سجون النساء في لبنان ودور الجمعيات الاهلية في عملية التأهيل وتحسين الظروف الاجتماعية للسجينات
السجن «تأهيل واصلاح»، هذا ما هو متعارف عليه، أو بالاحرى، ما يجب أن يكون، ولكن السجون في دول العالم الثالث هي للأسف، مكان للافساد والتخريب وعدم الاصلاح خصوصا في السجون اللبنانية: أماكن لا تراعى فيها أدنى مستويات حقوق الانسان ما يجعل ذاك القابع بين جدرانها أسير الحقد والضغينة، ينتظر الفرصة السانحة للانتقام ممن حوله ليكون انسانا عدوانيا وعدائيا ضد نفسه أولا، فبدلا من أن يخرج متصالحا مع نفسه وينظر للحياة نظرة جديدة، متسلحا بمهنة أو حرفة تساعده على مواجهة الحياة، يخرج أكثر نقمة و حقدا. فبدلا من أن نضيء له شمعة تنير دربه، ندفعه والحال هذه ليلعن الظلام من جديد.
السجون اللبنانية بحالتها الراهنة، تنظيما وواقعا، بحاجة لإعادة نظر شاملة وجذرية، نظرا لحال التردي التي تعانيها في مختلف المجالات. (...)
وفي هذا الإطار، تلقي «الوكالة الوطنية للاعلام» الضوء على سجون النساء في لبنان ودور الجمعيات الاهلية فيها، لا سيما سجن بعبدا المركزي الذي يضم أكبر عدد من السجينات إلى جانب سجون زحلة، طرابلس وسجن بربر الخازن في بيروت.
سجن النساء - بعبدا
وتحدثت المنسقة العامة في «جمعية دار الامل» هدى قرى عن تاريخ السجن النسائي في قضاء بعبدا وتقول: «كان سجن بعبدا للنساء عبارة عن مستوصف صغير تابع لمستشفى بعبدا الحكومي لا يحتوي على ادنى مقومات الحياة الاساسية ان لجهة الغرف وإن لجهة الحمامات أو المطبخ. وعندما دخلنا السجن، كجمعية خيرية، للمرة الأولى في العام 1996، كان بحال مزرية ويعج بالسجينات اللواتي بادرن الى مواجهتنا، ومنعننا من الدخول اذ اعتبرن اننا أتينا للتفرج على حالهن المثيرة للشفقة. تأثرت كثيرا من وضعهن وتوجهت مباشرة الى معهد الدراسات النسائية في الجامعة الاميركية وطلبت المساعدة لتأمين الوسائل المناسبة كبداية لرفع السجينات عن الارض وتزويدهن بالكراسي البلاستيكية والطاولات وفرش النوم والاغطية ومواد التنظيف والخزائن لوضع الاطعمة».
تحسين السجن
وأضافت: «هكذا بدأ عملنا بتحسين سجن نساء بعبدا المركزي، وقد واجهتنا مشكلة ادارية مع وزارة الصحة لأن المستوصف الذي خصص كسجن تابع للوزارة والسجن تابع لوزارة الداخلية. وقد جهدنا مدة سنة كاملة لنحصل على اذن نتمكن من خلاله من الترميم، وبعد اتصالنا بمؤسسة الوليد بن طلال الانسانية الخيرية وافقت مشكورة على المساهمة في تمويل مشروع اعادة التأهيل. وفي هذا الاطار لا بد من شكر الى المديرية العامة لقوى الامن الداخلي التي ساهمت في نقل السجينات الى سجن في منطقة عاليه خلال العام 2006 اي خلال حرب تموز، وبدأت ورشة العمل الجدية من بناء غرف وتجهيزها الى تحديث مطبخ وحمامات وغرفة للنزهة تدخلها اشعة الشمس وتطل على البحر».
