The Lebanese Center for Human Rights (CLDH) is a local non-profit, non-partisan Lebanese human rights organization in Beirut that was established by the Franco-Lebanese Movement SOLIDA (Support for Lebanese Detained Arbitrarily) in 2006. SOLIDA has been active since 1996 in the struggle against arbitrary detention, enforced disappearance and the impunity of those perpetrating gross human violations.

Search This Blog

May 6, 2010

Assafir - Ketermaya Crime

قضايا وأراء
تاريخ العدد 06/05/2010 العدد 11584



«حادثة» كترمايا في دلالاتها عن تفكك الدولة:
الجريمة والعقاب وسط نزاع المجتمعات الأهلية
زهير هواري
ضاع دلالات ما شهدته كترمايا تحت سنابك معارك العائلات الانتخابية البلدية التي شهدتها محافظة الجبل الاحد الماضي، وسيتكرس الغياب وسط المزيد من مثل هذه المعارك لاحقا. وذوى الخبر الى درجة لم يعد له من وجود في الصفحات الداخلية حتى. وكذلك غاب عن الاقسام المحلية من نشرات الاخبار المرئية والمسموعة. وبذلك تناسى اللبنانيون الواقعة في قسمها الاول الذي اودى بحياة اربعة اشخاص ابرياء هم: جد وجدة وحفيدتان والعامل المصري الذي تم قتله في احتفال طقوسي لم يشهد له لبنان مثيلا منذ سنوات طويلة او عقود.
لم يعد يكلف احد نفسه السؤال عن الدافع الذي حدا بالمشتبه به الى ارتكاب الجريمة ومن يمكن ان يكون قد وقف وراءه محرضا. والسبب الفعلي الذي قد يكون دفع بالاهالي الى القيام برد الفعل الذي وصف بحق من جانب البعض بانه لطخة عار في جبين اللبنانيين افرادا وجماعات. وكانت القوى الأمنية، بعد ساعات على وقوع جريمة كترمايا، قد أوقفت المدعو محمد سليم من التابعية المصرية على خلفية التحقيق بمقتل كل من يوسف نجيب أبو مرعي (75 عاماً) وزوجته كوثر جميل أبو مرعي، وحفيدتيهما زينة وآمنة (7 و9 سنوات) لابنتهما رنا. والمعروف انه في اثناء التحقيق الاولي اندفع قسم من المجتمع المحلي الى انتزاع المشتبه فيه، الذي لم تثبت ادانته بعد من ايدي قوى الامن الداخلي اولا، ومن غرفة الطوارئ في المستشفى ثانيا، وقتله والتمثيل بجثته في الشارع، وعلى مرأى من الجميع، بمن فيهم النساء والاطفال، حيث تم تعليقه على عمود الكهرباء لبعض الوقت «كي يكون عبرة لمن اعتبر». ما صدر من تعليقات حول الواقعة في الصحف والمواقع في اليومين الاولين قبل ان يختفي الحدث تماما ذهب مذاهب شتى. بعضها استنجد بالنصوص المقدسة قرآنا واحاديث نبوية وبعضها الآخر استند الى مقاربات لا تعطي الموضوع دلالاته الفعلية وتبين مدى مخاطره على بينة المجتمع اللبناني والدولة على حد سواء.
قرءات وعقوبات مسلكية!
وفورا بعد شيوع ما حدث، استدعى الوزير زيـاد بـارود إلى مكتبه كلا من المدير العام لقوى الأمن الداخلي اللواء أشرف ريفي وقائد الشرطة القضائية العميد أنور يحيى وقائد الدرك العميد أنطوان شكور واطلع منهم على تفاصيل ما جرى في كترمايا، وطلب من المفتش العام لقوى الأمن الداخلي العميد سيمون حدّاد المباشرة بإجراء تحقيق فوري وبيان مكامن الخلل في تقدير الموقف والمسؤولين عن ذلك، تمهيدا لاتخاذ التدبير المناسب. كما أجرى بارود اتصالا بالنائب العام التمييزي القاضي سعيد ميرزا للغاية ذاتها.
