الطفولة تتسوّل في شوارع بيروت!!
يوماً تلو آخر تتفاقم ظاهرة التسوّل في لبنان، وخصوصاً في العاصمة بيروت، ومما زاد في الطنبور نغماً هو النزوح السوري، حيث تفشّت وعلى نطاق أوسع ظاهرة الأطفال المتسوّلين والمتعلّقين بالسيارات والآليات على تنوّعها، فكيف بالمارّة؟! حتى غدوت أينما حللت في بيروت على اختلاف شواراعها، ترى أطفالاً يبيعونك الدعاء ليشتروا به عطفك واستعطافك، منهم من جار عليه زمانه على أيدي أهله، ومنهم من حرّكته المافيا كدمية عليها الرجوع بغلّة يومية، وكل منهم له قصة وموضوع...
محمد المدني
هو ذاك الطفل البالغ من العمر 12 عشر عاماً، والمتنقّل دوماً في شوارع بيروت. طفل استثنائي يكبر يوماً تلو آخر في بيروت، فيخالط أهلها وزوّارها تارة، بصفته طفل يعمل ببيع المكسّرات، وطوراً بصفة متسوّل.
يراه البعض طفلاً متسوّلاً، غالباً ما يكون صامتاً، وفي صمته تتجسّد هموم رجل بالغ، وفي نظرة عينيه تتجسّد براءة الطفولة، تجعلك تساعده كلّما تراه, فيما يراه آخرون خبيراً في فن التسوّل وخلفه مافيا تعلّمه ممارسة ضغط الضمير وسرقة مشاعر الناس.
أما نحن فقد رأيناه بمنظور آخر, فهو قد يكون طفلاً تتلاعب به الدنيا وظروفها، وقد يكون طفلاً متسوّلاً تتلاعب به المافيا وشروطها، فكان بالنسبة إلينا باباً نفتحه اليوم على ظاهرة هي اليوم قضيتنا...
هي ظاهرة خُصِّصَ لها الكثير من الكلام والقليل من الفعل, نراها في مجتمعنا كل يوم فأصبحت بمثابة قضية، فمجتمعنا المؤلّف من ثلاث طبقات (طبقة فقيرة, متوسطة, وغنية) تجتاحه اليوم طبقة هامشية أو ظاهرة ضعيفة بهويتها، لكنها قوية بتأثيرها على هذا المجتمع وعلى تركيبته وشعبه.
ظاهرة رجالها تتفاوت أعمارهم وجنسياتهم وحيلهم، لكنهم ينتمون
إلى ذات التسمية «المتسوّلون»، فبيروت الحضارة والثقافة والعلم والرقي والمدينة المفعمة بالحياة والمليئة بالسيّاح والمزيّنة بفخامة أبنيتها وروعة فنادقها وسحر مطاعمها امتلأت اليوم بالمتسوّلين الذين احتكروا طرقاتها، وتمدّدوا على أرصفتها، وناموا في حدائقها، وجلسوا عند إشارات المرور ليتسوّلوا من شعبها، فشوّهوا ميزاتها السياحية، وانتقصوا من قيمة منظرها العام، وتقاسموا مع اللبنانيين متعة التجوّل في الأسواق لتدخل بيروت مع هؤلاء المتسوّلين صراعاً يُسمّى بـ«صراع الهوية».
ما مدى تأثير هذه الظاهرة على لبنان بتركيبة مجتمعه وحياة شعبه؟ وما دور الدولة والمؤسّسات المعنية في تقليص هذه الظاهرة؟
ديبو
ففي حديث مع الباحثة والأستاذة الجامعية في الحضارات واللغات أمال ديبو عن التسوّل، اعتبرت أنّ المتسوّلين شريحة له مدرستها التي تعلم التسوّل لمختلف الاعمار, وأكدت أن التسوّل ظاهرة اقتصادية عالمية وآفة اجتماعية يجب علينا عدم قبولها, والتسوّل هو ظاهرة مرتبطة بالفقر، والفقر له عدّة أوجه, فهناك أشخاص يريدون التخلّص من الفقر، وأشخاص عاجزون عن فعل ذلك لأنهم كسالى وليس لديهم أمل بالحياة, مشيرة إلى أنّ المتسوّل غارق في الجهل، وليس لديه مرجع كي يفهم ما هو الفقر وكيف بإمكانه التخلّص منه.
وأضافت ديبو بأنّ ظاهرة التسوّل تؤدي إلى تشويه الشوارع، وتدل على عدم وجود رعاية اجتماعية من الدولة لشعبها ولأبنائها وإنّ الدولة لا تقوم بضبط حدودها للحد من المتسوّليين النازحين، معتبرة أنّه تقصير برسم وزارة الشؤون الاجتماعية.
وردّاً على سؤال حول أسباب ونتائج هذه الظاهرة, نوّهت ديبو إلى أنّ الفقر والجهل والنزوح والنزاعات والحروب هي أسباب هذه الظاهرة, مشيرة إلى مدى خطورة نتائج هذه الظاهرة من نهب وسرقة وعنف وتحرّش جنسي وفيه دمار أكيد لنفسية المتسوّل باختلاف عمره فكلّما صغر سنّه كلّما زاد دماره ومات أمله بالحياة, إضافة إلى خطورة التسوّل خصوصا عندما يتعلّق الإمر بمافيا معينة تتبنّى هؤلاء المتسوّلين، والجدير بالذكر أنّ المؤسّسات الارهابية لا تتغذّى من المدارس ولا من البيوت إنّما تتغذّى من الشوارع, فيعتبرونه خزاناً للإرهاب مقابل التعويض المادي لأنّهم فعلا يملكون عناصر القتال اللازمة لحاجة الارهاب.