تأهيل البشر
وتابعت قرى: «بدأنا المرحلة الأصعب وهي تأهيل البشر وهذا ما تهدف اليه جمعية دار الامل التي تأسست في العام 1970 وهي جمعية لبنانية تطوعية غايتها استقبال فتيات ونساء وقعن ضحايا الاستغلال او العنف او هن في نزاع مع القانون وتقبلهن وترافقهن من خلال تأمين الشروط الانسانية الضرورية لتغيير نمط حياتهن ما يمكنهن من اعادة صياغة الروابط الاجتماعية واستعادة كرامتهن وايجاد معنى لحياتهن من خلال اعادة تأهيلهن ودمجهن في المجتمع».
سجنا طرابلس وزحلة
وقالت: «ان الجمعية الى جانب عملها في سجن بعبدا، تعمل كذلك في سجني طرابلس وزحلة في اطار مشروع اعادة التأهيل والاندماج الاجتماعي في سجون النساء في لبنان، الذي يختص بتمكين السجينات وتنمية قدراتهن والحفاظ على الرعاية الصحية والنفسية لهن وتأمين مستلزماتهن الاساسية وتحضيرهن لاعادة الاندماج في المجتمع بعد خروجهن من السجن. في العام 2008، ونظرا للحاجة الماسة لمساعدة السجينات اللواتي ليس لديهن اي دخل وليس في استطاعتهن توكيل محام ودفع نفقات الملف القضائي، اطلقت دار الامل بالشراكة مع مؤسسة «دروسوس» مشروع مساندة قانونية لمساعدة السجينات وسائر المستفيدات من مراكز الجمعية اللواتي يعانين من مشاكل تحتاج الى محام مثل الطلاق، حضانة اطفال، تثبيت زواج وتسجيل اطفال الخ، كما تمكن هذا المشروع من ان يساعد في تسريع اصدار الاحكام، وتخفيف مدة التوقيف، تغطية اتعاب المحامين، دفع كفالات واخلاءات سبيل، كما يؤمن من خلال المحامين حلقات توعية قانونية لجميع المستفيدين على حقوقهم وواجباتهم وذلك بالتعاون مع مجموعة من المحامين من المعونة القضائية لنقابة المحامين».
اهداف التأهيل
وعن اهداف المشروع، قالت: «يهدف الى تحسين الظروف الحياتية في داخل السجن من خلال تأمين متطلبات الحياة اليومية الضرورية، تحسين الاوضاع الاجتماعية للسجينات من خلال المتابعة الفردية عبر الاستماع الى مشاكلهن ومساعدتهن على حلها واعادة التواصل مع الاهل وتحسين العلاقة معهم، تحسين الاوضاع الصحية الجسدية والنفسية للسجينات من خلال تأمين اطباء مختصين الى تأمين معالجة نفسية وتأمين الادوية اللازمة، تحسين الاوضاع القانونية من خلال توفير محاكمة عادلة وتسريع الاجراءات القضائية وتوكيل محامين عند الحاجة، تقديم تقارير اجتماعية عن حال كل سجينة الى القاضي عند الحاجة، تقديم طلبات اخلاء سبيل، دفع كفالات، تمكين السجينات من خلال اخضاعهن الى دورات تدريب مهني متنوعة تكسبهن مهارات تساعدهن على كسب العيش داخل السجن وبعد خروجهن منه وتأمين اشغال مدرة للدخل، اتاحة المجال للسجينات بتحسين مستواهن التربوي والثقافي من خلال دورات محو أمية ولغات اجنبية ومن دورات مهارات مهنية حياتية ضرورية ومساعدة السجينات على الاندماج الاجتماعي بعد خروجهن من السجن كالخياطة، التطريز، تزيين الحلى وشك الخرز».
الجنسيات
وعن الجنسيات، أكدت أن «جنسيات السجينات تتنوع في مختلف سجون النساء في لبنان. فالى جانب اللبنانيات هناك منهن من: كازاخستان، الكاميرون، ساحل العاج، مصر، تركيا، نيبال، مدغشقر، الصومال، العراق، السعودية، مكتومات القيد، اوكرانيا، فنزويللا، بنغلادش، سريلانكا، فيليبين، اثيوبيا وسورية».
