الادعاء لدى «المحكمة الخاصة»:
المخاوف الأمنية متأصلة في لبنان
حكمت عبيد
لم يكن مفاجئاً قرار غرفة الاستئناف لدى المحكمة الخاصة بلبنان برئاسة رئيس المحكمة القاضي دايفيد باراغوانث، والقاضي برفض طلب فريق الدفاع المكلف بحماية حقوق المتهم الخامس في قضية الرئيس رفيق الحريري حسن مرعي، باستئناف قرار غرفة البداية التي حددت 18 الجاري موعداً لاستكمال المحاكمات في قضية الرئيس الحريري.
فالقرار جاء منسجماً مع قرار رئاسة المحكمة، ومواقف رئيسها الداعي إلى «عدم تأخير المحاكمات والسير بها بالسرعة الممكنة»، ولو جاء ذلك على حساب سلامة الإجراءات ومدى مطابقتها لقواعد الإجراءات والإثبات، ولأعلى معايير العدالة التي لطالما تحدث عنها موظفو المحكمة وقضاتها.
لم تأخذ غرفة الاستئناف في أسباب الطلب الذي تقدم بها فريق مرعي في 21 أيار الماضي، تحديداً لجهة حاجتها إلى مزيد من الوقت كي يتمكّن خبراؤها من إعداد تقاريرهم حيال بعض المسائل الأساسية والمتصلة بمسرح الجريمة أو بإفادات بعض الشهود والخبراء ممن تنوي غرفة الدرجة الأولى الاستماع إليهم ابتداءً من 18 الجاري.
وفي المعلومات أن الجلسة التمهيدية التي قرّرت الغرفة الأولى عقدها بتاريخ 16 الجاري، هي شكلية، وستتناول خلالها الغرفة، قضايا مستعادة من دون أجوبة حاسمة، ومنها، على سبيل المثال، مسألة تعاون لبنان الذي لايزال يراوح مكانه من دون أي تقدم جدي وحقيقي، «إلاّ في الحالات التي يطلب فيها مكتب المدعي العام مثل هذا التعاون وليس فرق الدفاع».
وتضيف المعلومات أن «الغرفة» ستبدأ بالاستماع إلى 25 شاهداً، بعد أن تقسيمهم إلى ثلاث مجموعات سيقدم غالبيتهم إفادات تتناول «طرق جمع الأدلة وفحص الأشلاء البشرية، الحمض النووي لبعض المشتبه فيهم». وستشمل المرحلة الأولى أيضاً إفادات لأحد المسؤولين من قسم الصيانة لدى إحدى شركات السيارات وخبير دولي في الهزات الأرضية.
وتُشير أجواء الغرفة الأولى إلى أن رئيسها القاضي دايفيد راي سيعطي الأولوية للإفادات التي لا تمسّ بحقوق المتهم مرعي، على أن يقدم شهود أدلة الاتصالات، بعد العطلة القضائية للمحكمة، اي بعد انقضاء شهر آب المقبل، ما يفسح في المجال أمام فريق مرعي لمزيد من التحضيرات.
وفي محاولة لمزيد من الضغط على الإعلام اللبناني، يحاول مكتب المدعي العام لدى المحكمة، إقناع المحكمة، بأن عدداً كبيراً من شهود المرحلة الثانية طلب إجراءات حماية إضافية، «خوفاً من تعرّضهم وتعرّض عائلاتهم للخطر»، فالمحاكمات، بحسب إحدى وثائق المحكمة، «اكتسبت شعبية وعلنية صخمة أثرت سلباً على خصوصية الشهود. وكنتيجة لهذا، «فإن تدابير الحماية ضرورية لحماية خصوصية الشهود، الذين هم على استعداد للإدلاء بشهاداتهم وطلبوا التدابير على هذا الأساس».
