آخر إنجازات وزارة العمل: خط ساخن لعاملات بلا هواتف
لمناسبة اليوم العالمي للعاملات في الخدمة المنزلية، الذي صادف في 16 حزيران، أقدمت وزارة العمل بالتعاون مع مركز الأجانب في كاريتاس لبنان، وبدعم من الاتحاد الأوروبي ومنظمة العمل الدولية، على خطوة مهمة جداً: إطلاق الخط الساخن 1740 الخاص بالوزارة من أجل تلقي شكاوى العاملات اللواتي تنتهك حقوقهن!
إيفا الشوفي
أعلنها وزير العمل سجعان قزي بكل فخر، «اليوم (أي أمس) أصبح لكل عاملة في الخدمة المنزلية عنوان أساسي هو وزارة العمل لرفع الشكوى في حال تعرضها لأي ضرر أو انتهاك لكرامتها وحقوقها». لم يعلن قزي قراراً تاريخياً كإلغاء نظام الكفالة، لم يوافق على إنشاء نقابة العاملات في الخدمة المنزلية. الخط الساخن هو الحل، فهبّوا أيتها العاملات إلى الاتصال بوزارة العمل، إذا كانت تحمل المضطهدات منكنّ هاتفاً أو إذا رأيتنّ صدفةً إعلان الوزارة على شاشة التلفاز، طبعاً في حال كان الكفلاء يسمحون لكنّ بمشاهدة التلفاز تعويضاً عن الحرمان من «الحب» بموجب تعميم الأمن العام!
وإن اتصلتنّ، في أي وقت كان، ستجدن من يستمع الى شكواكنّ، 24 ساعة في اليوم و7 أيام في الأسبوع. قد لا يفهم موظف (أو موظفة) الوزارة الذي يرد على اتصالكنّ ما تقلنه، لكنه سيسجل المكالمة على أن يترجمها أحدٌ ما في اليوم التالي. عندها، يقول قزي، «ستقوم الوزارة بالتعامل مع كل حالة حسب نوعية الشكوى، أي إذا كانت العاملة تواجه مشكلة في الأجر تتولى الوزارة الإجراءات اللازمة، وإذا كانت تتعرض للضرب تتولى الأجهزة الأمنية الموضوع. تبدأ الإجراءات باتصال هاتفي بالعائلة لتصل الى الإحالة الى النيابة العامة». يعتقد قزي فعلياً أنّ «مشروع الخط الساخن هو الترجمة العملية والواقعية لمدى اهتمام الوزارة بالإنسان ورفضها الاتجار بالبشر». لكن، كيف ستعلم العاملات في الخدمة المنزلية بوجود هذا الخط؟ وإذا علمن، هل المنظمات المشاركة في هذا المشروع مقتنعة فعلاً بأنّ العاملة التي تعمل لأكثر من 15 ساعة في اليوم، والمصادرة أوراقها، والمسجونة في المنزل والتي لا تحصل على أجرها وتتعرض للضرب وللتحرش تملك هاتفاً للاتصال بالوزارة؟ برأي الوزير، «كل عاملة قادرة أن تتصل إما من هاتفها أو من هاتف المنزل أو من خلال إخبار زميلتها». قد يكون المشروع موجّهاً إلى فئة العاملات الأقل استغلالاً أو اضطهاداً، أي اللواتي يحصلن على يوم عطلة في الأسبوع ويُسمح لهنّ بمغادرة المنزل والاحتفاظ بأوراقهنّ، أمّا الفئة المسحوقة من العاملات اللواتي نسمع عن حرمانهنّ من الأكل لأيام، وسجنهنّ في غرفة صغيرة وتعنيفهنّ فهؤلاء لن يستفدن إطلاقاً من هذا الخط.
