زياد منصور
مع اقتراب موعد الانتخابات السورية، لا تنفك الجهات العاملة على خط النازحين السوريين في عكار والمتغلغلة بينهم، من لبنانيين وسوريين، تحاول جاهدة استدراجهم للمشاركة في هذه الانتخابات المسرحية، بهذا الشكل أو ذاك، عبر العمل على أكثر من خط، وعبر استخدام كل الوسائل الممكنة والمتوافرة لتأمين مشاركة ما، بهدف رفع نسبة التصويت. ويتم لهذه الغاية تنشيط الأدوات المحلية بين النازحين سواء كانت منهم مباشرة، أو عبر قوى وجهات لبنانية مرتبطة مصالحها بالنظام، وهؤلاء من حاملي المهمات الخاصة، اذ تستخدم كل المغريات الممكنة لأجل ذلك.
وتأتي هذه المحاولات بعيد ما تسميه هذه الجهات «استعادة« قرى تلكلخ وريفها والزارة وقلعة الحصن، واستعادة حمص القديمة تحت شعار تأمين العودة الأمينة السالمة الى هناك، ومنح حق العودة الى الديار والربوع بعد تنظيف ملفاتهم لدى الأجهزة السورية واعلان موافقاتهم على مصالحات، باستثناء من شارك في أعمال قتل وهو مطلوب جديا، بحيث يلاحظ البعض وجود مجموعات تعمل في السر لانجاز معاملات لتأمين العودة وتنظيمها، باستخدام الاغراءات المادية والوعود الكثيرة باعادة اعمار المنازل المهدمة وتأمين عمل وغير ذلك.
هذه المحاولات تستهدف نازحين دون آخرين في محاولة للتفرقة بينهم وإن كانت حتى الان لم تجد الاستجابة العلنية الواضحة. لكن مصادر متابعة تؤكد أن عائلات وأشخاصا غادروا أماكن تجمعاتهم، يعتقد أنهم آثروا العودة. وتؤكد المصادر المتابعة لهذا الملف، أن العودة أمر يعود لتقدير النازح نفسه، وليس من حق أحد مهما كان موقعه، التدخل فيه، علما ان ذلك يخفف الأعباء عن كاهل المناطق التي ترزح تحت أثقال كثيرة، سواء في قطاع الخدمات وتأمين المساعدات على المستويات كافة، أو في مجال الصحة والتعليم في مناطق بات عدد النازحين فيها يوازي أعداد السكان المحليين، الأمر الذي بدأ بثير بعض الحساسيات.
لكن هذا الحق، وفق هذه المصادر، يجب أن يتم تحت مراقبة الأجهزة اللبنانية والجهات اللبنانية والدولية التي ترعى شؤون النازحين، باعتبار أنه ليس هناك ضمانات بألا تكون هذه العودة مؤقتة وظرفية وتقتصر على الأسبوع الذي يسبق الانتخابات وما قد يليه من ايام، ومن ثم العودة الى لبنان. وهذا ما سيثير حنق وغضب النازحين الذين يعرفون بعضهم البعض جيدا ويعرفون انتماءاتهم، حيث هناك من تمنع عليهم العودة بالمطلق لأنهم ملاحقون ومطلوبون، ما قد يؤدي الى تشنجات وصدامات واشكالات وهي حالات بدأت تحصل، في ظل انقسام بين مؤيد ومعارض، خاصة وأن هناك معلومات لدى السلطات المحلية والبلديات وتتحدث عن امتلاك بعض النازحين سلاحاً فردياً قد يستخدم في تصفية الحسابات.
