خادمات المنازل: بين الظلم والابتزاز جمعيات ومافيات وخلل قانوني
تطالعنا في الاعلام دراسات وتقارير لجمعيات اهلية ومنظمات دولية "توثق الانتهاكات التي تمارس في حق العاملات الاجنبيات في المنازل في لبنان"، على ما تدعيه، تشوّه سمعة المواطن اللبناني، وتظهره بصورة المتوحش الذي يعتدي على "هذا الكائن الضعيف" معنوياً وجسدياً وجنسياً، ويأكل حقوقه المادية، ويحطم نفسيته.
طبعاً لا يمكن نكران وجود مجموعة من الناس، تتعامل بطريقة قاسية ولا انسانية احياناً، وهي لا تقتصر على لبنان فحسب، ويرفضها كل من لديه ضمير ويملك حساً انسانياً. الا ان ما يثير الريبة، هو التركيز لدى هذه "الجمعيات والمؤسسات الاجتماعية والانسانية" على هذه الفئة الصغيرة في المجتمع اللبناني، وتجاهلها الفئة الاكبر من ربات البيوت اللواتي يعاملن الخادمات لديهن معاملة جيدة ولائقة، او على الاقل ضمن الاصول الانسانية والشروط التي يمليها عقد العمل بين الطرفين، ويغطين حاجات العاملات "من البابوج الى الطربوش"، وتتقاضى الاخيرات رواتبهن كاملة، لترسلها الى بلدانهن. وهنا السؤال: لماذا هذه الحملات؟ وما الهدف من ورائها؟
شكاوى وسيناريوهات
تتلقى "دائرة التحقيق والاجراء" التابعة للمديرية العامة للامن العام اسبوعيا ما بين 35 الى 50 كتاباً من جمعيات انسانية واهلية، ترفع شكوى على المخدوم او تطلب اعطاء اذن المغادرة، بحجة المعاملة السيئة. و"عند استدعاء الكفيل والتحقيق معه ومع الخادمة، يتبين ان معظم الحالات تعود الى اسباب ابرزها: اقامة غير مشروعة، او مخالفة لنظام الاقامة، او عدم حيازة مستندات، او تهديد، او فرار، او سرقة، او هوية مغايرة. وطلب المغادرة المقدم بحجة المعاملة السيئة، هدفه في اكثر من 90% من هذه الحالات "عودة الخادمة الى بلدها، والمطلوب موافقة الكفيل" على ما اكدته مصادر رسمية لـ "النهار". وهنا تبدأ عملية الابتزاز، التي يتقاسم ادوارها الخادمة ومتعهدو استقدام الخادمات والجمعيات واحيانا السفارات.
كثيرة هي السيناريوهات التي ترسمها الخادمات، والقصص التي يروينها، وتبدأ بسوء المعاملة والضرب والتعذيب النفسي والجسدي، ولا تنتهي بالحرمان من الطعام والشراب والعمل المضني، مروراً بالاغتصاب والاعتداء الجنسي وغيرها... كل هذه الادعاءات يتذكرنها بعد سنوات من هروبهن من بيت مخدومهن، وفقط عندما يردن مغادرة لبنان، والعودة الى بلادهن، بعد تقاسم الغلة مع "المتعهد"... وهذا الامر يبدو طبيعياً، عندما ندرك أن القانون يجبر الكفيل على دفع بطاقة السفر، بموجب التعهد وعقد العمل الموقع بين الطرفين، مهما كانت الظروف.
الجمعيات الانسانية والمصالح
لا تسأل جمعيات حقوق الانسان هذه، عن حقوق المواطن اللبناني الذي يتكبّد تكاليف سفر الخادمة ومعاملات اجازة العمل والاقامة، اضافة الى رواتبها الشهرية وتكاليف المأكل والمشرب والملبس وغيرها، وهي بآلاف الدولارات. هذا عدا عن تعطيل العمل و"الشرشحة والجرجرة" الى دوائر الامن العام من اجل الاستجواب والتحقيق. بل تسأل فقط عن الحقوق "المهدورة والمهضومة" للخادمة التي استغلت كفيلها للمجيء الى لبنان، واستفادت منه حتى قويت شوكتها، وتوسعت شبكة علاقاتها، وهربت لتعمل على حسابها، او بالتكافل والتضامن مع مافيات الخدم والمكاتب، ومن دون اذن شرعي، لتحصيل المال، ثم تعود وتبتز كفيلها في النهاية بتحريض من بعض هذه الجمعيات أو اصحاب مكاتب الاستقدام، ليدفع عنها بطاقة السفر ويسقط شكواه لتسافر الى بلدها، وتعود بعد تمضية اجازة في بلدها، وتلعب الدور ذاته من جديد مع مواطن لبناني آخر.
