لاجئون سودانيون يشكون عنصرية اللبنانيين
الى بلد مكتظ بالمشاكل هو لبنان جاء "سعيد" من السودان العام 1993.هربا من الحرب والفقر اللذين اجتاحا مساحات واسعة من بلده. كان يظن كما يقول انه سيجد هنا حياة افضل ولكنه فؤجئ ان هذا البلد لايحتمل الفقير الاجنبي ويعامله معاملة مزرية ومهينة ويستغله ابشع استغلال.
خروجه من بلده كان عن طريق عصابة تمتهن تهريب الاشخاص بطريقة غير شرعية. اربعون يوما امضاها في الصحراء بين مصر والسودان مع رفاق له قاطعين المسافة على الجمال حتى وصلوا الى القاهرة ومنها انتقلوا الى الاسكندرية. "وصولنا الى ميناء اللاذقية في سورية كان معاناة رهيبة يقول سعيد". وكيف لاتكون كذلك وقد تم حشره مع عشرين من رفاق له في غرفة المحركات طوال مدة الرحلة التي استغرقت ثلاثة ايام.
قانون المهربين خضع له سعيد في اللاذقية ايضا. المستودع الذي وضعوا به بالقرب من المرفأ بقوا فيه يومين في ظلام دامس ولم يخرجوا منه الا بعد ان اتى بعض المهربين لنقلهم الى منطقة قريبة من الحدود السورية اللبنانية في شاحنات مخبئين بين البضائع المحملة بها. حيث سلموهم لمهربين مثلهم قاموا بقيادتهم سيرا على الاقدام في مناطق وعرة باتجاه وادي خالد.
محطة سعيد ورفاقه الاخيرة قبل الوصول الى بيروت كانت في طرابلس. المهرب بعد اخذ كل ما لديهم من مال تركهم في ساحة المدينة وقال "لهم دبروا حالكون على بيروت" وقفل عائدا من حيث اتى. انقاذهم من هذه الورطة كان بواسطة احد الشبان السودانيين الذين التقوه صدفة في المدينة. فقام بتجميع اجرة الطريق لهم الى بيروت من رفاق له. المسؤول عن النادي السوداني في بيروت لم يقبل باستضافتهم فيه اكثر من بضعة ايام. قادهم الى مكان في منطقة رأس بيروت تؤجر فيه تخشيبات تستعمل لايواء العمال الاجانب الذين هم في مثل وضعه. ايجار التخشيبة خمسة آلاف ليرة لليلة الواحدة. وتتسع لثلاثة اشخاص ولكن الذي كان يحشرون فيها كانوا اكثر من خمسة.
بحث سعيد المضني عن العمل قاده الى احد المحال التجارية التجارية الكبرى في منطقة عين المريسة.
عمله في التنظيف كان ، لأكثر من خمس عشرة ساعة براتب عشرة دولارات في الاسبوع.
عبارات تعكس عنصرية بغيضة كان سعيد يسمعه اياها مدير المتجر وبعض الموظفين فيه. كأن يقال له "نظف هون يا أسود او ليش مش منظف هونيك يا سوداني ياحمار" حسبما يقول.
معاناة سعيد لم تتوقف عند هذا الحد بل هي تفاقمت مع القاء القبض عليه على احد الحواجز الامنية بتهمة الدخول خلسة الى الاراضي اللبنانية. في المخفر يقول سعيد فوجئ بعد ساعات من توقيفه بحضور شخص معلنا استعداده لكفالته. لايعرف سعيد كما يقول من احضر هذا الشخص وكيف حضر. كل ما يعرفه ان المحقق قام بتمزيق الاوراق التي كان قد وقع عليها قبل ان يوضع في الزنزانة ثم طلب منه الخروج مع الكفيل المزعوم، الذي اصطحبه معه الى مكتب في منطقة حي السلم. هناك وضعه في غرفة مشترطا لخروجه منها ان يدفع له الف دولار اميركي قال له انه سددها عنه ثمنا لخروجه من الحجز. والا فانه سيعيده الى المخفر. عشرة ايام بقي سعيد محتجزا في هذا المكتب حتى تمكن رفاق له واعضاء في النادي السوداني من احضار المبلغ.
معاناة سعيد الذي يعيش في لبنان بشكل غير شرعي منذ العام 1993 ويعمل ناطورا في احد الابنية ليست فقط مع السلطات اللبنانية بل مع المفوضية السامية للأمم المتحدة ايضا في بيروت. التي تقدم منها بطلب لتسوية وضعه كلاجئ لكن هذا الطلب تم رفضه بعد سنتين من الانتظار. بالرغم من كل المبررات القانونية التي ساقها لحصوله على هذا الحق. ذلك ان لبنان غير منضم الى اتفاقية جنيف التي عقدت العام 1951 والمتعلقة بنظام اللاجئين السياسيين. مكتب المفوضية اعلن استعداده لاعادته الى السودان وتعويضه مبلغ 200 دولار اميركي والذي هو امر مستحيل لذلك هو ما زال عالقا في لبنان وقلبه على يده من ان يتم اعتقاله ثانية.
