هل تتحوّل التجمعات السكنية في القرعون الى مخيمات للاجئين؟
في معايير الدولة اللبنانية، لا قرار سياسياً بإقامة التجمعات الرسمية للاجئين السوريين، ولكن بإمكان اي متمول من اي دولة خارجية او من الداخل، ان يضع شروطه لاقامة التجمعات في المواقع التي يحددها على كل الاراضي اللبنانية، من دون اعتراض رسمي، ما لم تطرأ معوقات من المجتمع المحلي ترفض استقبال اللاجئين.
في معايير المجتمعات الاهلية، يمكن التساهل مع اقامة اللاجئين السوريين في تجمعات الخيم التي انتشرت على طول سهل البقاع، ولكن شرط ان يبقى سقفهم من خيش، اما حائط اللبن للاجئ السوري فيعتبر تهديدا للمجتمع الحاضن ومحيطه.
اكثر من 700 عائلة سورية لجأت الى بلدة القرعون منذ بداية الازمة السورية، اقامت في 4 تجمعات ضمت 149 خيمة الى جانب استئجار الكثيرين منازل المغتربين في وسط البلدة، بحيث اصبح عدد السوريين يفوق عدد اهل القرعون المقيمين. فلم يستشعر البعض خطر هذا الاحتضان الواسع للاجئين الى البلدة، الا عندما تقرر انشاء غرف من "حجارة اللبن" تُؤوي العائلات التي لم تعد قادرة على تحمل اعباء كلفة اجرة المنزل الباهظة. فارتفعت الاعتراضات لمنع استكمال تجهيز الغرف في "مشروع قرية الحياة للاجئين" بحجتين متناقضتين. الاولى تعتبر ان هذا التجمع نشأ ليُؤوي مؤيدي النظام السوري في مرتفعات البلدة، والثانية ان موقع التجمع المطل على بلدة سحمر الشيعية يشكل تهديدا لأمن البلدة التي يعرف اهلها بمساندتهم النظام السوري في معركته الداخلية. فيما الكثيرون مسكونون بهاجس التجارب السابقة مع ايواء اللاجئين الفلسطينيين، الذين تحولت اقامتهم الموقتة في لبنان الى دائمة.
توقف اذاً استكمال تجهيز هذا التجمع في القرعون، بعد ان استقبل قبل نحو شهر 16 عائلة، لم تشغل كل الغرف الجاهزة وعددها 26 بل بقي بعضها فارغا الى جانب الغرف الـ 26 الاخرى غير المستكملة، والتي احتلت كلها مساحة 10 آلاف متر مربع، كان يفترض ان يشغلها ايضا مدرسة تُؤوي نحو 300 طفل متوقع اقامتهم في التجمع. فعلق انجازها، وصرف النظر عن خطة تعبيد الطريق الوعرة المؤدية الى التجمع، بانتظار ان يبت وزير الداخلية في مصير التجمع، والذي لا يبدو قرارا سهلا في غياب الغطاء السياسي لكيفية التعامل مع ملف اللاجئين السوريين.
ولكن هذه ليست بداية القصة ولا نهايتها. فالتجمع هو رقم 30 الذي ينشئه اتحاد الجمعيات الاغاثية بهبات خارجية، من دون ان تصادفه اعتراضات مشابهة. فيما السبب البادي للضجة المثارة بوجهه هو ان سقف غرف التجمع الاخير من باطون. وان كانت هذه الميزة الاضافية، تفقد قيمتها امام صعوبة الانتقال الى موقعه، في منطقة معزولة عن التجمعات السكنية، وعبر طريق وعرة بين سفحين جبليين، ما يجعل الاقامة فيه من دون تأمين مقومات الحياة الاخرى، "حكما بالنفي" كما عبر احد اللاجئين الذين اشتكوا من حذف عائلته من المساعدات الغذائية التي تقدمها مفوضية اللاجئين.
