القصّة الكاملة لتهديد القضاة والأمنيّين
مرلين وهبة
أعطى أبو بكر البغدادي أمير «الدولة الإسلامية» الضوءَ الأخضر لمهاجمةِ سجن روميه، بهدف إطلاق موقوفي «فتح الإسلام» والانتقام من القضاة الذين تولّوا توقيفَهم ومحاكمتهم، والأمنيّين المسؤولين عن تقصّي توافد الإرهابيين إلى لبنان والبحث عن الخلايا النائمة.وقد اتُّخذت احتياطات شاملة لمواجهة أيّ احتمال بهجوم سيّارة مفخّخة وانتحاريّين يقتحمون السجن. وتكثّفت الاتصالات على مدار الساعة في ضمان أمن الشخصيات الأمنية والقضائية.
أطلّ البغدادي، واسمُه الحقيقي ابراهيم عواد ابراهيم علي البادري السمراني، مواليد العراق 1971، عبر مقاطع مسجّلة على «موقع يوتيوب» يتحدّث عن بدء مرحلة جديدة تهدف الى تحرير أسرى المسلمين في كلّ مكان. وفي الشريط نفسه يتابع واحد من مجموعة البغدادي التهديد، ويَذكر سجن رومية من ضمن سجون عربية أخرى تضمّ سجَناء من أنصارهم سوف يحرّرونها قريبا»، حسبَ تهديداتهم.
ويعرض الشريط بعدها لقطاتٍ للموقوفين الإسلاميين في المبنى «ب» في سجن رومية بالإضافة الى حديث مصوّر من داخل السجن لـ»أبو عمر سليم طه» واسمُه الأصلي محمد زواوي، وهو سوري فلسطيني الأصل، كان قد صدر في حقّه قبل نحو شهر حُكم بالإعدام في ملفّ نهر البارد.
سيناريو الهجوم
التحذيرات التي وصلت الى الاجهزة الامنية تشعّبت، وأبرزها الجديدُ الذي يتحدّث عن مجموعات إرهابية تحضّر لعمل أمنيّ كبير للانقضاض على مباني سجن رومية بواسطة سيارات مفخّخة تقتحم المدخل الرئيسي لسجن رومية، ويتبعها تفجير انتحاريّين لحَصد أكبر عدد ممكن من الضحايا، ويقابل ذلك انتفاضة داخلية، حيث يقوم الموقوفون بخطف عسكريين، والسعي إلى الهرب بشاحنات سَوق السجناء إلى الخارج.
أمّا المعلومات الجديدة المُريبة، فهي تلك التي تتحدّث عن استهداف وشيك من قِبل البغدادي شخصياً ومجموعته لشخصيات أمنية وقضائية، ومنهم قاضي التحقيق الاوّل غسان عويدات ومفوّض الحكومة لدى المحكمة العسكرية القاضي صقر صقر ومفوّض الحكومة المعاون في المحكمة العسكرية القاضي داني الزعني، الذين هُم في دائرة الخطر، لعلاقتهم المباشرة في التحقيقات المتعلقة بتنظيمات «فتح الإسلام» وسجن رومية، و»جند الشام» و»جبهة النصرة».
القضاة المستهدَفون
فالقاضي عويدات هو الذي أصدرَ قرارات اتّهامية طلب بموجبِها الإعدام لعناصر «فتح الإسلام»، بنتيجة تحقيقات ملفّ نهر البارد.
والقاضي صقر هو الذي ادّعى بموجب أوراق الطلب على عناصر «فتح الإسلام»، و»جبهة النصرة» و»داعش»، بفعل ارتكابهم أعمالاً إرهابية أو نقل أسلحة، على الأراضي اللبنانية.
أمّا القاضي الزعنّي فهو المتخصّص في التحقيقات وتفكيك شبكات الجريمة المنظّمة في سجن رومية وخارجه، وقد قام بإدارة تحقيقات أوّلية مرتبطة مباشرةً بـ«فتح الإسلام» و«جبهة النصرة»، وبتجارة الأسلحة بين سوريا ولبنان.
أمّا أهمّ الموقوفين الإسلاميين المتشدّدين فهم: كمال خلف - السعودي فهد المغامس، السعودي خالد السويد، السوري محمد زواوي (وهو السوري الأصل الذي ظهر في شريط البغدادي) اليمني سليم صالح الملقّب بـ»أبو التراب، وخالد ملكة الملقّب بـ«أبو الوليد».
وفي المعطيات أنّه وفي 19 تمّوز 2012 أصدرَ قاضي التحقيق العسكري الاوّل في بيروت غسّان عويدات قراراً اتّهامياً بحق 130 عنصراً في «فتح الإسلام»، طلب بموجبه الإعدام لـ 88 منهم. واتّهم الباقين بجرائم الانتماء لتنظيم مسلّح إرهابي والقيام بأعمال إرهابية وقتل ومحاولة قتل عسكريّين ومَدنيين، والاعتداء على أمن الدولة الداخلي.
وفي 7 كانون الأوّل 2013 أصدرَ المجلس العدلي أوّل أحكامه في ملفّ نهر البارد، حيث حُكم بالإعدام على موقوفي «فتح الإسلام».
صقر صقر الحلقة الأساس
إدّعى صقر بعشرات أوراق الطلب على موقوفي فتح الإىسلام وجبهة النصرة وداعش والتنظيمات الإرهابية المختلفة، وقد شكّل القاضي صقر الحلقة الاساس بين الاجهزة الامنية والحكومة، كذلك أدارَ صقر كافة التحقيقات في مديرية المخابرات والامن العام وشعبة المعلومات، وقد فوّض بعضاً منها إلى القاضي داني الزعني، بعدما قام الاخير بإجراء التحقيقات الاوّلية في ملفات حسّاسة لها علاقة بجند الشام وجند الله وفتح الإسلام وجبهة النصرة.
