«نظارة بعبدا» تتحمّل المسؤولية

مشكلة سوق الموقوفين إلى قصور العدل قديمة (أرشيف ــ هيثم الموسوي)
رُفع الصوت أكثر من مرّة لكنّ أحداً لم يستجب. ضيق مساحة نظارة عدلية بعبدا يمثّل عائقاً رئيسياً لسير العدالة. معظم جلسات المحاكمة تؤجَّل لتعذّر سَوق الموقوف، فيقترف المعنيون، من حيث يعلمون أو لا يعلمون، جريمة بحقّ الموقوفين ويُهيّئون لجريمة ثانية
يشكو موقوفون كُثر من ظلم يُنزله مرفق العدل بحقّهم. فمؤسسات العدالة التي تقع على عاتقها مسؤولية إحقاق الحق، تحتضن في أروقتها مسببَ هذا الظلم دون أن تُحرّك ساكناً لمعالجة مشكلة عمرها سنوات. المشكلة إن بُسّطت لها شقّان، الأول يتعلّق بمسألة سوق الموقوفين من السجون إلى قصور العدل، والثاني أزمة ضيق مساحة النظارة في قصر عدل بعبدا. فغالباً ما تؤجّل جلسات المحاكمة لتعذّر سوق الموقوفين، الذي يتكرر أحياناً لأكثر من خمس جلسات. المعاناة الناتجة لا تقتصر على الموقوف الذي قد تُحجب عنه حريّته أشهراً إن كان بريئاً، بل تتخطّاه لتطاول عائلته التي تقف عاجزة.
بناءً على ما سبق، يحمل أهالي أحد الموقوفين تجربة عاشوها في هذا الخصوص. فيُشير هؤلاء إلى أنهم سألوا المعنيين المكلّفين بالسوق عن أسباب تكرار عدم سوق ابنهم، فكانت الإجابة تذرّع أولئك بأن نظارة بعبدا لا تحتمل مزيداً من الموقوفين.
في هذا السياق، يذكر مسؤول قضائي لـ «الأخبار» أن نظارة بعبدا صُمّمت هندسياً لتستوعب 28 موقوفاً في حدّها الأقصى، يُقسمون إناثاً وذكوراً بين 18رجلاً و10 نساء. ويشير المسؤول المذكور إلى أنه لم يقلّ عدد الموقوفين في هذه النظارة عن ستّين موقوفاً في الحدّ الأدنى. ويذكر المسؤول القضائي أن النظارة المذكورة تفتقر إلى أدنى المقوّمات، إذ لا إضاءة خاصة بها. فالموقوفون يحصلون على الإضاءة من نور الطريق العام وأجهزة إضاءة القصر الخارجية. ويلفت المسؤول إلى أن الرائحة النتنة تُشتمّ من على بعد 15 متراً، فعلى حدّ قوله يقضي الموقوفون حاجتهم داخل النظارة باعتبار أنّ دورة المياه المخصصة لها غالباً ما تكون معطّلة.
يشار إلى أنه لا مياه مخصصة لشرب الموقوفين أو إطعامهم. وفي هذا السياق، يذكر أحد الذين أُوقفوا في السابق أنه قضى يومين داخل النظارة دون ماء أو طعام، باعتبار أن أحداً لم يسأله إن كان يودّ الأكل، علماً بأنه لم يكن يحمل مالاً.
ليست هذه المرة الأولى التي تُثار فيها مسألة ضيق مساحة نظارة قصر العدل في بعبدا، فضلاً عن مسألة النقص في عديد قوى الأمن الداخلي وعتادها التي باتت معروفة لدى الجميع، الأمر الذي ينعكس تلقائياً لجهة النقص في العناصر المكلّفين خدمة السوق والآليات المخصّصة لذلك، وما ينتج منها من تأجيل بت الملفات القضائية. ويشار إلى أن المادة 108 من قانون أصول المحاكمات الجزائية تنص على أنه «ما خلا حالة المحكوم عليه سابقاً بعقوبة مدتها سنة على الأقل، لا يجوز أن تتعدى مدة التوقيف في الجنحة شهرين. وما خلا جنايات القتل والمخدرات والاعتداء على أمن الدولة والجنايات ذات الخطر الشامل وحالة الموقوف المحكوم عليه سابقاً بعقوبة جنائية، لا يجوز أن تتعدى مدة التوقيف في الجناية ستة أشهر، يمكن تجديدها مرة واحدة بقرار معلل». ورغم أن القانون يُحدد مدة التوقيف في كثير من الأحيان، تتجاوز هذه الأخيرة الفترة القانونية، ويؤدّي في المقابل عدم سوق المتهم لاستجوابه إلى تمديد فترة بت محاكمته.
علمت «الأخبار» من أحد العناصر الأمنيين المكلّفين حماية القصر أن أعمال بناء بدأت لتوسيع النظارة في العدلية، مشيراً إلى أن الغرفة التي تُبنَى ستكون مخصصة فقط للسجناء القادمين من سجن رومية المركزي.
وبانتظار ذلك، لا تزال المشكلة قائمة بانتظار أن تتحرّك وزارة العدل لوضع حل لها.
رشوة

يُطلب عشرات الموقوفين لحضور جلسات المحاكمة في قصر العدل في بعبدا، لكن يُجلب منهم النزر اليسير. الذريعة تكون جاهزة دوماً: «لا آليات كافية والنظارة لا تتّسع». الحُجّتان المذكورتان تسمحان للعناصر المكلّفين السوق بالانتقاء في اختيار الموقوف الذي سيجري سوقه. وذلك يفتح الباب واسعاً أمام احتمالات الرشوة ويُسهم فيها. وفي هذا السياق، يتردد أن عدداً من الموقوفين الذين يساقون إلى نظارة بعبدا يدفعون مبالغ مالية للعناصر الأمنيين لاختيارهم كي يكونوا في عداد «سُعداء الحظ» الذين سيخضعون للمحاكمة، وإلّا فسيكون مصيرهم مشابهاً لمصير عشرات الموقوفين الذين مرّت أشهر دون أن يحضروا جلسة محاكمة واحدة لتعذّر السوق.
العدد ١٣٦١ السبت ١١ آذار ٢٠١١

No comments:
Post a Comment