ينتقد المتابعون لمجريات الأمور دخول جهات محلية وسياسية وحزبية نافذة من قوى الثامن من آذار، على هذا الخط عبر تحريك أدواتها المعروفين والذين لم يفكوا ارتباطاتهم بالنظام وإن احتموا خلف شعارات محددة أو غابوا عن الواجهة لفترة من الزمن ليطلوا برؤوسهم اليوم. كان انكفاؤهم بعيد الانسحاب السوري من لبنان، ومع بدء الثورة السورية الذي تزامن مع احتضان شعبي كبير في أوساط غالبية مطلقة من العكاريين. ليعودوا اليوم مقدمين خدماتهم في هذا الاطار. إذ أن الانتخابات محطة يسعى النظام من خلالها الى تأكيد شرعيته حتى بين النازحين، وقد وآن الأوان حسب هذه المصادر، للفعل ولتسديد الفواتير واظهار الولاءات بوضوح.
أمام ما يحصل، ارتأت عدة فعاليات ابلاغ النازحين قراراً واضحاً وصريحاً مفاده أنه، رغم الصعوبات والأزمات التي تعانيها القرى والبلدات العكارية، فان احتضانهم يستمر حتى عودة الاطمئنان والأمان لهم في ديارهم. لكن، ان تنعكس الانتخابات في سوريا نقلا للأزمة الى لبنان واجواء خلافات، فسيكون له ارتدادات غير محمودة وغير مقبولة من الجميع. ووفق رؤساء بلديات ومخاتير وفعاليات عكارية، فمن قرر الذهاب فهذا شأنه، انما من غير المقبول ممارسة نشاط سياسي يتنافى والأسس التي تم على اساسها احتضان النازحين. بمعنى آخر، من سيذهب لينتخب ومن ثم يعود الى مكان اقامته في لبنان، فهو غير مرحب به، وليختر مكاناً آخر.
تحرك البلديات
على هذا الأساس، عقدت في الآونة الأخيرة اجتماعات في أكروم ووادي خالد الدريب ومناطق نهر الأسطوان، وتم ابلاغ نازحين سوريين بحقيقة موقف اللبنانيين والسكان المحليين بالأمر، «خاصة وأن مناطقنا مستقرة ولا تحتمل خضات أمنية واشكالات على خلفية انتخابات سورية لا شأن لنا بها. فكما نأينا بأنفسنا عن مجريات الوضع السوري، رغم سيل الاتهامات التي كيلت ضدنا زورا، نحن سننأى بأنفسنا مجددا وندعو النازحين في لبنان لينأوا بأنفسهم عن شؤون بلدهم طالما هم يعيشون بيننا«.
ويؤكد رئيس اتحاد بلديات نهر الأسطون، أحمد الشيخ، أن أعداد النازحين في منطقته يتجاوز الثمانية عشر ألفاً. هذه المنطقة لم تفرق بين هذا وذاك، بين نازح مؤيد وآخر معارض، فهذا شأنهم. بل أننا قمنا بكل واجباتنا تجاههم وقدمنا الكثير ولا نزال. النازحون أهلنا واخوتنا ولن نفرط بأي واحد منهم حتى عودته الى بلاده«.
ويضيف، «أننا نراقب ما يحصل ونتلقى معطيات وأخباراً عن محاولة اغراء النازحين للمشاركة في انتخاباتهم. هنا لا أتكلم بالسياسة ولا شأن لنا بما يحصل في سوريا، بل نتوجه الى اخوتنا النازحين بأننا نرفض ان ينعكس هذا الاستحقاق على أمننا وحياتنا وحياة النازحين. فمن يعتقد أن الأمور هدأت هناك وهذا ما نتمناه، ومن يرغب في العودة، فله كامل الحق. انما المشاركة في الانتخابات والعودة الى صفوفنا سيفتح الباب واسعاً أمام مشاكل وجدالات لا نريدها ولا شأن لنا بها على الاطلاق، وبالتالي المطلوب من الدولة تشديد المراقبة على الحدود لرصد الذين يذهبون ويعودون بهذه الحجة أو تلك ليشاركوا في انتخابات نعتبرها لا تصب بمصلحة الشعب السوري. في هذه الحالة، نؤكد أن عودة هؤلاء الى مكان اقامتهم بيننا سيخلق اشكالات نحن بغنى عنها بتاتاً».