واعتبرت ديبو أنّ ظاهرة التسوّل لا تُحل إلا بتضافر القوى السياسية والاجتماعية والاقتصادية والامنية, ذاكرة أنّ بإمكاننا العمل على صعيد البلديات أو اللجان الشعبية التي بإمكانها السيطرة على الشوارع ومنع التسوّل (على صعيد الاحياء).
وفي الختام, أشارت ديبو الى وجود العديد من المافيات وراء هؤلاء، لكن ليس جميع المتسوّلين تابعيون للمافيا, فهناك أطفال يتعرّضون لظلم وجهل الأهل، الذين يرسلونهم للتسوّل وإحضار المال من الشارع وبطريقة غير شرعية, فعلى الدولة التقاطهم ووضعهم في إصلاحيات تُعنى بالطفل ويجب أخذهم على عاتقنا لأن أهلهم لا يستحقون امتلاكهم لأنهم غير قادرين على تربية اطفال من شانهم ان يكونوا جيل المستقبل.
مسلّم
من جهة أخرى, وفي مقابلة مع المقدّم جوزيف مسلّم في المديرية العامة أكد أن عناصر قوى الأمن لم تتوقف يوماً عن متابعة موضوع التسوّل، والبحث دائما عن حلول من شأنها تقليص هذه الآفة الاجتماعية التي تطال مجتمعنا, لافتا الى ان المشكلة ليست مشكلة تنفيذ قانون او إجراء، إنما في وجود حالات صعبة ومعقدة.
ونوّه مسلّم الى ان عناصر قوى الامن يقومون بضبط المتسوّلين في مختلف المناطق حتى اصبحت وجوه المتسوّلين مألوفة عند عناصر قوى الامن لوجود حالات كثيرة ومتكرّرة, فمنهم مَنْ هو قاصر، ومنهم مَنْ يخرج بتعهّد من الاهل ويعاود الدخول مرّة اخرى، فأصبحت هناك علاقة بين المتسوّلين والعناصرالامنية, مشددا على مدى خطورة هذه الظاهرة وتأثيرها على مجتمعنا, ومنوّها الى ضرورة تدخّل جميع القوى السياسية المعنية للحد من هذه الآفة وضرورة وضع خطة سياسية اجتماعية من قبل وزارة الشؤون الاجتماعية لتحسين الوضع.
وأشار ممسلم في نهاية حديثه الى اننا اصبحنا بحاجة إلى مساعدات خارجية متعلّقة بالمنظمّات والمؤسّسات الدولية لتأمين إيرادات اولية لان المشكلة اصبحت تفوق اعباء الدولة, مشدّدا على اهمية التعاون بين المعنيين للعمل على هذه القضية من خلال تمويل الجمعيات التي تعنى بهذه الظاهرة حتى تستطيع استقطاب اعداد المتسوّلين الذين هم بحاجة للارشاد والتوعية ولدعم الاهل وتمكينهم من تربية اطفالهم بطريقة سليمة ولتأمين البيئة الحاضنة لاطفالنا (بيئة المنزل وحضن الاهل والمدرسة), ومؤكدا ان القوى الامنية مستمرة في عملها حتى اللحظة الاخيرة كما تفعل دائما في كل شوارع لبنان عموما وشارع الحمرا خصوصا لانه من اكثر الشوارع تمثيلا للبنان.
كرم
ولأنّ موضوع التسوّل يحتوي في تركيبته على أطفال متسوّلين, تحدّثت «اللواء» مع مديرة المجلس الاعلى للطفولة ريتا كرم في وزارة الشؤون الاجتماعية، التي قالت: «كنا قد وضعنا خطة استراتيجية لمساعدة الاطفال لكن مع النزوح السوري ارتفع عدد الاطفال حتى لم يعد باستطاعة مؤسّسات الرعاية ان تستوعب عددهم, وبحثنا عن اماكن آمنة في سوريا لإرسالهم الى بلدهم لكن للاسف لم نجد مكانا امننا».
وأضافت: «الآن نفكر في آلية عملية بين وزارة الشؤون الاجتماعية ووزارة العدل والداخلية لوضع خطة وطنية لسحب اطفال الشوارع وتأمين ماوى لهم لان هناك اطفال بلا مأوى, لكننا نواجه صعوبات تتمثّل بعدم وجود الموارد لدعم هذا الملف لا من منظّمات عربية ولا دولية», مشدّدة على انه «ليس من السهل سحب الاطفال من الشارع ووضعهم في مؤسّسات قبل تحضيرهم ذهنيا ليتقبّلوا ما سيتغيّر في حياتهم وللتنسيق مع الاهل في حال تواجدهم».
وختمت كرم حديثها لافتة الى ان وزارة الشؤون الاجتماعية طلبت ان تكون لديها مؤسّسة خاصة بها لان مؤسّسات الرعاية لا تستقبل جميع الحالات ما يؤثر على عمل الوزارة بسبب عدم توافر الاماكن المناسبة لوضع الاطفال فيها, مؤكدة ان «الاطفال قضية المجلس والمجلس كان وما زال يعمل على هذه القضية لان حياة الطفل وحقوقه شيء مقدس».
No comments:
Post a Comment