العنصرية الطبقية تجاه اللاجئين: اقتصاد ضد الناس
اكثرية اللبنانيين لم تكن بحال افضل قبل تدفق اللاجئين السوريين الى لبنان. واكثرية السوريين اللاجئين الى لبنان لم تكن بحال اتعس في سوريا. الفقراء والعمال والمزارعون في البلدين هم ضحايا مصالح دنيئة جعلت الاقتصاد يعمل ضد الناس ويغذي العنصرية مقيتة
إيفا الشوفي
تدخل أحد مطاعم بيروت في الروشة حيث تنساب اللهجة السورية بطلاقة، تلاحظ اهتمام صاحب المطعم بزبائنه السوريين، هؤلاء يمثلون الطبقة الوسطى والطبقة الغنية في سوريا. هؤلاء فعلاً من يحرك العجلة الاقتصادية للمطعم وفق كلام المدير. في الخارج، على المقاعد المكسّرة والرصيف المزدحم، تستمر اللهجة السورية بالانسياب إلّا أن هؤلاء هم من «خرب البلد»، هؤلاء هم من «زادوا ديوننا ورفعوا معدلات البطالة والفقر، فليرحلوا!».
هكذا يترجم اللبنانيون عنصريتهم الطبقية تجاه اللاجئين السوريين. عنصرية ترتكز إلى محاباة الاغنياء وكره الفقراء. فيصب فقراء لبنان حقدهم على فقراء سوريا بينما يزيد أغنياء لبنان أرباحهم بالتعاون مع أغنياء سوريا على استغلال فقراء البلدين. هي اللعبة نفسها التي قام بها النظام الاقتصادي والسياسي في لبنان خلال الحرب الأهلية، ويستمر بها لضمان استقراره.
بسرعة قياسية انتشرت العنصرية في لبنان. يافطات تمنع التجوّل، تصريحات تطالب بطردهم، قرارات تمنع دخولهم وغيرها من الوسائل التي عبّر من خلالها بعض اللبنانيين عن انزعاجهم من وجود السوريين في لبنان. حجّة هؤلاء جاهزة دائماً «اقتصاد البلد لا يحتمل». وإذا كان الاقتصاد لا يحتمل يقوم هؤلاء تلقائياً بإلقاء اللوم بشكل كامل على اللاجئين بدلاً من أن يلتفتوا إلى أنّ أساس المشكلة يكمن في النظام الاقتصادي وبالتالي يجب محاربة هذا النظام وليس اللاجئين. والعنصرية تندمج لدى البعض بالذاكرة القصيرة لتنتج نوعاً جديداً من الاقاويل والحجج «السطحية» التي تحمّل السوريين مسؤولية البطالة والفقر وازمة المياه والكهرباء، عجقة السير وغيرها من المشاكل اللبنانية المزمنة التي كانت قبل لجوء السوريين وستبقى بعد رحيلهم ما دامت الطبقة الحاكمة تنتهج السياسات الاقتصادية نفسها. يعتبر رئيس قسم الاقتصاد في الجامعة اللبنانية الأميركية غسان ديبة أنّه لا يمكن قياس التأثير الاقتصادي للاجئين السوريين بشكل دقيق، ومعظم عمليات القياس التي قامت بها المؤسسات والجمعيات وتحديداً البنك الدولي كانت مضخمة جداً في ما يتعلق بالتأثيرات السلبية للجوء.
يرفض د. غسان
ديبة تضخيم الأرقام ويرى أن اللجوء مثل عنصراً إيجابياً للاقتصاد
ويضيف: «يجب عدم الأخذ بما أعلنه رئيس البنك الدولي عن أن النزاع في سوريا كلّف لبنان 7,5 مليار دولار حتى صيف 2013 لأنه رقم مبالغ فيه جداً، كما أنّ تقرير البنك الدولي يشوبه كثير من المشاكل المنهجية وخصوصاً في تأثير اللاجئين السوريين في معدلات البطالة والفقر ودرجات استعمال البنى الاساسية من كهرباء ومياه وطرقات». في المقابل يرى ديبة أنّ الانعكاسات الاقتصادية للجوء كثيرة أبرزها تدفق رؤوس الأموال السورية الى لبنان، الإنفاق الاستهلاكي الذي تقوم به الطبقة السورية المتوسطة، المساعدات والأموال الطائلة التي تُنفق على اللاجئين وكل ذلك يذهب بمعظمه للإنفاق على الأكل والتعليم والصحة والنقل والمواد المنتجة محلياً وبالتالي ينعكس إيجاباً على الاقتصاد اللبناني. كذلك يقوم بعض اللاجئين بتأسيس أماكن عمل جديدة ما يزيد من الناتج المحلي من دون منافسة اللبنانيين، كما أنّ التصدير من لبنان الى سوريا ازداد بنسبة 6 في المئة في النصف الأول من عام 2013.