ويشير مواكب لهذا الموضوع الى ان معظم الشكاوى التي ترد الى "دائرة التحقيق والاجراء" في الامن العام تستند الى "فاعل خير" او "وردنا اتصال"، ولا تذكر حتى اسم الشخص المفترض انه المفتري والمعتدي. يتحرش البعض بالخادمة أمام أبواب الكنائس او في الشارع، ويسألنها هل انت سعيدة لدى مخدومك؟ هل تعاملين بالسوء؟ هل تتعرضين للاهانة؟ هل تأكلين جيدا؟ اذا احتجت اي شيء اتصلي بنا. لتحصل بعدها البازارات والتسويات". ويؤكد انه "في احيان كثيرة يتداخل عمل بعض هذه الجمعيات، مع شبكات الاتجار بالرقيق والتهريب، واحيانا مع مكاتب الاستخدام. فيوصون الخادمة بحسن التصرف حتى انقضاء الاشهر الثلاثة للاقامة المسبقة، والى ان يحين موعد استصدار اجازة العمل والاقامة، فتأخذها وتهرب وتلجأ الى احدى هذه الجمعيات التي تحتاج الى حالات مماثلة، لتدعي الدفاع عنها، وبالتالي الاستحصال على الاموال والمساعدات من مصادر داخلية وخارجية، او تذهب لتعمل على حسابها، او يشغلها الشبكات والقوادون بالتهريب والدعارة".
في ظل هذا القانون "الجائر" في حق المواطن اللبناني، يبدو ان دوائر الامن العام تحاول التعويض، وتلجأ الى بعض طرق الحماية، فإذا تبين في التحقيق زيف ادعاءات الخادمة وكذبها، يجبرها الامن العام على دفع بطاقة السفر ورسوم الاقامة، لأنها عند هروبها من مخدومها، عملت وجنت الاموال، او يكبد الشخص الذي عملت لديه بطريقة غير شرعية، وفي بعض الاحيان تدفع عنها سفارة بلادها التي تحصل الرسوم منها فور عودتها الى بلادها. الأمن العام
ما هو دور الامن العام في موضوع الخادمات في المنازل؟ ما هي مسؤولياته؟ ومتى يتدخل؟
يجيب المسؤول عن مكتب شؤون الاعلام في المديرية العامة للامن العام العميد جوزف عبيد ان قانون تنظيم المديرية نص على أن "يقوم الأمن العام بمراقبة الاجانب على الاراضي اللبنانية، بدءاً بمنحهم أذونات الدخول واعطائهم إجازات الاقامة ومتابعة شرعيتها لحين مغادرتهم الاراضي اللبنانية، ومنحهم جوازات مرور عند الضرورة"، والعاملات في الخدمة المنزلية هّن من ضمن الاجانب المذكورن اعلاه . وهو يعطي تأشيرة دخول "للعاملة في الخدمة المنزلية " على اساس:
اولاً: عدم وجود اي مانع.
ثانياً: مدى حاجة الكفيل للعاملة وقدرته على تحمل النفقات ووجود مساحة كافية لإسكانها.
ثالثاً: موافقة مسبقة للعمل صادرة عن وزارة العمل.
■ لماذا يتصل الأمن العام بالكفيل ويسأله عن عمله ودخله وعدد افراد عائلته واين ستنام الخادمة ومن سيدفع لها وغيرها من الاسئلة الخاصة؟
- هذا من صلب متابعة الأمن العام لوضع العاملة في الخدمة المنزلية، وللتأكد من صحة قيام العاملة بالصفة التي استقدمت من اجلها، والتأكد من قدرة الكفيل على تحمل نفقاتها ووجود مساحة كافية للعيش في المنزل مع العائلة.
■ لماذا لا يلقى القبض على الخادمات الهاربات او اللواتي لا يملكن اوراقاً ثبوتية ومنتشرات في مختلف المناطق اللبنانية؟
- ان الأمن العام - مكتب شؤون العمليات يتولى، وبناء لقرار المدير العام للأمن العام، دهم كل ما هو مخالف لنظام الاقامة والعمل وتوقيفه وايداعه دائرة التحقيق والإجراء، بعد مراجعة القضاء المختص. وبسبب كثرة الموقوفين في نظارته، فإن الأمن العام يتريث في بعض الأوقات، ووفق ما تقضي الظروف، بتنفيذ عمليات التوقيف، بسبب كثرة العرب والأجانب الموقوفين في النظارة، ومنعاً لتفشي الامراض والاوبئة.
