الداية: محكمة لبنان أضحت حقيقة
ولا يمكن تجاهلها
ولا يمكن تجاهلها
المستقبل - الثلاثاء 31 أيار 2011 - العدد 4012 - مخافر و محاكم - صفحة 10
ألقى نقيب المحامين في طرابلس بسام عشير الداية كلمة في مؤتمر "المحكمة الجنائية الدولية الى المحاكم الخاصة فإلى المحكمة الخاصة بلبنان ـ تطور المقاضاة" الذي انعقد ما بين 26 و28 أيار الجاري في فندق البستان في بيت مري ننشر في ما يلي نصها: "سرّني أن تكون لي مساهمة في هذه الجلسة الافتتاحية لمؤتمر العدالة الجنائية الدولية وذلك تلبية لطلب أعزاء لي وأخص بالذكر الصديق النقيب الأستاذ رشيد درباس ومشاركة أيضاً من نقابة المحامين في طرابلس، التي لي شرف المسؤولية عنها، في لقاء يضع الأمور تحت مجهر القواعد القانونية ويقلبها بأقلام وألسنة علماء تسكنهم الرصانة، مجربون في العقل والفعل والعدل، خبراء في أمور استقامة الميزان. حتى لا يقال أن العدالة الجنائية الدولية ليست لنا بل علينا وأنها عدالة المنتصرين على المهزومين، وأن ما يُسيّرها الانتقائية البغيضة التي يتناقض وجودها جوهرياً مع مسمى العدالة ومقاصده. كان مؤتمركم بعنوانه العريض "من المحكمة الجنائية الدولية الى المحاكم الخاصة فإلى المحكمة الخاصة بلبنان تطور المقاضاة" ليناقش تلك المواضيع بعد أن برزت الحاجة لمعاقبة الإفلات من العقاب على المستوى العالمي ووجوب معاقبة مرتكبي الجرائم الأفظع من خلال محاكم دولية تستند الى مبدأ التكامل مع المحاكم الوطنية وتُسمّى محاكم الملاذ الأخير. إن تطوراً كبيراً طرأ على فكرة العدالة الجنائية الدولية وعلى الأداء معاً في أقل من قرن من الزمان، حيث راح ينزع المجتمع الدولي الى أن يكون حاضنة تحاول أن تنفي العدالة من شبهة الانحياز الى المنتصر وأن يخلق مناخات ملائمة تتسرب الى فضاءات الدول للحد من الإفلات من العقاب دون تمييز بين لون أو جنس أو عرق أو دين ودون تمييز بالأخص بين دول فوق القانون ودول تحت سلطة القانون إذ انه لا بد من مساواة الجميع أمام القانون. إن الإنصاف والحذر يقتضيان معاً أن أعلن أن التجارب لم تكن كلها مشجعة ولكننا ننظر بعين التفاؤل الى السعي الدؤوب من قبل المحاكم وقضاتها ورجال القانون والنقابات وهيئات الدفاع عن حقوق الإنسان بضرورة تنقية آلية العدالة الدولية بالاجتهادات والدراسات والإصرار على مناقشتها علناً من أجل تحصينها بأسوار منيعة من العلم وبدعم من الرأي العام توطئة للوصول الى يوم تتخلص فيه فكرة العدالة نهائياً من إمكان التأثر بالمشهد السياسي السائد وبأسياد هذا المشهد ممن يمسكون أزمة القرارات السياسية والاقتصادية. نحن من المقتنعين بأن الغائب لا صوت له، فالمحاكم الجنائية الدولية أضحت حقيقة ولا يمكن أن تتجاهلها بعض الدول الى ما لا نهاية، ومن هنا أهمية النقاش وأهمية المؤتمر لنؤكد من خلاله أن العدالة يجب أن تكون مستقلة وأن لا تشوبها شائبة وأنها للشعوب وخيرها وتقدمها وأمنها بل أنها محكمة الشعوب لا الدول. وإننا إذ نرى أن أي مجتمع