The Lebanese Center for Human Rights (CLDH) is a local non-profit, non-partisan Lebanese human rights organization in Beirut that was established by the Franco-Lebanese Movement SOLIDA (Support for Lebanese Detained Arbitrarily) in 2006. SOLIDA has been active since 1996 in the struggle against arbitrary detention, enforced disappearance and the impunity of those perpetrating gross human violations.

Search This Blog

January 12, 2011

Almustaqbal - prison for a woman - January 12,2011


يعالج الحاكم المنفرد الجزائي في جب جنين القاضي فادي العريضي "السلوك الاجتماعي" في ضوء القانون في معرض محاكمته لامرأة أقدمت على "قتل" حماتها عن غير قصد، اثر مشادة كلامية بينهما أعقبها إصابة الضحية بعارض صحي كونها تعاني من أمراض عديدة، أفضى بالنتيجة الى وفاتها.
ويشكل الحكم الصادر عن القاضي العريضي في هذه القضية والذي قضى بحبس المدعى عليها مدة ستة أشهر واستبدال هذه العقوبة تخفيضاً بالاكتفاء بمدة توقيفها البالغة حوالى الشهرين، وثبة في قضية تداخل فيها الموضوع القضائي بالاجتماعي، مشبّعاً بثقافة القانون.
ويعلّل القاضي العريضي بإسهاب، ما خلص إليه الحكم، متطرقاً الى نقاط قانونية غاص في تفسيرها من كافة النواحي ما جعل من حيثيات حكمه بمثابة اجتهاد قانوني يضاف الى "المكتبة القانونية" ويغنيها.
ولم يغفل القاضي العريضي، عن معالجة مسألة الاحترام الأسري ومعاملة المسن والمريض معاملة محبة، بحيث أخذت هذه المسألة حيزاً كبيراً في حكمه ليخرج بقناعة "بأنه يتعين على الأمم أن تعالج بتعقل وهدوء مكامن سوس الخطأ الذي ينخر بنيانها وإلا أنهارت حضارتها وتلاشى إبداعها".
ويعرض القاضي العريضي في مستهل الحكم وقائع الحادثة التي وقعت فجراً بين الكنّة والحماة على خلفية محاولة الأولى الاستحصال على المياه من المصدر المشترك، وحصلت بينهما مشادة كلامية عنيفة تبادلتا خلالها أقسى الكلام، أفضت الى إصابة الضحية بسكتة قلبية أودت بحياتها وذلك نتيجة انفعالها الشديد المتأتي من المشادة الكلامية، وهي التي تعاني من أمراض القلب والسكري وارتفاع ضغط الدم.
وفي مناقشته للقضية من الناحية القانونية يرى القاضي العريضي أن القانون يفرض على الإنسان في سلوكه الايجابي وامتناعه السلبي أن يتوخى وجوباً أقصى درجات التعقل والروية والحكمة والتبصر في عواقب فعله أو عدم فعله وما يمكن أن يرتد به على الآخرين من إيذاء أو موت غير مقصودين، بحيث يتحتم على المرء المدرك والعاقل أن يجتنب كل عنف جسماني أو كلامي أو نفسي في تعاطيه مع الآخرين مبتعداً عن التسرع والرعونة والخفة والطيش إذ من واجبه القانوني أن يتبصر ويتوقع النتائج الضارة لسلوكه غير القانوني وغير المسند لاستقامة التعامل وأصول المنطق السليم.
وحيث ولئن كانت الخلافات العائلية غير المحمودة العواقب والضارة بآثارها اجتماعياً وأخلاقياً لما تجلبه على فرقائها من مسؤوليات جزائية ومدنية عند توافر شروطهما، معروفة في بعض الأوساط الاجتماعية، لكنه لا يسوغ التغاضي قانوناً عن هذه المشاكل الأسرية لما تسببه من تقلص في قدرات المجتمع المنتجة، بدلاً مما ينبثق عن حالة السلام والاحترام الأسري من أجيال طموحة متزنة وخلاّقة في كل ما هو مفيد للمجتمع، فيتعين على الأمم أن تعالج بتعقل وهدوء مكامن سوس الخطأ الذي ينخر بنيانها وإلا أنهارت حضارتها وتلاشى إبداعها.