وتضيف إحدى الوثائق: «وعلى سبيل المثال، إن الشاهد (PRH513) يسعى إلى الحصول على تدابير حماية على أساس الحق في الخصوصية، فبسبب ارتباطه المسبق مع المحكمة، لقد تم التواصل معه من قبل بعض أقاربه وزملائه، وسألوه عن طبيعة علاقته بالمحكمة. ان هذا الشاهد لا يسعى إلى الحصول على تدابير حماية بسبب مخاوف أمنية، بل على أساس حقه في عدم انتهاك خصوصيته من خلال إشهار هويته».
وفي طلب يعرّض مصداقية الإفادات والشهود للشك، طلب مكتب المدعي العام من غرفة الدرجة الأولى أن تبقى أسماء 6 شهود سرية، «والإشارة إلى كل شاهد بحسب اسمه المستعار في كل الجلسات والوثائق العلنية»، وأنه «إذا أدرك أي طرف ثالث أو وسيلة إعلامية اسماً من أسماء الشهود أو المعلومات التي قد تكشف عن هويتهم، يُمنع من كشف الأسماء والمعلومات، إلا إذا تم كشفهم من قبل المحكمة». ويستند الادعاء في طلبه إلى «ان مخاوف الشهود الأمنية متأصلة في الأوضاع السياسية والأمنية المتوترة السائدة في لبنان، وقد سعى البعض في لبنان إلى عرقلة عمل المحكمة، ولا سيما من حيث صلتها بالشهود».
وقدّم مكتب الادعاء في وثيقة غير سرية، بعض المعلومات عن الشهود الذين يطلبون هذه الإجراءات منهم (PRH450) «وهو ضابط رفيع المستوى في الجيش اللبناني، والتزاماته المهنية تتطلب أن تبقى هويته سرية، حيث إن الكشف عن هويته علناً قد يشكل خطراً على سلامته الشخصية وسلامة عائلته ويعرض عمله للخطر».
أما الشاهد (PRH538)، «فإنه يعيش في لبنان، والكشف عن صلته بالمحكمة قد يؤثر سلباً على ترقيته في العمل وعلاقته مع رؤسائه وزملائه».
ويعتبر الشاهد (PRH596)، ان الكشف عن هويته قد يؤثر سلباً عليه وعلى عائلته في المنطقة التي يعيشون فيها. فهو يُقيم على مقربة من «تهديدات أمنية»، والكشف عن هويته قد يلفت انتباه تلك «التهديدات الأمنية».
وأفاد الشاهد (PRH489)، مكتب الادعاء «أن الكشف عن علاقته بالمحكمة قد يؤثر سلباً على عمله. وهو قلق إزاء خصوصيته وظهور اسمه بشكل علني في وسائل الإعلام اللبنانية، ما قد يعرّض زوجته وأولاده للخطر.
وفيما عبر الشاهد (PRH513)، عن قلقه بشأن حقه في الخصوصية، رأى الشاهد (PRH653)، أن الكشف عن هويته قد يؤثر سلباً عليه وعلى عائلته في المنطقة التي يعيشون فيها. حيث إنه يُقيم على مقربة من «تهديدات أمنية»، وهو لا يريد أن يعتبره مَن يعيش في تلك المنطقة أنه «خائن لمحيطه ومجتمعه الشيعي».
ويستند الادعاء، إلى كل هذه الأسباب، ليبرر طلبه في منح الشهود تدابير حماية أساسية، وهو غير قادر على منح أي شاهد ضمانات حماية فعلية في ظل أجواء الانقسام السياسي في لبنان حيال «المحكمة» ووظيفتها السياسية، الناتج بدوره عن المسار الملتبس الذي سلكته منذ قرار مجلس الأمن الدولي 1757.
فهل ستظهر المحكمة سلوكاً أكثر موضوعية يمنحها ثقة اللبنانيين، أم ستبقى أسيرة السيناريو السياسي الذي مهد لولادتها، وبالتالي تعريض شهودها لمخاطر افتراضية غير مبنية على معطيات وحقائق؟
No comments:
Post a Comment