وقالت الوزارة في بيان لها انه «إذ تقدّم بـارود بالتعازي من ذوي الضحايا الأبرياء، مديناً بشدّة الجريمة الشنيعة، مبديا تفهمه لغضب الأهالي ووجعهم، إلا أنه أسف أن يتم استيفاء الحق بغير الطرق القضائية وقبل الانتهاء من كشف كامل ملابسات الجريمة، خصوصا أن المشتبه فيه كان أوقف لدى القوى الأمنية في أقل من 24 ساعة من حصولها، وأن التحقيقات كانت جارية معه بإشراف القضاء، معتبرا أنه من الخطير جدا أن نستسهل إحقاق العدالة بهذه الصورة». كما أدان المدير العام لقوى الأمن الداخلي اللواء أشرف ريفي في بيان «جريمة مقتل الضحايا الأبرياء الأربع في بلدة كترمايا، وعزى أهاليهم، واعلن عن اتخاذ إجراءات مسلكية بحق عدد من الضباط والعناصر لخطئهم الجسيم في سوء تقدير الموقف الميداني، ولعدم توفير الحماية اللازمة والكافية للمشتبه فيه في هذه الجريمة».
بالطبع التصريحات التي ادلى بها عدد من السياسيين، مسؤولين واحزابا، «تفهمت» غضب الاهالي واشارت الى تقصير الاجهزة الامنية في حماية المتهم. وقيل ان المشتبه فيه اعترف في التحقيق الاولي الذي اجري معه بارتكاب الجريمة التي اودت بحياة اربعة ابرياء. وقد طالبت العديد من الاوساط السلطة باعتماد اجراءات مسلكية بحق الضباط والعناصر الذين فرطوا بالواجب الملقى على عاتقهم بما هو حماية المتهم وضمان سلامته. ومثل هذه الدعوة ايضا تجعل مما حدث مسألة فنية يمكن ان تحل بواسطة عقوبات ادارية تطال القوة المولجة بواجب الحماية. لكن حادثة كترمايا تنذرنا بما اخطر واسوأ، باعتبار ان دلالاتها اعمق مما سبق ايراده. وقد تتكرر كترمايا هنا وكترمايا هناك في المقبل من الايام في العديد من اجزاء الدولة اللبنانية.
وبالعودة الى الواقعة يمكن القول ان اللبنانيين الذين شاهدوا الاشرطة المصورة في بعض المحطات التلفزيونية التي عرضتها، بدا لهم انهم يشاهدون ما يشبه الفيلم السينمائي، مع ما يتطلبه تصوير مشهد من النوع الذي عرض من وجود مجاميع بشرية غاضبة وكاميرات تصوير واخراج. بداية لم يصدقوا ان ما جرى قد جرى على مسافة قصيرة من منازلهم ومدارسهم ومؤسساتهم ومكاتبهم ومعاملهم. وعندما ايقنوا ان ذلك قد حدث حقا في واحدة من قراهم وبلداتهم التي لا تبعد عن العاصمة اكثر من رحلة في السيارة بالكاد تصل الى نصف ساعة شرعوا يسردون قائمة من الاسباب التخفيفية من خلال التركيز على الحدث الاصلي بما هو مصرع الجدين والحفيدتين.
وبالطبع اصدر الجميع الأحكام المبرمة على المتهم بانه مرتكب الجريمة ويستحق ما اُنزل به من عقاب. وهو امر جاءت لتكرسه التحاليل المخبرية التي اجرتها الادلة الجنائية وتبين منها ان بعض الدماء التي وجدت على ثياب المتهم والسكين تعود الى الجد وحفيدة.
وبذلك اُسدل الستار «علميا» على الحادثة ايضا. ولعل هذا بالضبط كان المدخل الى دفن القضية برمتها في دلالاتها البعيدة والقريبة على حد سواء. بالطبع قيل كلام، كثير منه صحيح حول ان جنسية المتهم المصري وكيف ساعدت على الانتقام منه باعتبار انه لا ينتمي الى المجتمع اللبناني من داخل القرية او خارجها. وهو ما جعل منه «ضحية» مثالية لتنفيذ وتنفيس الحقد المحتدم على مرتكب الجريمة الاصلية التي ذهب ضحيتها الاربعة. وهنا لن ندخل في نقاش ما ورد في تصريحات اركان وزارة الداخلية حول «سوء تقدير الموقف» من جانب الاجهزة الامنية ومن هو الشخص او الجهة التي اشارت باقتياد المشتبه فيه الى مكان وقوع الجريمة في ذروة الغضب الشعبي العارم وبين جموعهم. لكن هذا مع احتمال صوابه لا يفسر ما هو ابعد من الوقائع المباشرة بينما جريمة من هذا النوع في قسميها اشد خطورة من كل تلك الاشارات التى يمكن ان تنسب الى سوء تصرف او تقدير او ماشابه. وكل هذا للوصول الى القول ان كل المعالجات المسلكية وغير المسلكية التي قد تعتمد من جانب قيادات قوى الامن الداخلي ووزارة الداخلية لن تجدى نفعا، بل من شأنها ان تضاعف من هذا المسار وتقود لاحقا الى انفجار مشابه لما شهدته كترمايا في قرية او بلدة او مدينة لبنانية ثانية.
