عكار: تعليم الطلاب النازحين.. تجارة مربحة
نجلة حمود
تتسابق "المؤسسات التربوية" في عكار على استقطاب أكبر عدد ممكن من التلاميذ السوريين، إذ يبدو واضحا أن ملف تعليم الطلاب النازحين بات تجارة مربحة بالنسبة للعديد من الجمعيات التي تعنى بشؤون النازحين، إضافة إلى العديد من المدارس الخاصة المجانية التي كانت سباقة في موضوع استقطاب الطلاب وتأمين تمويل من المؤسسات المانحة العربية والدولية. إلا أن التجارة سرعان ما انكشفت مع إعلان العديد من الجمعيات عدم قدرتها على المضي بالمشروع.
ويمكن القول إن قرار وزير التربية الياس بو صعب عدم دعم الطلاب السوريين في المدارس الرسمية قد أغلق الكثير من الأبواب على بعض المدارس الرسمية التي كانت تتبع الأسلوب نفسه، لجهة تسجيل طلاب سوريين يتبين لاحقاً أنهم وهميون، أو بتعبير ألطف أن "نسب التسرب المدرسي مرتفعة جدا بين الطلاب السوريين". ويشير البعض إلى أن ما يجري عبارة عن متاجرة علنية وسمسرة فاضحة على حساب الأطفال السوريين، إذ يتم استعمال أسلوب الترغيب والتهديد مع الطلاب والأهل.
حتى أن بعض الجمعيات يعمد الى زيارة مخيمات النازحين وحتى البدو الرحّل بهدف تشجيعهم على تسجيل أولادهم في المؤسسات التابعة لهم مقابل مبالغ مالية زهيدة، فيتم رفع الأسماء الى الجهات المعنية ومن ضمنها وزارة التربية التي أعلنت العام المنصرم عن دعم الطالب السوري.
في مقابل ذلك، تثير التقارير الصادرة عن المنظمات الدولية مخاوف كبيرة من نسب التسرب المرتفعة بين الطلاب السوريين، إذ أوضح التقرير الأسبوعي الأخير لمفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين "أن ما مجموعه 218،941 طفلاً سورياً خلال العام الدراسي 2013-2014 تمكنوا من الاستفادة من الخدمات التعليمية، سواء من خلال المدارس الرسمية (التعليم النظامي) أو من خلال جهود التعليم غير النظامي. وذلك يعني أنه من بين أكثر من نصف مليون طفل في سن المدرسة (3- 18 عاماً)، بلغ عدد المتسربين أكثر من 300،000 طفل خلال العام 2013-2014.
ومن بين الأطفال الذين تمكنوا من الاستفادة من الخدمات التعليمية، التحق 90،000 طفل بالمدارس الرسمية وشارك 88،200 طفل لبناني وسوري في برامج التعليم غير النظامي بعد جهود مكثفة قامت بها الجهات الشريكة لضمان حصول أكبر عدد ممكن من الأطفال على شكل من أشكال التعليم".
وأضاف التقرير: "إن اليونيسيف والمفوضية والهيئات الشريكة تعمل بالتنسيق الوثيق مع وزارة التربية على ضمان التسجيل السلس للأطفال في المدارس، وذلك تبعاً لقدرة الاستيعاب المتوافرة والتمويل المتاح، إذ إن الموارد في لبنان قد استنزفت إلى حدود غير مسبوقة".
تلك الأرقام تترك الكثير من علامات الاستفهام حول دور وزارة التربية في مراقبة ما يجري. وكيفية وقف المتاجرة بالطلاب السوريين؟ وكيف يمكن ضبط التعليم، ومراقبة المؤسسات التي تفتح يومياً بحجة توفير التعليم؟ ومن هي الجهات المخولة الكشف على هذه المؤسسات والتأكد من استحصالها على التراخيص القانونية؟ وهل تتوافر فيها الشروط المطلوبة، خصوصاً أن حوادث عدة سجلت في بعض المدارس؟ وما صحة المعلومات التي تتحدث عن وجود ما لا يقل عن 30 مدرسة غير قانونية تعمل في عكار؟
ويتحدث المدير العام لعدد من المدارس في عكار أحمد فارس عن "أن عدد الطلاب السوريين بلغ في مدرسته العام المنصرم 1200 طالب، فيما تراجع العدد في العام الدراسي الحالي الى 750 طالبا، بسبب الضغوط الأمنية والمالية التي تتعرض لها المؤسسة، موضحا أن البعض يعمد الى فرض خوات على أصحاب المدارس التي تسجل الطلاب السوريين، وعندما رفضنا الرضوخ لهم بات طلابنا يتعرضون للكثير من المضايقات، إضافة الى الاستهداف المتكرر للباصات والمباني التربوية الخاصة بنا. أما العائق المالي فيتمثل في عدم توافر الدعم المالي للطلاب السوريين، وإعلان الدولة اللبنانية رفع الدعم عن الطالب السوري".
ويؤكد فارس "أننا نتقاضى 150 دولارا عن كل طالب من قبل اللجنة التربوية الكويتية، والباقي نتحمله على أمل أن تسدد الدولة اللبنانية الدعم المحدد عن العام الدراسي المنصرم". ويدعو الفارس وزارة التربية الى "إجراء تقييم للمدارس في عكار، ومراقبة عملها ودعم من يستحق، إذ من غير المقبول أن تتم معاملة جميع المؤسسات بالمقياس نفسه"، مشددا على أنه "يقوم بإدراج الطلاب السوريين ورفع أسمائهم ضمن قوائم وزارة التربية، وبالتالي إعطائهم إفادات رسمية، كما أن نسبة التسرب المدرسي صفر في مؤسسته بسبب متابعة حالة كل طفل وتأمين نقله من المدرسة واليها".
ويضيف: "نحن نتقاضى مبلغ 500 دولار عن كل طالب سوري كدعم من الدولة اللبنانية، وهنا لا بد من التساؤل لماذا لا يتم تحديد مدارس خاصة مجانية للتعاون معها، إن كان التعليم الرسمي أعلى كلفة، إذ وفق وزير التربية فإن كلفة الطالب السوري تصل الى 1500 دولار؟".
وتشير مصادر تربوية متابعة في عكار إلى "أن ما يجري في غاية الخطورة، حيث يتم تهديد الطلاب الذين يلتحقون في مدارس معينة لها تجربة تربوية ناجحة، بهدف إجبارهم على التسجيل في الخيم الدراسية التي تشيد ضمن المخيمات العشوائية والتي تكون مدعومة من منظمات دولية معروفة تدعي حماية الطفل وتأمين التعليم له. إذ يهدد بعض النافذين من السوريين أنفسهم النازحين برفع إيجار الخيمة التي يقطنونها وفي بعض الأحيان، يتم التهديد بطردهم.
وهنا تكمن الخطورة لأن الجميع متورط في موضوع السمسرة التربوية. في حين أن الرقابة معدومة ونسب التسرب بين السوريين النازحين في تزايد مستمر تفوق بكثير التقارير الرسمية".
No comments:
Post a Comment