ذوو المفقودين لسلام: لا تكن شريكاً في التعذيب
بسام القنطار
طالب ذوو المفقودين في لبنان رئيس مجلس الوزراء تمام سلام بالرجوع عن طلب اعادة المحاكمة ضد قرار شورى الدولة بتكريس حقهم في المعرفة وكي «لا يكون شريكاً في ممارسة التعذيب»
ترى ما هي الكلمة التي سيتوجه بها رئيس مجلس الوزراء تمام سلام الى اللبنانيين في اليوم العالمي لمناهضة التعذيب، الذي يصادف في السادس والعشرين من حزيران من كل عام؟ لا يطلب ذوو المفقودين في لبنان من دولة الرئيس الكثير، يريدون منه الا يكون شريكاً في ممارسة التعذيب المستمر بحقهم منذ عقود، من خلال منعهم من الحصول على الوثائق والمستندات التي من شانها ان تفتح ثقباً صغيراً في جدار النسيان، والاهمال والانكار، الذي يقف سداً منيعاً في وجه كشف مصير احبائهم الذين فقدوا خلال سنوات الحرب الاهلية.
امس تقدمت لجنة أهالي المخطوفين والمفقودين في لبنان، وجمعية دعم المعتقلين والمنفيين اللبنانيين، عبر وكيلهما القانوني المحامي نزار صاغية، بطلب رسمي الى الرئيس سلام، دعتاه فيه الى الرجوع عن طلب اعادة المحاكمة ضد قرار شورى الدولة بتكريس حقهم بالمعرفة.
وكان مجلس شورى الدولة قد أصدر مطلع اذار الماضي قرارا تاريخيا بالزام الدولة تسليم كامل ملف التحقيقات التي أجرتها لجنة الاستقصاء عن مصائر المفقودين والمخطوفين في عام 2000. وقد قضى هذا الحكم بإبطال القرار الضمني الصادر عن رئاسة مجلس الوزراء، برفض تسليم ملف التحقيقات لذوي المفقودين، وإعلان حقهم بالاستحصال على نسخة عن الملف الكامل عملاً بحق المعرفة.
وجاء في كتاب اهالي المفقودين الى سلام : «لقد انتظرنا ان تفاخر حكومتكم بهذا القرار لما يعكسه من تطور في الاداء القضائي، وان يجري تنفيذه انطلاقا من مسؤولياتكم في الحفاظ على حقوق المواطنين». ويضيف الكتاب: «لكننا فوجئنا بتصرف مستهجن نرجح الا تكونوا على بينة بشأنه، فقد تقدمت هيئة القضايا في وزارة بتاريخ ٦ ايار ٢٠١٤ بطلب لاعادة المحاكمة، مرفق بطلب وقف التنفيذ بحجة ان تنفيذ القرار المذكور يمثل خطراً على السلم الاهلي. وبمعزل عن ركاكة الاسباب التي استند اليها الاستدعاء للقول بوجود مخالفات جوهرية في الاجراءات، وما سيقرره مجلس شورى الدولة في هذا الشان، فاننا نجد ان مجرد تقديم طلب اعادة المحاكمة أمر مهين لجميع المفقودين وعوائلهم، الذين يعانون الامرين منذ عقود، بفعل تقاعس الحكومات المتعاقبة عن اعطاء الاهمية اللازمة لحقوقهم، وفي مقدمها الحق في المعرفة، لا بل إن السعي الى تاخير تنفيذ القرار من خلال الاستدعاء يمثل سعياً الى مواصلة تعذيب ذوي المفقودين، فضلا عن كونه طعنا باحد اهم قرارات القضاء اللبناني على الاطلاق».
حق ذوي
المفقودين في المعرفة مكرس
في الشرائع الدولية
وطلب الاهالي من الرئيس سلام الايعاز الى هيئة القضايا بالتراجع عن استدعاء اعادة المحاكمة، والمبادرة فوراً الى تنفيذ حكم شورى الدولة في موازاة اتخاذ كامل التدابير اللازمة لضمان حق ذوي المفقودين بالمعرفة. وختم الكتاب «لا نخفي عليكم ان عدم اجابة هذا الطلب ستجعلكم بنظرنا مسؤولين مباشرة عن التعذيب المتمادي بحق ذوي المفقودين».