واذا كانت جمعية الكشاف المسلم فوج القرعون التي اوكلت بادارة ملف اللاجئين السوريين في القرعون منذ بداية الازمة، حريصة على اختيار سكان هذا التجمع من العائلات فقط، اسوة بكل من سجل لاجئا في البلدة، فإن الاجراءات الاحترازية الاخرى التي تعد بها الجمعية في التجمع بحجة منع الاخلال بأمن مضيفيهم، تشكل مزيدا من التقييد لحرية اناس، ذنبهم الوحيد انهم هجروا من بيوتهم في بلدهم، فأصبحوا كشماعة تعلق عليها كل اخطاء المجتمع وموبقاته. فلا يجرؤون على الاعتراض على إقامة باب حديدي يغلق على التجمع بعد التاسعة مساء، او على تسجيل اسماء كل زائر للتجمع كما هو مخطط في المستقبل.
لا تؤخذ هذه التدابير "الاحترازية"على جميعة الكشاف المسلم ، خصوصا انها بتكليفها ملف اللاجئين الى البلدة تتحمل ايضا مسؤولية اي خطأ قد يرتكبه المستضافون. بل يقول عميد فوج القرعون محمد عميص ، ان ادارة الكشاف للملف في القرعون، حدت كثيرا من المشاكل التي كان يمكن ان يسببها تعدد الجهات المديرة للملف. فيما انتقال العائلة اللاجئة للسكن في التجمع اختياري ، ومن ضمن دفتر الشروط المحدد والذي ينص اولا على ان يكون هؤلاء من المقيمين منذ فترة في القرعون، ومن خلال عقد موقع لمدة ستة اشهر مع شاغل الغرفة، لدى الجمعية كل الحرية بفسخه عند مخالفة اي بند من بنوده.
ويشرح عميص انه منذ تسلم الكشاف المسلم ملف اللاجئين، عمد الى احصاء دقيق لتسجيل كل لاجئ مقيم في البلدة مع الداتا المعلوماتية الكافية عنه، تسهيلا لتوزيع المساعدات التي كانت تغدق على البلدة من الخيرين ومن الجهات المانحة والتي وصلت قيمتها لنحو 500 الف دولار.
خلال رحلة المشقات التي رافقت مسألة الايواء، يشرح عميص انه كانت هناك اقتراحات باقامة تجمعات الخيم في مواقع محددة، الا ان الكشاف المسلم اشترط ان يكون ذلك بموافقة اهل البلدة، الذين رفضوا الامر بداية، الى ان تبين لهم ان بعض الافراد في البلدة، عمدوا الى استضافة اللاجئين مجانا في اراضيهم واقاموا لهم المخيمات، حتى صارت هذه التجمعات امرا واقعا في البلدة.
عندها اخذ الكشاف المسلم على عاتقه تنظيم هذا الموضوع وبموافقة فاعليات البلدة هذه المرة وبلديتها، محددا اربعة مواقع للمخيمات، عمل على تعداد احصائي لاعداد المقيمين فيها، وايصال المساعدات لهم، بعد ان قلص عددهم من 1000 عائلة الى نحو 700، حاصرا المساعدات بالمقيمين فعليا في البلدة.
في هذه الفترة يشرح عميص، برز اقتراح من اتحاد الجمعيات الاغاثية بانشاء التجمع ، بهبة من جمعية الحياة الكويتية قيمتها حوالى 500 الف دولار، حيث اشترط الواهب ان تكون الغرف المشيدة من اللبن. حماس جمعية الكشاف المسلم كما يشرح عضو المجلس البلدي والعميد السابق للكشاف بومبيدو مريدن جاء نتيجة للعقد الذي وقعته مع اتحاد الجمعيات الاغاثية والذي سيسمح للكشاف المسلم باستثمار المنشآت واشغالها في النشاطات الكشفية البيئة بعد مغادرة اللاجئين الى بلادهم، خلال فترة العقد المحددة بـ 25 سنة والقابلة للتجديد. علما ان حاجة ملحة برزت في البلدة ايضا لازالة المخيمات التي صارت عبئا على مدخل القرعون، مع الحرص على ايجاد قطعة الارض بالكلفة المقبولة، لتأمين انفاق الهبة بالشكل اللازم.
