حرّية التعبير مقيّدة بقواعد المحكمة الخاصة
حكمت عبيد
لا يزال رئيس المحكمة الخاصة بلبنان القاضي دايفيد باراغوانث على قناعته بأن اتهامه صحيفة «الأخبار» و«تلفزيون الجديد» والزميلين إبراهيم الأمين وكرمى الخياط، إنما جاء «كضرورة قضائية لضمان سير العدالة ومنع أي جهة من ممارسة الترهيب بحق الشهود المفترضين»، وان ذلك يقع ضمن مسؤولياته المباشرة.
لم تنفع كل الرسائل التي تم إرسالها إلى رئاسة المحكمة وإلى القاضي المكلف في النظر بتهمتي التحقير وعرقلة سير العدالة نيكولا لتييري، وأجمعت كلها على عدم زج المحكمة في مواجهة مع الاعلام تحت عناوين يمكن معالجتها بروح من الحكمة التي تخدم قضية المحكمة ولا تمس حرية الاعلام.
ان غالبية الرسائل التي ارسلت إلى القاضي لتييري، «أُرسلت من موقع أصدقاء الحقيقة وليس أصدقاء المحكمة»، يقول أحد المسؤولين عن مؤسسة نقابية إعلامية، ويضيف: «كنا نأمل ان يعيد القاضي باراغوانث النظر في اتهامه الأخبار والجديد، فينتصر بذلك إلى الحقيقة وإلى مبدأ التعاون بين سلطتين مستقلتين هما سلطة الاعلام والسلطة القضائية، وهذا ما نأمله من القاضي لتييري».
لقد قرأ باراغوانث تقارير عن المواقف اللبنانية المتصلة بقراره الخاص بقضية التحقير، واستمع إلى عدد من قضاة المحكمة، وقد انقسمت آراء القضاة هذه إلى مجموعتين: الأولى تبنّت ما كتبه المحامي كينيث سكوت وهو ممثل الادّعاء في «قضية التحقير»، والثانية اعتبرت «ان الرسالة قد تبلغها الاعلام اللبناني ومن يقف خلف الاعلام اللبناني وقد آن الآوان لمخرج يحفظ للمحكمة حقوقها وللاعلام اللبناني احترامه».
وقد علمت «السفير» أن القضاة اللبنانيين في غالبيتهم تبنّوا الخيار الثاني باستثناء أحد القضاة الذي اعتبر انه «لا يوجد في لبنان دولة، والقضاء معطّل والاعلام يعمل وفق أجندات خارجية».
ويقول المحامي سكوت في رسالة إلى رئاسة المحكمة تناولت «الحجج اللبنانية» ان معظم الادعاءات الواردة في التقارير والدراسات المرسلة من لبنان «ترمي إلى حد عمل المحكمة بحادثة 14 شباط، وتدّعي ان على «المحكمة» واجب الحصول على موافقة السلطات اللبنانية قبل البدء بالتحقيق».
ويضيف سكوت «ان كل المحاكم الدولية تتضمن مواد مشابهة للمادة 60 من قواعد الإجراءات والاثبات لدى المحكمة، والتشريع المطلق جزء من سلطة محاكم كهذه، بما فيها محاكمة التحقير.
ويشدد سكوت في رسالته التي تبناها رئيس المحكمة، بأنه للمحكمة الحق في التعامل مع جرائم التحقير نظراً إلى ضرورة المحافظة على حسن سيرها في التشريع ووفقاً لما تراه مناسباً بغية منع عرقلة سير العدالة...
ويستند سكوت إلى المادة 28 من نظام المحكمة التي «تعطي القضاة الحق في إقرار تشريعات جديدة»، وبالتالي «لا حاجة لإبلاغ السلطات اللبنانية بأي قرار جديد».
ويعتبر سكوت ان اي قراءة مغايرة للنصوص القانونية ستكون على حساب العدالة، فالمحاكم الدولية تتمتع بحق مقاضاة كل من يحقّر المحكمة كجزء من السلطة الممنوحة لها.
وفيما يتعلق بدور محكمة المطبوعات في لبنان يرى سكوت ان المحكمة الخاصة جسم قضائي متوافق عليه مع الدولة اللبنانية، والمحكمة هي المسؤولة عن معالجة مسألة تحقيرها.
ويستند سكوت إلى قرار سابق صادر عن محكمة الاستئناف لدى المحكمة الخاصة ليخلص إلى ان المحكمة بمثابة الجهة المستقلة، ويمكن ان تغير في نظامها الداخلي حسب ما تراه مناسباً لحسن سيرها، وقد تتمتع بسلطة قضائية أكثر من اي جهة محلية. وان السلطة الممنوحة لها تعطيها الصلاحية لمعالجة أمور عدة، أوسع بكثير من مهمتها الاولى ويشمل ذلك كل ما يمس بعملها.
وذكر سكوت ان حرية التعبير بالاستناد إلى المادة 19 من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان، محددة ضمن إجراءات المحاكمة، «ولا يمكن للصحافة ان تستعمل للتدخل في شؤون المحكمة وسيرها».
فالمحاكم «لطالما أقرت ان حرية التعبير ليست حقاً مطلقاً، والاعلام وغيره لا يحق لهم الكشف عن المعلومات السرية».
كلام المحامي سكوت يؤشر إلى المنحى السلبي الذي قد تمضي به قضية محاكمة الزميلين الأمين والخياط، وهو ينطوي على عدم فهم لحقيقة الدور المتقدم للإعلام اللبناني وحقه في الوصول إلى المعلومات ونشرها إذا ما وجد بنشرها مصلحة وطنية عامة.
ويقول أحد الحقوقيين المتابعين: «ان تقدير المصلحة الوطنية، لا يمكن ان يكون حقاً حصرياً لمؤسسة قضائية دولية طارئة على حياة اللبنانيين، ووظيفتها محددة ومؤقتة، فتغير بسنواتٍ عابرة ما تراكم من أسس لحريةٍ مسؤولة بناها إعلاميون وصحافيون ومشرعون كبار، على مدى عقود في لبنان».
No comments:
Post a Comment