| |
هل تحدث المعجزة وترمم صفقة التسوية قبل صدور القرار الاتهامي الذي يتردد أن موعده بات يعدّ بالساعات والأيام، أم أن ما كُتب قد كُتب، وبالتالي لم يعد من مجال للتفاهم على حصر تداعيات القرار، على الرغم من حركة المشاورات التي سيبدأها الرئيس ميشال سليمان اليوم لتحصين الساحة الداخلية، والبحث عن المخارج الممكنة للمأزق الذي دخلت فيه البلاد نتيجة الانقسام الحاد عمودياً وأفقياً حول المحكمة الدولية الخاصة بلبنان والقرار الإتهامي؟
المناخات السائدة تشير الى أن المسؤولين يعيشون أجواء توحي بأن القرار الاتهامي بات موعد صدوره مرهوناً بأيام قليلة، وذهبت قناة <المنار> الناطقة بلسان <حزب الله> الى حد ترجيح صدوره بين 4 أو 5 كانون الأول الحالي، أي مع بدء ترؤس مندوبة الولايات المتحدة سوزان رايس لمجلس الأمن الدولي، ومواكبة تحركات الخارج التي تأتي في صدارتها، اللقاءات التي يجريها الرئيس سعد الحريري مع القادة الأوروبيين، بحثاً عن سبل تدعيم الاستقرار اللبناني، وهو ما بدأه أمس مع الرئيس الفرنسي نيكولا ساركوزي، ويستكمله قبل نهاية الأسبوع مع المسؤولين الأتراك في اسطنبول.
ولاحظت مصادر دبلوماسية أن الكلام عن اتجاه لتأجيل القرار لم يعد وارداً، وأن فرنسا أبلغت كل من التقتهم أنها لا تتدخل في عمل التحقيق، مؤكدة مساندتها للمحكمة الدولية وكشف الحقيقة، بالرغم من تخوّف الدوائر الغربية من تبعات صدور هذا القرار على المستويين السياسي والأمني في لبنان، لا سيما في ضوء تلويح الأمين العام لحزب الله بانفلات الأوضاع بعد صدوره.
وتوقعت المصادر الدبلوماسية، بحسب ما نقل عنها موقع <ناو ليبانون> الالكتروني، أن ينتهج <حزب الله> مساراً تصعيدياً تصاعدياً في تصديه لصدور القرار عبر سلسلة خطوات ميدانية تخربط الأوضاع اللبنانية، وتتيح له التحكم بمفاصل الحياة السياسية عبر شل مؤسسات وموانئ الدولة تحت عناوين مدنية قد تصل الى حد العصيان للضغط على السلطة اللبنانية باتجاه إعلان تنصلها من موجبات القرار الاتهامي في جريمة اغتيال الرئيس الشهيد رفيق الحريري وسائر الجرائم المندرجة في سياقها.
وإذا كان <الستاتيكو> الذي يفرضه التصلب في المواقف على المستوى الداخلي والتوازن القائم على المستوى الإقليمي - الدولي لا يتيح القيام بأي خطوة عملية تخرج لبنان من حالة المراوحة الراهنة، والتسليم بلعبة الوقت، فإن الجميع بات يسلّم أو يراهن على المسعى السعودي - السوري سبيلاً وحيداً ومتاحاً لتأمين المخارج الملائمة للأزمة الراهنة، على الرغم من التباطؤ الملحوظ في هذا المسعى نتيجة مرض خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز واضطراره للسفر للتداوي في الولايات المتحدة.
إلا أن كل المصادر تؤكد أن المسعى ما زال قائماً ويتواصل، وإن كانت المعلومات حوله ضئيلة ولا سيما بالنسبة لحركة الأمير عبد العزيز بن عبد الله الذي يؤمل بأن يواصل تحركه في اتجاه دمشق قبل يوم الجمعة المقبل، علماً أن المعارضة ترى أن هذا المسعى، لا سيما من قبل الملك عبد الله، جدي وصادق لتطويق مفاعيل القرار الظني قبل صدوره إذا امكن أو بعد صدوره، وهناك رهان حقيقي على مصداقية الملك على هذا الصعيد.
وقالت هذه المصادر أن التوافق السعودي - السوري قائم على ضرورة استمرار الاستقرار والحرص على عدم حصول صدامات أمنية، وهذا يتطلب من وجهة نظر الطرفين تعطيل الألغام السياسية والأمنية.
ونقلت عن القيادة السورية اصرارها على انه في حال حصول أي قرار لبناني في ملف المحكمة والقرار الظني فيجب أن يكون الرئيس الحريري من ضمن هذا الحل وهذا القرار، لأن المطلوب في نهاية الأمر تصحيح مسار المحكمة بنظامها وقواعدها الاجرائية وليس الغائها.