أما عن المنافسة على فرص العمل فقد أظهرت إحصاءات المفوضية السامية للأمم المتحدة لشوؤن اللاجئين لعام 2014 أن فئة الذكور التي تتراوح اعمارهم من عمر 18 إلى 59 سنة تمثل 20,2 % فقط من إجمالي عدد اللاجئين تتوزع على العديد من المناطق الجغرافية، وهي الفئة التي يمكن اعتبارها منافسة لليد العاملة اللبنانية، وهذه النسبة كانت موجودة تقريباً في لبنان قبل اللجوء. لا ينفي ديبة بعض التأثيرات السلبية للجوء مثل حجم الاستثمارات لإدارة النفايات وتوليد الكهرباء لكنه يرفض تضخيم الأرقام ويرى أن اللجوء مثّل عنصراً إيجابياً للاقتصاد اللبناني بشكل كبير.
وانطلاقاً من فكرة العنصرية الطبقية اعتصم أول من أمس عشرات اللبنانيين والسوريين أمام المتحف بدعوة من المنتدى الاشتراكي وعدد من الجمعيات، للتعبير عن رفضهم للقرارات العنصرية التي اتُخذت ونبذ الخطاب العنصري الطبقي. فرأى هؤلاء أن «المسؤول الاول والاخير في ظل اي نظام رأسمالي، كالنظام اللبناني، هو البرجوازية واصحاب العمل فهم من يوظّف، وهم من يطرد، وهم من يستبدل عاملاً بآخر. فاصحاب العمل اللبنانيون يستفيدون من عوز اللاجئين السوريين لتوظيفهم بأجور زهيدة، والتخلص من عبء دفع اجر كامل (للعمال اللبنانيين)، ومن ثم يقولون للعامل اللبناني: «السوري اخد مطرحك». فنرى أمل اللاجئة التي تعمل في معمل خياطة في بيروت لمدة 12 ساعة مقابل 200 الف ليرة لبنانية فقط. أمّا وليد فهو نادل في أحد مطاعم البقاع حيث يعمل من الساعة العاشرة صباحاً حتى الثانية ليلاً براتب يلامس الـ300 دولار. من هنا اعتبر باسم شيت أحد أعضاء المنتدى الاشتراكي أنّ «على الدولة اللبنانية أن تتدخل لتنظيم العمالة الوافدة والتوفيق بين العامل الإنساني للجوء واللجوء الاقتصادي الذي لا يمكن فصله بطبيعة الحال عن العامل الإنساني والأمني، فخلال الحرب الأهلية معظم أسباب لجوء اللبنانيين إلى دول الغرب كانت لأهداف اقتصادية بالدرجة الأولى»، مشدداً على أنّ «الاقتصاد اللبناني يمتلك وفرة من الأموال المجمّدة في الخارج ولا تُوظف لخدمة الناس لأنه اقتصاد ضد الناس».
أيضاً شكّك المعتصمون بالأرقام التي تطرحها المنظمات والجمعيات في معرض تبرير تمويلها فتعمد إلى «إظهار اللجوء السوري إلى لبنان كما لو كان يشكل «خطراً» على الكيان والنسيج الاجتماعي اللبناني، ما يساهم في تقوية خطاب السلطة العنصري واضفاء نكهة «علمية» كاذبة عليه، من خلال الكلام على نمو التنافس ما بين العمال اللبنانيين والسوريين على فرص العمل، بالطبع، من دون التكلم عن كيفية انتاج هذا «التنافس». على درج المتحف رفع هؤلاء العديد من اليافطات التي تلغي حجج بعض العنصريين وتدعو للتحرك ضد المخاطر التي يواجهها اللبناني من قبل السلطة مثل «قال عم يقولوا السوريين رح يخلصولنا المي، بدل ما يخافوا ع المي من السوريين يخافوا ع المي من مشروع «بلو غولد»، «زاد عدد السرقات من ورا السوريين ، اه والله ليه السلطة عنا تركت شي تينسرق».
No comments:
Post a Comment