها من فحوص طبية ومخبرية عامة واختبار لقدراتهن على التحكم بالأشياء واستعمالها».
المرشدة الاجتماعية ماري رعد
تعمل المرشدة الاجتماعية التابعة لقوى الأمن الداخلي على متابعة الفتيات السجينات بشكل يومي من الناحية الاجتماعية والتربوية، بحيث تضع لهن برنامجاً يومياً وتشرف على تنظيم نشاطاتهن وتعليمهن وتدريبهن. تقول السيدة رعد «إن هذا المركز أنشئ عام 2004 لأهداف عدة اهمها: فصل الفتيات عن السجينات النساء بحيث يبقين وحدهن لأن رعايتهن التربوية والتأهيلية تختلف عن رعاية النساء، ولجعل الفتيات أيضاً يكتسبن مهارات وقدرات تمكنهن في ما بعد من العمل وكسب المال بطرق سليمة ومحترمة. وهو المركز الوحيد في لبنان الذي يستقبل الموقوفات والمحكومات القاصرات ومن كل الجنسيات».
وعن كيفية وصول الفتيات الى السجن وطبيعة حياتهن فيه، تفيد رعد بأنها تستقبل الفتيات وتفتح لهن ملفاً خاصاً وتجري لهن مسحاً طبياً فور وصولهن وتتبع معهن برنامجاً تصاعدياً، لأن الفتاة تكون عند حضورها بحالة نفسية سيئة، فتحاول التعرف إليها وإلى وضعها ومشاكلها وقدرتها على التأقلم والاندماج... عادة، توضع الفتاة فور وصولها في غرفة استقبال خاصة، وبعد التعرف إليها يتم نقلها إلى غرف أخرى وفق نشاطها والتزامها بالقوانين وتفاعلها مع رفيقاتها»، وتضيف: «عادة نصنف غرف المركز وفق التدرج الضوئي، فلكل غرفة اسم: فجر، بدر، شمس... وهذا النظام يحفز الفتاة على العمل والالتزام وتطوير نفسها كي تنتقل من غرفة الى اخرى، وفي حال تراجع سلوكها تُعاد إلى الغرف السابقة».
وتوضح رعد «أن ظروف هؤلاء الفتيات الصعبة أوصلتهن إلى هنا، فبعضهن كن يعشن في الطرقات، وأخريات خضعن لقمع أو عنف... وغالبيتهن لا يعرفن التفريق بين الصح والخطأ. فالفتاة التي تتعاطى المخدرات والكحول من عمر 13 سنة وتعيش على هواها، لا تعرف ضوابط ولا قوانين في غياب من يراقبها ويعلمها التمييز بين الصح والخطأ. لذلك ليس من السهل تطويعها وتغييرها. لدينا ورقة رابحة تشجعهن على التجاوب معنا، إذ من حقنا التنسيق مع القاضي بالنسبة الى سلوك الفتاة والاقتراح عليه تخفيف الحكم عليها وإخلاء سبيلها. وعن جرائمهن ومدة حكمهن، تلفت الى أن جرائمهن مختلفة ما بين السرقة والدعارة والمخدرات، إذ يختلف وضع كل فتاة عن الأخرى، لذلك تختلف مدة حكمها وفق ما يقرر القاضي. فبعض الفتيات يعدن فور رجوعهن الى البيئة نفسها الى ممارسة الجرم نفسه. نحن ننسق مع جمعيات كثيرة من أجل إيواء هؤلاء الفتيات في حال عدم توافر مأوى لهن بعد السجن، لأن معظمهن لا يأتين من بيوت وعائلات تعيش أوضاعاً طبيعية».
وتؤكد رعد: «تكتسب الفتيات في المركز مهارات عدة كغزل الصوف وصناعة الحلويات وتعلم اللغات... كما يخضعن لبرامج توعية طبية واجتماعية ويتعلمن التقيد بالنظام والقانون واحترام الآخرين. وتضيف: «أتابع عادة الفتيات وأرافقهن يومياً وأضع لهن برنامجاً وعليهن تطبيقه، فأُعين في كل يوم فتاة لتكون المسؤولة عن تحضير الطعام وترتيب المطبخ... ليتعلمن تحمل المسؤولية. أغلب النشاطات التي تمارسها الفتيات يجب أن تتم في حضوري من الساعة السابعة والنصف ولغاية الثانية ظهراً، تتابع بعدها الحارسة معهن باقي البرنامج. في العادة تستفيق الفتيات عند السابعة صباحاً ويحضّرن أنفسهن وينظفن ويفطرن وبعدها يطبقن البرنامج حتى الساعة الثانية، بحيث يتم تفتيشهن وإدخالهن الى غرفهن لغاية الخامسة والنصف عصراً فيعملن خلال هذه الفترة على تنظيف غرفهن ويشاهدن التلفزيون، ويتابعن وظائفهن في حال كن يدرسن. ومن السابعة وحتى العاشرة ليلاً يشاهدن التلفزيون بوجود الحارسة المرافقة لهن، بعدها تُقفل الغرف وتطفأ الأضواء حتى صباح اليوم التالي».
No comments:
Post a Comment