انواع التهم
وقالت: «تتنوع التهم الموجهة الى السجينات بين المخدرات، السرقة، التزوير، الدعارة، التسبب بحريق، الزنى، شيك بلا رصيد، كتم معلومات، الاحتيال، مخالفة قرار قضائي، الاختلاس، حادث سير، القتل، الضرب والتهديد، النزاع مع قوى امنية والاقامة».
محاضرات وترفيه
ولفتت إلى «محاضرات تقام في السجن عن: السيدا، المخدرات، التغذية، العنف الاسري، سير الدعوى، حل النزاعات، التواصل، الارشاد الاجتماعي وقانون تخفيض العقوبات، إلى جانب الحفلات الترفيهية في مناسبات عدة مثل: نهاية السنة، عيد الام، افلام تثقيفية، حفل غداء، توزيع هدايا، وتخرج».
المشاريع المستقبلية
وحيت قرى «روح مؤسس الجمعية السفير الدكتور جوزف دوناتو الذي فقدناه العام الفائت والذي كان المثل الاعلى لفريق عمل الجمعية»، مؤكدة «السعي الى تحقيق احلام دوناتو لا سيما مشروع اعادة تأهيل وتجهيز وبدء تشغيل مركز الايواء في الشويفات - العمروسية لاستقبال السجينات اللواتي يخرجن من السجن وتأمين المأوى والعمل لهن ومساعدة نساء وفتيات بحاجة ماسة لمأوى».
هدى طراف
وشرحت معلمة الخياطة في «دار الامل» هدى طراف نوعية عملها مع السجينات في سجن بعبدا، مؤكدة «فخرها بما تؤديه من عمل انساني يخدم المجتمع الذي ننتمي اليه وبخاصة الفتيات والنساء اللواتي يعشن ظروفا عائلية، اجتماعية واقتصادية صعبة».
وقالت: «نعمل مع الدار منذ 11 عاما ونيف وقد استهلت عملها في سجن نساء بعبدا عبر دورات تفصيل وخياطة ثم انتقلت الى التطريز وتزيين حلى ثم الى انتاج المناشف، الشراشف، الجزادين، العباءات واشغال حرفية متنوعة، كما يوجد كذلك دورات تصفيف شعر، تزيين نسائي وكمبيوتر...» أشغال يدوية
وتشير طراف الى أن «مدة كل دورة ستة أشهر، عند نهايتها تحصل كل متدربة ناجحة على إفادة تساعدها على العمل بعد خروجها من السجن. كما ان الدار تدفع بدلا ماديا لكل عاملة بعد انتهاء عملها وحتى مرحلة التسويق، وبالتالي تتمكن كل مستفيدة من تأمين بعض حاجاتها الضرورية وحاجات اهلها او عائلتها».
سلام مغربي
وتابعت المساعدة الاجتماعية سلام مغربي في «برنامج اعادة التأهيل في سجن بعبدا» السجينات من النواحي النفسية، مشيرة الى أنه «من الطبيعي أن تصاب كل سجينة بالاحباط لدى دخولها الى السجن، كما أن كثيرات منهن يعانين من امراض مزمنة كامراض القلب، الكوليسترول، السكري وغيرها»، لافتة إلى أن «مريضات الاعصاب هن الاكثر، وهنا يأتي دور فريق عمل الجمعية وتعاونه مع المؤسسات الرسمية الخاصة والعامة على الصعيدين الدولي والمحلي ومع مؤسسات المجتمع المدني بهدف التعاون لتأمين الادوية وغيرها ولا سيما للواتي ليس لديهن أي أقارب او عائلات تهتم بهن».
تحقيق عبيدة محروم ونظيرة فرنسيس
(الوكالة الوطنية للإعلام)
No comments:
Post a Comment