لا يعلم قزي
بتعميم الأمن العام الذي منع العمال الأجانب من الارتباط
يعلم قزي «بالانتهاكات التي تتعرض لها العاملات»، ويقول إن «هذا أمر موجود في لبنان وكل دول العالم، في المجتمعات المتقدمة والمتخلفة، الديموقراطية والديكتاتورية، في الغرب وفي الشرق، لكن نحن في لبنان لا يجب أن نقبل به لأنه موجود في أماكن أخرى. فلبنان يجب أن يكون المثال في الحفاظ على حقوق الإنسان وكرامته». لا يكتفي الوزير، الذي يمنع الى اليوم إنشاء نقابة للعاملات في الخدمة المنزلية، بالدعوة الى المثاليات، إنما يقول إن «الوقت حان لإطلاق صرخة، سواء أعجبتنا الطريقة أو لم تعجبنا من أجل توعية الرأي العام على ظاهرة عدم احترام العاملات وخاصة لناحية: الوقت، الأجر، الحق في الحياة والفرح وممارسة الحياة الطبيعية». لذلك يعلن الوزير أنه لا يجب الوقوف عند الخط الساخن، فيقول «ليس بالخط الساخن فقط نحفظ كرامة العاملة، هناك تدابير قانونية وتشريعية يجب تنفيذها لإعطاء العاملة الحق بالحياة الكريمة، وقد طرحت في اجتماع رسمي ضم عدداً من منظمات المجتمع المدني أنني أتجه للبحث عن بديل لنظام الكفالة، وحتى الآن لم يأتني الجواب من أحد». الاجتماع نفسه الذي ذكرت «الأخبار» سابقاً أن الوزير طلب استبعاد منظمة «كفى» منه، إلا أن قزي يردّ بأنه لم يطلب استبعاد أي منظمة أو دعوة أي منظمة.
كان من الممكن التعامل بجدية مع كلام الوزير لولا بعض المواقف التي أعلنها سابقاً، وأبرزها رفضه الترخيص لـ«النقابة العامة لعمال التنظيفات والرعاية الاجتماعية» التي تهدف الى تنظيم العاملات والعمال في الخدمة المنزلية نقابياً للدفاع عن مصالحهم، بحجة أنها مخالفة لقانون العمل. كرّر قزي أمس رفضه إعطاء الترخيص، بحضور ممثلين عن منظمة العمل الدولية الداعم الأول لحق العاملات بتنظيم أنفسهن نقابياً، ووجّه انتقادات مباشرة للمنظمة على سبيل «التمني» بعدما كثرت الأحاديث عن مشاكل بين الوزارة والمنظمة، متمنياً على المنظمة أن «تعمل بتنسيق كلّي وانسجام مع الوزارة لأننا المحاور الأساسي للمنظمة، والعنوان الجوهري والمحوري لعملكم في لبنان. لذلك فإن علاقتكم المباشرة هي مع الوزارة ويجب التنسيق بكافة الطروحات التي تتعلق بالإنسان». «تأسّف» الوزير على عدم الترخيص «لأن القانون اللبناني لا يسمح. فلو كان القانون يسمح لما تركت مجالاً لغيري ليعلن إنشاء هذه النقابة». يَسأل قزي ما الهدف من إنشاء النقابة؟ ويجيب أن «الهدف هو تحسين وضع العاملات. إذا كنا نستطيع تحسين وضعهنّ من خلال إجراءات تطبيقية قابلة للتنفيذ، فلماذا نضيّع وقتنا في إنشاء نقابة لا يسمح بها القانون؟». لا يتوقف الوزير هنا، بل يسلّم جدلاً بأن النقابة رُخّصت ويخبرنا عن «المشكلة» التي ستنجم عن الترخيص: «غداً ستصبح العاملات الإثيوبيات يردن نقابة خاصة، والسيريلنكيات كذلك وهلمّ جرا!». لكن أين المشكلة في ذلك؟
في نهاية المؤتمر، يعترف قزي صراحة بأنه لن يتردد «في إعطاء العاملات حقوقهن، لكن من دون المس في خصوصية العائلة اللبنانية لأنّ هذا أمر مقدس بمستوى الحفاظ على حقوقهن». يشرح قزّي معنى «خصوصية العائلة» بأنه «إذا تعرضت العاملة للضرب في المنزل ليس بإمكان الوزارة ان تداهم المنزل مثلما تفعل مع ورش البناء، لكن هذا لا يعني ان الظلم ليس له عقاب».
تبرز هنا حجة «قدسية العائلة» مجدداً، فيلتقي قزي مع رأي مديرية الأمن العام في تعميمها الذي يمنع على العاملات الارتباط في لبنان والذي بررته «بالحفاظ على ديمومة العائلة كمؤسسة لها دورها في المجتمع وباحترام متطلبات الإقامة». ليس لقزي، الذي رفع لواء الحق في الحياة والفرح، أي علم بتعميم المديرية لكنه عندما علم اعتبر أنّ «الوزارة معنية بإجازة العمل وما يرافق العمل وليست معنية بالإقامة»، لكن رأيه الخاص هو أن «من حق كل انسان ممارسة حياته بشكل طبيعي»، فهل ستتحرك الوزارة لإلغاء التعميم؟ يقول قزي: «بالطبع، وخاصة أن الأمن العام أيضاً لديه اهتمام بحقوق الإنسان».
No comments:
Post a Comment