ويشير الى أنه من المعلوم للمكافة أن الإنسان المسن والمريض بداء السكري وداء ضغط الدم وداء القلب، والذي أجرى عملية القلب المفتوح يصبح بحالة صحية دقيقة تستوجب معاملته بلطف واحترام ومحبة وحيطة خاصة، بعيداً عن أي عنف أياً كان شكله، أو إهمال أو إساءة معاملة أو معاملة منطوية على إهمال أو أي فعل مقصود أو غير مقصود يرتد عليه بالضرر، لا سيما من قبل المحيطين بمثل هذا المسن، العالمين تمام العلم بواقع حاله، حتى إذا ما خرجوا عن السلوك القويم فعالين في كره مثل هذا المسن وعدم احترامه وعدم تحمّل وجوده أو تصرفاته مبادرين لإهانته وتعنيفه كلامياً بالعبارات الجارحة، حتى يهينوا كرامته ويوقظوا مشاعر الغيط في قلبه المريض الذي لا يقوى على تدفق دم السخط والقهر والكيد والشعور بانتقاص الكرامة، إن يهلكه تعاظم مثل هذا الاضطراب ويسكته سيما وأنه قلب لا يحتمل في الأصل جهداً عادياً فكم بالحري عندما تعنفه وتجهده سموم الضغينة والعنف الكلامي بثقل تنوء تحته قلوب الأصحاء، فهل بالحري لقلوب ضعيفة أجهد المرض قوتها وأصبحت تخفق ببطء لتهب صاحبها بالكاد نفس الحياة، من قوة لتحمل مثل هذا الانفعال؟ الجواب المنقطي في غالب الحالات كلا، والقول بخلاف ذلك من شأنه تشريع السلوك الخاطئ المتسم بالعنف القولي المهين حيال من لا يتحمّله مع ما يولده من نتائج محض ضارة، علماً أن الأمر الذي يزيد ضرره على نفعه وجب اجتنابه، فكم بالحري بالعنف الضار بأشكاله كافة والذي لا يرجى منه نفعاً، إذ يتعين حظره.
وحيث ولئن كان من الشائع حصول التسبب بالوفاة عن غير قصد نتيجة فعل خاطئ يطال جسد الضحية كالصدم غير المقصود أو أي فعل أو امتناع غير مقصودين لهما دلالات أكيدة في جسد الضحية ويتسببان في الوفاة وفقاً للمجرى الطبيعي للأمور، إلا أنه لا يتعين إغفال آثار المشادات الكلامية العنيفة والجدية، بما تولده من انفعالات عندما توجه بسلوك خاطئ الى إنسان مسن ومريض لا يحتمل الآثار والمضاعفات الناجمة عن الانفعال والغيظ والحسرة التي تثيرها بنفسه مثل هذه المشادات العنيفة والتي قد تؤدي في حالات معينة تبعاً للمجرى الطبيعي والمألوف للأمور لحصول الوفاة كما في حالة أمراض القلب أو السكري وضغط الدم والأعصاب إلخ... عندما يكون مسبب ثورة الغضب لمثل هؤلاء الناس المرضى، عن غير قصد، عالماً بموضوع مرضهم وغير آبه ومحتسب ومتنبه لما قد يولده عنفه الكلامي الجارح والآثم من نتائج خطيرة تنجم عن انفعال وعصبية الموجه لهم هذا الكلام المسيء علماً أن في استطاعته توقع هذه النتائج بل من واجبه القانوني أن يتوقعها في ضوء معرفته بالمرض الذي تعاني منه الضحية.
وحيث أن الحق في الحياة هو من أسمى حقوق الإنسان بمقتضى المواثيق الدولية والقوانين الوضعية، والبعد السماوي لهذا الحق، وعليه لا يسوغ التغاضي مطلقاً عن من يحرم الإنسان من حقه بالحياة ولو عن غير قصد، على الوجه المبين أعلاه، حتى يحاسب المرتكبون والخاطئون ليكونوا عبرة لكل من تسوّل له نفسه أن يقترن الخطأ غير المقصود والذي يودي بحياة إنسان، وحيث أن جنحة التسبب بالوفاة عن غير قصد تستلزم لتحقق عناصرها ثبوت إتيان المدعى عليها للخطأ الجزائي وفقاً لمفهومه المحدد في المادتين /190/ و/191/ من قانون العقوبات وارتباط هذا الخطأ سبباً على النحو المقرر في المادة /204/ من نفس القانون بالنتيجة الجرمية المتمثلة بوفاة الضحية.