الجرائم والعقاب
وهنا لا بد من الاشارة الى مسألة يتطلب الامر تسجيلها. وهي التي تتحدث عن جملة جرائم سابقة شهدتها منطقة اقليم الخروب. وهذه الجرائم تتراوح بين قتل واغتصاب قاصرات واعتداءات وسرقة وما شابهها. ايراد مثل هذه الحوادث هدفه القول ان هناك مسرحا كان معدا بعناية، قد تكون مدروسة وقد لا تكون، لحدوث تطور نوعي في موضوعي الجرائم والعقاب. ازاحت عملية مصرع الابرياء الاربعة السدادة التي كانت تكبح انفجار الاحتقان المتراكم تباعا. لكن المسألة تظل ابعد من مجرد حادث مهما كانت حدة الغضب الذي اثاره لدى الأهالي. اذ لا بد من الانطلاق في رؤية ما حدث انطلاقا مما يشهده لبنان منذ سنوات طويلة من تلاشي منطق الدولة وفقدانها الدور الذي انيط بها كمؤسسة من المجتمع العام وفوقه مكلفة بادارة علاقاته وصراعاته بموجب القانون الذي ارتضت الجماعات المكونة ان تحتكم اليه في ادارة منازعاتها على درجاتها المتعددة. هنا نتحدث عن جرائم كبرى هزت البلاد ولم تجد سبيلا الى تحديد هوية الفاعلين وعقابهم وبالتالي حل اشكالاتها الجنائية نيابة عن المجتمع الذي اوكل للاجهزة القيام بالمهمة الموكلة له، حتى لو اضطرت الى اعتماد العنف العاري في سبيل احقاق العدالة.
وتباعا فقد بات الاعتقاد السائد لدى اللبنانيين ان الجرائم الفعلية ذات الاوزان الكبرى، والعديد من الصغرى ايضا، لا امل بمتابعتها بدقة والعثور على القتلة وسوقهم الى العدالة وبالتالي الاقتصاص منهم. بالطبع لا ينبع مثل هذا الوضع من انعدام كفاءة الاجهزة الامنية وقصور امكاناتها البشرية والمادية و«سوء تقدير الموقف»، بقدر ما يعود الى التخريب الذي مارسه المجتمع السياسي والاهلي على حد سواء على المؤسسات العامة ومنها المؤسسات المعنية بالسهر على امن المجتمع وملاحقة المجرمين.
وفي مثل هذا الوضع المقيد باعتبارات مركبة بات أي جهاز من الاجهزة في ممارسته دوره محاطا بالف اعتبار وقيد مما يجعله قاصرا عن المتابعة والوصول بالتالي الى النتائج المطلوبة. وعليه يمكن القول اننا وصلنا الآن الى وضع بات معه كل ما في البلد من مؤسسات رسمية تجد فئة اهلية تتهمها بشكل او بآخر، ما دامت لا تفعل ما تراه هي وليس تطبيق القوانين وتحقيق العدالة. وفي مثل هذا الوضع اصبحت تلك الاجهزة مشلولة الى هذا الحد او ذاك عن القيام بواجباتها البديهية. ولعله في الواقعة التي نشير اليها يجب ان نتذكر ان القوى المواكبة للمتهم لم تستطع اكثر من اطلاق النار في الهواء لمنع الغاضبين من انتزاع المتهم من يدها والتنكيل به. اذ ان أي تصرف آخر يمكن ان تعتمده كان من البديهي ان يلحق اصابات بالمهاجمين. وهو ما من شأنه مثلا ان يفتح بابا اضافيا على هذه المؤسسة وهي التي لم تبرأ بعد من سيل ومسلسل الاتهامات التي تكال لها تحت عناوين متعددة. وقد تبين ان قيام اجهزة اخرى باستعمال ما تملكه من صلاحيات في الدفاع عن نفسها في مناسبات مختلفة انتهى بالعديد من رجالها الى الوقوف في قفص الاتهام امام المحاكم واصدار احكام بحقهم زجت بالعديد منهم في السجون. بينما نجد ان القوى الاهلية التي مارست وتمارس العنف والتجاوز في حرز حريز وبحماية القوى السياسية الطائفية التي اوكلت لهم مهمة القيام بارتكاباتهم.
لكن هذا يظل جانبا من الموضوع. الاشد خطورة من كل ما ورد اعلاه هو ذلك المتمثل في ما اعلنه ما حدث من موقف ازاء السلطة ومؤسساتها ومآل الدولة كقوة فوق المجتمع ومكلفة منه باعتباره بيت القصيد.
