المعوّقون «وحدهم» أمام «التربية»: 0٫04 % فقط من المدارس دامجة
سعدى علّوه
لم تقف سيلفانا اللقيس عند الأرقام فقط. الأرقام ليست تفصيلاً، خمسمئة الف مواطن مهمّشون ليس تفصيلاً، لكن الحكايات الفردية أكثر إيلاماً من الأرقام. التفاصيل اليومية للأشخاص ذوي الإعاقة أكثر بشاعة من التعميم. وعليه، هناك أمام وزارة التربية حيث حطّ حراك اتحاد المقعدين اللبنانيين رحاله ظهر أمس، ومن على كرسيّها المتحرّك ونضال عشرات السنين، روت اللقيس خيبات عائلات الأطفال المعوّقين على مداخل المدارس الرسمية غير المجهزة لدمجهم، وعندما يتبين أن كلفة تعليمهم في مدارس خاصة دامجة ومختصة تصل إلى 15 الف دولار. حكت عن الإذلال الذي يتعرّضون له على أدراج المستشفيات التي لا تعترف ببطاقة الإعاقة التي يحملون. تحدّثت عن حيوات نحو 85 في المئة من بين الأشخاص ذوي الإعاقة «المعطلين» وليس العاطلين عن العمل ورحلتهم العصية لتأمين استقلاليتهم ولقمة عيشهم، عن وجعهم خلال أربعين عاماً على بدء الحرب الأهلية التي كانوا ضحاياها، وعن خيبة 25 عاماً من «السلم الافتراضي» الذي همّشهم.
وهناك بدا الأشخاص ذوو الإعاقة وحيدين إلا من متضامنين فرديين. لم تلب أي من مجموعات الحراك المدني دعوتهم للتضامن معهم في مؤتمرهم الصحافي «مانعني أتعلّم!» الذي دقّ أبواب وزارة التربية مع بداية العام الدراسي، المحطة الأكثر إيلاماً لطالبي العلم منهم، ولتهميشهم وإدارة الظهر ليس عنهم فقط، وإنما عن تطبيق القانون 220/2000 الخاص بحقوقهم، والذي ينص بموادّه على حقهم بالبيئة المدرسية والمنهجية الدامجة.
وحيدون ومن دون دعم الحراك حضوراً، بالرغم من أن عرباتهم المدولبة وعكازاتهم تتصدر كل تظاهرة واعتصام، بالرغم من أنهم أول من غسلته خراطيم مياه تظاهرة الخميس الماضي، وأحرقت عيونهم القنابل المسيلة للدموع. ومع ذلك وقع الاتحاد تحرّكه بـ «طلعت ريحتكم»، و «بدنا نحاسب»، و «جايي التغيير»، و «مستمرون» و«شعلة توفيق» و «عالشارع» تأكيداً على أن 500 ألف معوق ليسوا خارج قضايا هذا البلد ولا يعتبرون للحظة أنهم غير معنيين بالنضال لتحقيق دولة العدالة والمساواة واللافساد، وخصوصاً محاسبة الفاسدين.
ومن هناك دعت اللقيس وسائل الإعلام ومتضامنين إلى المشاركة في 21 تشرين الأول الجاري بتدقيق عشوائي ينظمه الاتحاد على المدارس في بيروت وجبل لبنان «ووفق المعايير الدنيا للتجهيز التي نصّ عليها القانون»، على أن تنطلق الحملة من أمام وزارة التربية.
ويأتي التدقيق إثر تأكيد ممثل وزير التربية في جلسة اللجنة النيابية لحقوق الإنسان حول تطبيق القانون 200/220، أن «الوزارة نفّذت كل ما هو مطلوب منها، من تجهيز المدارس ودمج التلامذة وإجراء امتحانات للتلامذة المعوقين»، ثم مغادرته الجلسة «من دون سماع رأي منظمات الأشخاص المعوقين!»، وفق اللقيس. ذلك أمر مستهجن من وزارة يفترض أن يكون دورها ريادياً في تطبيق الدمج التربوي على أصعدة تجهيز المباني، والتعامل مع الاحتياجات المختلفة للمتعلمين المعوقين في جميع المراحل التعليمية، وإعداد المناهج الدامجة، وإعداد الكوادر الإدارية والتعليمية المتخصصة
وباسم «حملة حقي»، قالت اللقيس «كفى استهتاراً بحقوقنا المشروعة، لقد مرّت خمس عشرة سنة على صدور القانون 220/2000 الخاص بحقوق الأشخاص المعوقين، وبعد تسع سنوات على صدور الاتفاقية الدولية حول حقوق الأشخاص ذوي الإعاقة، بينما الوزارات المعنية بالتطبيق لم تخطُ أي خطوة فعلية في مسار الدمج التربوي، سواء على صعيد التعليم الأساسي أو الثانوي أو المهني أو الجامعي».
ووثقت اللقيس حقيقة «مخزية» تفيد أن القطاع العام في لبنان، ممثلاً بالوزارات المعنية والحكومات المتعاقبة، هو «المعطّل الأول لوضع حقوق نحو 15 في المئة من اللبنانيين موضع التنفيذ». وسألت عن الاستراتيجية الوطنية للدمج، بما فيها خطة الدمج التربوي، وعن خطة الأعوام الاثني عشر لتجهيز جميع المدارس الرسمية في لبنان.
وختمت اللقيس مطالبة باسم كل الأشخاص ذوي الإعاقة، ومجدداً، بـ «رصد ميزانية للتجهيز الهندسي في المدارس الرسمية والمهنيات وفروع الجامعة اللبنانية، على أن يتمّ التنفيذ عبر وحدات متخصصة لكل مرحلة تعليمية على حدة، كما بوضع الاستراتيجية الوطنية للدمج موضع التنفيذ».
وسألت وزير التربية الحالي، كما السابقين، إن كان يتكل «على جمعيات مدنية هنا أو هناك لتأتي بتمويل لمدة زمنية محددة فتقوم بعدد من النشاطات حول التربية والتعليم للأشخاص المعوّقين كي تعتبر ذلك دمجاً تربوياً؟ أهذا يبني خطة مستدامة في إطار التنمية الدامجة؟».
وكردّ توثيقي، أعلن منسّق الوحدة الهندسية في الاتحاد بشار عبد الصمد عن «مسح أُجري على 997 مدرسة من أصل 1277 اي 78 في المئة من مجمل المدارس الرسمية والنتيجة سمّاها بالفاضحة، إذ تبين ان خمس مدارس من أصل ألف مدرسة أي بنسبة 0,04 في المئة والتي تحدث عنها مستشار وزير التربية، هي فقط مجهّزة فعلياً والباقي غير مجهّز»، لافتاً الى أن «المسح يتعلق بمواقف السيارات والمداخل وإمكانية الوصول الى الصفوف والحمامات».
وأشار الى ثلاث مسائل هي: «عدم التزام الدولة والوزارة بالقانون، الكذب بالمعاملات والادعاء، الشفافية فإذا كانت الأموال التي قيل إنها صرفت، فأين صرفت؟ أين المال العام الذي صُرف؟».
ودعا «كل الأهالي والمعنيين وكل أصحاب الحق بالمسح إلى القيام بمسح لـ 10 في المئة من المدارس لإظهار أن الادعاء بالتجهيز هو باطل».
وباسم التيار النقابي المستقلّ، دعت النقابية بهية بعلبكي الدولة إلى «تحمّل مسؤولياتها تجاه المعوقين وتجهيز المدارس لاستقبالهم، ودمجهم فيها».
No comments:
Post a Comment