وحيث لناحية الخطأ الجزائي فإنه من الثابت باعتراف المدعى عليها أمام هذه المحكمة وبمجمل أوراق الملف، قيام المدعى عليها بتوجيه الكلام القاسي والعنيف والمهين لحماتها على خلفية أفضلية استجرار المياه، والتسبب عن غير قصد بانفعالها انفعالاً شديداً وجدياً وهي على علم بحالتها المرضية لناحية أمراض القلب والسكري وارتفاع ضغط الدم ما يؤلف بحقها فعلاً قليل الاحتراز ومتسماً بالرعونة والخفة والطيش، إذ بالنظر لحالة حماتها المرضية المعلومة منها كان عليها وفي استطاعتها ومن واجبها توقع نتيجة فعلها الخاطئ ولم تفعل ولم تتوان عن المضي في المشادة العنيفة من دون تحسب أو اكتراث لإمكانية تحقق نتيجة فعلها الخاطئ ألا وهي وفاة حماتها المريضة وهو الأمر الذي حصل بسبب نوبة قلبية حادة أدت الى توقف سريع في القلب على ما أكده تقرير الطبيبين الشرعيين المبرز في الملف، وذلك لنتيجة الانفعال المتأتي عن المشادة الكلامية الحادة مع المدعى عليها وحيث يكون بالتالي فعل المدعى عليه الموصوف آنفاً من قبيل الخطأ الجزائي المنصوص عنه في المادتين /190/ و/191/ من قانون العقوبات لكونها قليلة الاحتراز وكان من واجبها القانوني والأخلاقي والمنطقي وفي استطاعتها توقع حصول الوفاة لحماتها نتيجة للمشادة العنيفة والكلام المهين الذي وجهته لها مع علمها بالأمراض التي تعاني منها حماتها وتماديها في فعلها الخاطئ غير آبهة ومتبصرة بنتيجته المتوقعة والمحتملة.
وحيث لناحية الصلة السببية بين فعل المدعى عليها الخاطئ والنتيجة الجرمية المتمثلة بوفاة حماتها، فإن المادة /204/ من قانون العقوبات تؤكد على أن هذه الصلة السببية لا ينفيها اجتماع أسباب أخرى سابقة أو مقارنة أو لاحقة سواء جهلها الفاعل أو كانت مستقلة عن فعله، وبالتالي تكون الصلة السببية متوافرة في القضية الراهنة لكون المدعى عليها على تمام العلم بواقعة الاستعداد المرضي السابق وما تعاني منه حماتها من أمراض خطيرة (القلب، والسكري، وارتفاع ضغط الدم)، وإن ما ورد في نص المادة /568/ عقوبات يؤكد هذا التفسير لكون السبب السابق المتمثل بأمراض حماة المدعى عليها كان معلوماً من قبل هذه الأخيرة وغير مستقل عن فعلها، إذ أن فعلها الخاطئ هو الذي ولّد انفعالاً جدياً أدى الى أزمة قلبية قاتلة لدى حماتها.
وحيث من قبيل الاستفاضة في البحث فإن جناية المادة /550/ عقوبات تشترط لاكتمال عناصرها أن يكون الفاعل قد أقدم على عمل مقصود من أعمال الضرب أو العنف أو الشدة أو أي عمل آخر مقصود أدى الى نتيجة غير مقصودة متمثلة بموت الضحية.
وحيث أن عبارة "بأي عمل آخر مقصود" الواردة في نص المادة /550/ عقوبات هي مطلقة وتفسر على إطلاقها، ولكن يتعين أن يكون العمل الآخر المقصود يرمي الى نتيجة مقصودة بذاتها كحالات الانفعال النفسي والعاطفي وينجم عنه نتيجة غير مقصودة متمثلة بوفاة الضحية.
وبالعودة الى وقائع هذه القضية فلم يثبت ويتبين أن نية وقصد المدعى عليها من وراء مشادتها الكلامية العنيفة مع حماتها، كانا ينصبان بشكل ممنهج ومدروس ومتعمد لإثارة انفعال حماتها، إذ أن خلافها على أفضلية استجرار المياه هو حدث آني وفوري ولّد المشادة الكلامية الحادة بينهما والتي أدت الى انفعال الحماة وإصابتها بنوبة قلبية حادة أودت بحياتها، بحيث لا يكون والحالة هذه قصد المدعى عليها انصرف لإثارة انفعال حماتها، ما ينفي تحقق حالة أي عمل آخر مقصود المنصوص عنها في المادة /550/ عقوبات.
وحيث بالاستناد لمجمل التعليل المذكور ولكونه ثابت باعتراف المدعى عليها أمام هذه المحكمة والتقاطع مع مجمل أدلة الملف فإن المدعى عليها كانت عالمة بحالة حماتها المرضية الخطيرة وقد تسببت عن قلة احتراز وغير قصد وبنتيجة مشادتها الكلامية العنيفة مع حماتها بانفعال شديد لدى هذه الأخيرة أدى الى إصابتها بنوبة قلبية حادة أودت بحياتها، إذ كان في استطاعة ومن واجب المدعى عليها توقع نتيجة سلوكها الخاطئ.

No comments:

Post a Comment

Archives