مؤسسات الدولة و الطوائف
اذ المعروف ان اللبنانيين يعيشون في مجتمع نزاع اهلي منذ قرابة اربعة عقود. وهو ما يجعل من المساحة المشتركة بين اللبنانيين تضيق باستمرار. وبديهي ان يحاول المجتمع في ذروة انقسامه الحاق بقايا المؤسسات باحكامه و«قوانينه» الخاصة. ويندرج في هذا الاطار ما سمي الادارة المدنية والادارة الذاتية خلال سنوات الاقتتال الاهلي. وفي اعقاب اتفاق الطائف لم يتم تحقيق التوافق المجتمعي على دور الدولة ومؤسساتها وظلت هذه مجال محاصصة سياسية وطائفية. وشاعت لسنوات مقولة الترويكا. حتى اننا بتنا اليوم امام واقعة ووقائع لا تخطئها العين وهي تلك المتمثلة بوجود مراكز قوى اهلية وطائفية فوق النظام واحكامه بينما تجاهد اخرى في الحفاظ على حصتها منه. أي انه خلافا للمرحلة السابقة عندما كانت هناك مراكز قوى متعددة ومتوازنة تلعب دورها في بنية الدولة والمجتمع وتتيح تطبيق الاحكام العامة باعتبارها التعبير عن المشترك بين الجماعات. وعليه يصبح صحيحا ما يقوله استاذنا القانوني الدستوري الدكتور محمد المجذوب في كتابه القانون الدستوري والنظام السياسي (ص 254- 255 ): «ان ما يحدث هو غياب الفرد والمجتمع، لان الجماعات وحدها بما هي الجماعات الطائفية (أي المذاهب) هي التي تتحرك وتغطي الساحة. ولهذا يبقى الفرد او المواطن خارج المسرح السياسي والاجتماعي، كذلك يغيب المجتمع الوطني المتلاحم لان كل مذهب يعتبر نفسه مجتمعا قائما بذاته لا تربطه بالمجتمعات المذهبية الاخرى الا روابط واهية تفرضها فكرة الاستمرار في التعايش وصون المصالح الخاصة.. ومعه تتحول الدولة الى آلة تعمل لحساب زعماء الجماعات او الى مزرعة يتقاسم خيراتها هؤلاء وتحل الجماعات في النهاية محل الدولة ومؤسساتها ويصبح الزعماء المذهبيون المرجع الوحيد لكل طالب خدمة». الاضافة التي يمكن الحاقها بهذا النص هي الاشارة الى التراتبية داخل البنية الطائفية. اذ كلما حلت طوائفية في المقام الرئيسي كلما امكن تجيير والحاق مؤسسات الدولة بها، وكلما ضعف موقعها التراتبي كلما اضطرت الى الخضوع لاحكام سلطة الطائفة او «الطوائف الممتازة» وعلى هذا تنهض الادلة التي لا تعد ولا تحصى.
اختصارا يمكن القول ان المواطن المصري دفع ثمن هذه التركيبة المعقدة من العلاقات كما دفع الضحايا الاربع قبلا. اذ ان وقوعهم صرعى يتخبطون بدمائهم لا يقلل من هوله الادعاء باكتشاف الجاني بعد مرور اربع وعشرين ساعة على وقوع الجريمة. اذ ان وظيفة الاجهزة الامنية ليست اكتشاف الجناة بعد وقع الجرائم بل منع وقوعها بالاصل. ثم ان القول ان من القي القبض عليه هو الجاني لم يثبت. ولا تدل عليه التحقيقات الاولية التي يعرف الجميع كيف تجري، ولا كذلك الفحوص المخبرية، بل الاحكام القضائية وليس سواها. وهذه لم تتحقق باعتبارها تتطلب تحقيق ظروف وشروط المحاكمة العادلة. والجماعة الاهلية التي شعرت وتشعر بأنها مستهدفة، فمارست «عدالتها»، ما كرس ضياع الدولة ومؤسساتها الامنية والقضائية، مع ما تتضمنه من آليات خصوصا تلك التي بذلت الانسانية دما غزيرا في عملية الوصول اليها، والتي تقول «ان كل متهم بريء حتى تثبت ادانته»، مقرونة بكل الضمانات للخضوع لمحاكمة عادلة وقضاء نزيه وتعيين محامين و... حادثة كترمايا تقول اننا لا نزال نسير دون تردد في اتجاه العودة الى «عدالة» مجتمعات الطوائف وقواها. وهذا هو الدرس الذي يجب ان نتعلمه منها

No comments:

Post a Comment

Archives