واضعو قانون العنف الأسري يعترفون: يُراعي الطوائف
سعدى علوه
أضاءت الندوة التي نظمتها بعثة الاتحاد الأوروبي في لبنان في شأن «العنف بسبب النوع الاجتماعي»، بالتعاون مع «جامعة هايكازيان»، على بعض النقاط الجدية في شأن «قانون حماية النساء وسائر أفراد الأسرة من العنف الأسري»، الذي أقرّه مجلس النواب أوائل نيسان الماضي، وما زال يثير جدلاً واسعاً في لبنان.
خرج القاضي جورج غانم، الذي ساهم مع اللجنة النيابية الفرعية التي شكلت لدراسة القانون، ليقول: «يجب أن لا ننسى أننا في لبنان، لبنان الطائفية، ولبنان الذي لم يتخلص من بعض الأثقال الاجتماعية التي ترخي بعبئها على القاعدة القانونية في البلاد». وتنطلق القاعدة القانونية، وفق غانم، من «المعطى الواقعي للبنان كبلد للطوائف، وهو ما يرخـــــي بظلاله على أي قانون». وعليه، كان لدى غانــــم من الجرأة ليعترف، هو العالم بكيفية طبخ الــــقانون الذي يجب أن يحــــمي النساء، أن الواقع الطائفي للبلاد أوجد الثغرات التي تعتري القانون، لكن «يجب أن نقول إن هناك بعض الإيجابيات أيضاً».
في المقابل، دافع عضو اللجنة النيابية التي عدّلت القانون، ومقرر لجنة حقوق الإنسان النيابية النائب غسان مخيبر، عن الصيغة النهائية التي أقرها مجلس النواب، معتبراً أن «الجهود يجب أن تنصبّ اليوم على شرح القانون للنساء وتسهيل استفادتهن منه». ولاقت مداخلة مخيبر اعتراضاً على طريقة شرحه لبعض التعديلات التي أجراها النواب وعلى رأسها مادة تجريم الاغتصاب الزوجي. فمخيبر، الذي طالما اعتبره المجتمع المدني شريكاً أساسياً في معارك حقوق الإنسان، أشار إلى أن تكريس الجماع بين الزوجين كحق من حقوق الأزواج للمرة الأولى في نص مدني، وليس دينياً، جاء «لإفهام الرجال أنه حتى لو كان ذلك حقاً ولكن لا يمكن استعمال القوة لاستيفائه». ورأى مخيبر أن تفسير القانون بطريقة سلبية تساهم في منح المعترضين عليه، «مكاسب لم يحصلوا عليها خلال دراسته وإقراره». ولكن مخيبر لفت أيضاً، وإن بطريقة ديبلوماسية، إلى أن ما أقرّ كان أفضل ما هو ممكن في لبنان وواقعه.
ومع شرح ممثل «المفوضية السامية لحقوق الإنسان» التابعة للأمم المتحدة في المنطقة رينو ديتال للمواثيق والقوانين الدولية التي ترعى مواجهة العنف القائم على أساس النوع الاجتماعي ومنعه، كان يمكن دحض تبرير مجلس النواب لنفسه تعميم القانون ليشمل جميع أفراد الأسرة. إذ خصصت الأمم المتحدة، وعبر اتفاقيات عدة ومواثيق متعددة، النساء بقوانين وأدوات حمائية تراعي خصوصيتهنّ وهشاشة أوضاعهنّ. ففي أوروبا وحدها تتعرض امرأة من بين كل خمس نساء للعنف، وواحدة من بين عشر نساء للعنف الجنسي، فكيف في المنطقة التي تخلو بلدانها من أي تشريعات خاصة بحماية النساء من العنف، باستثناء لبنان الذي أقرّ القانون حديثاً. وأشار ديتال في ختام الندوة إلى أن مفوض حقوق الإنسان والمبعوث الخاص بالعنف ضد المرأة سيصدران موقفاً واضحاً من القانون قريباً.
أما رئيسة بعثة الاتحاد الأوروبي في لبنان أنجيلينا ايخهورست، فأوضحت أن دور الاتحاد الأوروبي يقتصر على دعم الأطراف، من مجتمع مدني ومنظمات للعمل على قضايا حقوق الإنسان، كما مجلس النواب، ولكن «عملنا يقف هنا، ولا يمكن أن نتدخل أكثر، وإلا يصبح عملنا غير مقبول». وكانت ايخهورست تردّ على سؤال حول عدم دعم الاتحاد الأوروبي للنساء أكثر من التمويل، وصولاً إلى اتخاذ موقف واضح من القانون كما أقرّ.
وعلى طريق وضع الأمور في نصابها الصحيح لناحية الثغرات التي تعتري القانون بطريقة جاءت مخيبة لآمال نساء لبنان، أكدت مديرة «منظمة كفى عنفاً واستغلالاً» زويا روحانا أن القانون هدف إلى إزالة جميع العقبات أمام النساء لتشجيعهنّ على اللجوء إلى القضاء لوقف العنف المُمارَس عليهنّ، إلا أن النواب وافقوا على إزالة بعض هذه العقبات ولكنّهم امتنعوا عن إزالة بعضها الآخر، لا بل أضافوا صعوبات أخرى. وتتجلى هذه الصعوبات في كيفية التقدم بطلبات الحماية عبر عدم إعطاء المدعي العام حق إصدار قرارات الحماية، وحصرها بقاضي التحقيق الواضع يده على الدعوى أو المحكمة الجزائية الناظرة فيها أو قاضي الأمور المستعجلة».
وسألت روحانا «كيف يمكن أن نقبل بأن تُطبَّق قرارات الحماية التي وُضعت وفقاً لحاجات النساء على جميع أفراد الأسرة من دون دراسة حاجات باقي أفراد الأسرة، وما إذا كان الرجل فعلاً بحاجة إلى مثل هذه الإجراءات الحمائية، في ظلّ النظام القانوني والاجتماعي القائم الذي يحميه؟»، لتخلص إلى القول: «نحن نتكلّم عن معنِّف، ونواب الأمّة يتكلّمون عن رجل، حتّى ولو كان معنِّفاً، من غير المسموح المسّ بسلطته داخل الأسرة أو تقييدها».
وأشارت إلى أنه «في كل الدول التي تجرّم العنف الأسري يتم منع الرجل المعنِّف من الاعتناء بالأولاد إلا في لبنان.. حيث ارتكاب الرجل للعنف ليس سبباً لأن يشمل قرار الحماية الأطفال مع والدتهم، حتى ولو كانوا غير معرّضين مباشرة للعنف، طالما أنهم ليسوا في سن حضانة يسمح لها باصطحابهم». وعليه «لن يقبل التحالف بقانون يرفض تخصيص النساء في الحماية ولا يعترف بالعنف المُمارَس علينا كنساء، لأنّنا نساء، ويشرّع الاغتصاب الزوجي تحت مسمّى استيفاء الحقوق الزوجية».
وانتقل النقاش ختاماً إلى ضرورة الاستفادة مما تضمّنه القانون من إيجابيات حالياً، إلى حين الوصول إلى استنتاجات في شأن التعديلات المطلوبة. كما تحدّثت سفيرة هولندا في لبنان عن دعم سفارة بلادها للقضايا المتعلقة بحقوق الإنسان والنساء.
No comments:
Post a Comment