الاحتقان السُنّي
أخذ القضاء اللبناني وقتاً لا بأس به قبل بدء خطواته الأولى لحسم ملفّ موقوفي «فتح الإسلام»، وقد برّر القضاء الأمر بأنّ الغاية من إجراء التحقيقات الأوّلية لزمَها هذا الوقت، ثانياً التحقيقات الابتدائية أمام القاضي عويدات كان من الطبيعي أن تأخذ مجراها لتحديد دورها الفعلي لكلّ المتّهمين منعاً من اتّهام شخص بغير الجرائم التي اقترفَها، وبالتالي استغرقَ هذا الملف سنوات حتى وصل إلى المجلس العدلي، حيث صدرَ أوّل قرار قضى بإعدام 88 عنصراً.
6 سنوات وتحضير لإمارة إسلامية في الشمال
خلال هذه السنوات كانت هناك مجموعتان تحاكَمان أمام المجلس العدلي.
المجموعة الأولى تتألف من الإسلاميين الأساسيين، وهم عثمان ابراهيم، طلال رضوان، وليد البستاني، محمد زواوي، يونس شلبي، محمد شلبي، جمال الدين ملص، نوري الحجة، كمال خلف، شادي ابو غنيم.
والمجموعة الثانية، وهي الأخطر، وتتألف من السعوديَين فهد المغامس (مجموعة-13)، وخالد السويد، واليمني سليم صالح الملقّب بـ (ابو التراب) وخالد ملكة الملقب بـ (أبو الوليد).
هاتان المجموعتان كانتا تقومان بأعمال تمرُّدية داخل السجن، يقابلها انتفاضات في البقاع الغربي وعكّار وطرابلس، هذه الانتفاضات المقابلة كانت للمطالبة بإخلاء سبيلهم، وقد كانت مطالبةً خارجة عن القانون، كون عناصر «فتح الإسلام» هم مَن أقدَموا على قتل وذبح عسكريّين ومَدنيّين، وبالتالي عندما حوَّل هؤلاء العناصر ولاءَهم من تنظيم «فتح الإسلام» إلى تنظيم جبهة النصرة زادَ العطف عليهم، بحُكم ولائهم للنصرة الذي وضعهم في خانة المواجهة مع النظام السوري، وبالتالي هناك جزء معيّن من المجتمع الإسلامي المناهض للأسد ونظامه نسيَ أنّ هؤلاء العناصر كانوا في الأساس إرهابيين قبل أن يلتحقوا بـ»جبهة النصرة»، وقد ذبحوا عناصر الجيش اللبناني قبل الثورة السورية بهدف إنشاء إمارة إسلامية في شمال لبنان، وبالتالي فإنّ التعاطف بالأساس ليس من اللبنانيين الذين يريدون الإمارة الإسلامية، إنّما من اللبنانيين الذين يريدون محاربة النظام السوري.
بعد الانتفاضات البغدادي يتوعّد
ويشكّل تهديد البغدادي للقضاة والأمنيين اليوم دليلاً إضافياً إلى أنّ هؤلاء ينتمون إلى تنظيم إرهابي، أي إنّهم إرهابيّون.
والدليل الآخر أنّه خلال السنوات الثلاث الماضية قام هؤلاء بعدّة عمليات تمرُّد داخل السجن تخَلّلها خطفٌ لعناصر من قوى الأمن الداخلي كرهائن، وإضرام النار والتهديد بقتلِ قضاة وعسكريّين. وقد أشار اللواء وسام الحسن قبل استشهاده في تقرير نشرَته «الجمهورية» سابقاً إلى أنّ هؤلاء ينوون قتلَ أمنيين وقضاة بعد التحضيرات لعملية هروبهم من السجن، وبالتالي فليس صدفةً اليوم أن يتوعّد البغدادي بقتل قضاة وأمنيين في حال عدم الإفراج عن هؤلاء الإرهابيين بعدما كانت شعبة المعلومات برئاسة الحسن كشفَت ذلك في عام 2011، وقد تولّى القاضي صقر حينها التحقيق في المسألة.
الأمنيّون
إنّ تهديد البغدادي اليوم لا يهدف فقط إلى إضعاف العمل القضائي الأمني فقط، بل إلى زعزعة الإنجازات الأمنية التي قامت بها مديرية المخابرات في الجيش وشعبة المعلومات وجهاز التحقيق والإجراء في الأمن العام، كون الثقل الأساسي في احتواء أيّ عمل إرهابي في المرحلة الاستباقية يقع على كاهل الأجهزة الأمنية. وتبعاً لعملية التنسيق في ما بينها تمّ توقيف الإرهابي الفرنسي في فندق «نابوليون» والسعوديّين في فندق «دو روي» واليمنيّين في فندق «رمادا»، وبنتيجة ذلك تمّ الادّعاء على سبعة إرهابيين وإحالتهم إلى قاضي التحقيق الأوّل في المحكمة العسكرية.
وبالتالي فإنّ هدف البغدادي اليوم هو الاقتصاص من الأمنيين اللبنانيين، ليس بسبب موقوفي روميه، بل بسبب الضربات الاستباقية التي أحدثتها الأجهزة الأمنية في الأسبوعين المنصرمين.
No comments:
Post a Comment