رئيس بلدية السهلة عدنان الخطيب والذي عقد اجتماعا موسعا للنازحين، تخوف من محاولات استدراج البعض الى هذا الفخ. «نحن نعرف أن اخوتنا السوريين يعانون الأمرين. لقد فتحنا بيوتنا ومنازلنا وقلوبنا لهم جميعاً، ولكن لا نحتمل بأي شكل من الأشكال، المشاركة في استحقاق لا شأن لنا به. فلينأوا بأنفسهم عما يجري هناك. أن مشاركة البعض، وهذا ما يجري العمل عليه لن نسلم منه، بل سيؤدي الى صراعات نحن بغنى عنها. فكما قلنا للنازحين أنه ممنوع المشاركة في أية أعمال عسكرية في سوريا عبر اراضينا، ندعو الآخرين لأن يمتنعوا عن المشاركة في الانتخابات هذا ليس تدخلاً ولكن استباقاً لعواقب واشكالات نحن بغنى عنها.
أما رئيس بلدية عمار البيكات، وليد قاسم، فيقول «بما أن العالم لن يعترف بهذه الانتخابات، ودور السفارة السورية معروف، فإن للمسألة أوجها خطيرة ولن تكون بسيطة كما يعتقد البعض، وأهمها أن النازحين أتوا لبنان ليس بملء ارادتهم وهم لم يهاجروا طوعاً بل دمرت منازلهم وأضطروا للهرب من البطش والقتل. المؤسف اليوم أن هناك من يدعو هؤلاء ويعمل سراً لممارسة ما يقول عنه أنه «حق انتخاب رئيس محتضن من غالبية أهله«، ويسميها انتخابات نزيهة، بينما هي تتم على وقع البراميل والمجازر. فلا السوريون في لبنان بجاليات هجرت طوعاً، ولا القسم ألأكبر من النازحين مؤيد للنظام، رغم وجود اختراقات بين صفوفهم ويحظون بتأييد محلي من بعض الأشخاص.
نحن نرى أن القضية التي ستحصل خطيرة لأن أهلنا الذين احتضنوا النازحين طوال أعوام ثلاثة لن يستوعبوا هذه الخطوة، وكذلك الأسر السورية المنكوبة. وهناك احتمالات يجب أن نأخذها بالحسبان بل أسئلة من حقنا أن نطرحها ونراها مهمة: ماذا نفعل في ظل احتمال أن تنتقل الخلافات بين مؤيد ومناصر ورافض الى قرانا وبلداتنا؟ القضية بالغة الحساسية ونتمنى على الجميع التيقظ والتنبه لمخاطرها وندعو السلطات الأمنية اللبنانية لحسم أمرها والعمل جديا على هذا الملف منعاً للتداعيات السلبية، ونؤكد أن الاخوة السوريين أعزاء ونستقبلهم وسنظل، ولكن وفق منطق آخر، مع الاشارة الى أننا نحن أيضاً نكبنا وهجرنا بسبب استيعابنا للنازحين وتعرضنا للقصف الممنهج والضغط بسبب هذه الورقة التي كانت تثار في وجهنا ودمرت منازلنا وقتل لبنانيون في قرى حدودية. والمطلوب من جميع الهيئات الوعي والتنبه. ولن نسمح لأية محاولة أياً كانت للعبث بشؤون النازحين لاثارة بعضهم على بعض واثارة اللبنانيين على السوريين والعكس صحيح بهذه الحجة تحديدا. فكلنا كبلديات ومخاتير سنكون لهم بالمرصاد بالتنسيق الكامل والجدي مع الجيش وقوى الأمن الداخلي والأجهزة كافة لأنها ضمانتنا جميعاً.
No comments:
Post a Comment