وفي هذا السياق، أكّد السفير السعودي في لبنان علي عواض عسيري بأن عودة الملك السعودي بسلامة من الولايات المتحدة قد تعجل في إيجاد آلية أفضل للوضع الراهن، داعياً إلى تحصين الساحة الداخلية، والتعامل مع افرازات القرار الظني بحكمة، مطالباً جميع اللبنانيين بضرورة العودة إلى طاولتي الحوار ومجلس الوزراء، لأن المستورد لا يعيش طويلاً، مؤكداً بأن المسعى السعودي - السوري متواصل، وأن المملكة تراهن على الوعي لدى القيادات اللبنانية، موضحاً في هذا السياق، ان بلاده <لا تربط مسعاها بصدور القرار الظني>.
وإذ رأى أن <لا بوادر للتصعيد>، شدّد عسيري في حديث لمحطة <الجديد> التلفزيونية على <وجوب الا تكون المنابر الإعلامية وسيلة للتخاطب بين الفرقاء، وبالتالي من المهم التواصل بين اللبنانيين خلف الأبواب وليس عبر المنابر>. وقال: <القيادات لا يحتاجون إلى مبادرة لكي يتواصلوا مع بعضهم البعض لتحصين لبنان أمام العواصف التي تجتاحه>.
مبادرة سليمان تجدر الإشارة على هذا الصعيد، إلى أن رئيس الجمهورية يستعد بدءاً من اليوم لاطلاق سلسلة مشاورات تشمل أقطاب طاولة الحوار تستهدف تحصين الساحة الداخلية بما يكفل إعادة احياء عمل المؤسسات بما في ذلك طاولة الحوار التي توقفت منذ اجتماعها الأخير، بسبب رفض المعارضة المشاركة في حضور أي جلسة لمجلس الوزراء أو الحوار ما لم يتم البت بمسألة شهود الزور.
ولفتت مصادر مطلعة الى أن المشاورات تستهدف أيضاً البحث عن المخارج الممكنة للخروج من المأزق الذي وصلت إليه البلاد نتيجة اصطدام المواقف المتصلبة وايضاً لمواكبة أية تطورات في أجواء هادئة.
وتوقعت أن تستكمل المشاورات الخميس، وقد تمدد إلى نهاية الأسبوع، نظراً لوجود بعض أقطاب الحوار خارج البلاد.
وذكرت معلومات أن لقاءات سليمان ستبدأ اليوم مع رئيس تكتل التغيير والاصلاح العماد ميشال عون، ومن ثم مع رئيس تيّار <المردة> النائب سليمان فرنجية فيما كشف النائب مروان فارس أن المشاورات ستشمل أيضاً النائب اسعد حردان وآخرين.
الحريري في الاليزيه الى ذلك، اكد مصدر رئاسي فرنسي ان الرئيس الفرنسي نيكولا ساركوزي كرر للرئيس الحريري ما قاله لكل المسؤولين اللبنانيين على ضرورة وحدة اللبنانيين والالتفاف حول المؤسسات الدستورية. وقلل المصدر الفرنسي من اهمية السيناريوهات التي تتحدث عن انقلاب في لبنان، مشيرا الى ان اللقاء مع الحريري تناول زيارته الى طهران وتداعياتها.
وكانت كل ملفات لبنان بتفاصيلها حضرت امس في الاليزيه خلال غداء العمل الذي جمع الرئيس ساركوزي والرئيس الحريري على مدى ساعة و20 دقيقة من المحادثات والتي حضرها امين عام الرئاسة الفرنسية كلود غيان والمستشار الدبلوماسي جان دافيد ليفيت والمستشار نيكولا غاليه ومستشار الحريري للشؤون الاوروبية باسيل يارد ومدير مكتبه نادر الحريري.
واكدت مصادر الاليزيه ان فرنسا اكدت دعمها للمحكمة الدولية التي لا يمكن لاحد التدخل فيها او تغيير القرار الاتهامي غير المعروف مضمونه، فيما ابلغ الجانب اللبناني، بحسب مصادر الرئيس الحريري الحرص على الاستقرار مشددا على الحوار الداخلي لمواجهة تداعيات القرار الاتهامي والتي تسعى باريس الى تهدئة اجواء ما قبل صدوره.
وعلمت <اللواء> ان الرئيس ساركوزي خاطب الرئيس الحريري قائلاً: <انا استقبلك كرئيس حكومة لبنان وصديق>.
وعلم ايضا انه جرى بحث الوضع في لبنان من كل جوانبه وكذلك في المنطقة وابدى كل طرف رأيه.
واعرب الرئيس الحريري عن ارتياحه للمحادثات مع ساركوزي من دون الدخول في التفاصيل، لكنه اشار للصحافيين بعد انتهاء الغداء، انه شكر الرئيس الفرنسي على دعمه المستمر للبنان وللقرار 1701 وعلى وجود القوات الفرنسية في <اليونيفل>، لافتا الى ان الحديث تناول الاستقرار في لبنان وعن دعم فرنسا لبلدنا، وأهمية ان يبقى لبنان بلداً للحوار والاستقرار في المنطقة.