الأطفال معنفون عنصريا
لاتختلف قصة عفاف السيدة السودانية التي حضرت الى لبنان العام 2003 كثيرا عن قصة ابن بلدها سعيد. فهي اتت الى سورية عن طريق مطار دمشق مع عدد من مواطنيها حيث كان في انتظارهم احد الاشخاص من الجنسية السورية. قام بنقلهم الى لبنان مخبئين في احدى الشاحنات المحملة بالمواشي.على الحدود اللبنانية السورية في منطقة الشمال كان بانتظارهم عدد من المسلحين الذين مشوا امامهم لساعات عدة في مسالك وعرة مطلقين النار في الهواء بين الحين والآخر. في بيروت استقرت عفاف وتزوجت من احد مواطنيها وانجبت منه ثلاثة اطفال وحصلت مع عائلتها بعد خمس سنوات من الانتظار على بطاقة اعتراف كلاجئ وهم بانتظار ترحيلهم الى بلد اوروبي او اميركي الا ان ذلك لم يضع حدا لمعاناتهم. المعاملة التي يلقاها اطفالها في المدرسة التي يتلقون فيها تعليمهم من بعض الاساتذة والتلاميذ هي عنصرية بامتياز كما تقول، ابنها الصغير اصيب بأزمة نفسية وامتنع لمدة عن الذهاب المدرسة بسبب احد الاساتذة الذي كان يدأب على نعته "بالقرد الافريقي" وعندما اشتكت لمديرة المدرسة اجابتها اذا مش عاجبك شيليون من عنا". الحال النفسية التي وصل اليها طفلها من جراء هذه المعاملة تقول عفاف جعلته ينزوي في المنزل ويرفض الاختلاط الا مع اطفال سودانيين. اقناعه بالعودة الى الدراسة تتطلب اكثر من عام ويتوجب ايجاد مدرسة اخرى فيها تلامذة من نفس لون بشرته.
اما "جدو" الرجل السوداني الذي فقدَ طفليه قبل عشر سنوات في حريق في المبنى الذي كان يعمل ناطورا فيه واتهم فيه رئيس لجنة المبنى ولكن القضاء قام بتبرئته في ظروف فيها الكثير من الشك وعلامات الاستفهام، فانه يقول انه قد اوقف من قبل الامن العام منذ مدة بتهمة وجود حكم سابق بحبسه شهرا بتهمة الدخول غير الشرعي الى لبنان. يأسف جدو للمعاملة المهينة التي تلقاها طيلة فترة الشهر التي قضاها في سجن الامن العام فعناصر السجن حسبما ما يقول لم يكونوا يكفون عن توجيه ابشع الشتائم له ولرفاقه المسجونين من دون سبب كان يقال له شو "جابكون على بلادنا أياخوات....".
لاحماية لحقوق اللاجئين
تشير دانا سليمان مديرة المكتب الاعلامي لمفوضية الامم المتحدة في بيروت التي تهتم بشؤون اللاجئين الى ان لب المشكلة يكمن في ان لبنان حتى الآن غير منضم الى اتفاقية جنيف التي وقعت العام 1951الخاصة باللاجئين السياسيين لذلك فانه لايعتبر دولة لجوء دائم. وان دور مكتب المفوضية في بيروت يقتصر على محاولة تسهيل حياة هؤلاء الذين يدخلون لبنان آتين من بلدان شمال افريقيا وغيرها قدر الامكان. سليمان تشير ايضا الى انه وبحسب قوانين الامم المتحدة فان الذين يقبلون كلاجئين فانه يتم العمل على ايجاد احد الحلول التالية لمشكلتهم: الاول هو اعادة دمج هؤلاء في المجتمعات المحلية التي يصلون اليها وهذا غير متاح في لبنان نظرا لعدم انضمامه الى معاهدة جنيف الخاصة باللاجئين او العمل على اعادة توطينهم في بلد ثالث وغالبا ما يكون هذا البلد في اوروبا او اميركا اما الحل الثالث فهو محاولة اعادتهم الى بلدانهم الاصلية في حال كانت ظروف اللاجئ السياسية والامنية تسمح بذلك.
تضيف سليمان انه بالنسبة للاجئين السودانيين في لبنان فان الحل الثاني هو اكثر الحلول التي يجري العمل عليها ولكنه حل يأخذ وقتا ويتطلب اجراءات معينة مع الدول التي تعلن استعدادها لاستقبالهم ولكن من المهم الاشارة الى ان ليس كل الطلبات التي يتقدم بها اصحابها للحصول على صفة لاجئ تكون مقبولة وهناك الكثير منها قد يأتي الجواب عليها بالرفض نظرا لعدم تطابق الاوراق والاثباتات المقدمة من قبلهم مع تعريفات الامم المتحدة لصفة اللاجئ.
وهذا ما يوقعهم في مشاكل عدة مع السلطات الامنية اللبنانية حتى الذين يحصلون على صفة لاجئ فان البطاقة التي تمنح لهم لاتحميهم من ملاحقة السلطات اللبنانية نظرا لعدم انضمام لبنان الى معاهدة جنيف.
No comments:
Post a Comment