■ لماذا يبقى اللبناني مسؤولاً عن تسفير الخادمة ولو بعد سنوات رغم تبليغه عن هربها الى الاجهزة الامنية؟
- يبقى على الكفيل مسؤولية ترحيل العاملة في الخدمة المنزلية، حتى ولو بعد شكوى الفرار، بإستثناء الرسوم المتوجبة عن كسر الإقامة، والكفيل ليس ملزماً بها، لكونه نظّم تعهداً قبل استخدام العاملة، بإستقدامها وتأمين تذكرة سفرها، مما يجعله ملزماً تأمين ما هو مطلوب لترحيلها .
■ كيف يحمي الأمن العام حقوق المواطن اللبناني الذي يدفع آلاف الدولارات لجلب الخادمة ثم تهرب؟
- يتولى مكتب الخدم معالجة موضوع العاملات في الخدمة المنزلية الفارات ضمن فترة الثلاثة أشهر. اما في الفترة التي تلي، فتقع المسؤولية على عاتق العاملة، وبالتالي يقتصر دور الأمن العام على موضوع الفرار كونه لم يلزم الكفيل بإستخدام العاملة، فيتوجب على الكفيل مراجعة الجهات المختصة لدى وزارة العمل والقضاء المختص.
■ هل من دور له مع مكاتب الاستخدام؟
- تضطلع المديرية العامة للأمن العام، بالتنسيق مع وزارة العمل، بدور مهم في مراقبة عمل مكاتب الإستخدام في لبنان لناحية إلتزامها القوانين والمعايير وملاحقة المخالفين وإتخاذ التدابير المناسبة بحقهم.
■ ما دور الأمن العام وكيف يتعامل مع السفارات والديبلوماسيين الذين يأوون الخادمات الهاربات، ويوفرون لهن الاوراق الثبوتية البديلة؟
- تتم مراجعة القضاء المختص في حال لم يتم التعاون من قبل السفارات في موضوع العاملات في الخدمة المنزلية الهاربات وتأمين مستندات ثبوتية (إيواء عمال بصورة غير شرعية)، كما يتم إعداد مراسلة، عبر وزارة الخارجية، الى السفارات التي تمتنع عن التجاوب مع الأمن العام في ما يتعلق بالمصلحة العامة وتسهيل معاملات ترحيل العمال والعاملات.
■ ماذا يفعل بالخادمات اللواتي يقبض عليهن هاربات كن او متهمات؟ هل يتم سجنهن أم ترحلن؟ كيف وبأي طريقة؟ وما هي مسؤولية سفاراتهن في هذا الاطار؟ ومن يتحمل المسؤولية؟
- يتم توقيف كل من ثبت انهن هاربات، وتتخذ الاجراءات لترحيلهن الى بلادهن بالتنسيق مع الكفيل، ومع السفارات لناحية وثائق السفر وإصدار بلاغات منع الدخول المطلوبة بحق المخالفات منهن. من ناحية ثانية لا مسؤولية على سفارة في موضوع العاملة الهاربة من الخدمة المنزلية، إلا في حال ضلوع السفارة بالتحريض على الفرار.
■ ما هي الاسباب الرئيسية للشكاوى بحقهن؟
- تتعلق هذه الأسباب بـ:
- فرار الخدم والعمال من أجل العمل بطريقة غير شرعية لقاء أجر على الساعة الواحدة يبلغ حوالى 8000ليرة لبنانية.
- عدم إتفاق العاملة في الخدمة المنزلية مع رب عملها الأمر الذي يؤدي الى الفرار.
يتبيّن بالنتيجة ان هناك خللاً اساسياً في موضوع العمالة الاجنبية في لبنان، فالنظام المعمول به لا يحمي المواطن اللبناني وحقوقه، ويشجع المافيات بمختلف عناصرها من خدم ومكاتب وجمعيات على استغلاله وابتزازه قانونياً، واتخاذ الناحية الانسانية في هذه القرارات والمراسيم المنبثقة منه مطية للحصول على المساعدات والتمويل. والمطلوب تعديلات بسيطة ولكن اساسية تحفظ حقوق كل الناس.مي عبود أبي عقل
No comments:
Post a Comment