وقال رداً على سؤال ان فرنسا كانت دائماً داعمة للمحكمة الدولية ولا تزال، وهناك حوار يجب ان يتم في لبنان، وهو يجري حاليا وسنستمر في هذا الطريق.
وعما اذا كان سيوثق علاقته بحزب الله، كما طلبت طهران، اجاب: <لم يطلب مني ذلك، ولكن أنا لدي دائماً علاقات مع حزب الله وهو يشكل حزباً سياسياً مهماً جداً في لبنان والعلاقة كانت دائماً جيدة معه، وقد تكون لدينا احياناً اختلافات وهذا امر طبيعي في السياسة والديموقراطية.
ويستقبل الرئيس الحريري في مقر اقامته اليوم وزيرة الخارجية الفرنسية جان ليو - ماري حيث يستكمل معها البحث، ويزور رئيس الحكومة الفرنسية فرانسوا فيون ويتابع البحث في المواضيع التي طرحها مع ساركوزي.
آلية صدور القرار وحول آلية صدور القرار الإتهامي أفاد مصدر قانوني لـ<اللواء> بأن المدعي العام في المحكمة دانيال بيلمار يحيل القرار الى قاضي الإجراءات التمهيدية دانيال فرانسين الذي يدرسه ويخرج بعدها بثلاثة أمور أو إستنتاجات:
اما القبول بالقرار كما قدمه المدعي العام ويؤكد فيه على وجود أدلة كافية للإدانة، وعندها يصدر كقرار اتهامي وتضع المحكمة يدها على القضية. أو يجد نقصاً في العمل ويطلب استكماله، أو يعلن أن الأدلة خفيفة ولا تصلح أن تكون أدلة إتهام، وعندها اما يطلب اعادة التحقيق مجدداً أو إعلان بطلان المحكمة لعدم التوصل الى أدلة كافية.
وأوضح أن لا مدة محددة لفرانسين للرد على تقرير بيلمار، مشيراً الى أن القرار قد يصدر على دفعات، وهو أمر ملحوظ في نظام عمل المحكمة ومرهون بمدى الإنتهاء من قضايا التحقيق.
في السياق نفسه أشار نقيب محامي الشمال السابق رشيد درباس لـ <اللواء> أن المحكمة مسيسة ولا غضاضة في ذلك، لأن الجريمة التي وقعت جريمة سياسية والقرار الذي اتخذ باغتيال الرئيس رفيق الحريري قرار سياسي، ونضال الشعب اللبناني في سبيل انشاء المحكمة وتسليم القضية للقضاء الدولي موقف سياسي وكذلك إجتماع مجلس الأمن وقراره، كما ان النتائج التي تترتب على المحكمة مهما كانت هي سياسية، ومن هذا المنطلق فإن المحكمة تكون سياسية وهو أمر لا يدعو للخجل، والمهم أن يكون تصرف القضاة وفق آلية خاصة، وينقل عن أحد القضاة السوريين قوله:<سأكون حريصاً على أن أظهر الجحود تجاه من عينني>،كما أن نابليون كان يعلن خوفه من قاضي التحقيق رغم انه من عينه، معتبراً أن النظر للأمور من معيار مجرد يؤدي الى نتيجة جيدة وغير مسيسة>.
تباين شيعي - عوني على صعيد آخر، برز أمس تباين بين العماد ميشال عون وقيادات شيعية، في شأن اقتراح التمديد للمدير العام للأمن العام وفيق جزيني الذي سيبلغ السن القانونية للتقاعد يوم السبت، حيث أعلن عون بعد اجتماع لتكتل التغيير والإصلاح رفضه للتمديد لأنه مخالف للقانون، معلناً تأييده لأن يتسلم منصبه العميدة في الأمن العام سهام الحركة التي ستبلغ السن القانونية أيضاً بعد ستة أشهر، الأمر الذي يفرض البحث عن ضابط آخر قد يكون العميد أبو خاطر، ولو كان من خارج الطائفة الشيعية.
وكانت قيادات شيعية قد اقترحت التمديد لسن المدير العام للأمن العام حتى سن الرابعة والستين، على غرار ما حصل مع اللواء جميل السيّد في المنصب المذكور، إلا أن هذا الأمر يحتاج إلى جلسة لمجلس الوزراء لحسم هذا الأمر، أو يصار إلى تعيين مدير أصيل مرشح لأن يكون مدير مخابرات الجيش في الجنوب العميد ابراهيم عباس الذي يحظى بموافقة <حزب الله>، وفي الحالتين هناك حاجة لمجلس الوزراء المشلول بسبب الوضع السياسي الراهن.
No comments:
Post a Comment