ديموقراطي راقٍ يعكف على تنزيه العدالة لديه ليقينه أنها وسيلة وصول المواطنين الى حقوقهم، فإننا نرى أيضاً من خلال ورشات عالمية كثيرة، ومؤتمركم يدخل في صميمها، أن الشعوب تتملكها ـ رغبة أكيدة في تعميم شعار جديد "العدل أساس السلام الدولي" خاصة وأن الضمير العالمي أصبح يرفض بحسم وحزم فكرة الارهاب القائمة على سحق إرادة الآخر بواسطة القوة الغاشمة، ولقد سطعت أمامنا منذ مدة وجيزة تلك المطالعة القانونية البليغة للسيد "أنطونيو كاسيزي" رئيس المحكمة الدولية الخاصة بلبنان، عندما اعتبر جريمة الارهاب توازي في نظره ونظر المجتمع الدولي جرائم الحرب، واعتبر أيضاً أن الجريمة تكون ارهابية ومحط اهتمام المجتمع الدولي، وإن لم تكن عابرة للدول، وأن هذا المعيار ينشئ التزاماً على الدول والأفراد بعدم اللجوء الى ارتكاب هذه الجريمة في سبيل تحقيق غايات أياً يكن نوعها، وأنه ينشئ في الوقت عينه حقوقاً لأية دولة، وأي شخص دولي بملاحقة مرتكبي هذه الجريمة. إننا لا نستهجن أن يكون حرث العدالة الدولية في الحقل العربي ولكننا نستهجن كلياً كيف تقف هذه العدالة بآليتها ورعاتها، وقفة الوجل بل الرهبة حيال انتهاك إسرائيل لحقوق الإنسان والقرارات الدولية ومن خلال الاستيطان والإبادة والاستعمال المفرط للارهاب وكيف تستطيع وهي الدولة الوحيدة المحتلة في العالم، الإفلات من العقاب بالرغم من جميع تلك الجرائم التي تدخل في اختصاص المحاكم الجنائية الدولية. فالحق غير قابل للتجزئة، والحق يفرض المساواة، والقضية المحك أمام المحكمة الجنائية الدولية كيفية تعاطيها مع الملف الذي قدم للمدعي العام لديها وسجل في دائرته من خلال وزير العدل في حكومة فلسطين والذي ضمنه فظاعات وارتكابات إسرائيل ذلك أننا نعتقد أن تحقيق العدالة وملاحة المجرمين يدفع تلك المحكمة الى التطور والتوسع والحد من الجرائم والعكس يدفعها الى انحسار لا نرتضيه لأننا من المؤمنين كما سبق أن قلت أنه يجب أن لا نغيب كعرب عن تلك المحاكم الجنائية الدولية بل يجب أن ننضم اليها ونناقش أنظمتها توصلاص الى تحصين استقلاليتها وصيانة حقوقنا ومجتمعاتنا. ربما لم تكن المنظومة القضائية اللبنانية العريقة بحاجة الى محكمة دولية خاصة تحل محلها في جريمة اغتيال الرئيس الشهيد رفيق الحريري ورفاقه، لو كانت الظروف قد سمحت لها بالتطور الطبيعي ومواكبة وسائل العصر، ولكن الحرب الأهلية وعدم الاستقرار حالا دون حدوث ذلك التطور، فجعلها عاجزة عن تولي أمر بهذه الخطورة بوسائلها المحدودة، ولكن هذا ليس مؤشر قصور ذهني أو علمي أو حضاري فقضاتنا يتبؤون مقاعد مرموقة في الوجدان القانوني، ولكن مئات المحققين والمختبرات المتطورة لا تتوفر لدولة ما زالت تضمد جراحها، ورغم ذلك صممت على معرفة الحقيقة وتقديم تجربتها في هذا المضمار، هدية نزيهة للعدالة بمفهومها العام. وأخيراً أتمنى لمؤتمركم النجاح مقتنعاً أن المناقشات والمداخلات سترفد القضية بكم معمق من الآراء والدراسات". |
No comments:
Post a Comment