يؤكد مريدن أن فوج جمعية الكشاف المسلم هو المسؤول الاول عن التجمع باشراف البلدية، الذي شيد التجمع بعد الاستحصال على رخصة منها وعملت على تأمين الخدمات الانمائية له. علما انه فور تشييده ايضا تمكن من استقطاب مساعدات الجهات المانحة لتجهيزه بالانارة العامة بواسطة الطاقة الخضراء، وتأمين الكهرباء لغرفه وتجهيزه بخزانات المياه والجور الصحية، نافيا بالتالي اي علاقة للجماعة الاسلامية او لهيئة العلماء المسلمين بالتجمع، الذي يقول انه تمت استشارة الشيخ منير رقية بشأنه كإمام للبلدة وليس كعضو في هيئة العلماء المسلمين.
في المقابل يقر عميص ان التجمع الذي سيقتصر عدد غرفه على 52، من دون اي زيادة، لا يحل مشكلة تجمعات الخيم التي نشأت واستقرت في اربعة مواقع مختلفة، ولكنه يضمن عدم زيادة حجم هذه التجمعات واعدادها في المستقبل، بعد الاعتراضات التي رافقت اقامة بعض الخيم العشوائية في السهل، معيدا ذلك الى عدم وجود ظرف طارئ يحتم ارتفاع وتيرة اللجوء من سورية من جهة، والى قرار اتخذ في البلدة على مستوى المجلس البلدي، يرفض استضافة اي لاجئ جديد.
ومن هنا لا يعير القيمون على المخيم اهمية للضجيج الذي اثير حول مسألة التجمع المشيد، الا بقدر اسفهم على عدم استكمال المشروع الذي يقول عميص انه كان سيشكل قرية نموذجية، ترى جمعية الكشاف المسلم امكانية كبيرة لاستغلالها مستقبلا في انماء الروح المسؤولية المدنية عند الشباب. ويستشعر وراء الاعتراضات التي نشأت حول انشائه "حرتقات سياسية" لا تعكس صورة فعلية عن العلاقة الطيبة التي تربط القرعون بجوارها.
بل يبرز نائب رئيس البلدية بطاقة دعوة للمشاركة في ذكرى عيد التحرير في 25 ايار للاشارة الى علاقات الجيرة الطيبة التي تربط القرعون مع جاراتها. فيما يلفت بومبيدو مريدن الى ان قرارات الاحزاب تسقط في القرعون عند مصلحة البلدة التي تمكنت قبل اشهر من جمع كل فاعليات البقاع الغربي لصياغة ورقة تفاهم على تحييد المنطقة عن الاصطفافات العمودية.
واذا كانت القرعون ليست البلدة الوحيدة في البقاع التي آوت اللاجئين السوريين بل فاقت اعداد هؤلاء في معظم القرى "السنية خصوصا" اعداد اهلها، فإن الحملة التي اثيرت في وجه اقامة التجمع الاخير حسب الشيخ منير رقية "بنيت على جهل لحقيقته".
وفي غياب السلطة السياسية التي تنظم هذا الموضوع، والتي تركت الامر لتقديرات البلديات والمجتمع الاهلي. يمكن القول ان هذه الضجة والاتهامات التي سيقت اليه وهدأت من دون تبيان حقيقة الامر، لم تكن لتثار لو لم تكن "الدولة جالسة في مقعد المتفرجين"، فيما الموضوع الاغاثي مأخوذ على عاتق المجتمعات المحلية، وتوجهاتها المتباينة.
No comments:
Post a Comment