وكانت رئاسة مجلس الوزراء قد اعلنت في لائحة جوابية بتاريخ 9 تموز 2010 في سياق المراجعة امام شورى الدولة، أنها تؤيد حق المعرفة لذوي المفقودين، لكنها برغم ذلك، طلبت رد الدعوى لانتفاء موضوعها، على خلفية أنها سلمت الجهة المستدعية جميع مستندات الملف في معرض قضية أخرى (قضية المقبرة الجماعية لمار متر). وعندما أصدر المجلس قرارا بالزامها تسليم ملف تحقيقات اللجنة الرسمية للاستقصاء عن مصير المخطوفين والمفقودين في لبنان كاملا، بدت كأنها تقلب أقوالها بالكامل في استدعاء إعادة المحاكمة: ففجأة، لم تجد الدولة حرجا في مناقضة نفسها والقول إن خطرا أمنيا يحول دون تنفيذ القرار وتسليم المستندات، مما يستوجب وقف تنفيذه، متناسية ما كانت قد صرحت به سابقا لجهة أنها سلمت جميع المستندات عملا بحق المعرفة.
وحول هذا التناقض يؤكد المحامي صاغية ان الحكومات المتعاقبة تتنكر لحق اهالي المفقودين بالمعرفة كلما جرت مطالبتها باتخاذ إجراءات عملية لانفاذه. وهي لا تجد حرجا في كل ذلك بأن تكذب، وأن تحور الوقائع، وأن تقول الشيء ونقيضه. وردا على ذلك، أبدت الجهة المستدعية ملاحظات تمهيدية حول طلب وقف التنفيذ ابرزها، أن الخروج عن مبدأ الخصم الشريف يمثل سببا كافيا لرد الاستدعاء برمته، كما سعت الجهة المستدعية الى نقض جميع الحجج الواردة في الاستدعاء، التي ترمي الى المماطلة والتسويف ليس الا. كما ردت على مزاعم الدولة بوجود خطر في تنفيذ القرار، بقولها إن الخطر يكمن في عدم تنفيذ القرار، أو في أي تأخر في تنفيذه مما قد يحرم ذوي المفقودين حق المعرفة، والمفقودين حق الحياة في حال بقائهم على قيد الحياة، لا في تنفيذه.
ولفت صاغية الى أن طلب إعادة المحاكمة المقدم ليس اجراء عاديا، بل إنه يمثل بحد ذاته انتهاكا جسيما لحقوق ذوي المفقودين، وتعذيبا لهم من خلال تأخير انفاذ حقهم بالمعرفة والتنكر له، وأن الدولة، وبدلا من المفاخرة به، اختارت الطعن بقرار المجلس التاريخي، الذي يضع لبنان في انسجام مع منظومة القانون الدولي، ويسهم في تكوين وتعزيز مبدأ دولي عالمي في هذا الشأن، هو حق ذوي المفقودين في المعرفة. وفي موقفها هذا، تعبر الدولة بالواقع الى حد كبير عن ضيق صدرها إزاء أي اجتهاد قضائي يسمح للمجتمع بتطوير منظومته القانونية، كما ان الدولة أخلت من خلال طلب اعادة المحاكمة بمبدأ الخصم الشريف. وهذا ما نتبينه، ليس فقط من خلال الامعان في تعذيب ذوي المفقودين وسوء تقدير أهمية الحكم، بل أيضا من خلال قولها الشيء ونقيضه خلافا للمبدأ القانوني estoppel. فلا يختلف اثنان على القول إن الدولة قد ناقضت نفسها مرتين، أولا بما يتصل بادعائها عن قيامها بابراز الملف كاملا، وأيضا في ما يتصل بخطورة ابراز الملف، من دون أن تجد حرجا في ذلك.
بدورها وصفت رئيسة لجنة اهالي المفقودين وداد حلواني طلب اعادة المحاكمة بانه وقاحة مفرطة، ومستغرب كل الاستغراب، وخصوصاً ان الرئيس سلام عندما جرى تكليفه تأليف الحكومة كان متفهما ومستمعاً جيداً، تسلّم الملف ووعد بمتابعته، وعندما صدر قرار شورى الدولة المشرف لم نتوقع ان رئاسة مجلس الوزراء ستطلب اعادة المحاكمة. واضافت حلواني «اذا كان دولة الرئيس هو الذي اوعز بالسير في طلب اعادة المحاكمة فتلك مصيبة، واذا لم يكن على علم بالموضوع فالمصيبة اعظم». وسألت حلواني «كيف يمكن لكشف مصير المفقودين ان يهدد السلم الاهلي، نحن لم نطلب محاكمة احد، تسليم الجثث التي نبشت في وزارة الدفاع، ودفنها من قبل ذوي الضحايا، لم يؤديا الى زعزعة السلم الاهلي، بل التناحر الطائفي والمذهبي هو الذي ادى الى ذلك على امتداد السنوات الماضية». وختمت حلواني «سقطت ورقة التوت عن جميع المسؤولين، وتبين فعلاً ان وظيفتهم هي حماية المجرم لا انصاف الضحية».
No comments:
Post a Comment