«زلزال» العدالة في لاهاي المحكمة تستمع اليوم إلى تسجيل عن لقاء الحريري ـ غزالي ـ أيوب
غازي يوسف: الرئيس الشهيد أخرَج نفسه من مأزق حكومة تنفّذ طلبات السوريين
صلاح تقي الدين
عاودت غرفة الدرجة الأولى في المحكمة الدولية الخاصة بلبنان جلساتها أمس في لاهاي واستمعت إلى إفادة الشاهد النائب غازي يوسف الذي كان من ضمن فريق الرئيس الشهيد رفيق الحريري الاقتصادي ومقرباً منه، فكشف أنه بعد التمديد للرئيس السابق اميل لحود وتكليف الحريري تشكيل حكومته الثانية في عهده، أدرك الشهيد أنه كان أمام فخ نصبه له لحود والجهاز الأمني السوري - اللبناني الممثل باللواء رستم غزالي، فقدّم إلى لحود سبع تشكيلات حكومية مختلفة وبصيغ متعدّدة وكان الأخير يرفضها دائماً، فاتصل به رئيس مجلس النواب نبيه بري وقال له «أنت تضيّع الوقت يا رفيق، قل إنك لا تستطيع أن تشكّل الحكومة»، وهذا ما فعله الرئيس الشهيد عندما «استودع لبنان الحبيب» لكنه قال في مجلس خاص بحضور الشاهد «عرفت كيف أخرج من المأزق الذي نصبوه لي».
وأضاف يوسف في رده على سؤال غرايم كاميرون وكيل الادعاء العام، أن المأزق كان يتمثّل بقبول الرئيس الشهيد تشكيل حكومة تعرقل له مشاريعه وتنفّذ أوامر النظام الأمني السوري - اللبناني كما جرى في أواخر عهد الحكومة الأولى التي شكّلها وعطّلت عليه فرصة الاستفادة من مؤتمر «باريس 2» الذي جهد لتنظيمه، وعندها سيكون مكبّلاً بالكامل وهذا ما لا يرضاه، أو أنه كان ليرفض تكليفه بتشكيل الحكومة وعندها كان السوريون سيخرجون ليقولوا إنه ضدهم وعندها سيكون أمام مخاطر جسيمة. ولذا جاءت الأوامر منهم عبر بري، وهذا ما أراحه.
وأشار إلى أن الحريري «كانت له نظرة إلى مستقبل لبنان المنفتح على العالم تجارياً ومصرفياً، ومؤمن بالإصلاحات الضرورية التي يجب أن تتم من خلال المؤسسات التنفيذية والتشريعية اللبنانية«، مؤكّداً أن الحريري كان مصمماً على «إقرار القوانين الإصلاحية لكسر العوائق أمام التجارة الحرة والتبادل الحر»، غير أنه أوضح أن «البعض رأى في هذه المسألة فرصة لاستغلال رؤية الحريري وللابتزاز السياسي والمالي والاقتصادي».
وكشف يوسف أن علاقته الوطيدة بالرئيس الشهيد بدأت منذ العام 1998 بانضمامه إلى فريقه الاستشاري الاقتصادي وبعد تعيينه أميناً عاماً للمجلس الأعلى للخصخصة، وأنه فاتحه بموضوع توزيره في مقدمة لترشيحه إلى الانتخابات النيابية المقررة في العام 2000، غير أن السوريين رفضوا ترشيحه إلى الانتخابات عن دائرة بيروت الثانية، وطلبوا من الحريري إبقاء المركز الشيعي شاغراً على لائحته لصالح مرشح لـ«حزب الله».
واستطرد في كشف العلاقة التي ساءت بين الحريري ولحود عقب تمديد ولاية الأخير بضغط سوري مباشر، فأوضح أن الدستور والقوانين تنص على أن يضع رئيس مجلس الوزراء جدول أعمال الجلسات الحكومية بواسطة الأمانة العامة لمجلس الوزراء ويطلع عليها رئيس الجمهورية الذي بالتشاور مع رئيس الحكومة يُعدّل ما يراه غير مناسب أو يضيف ما يرتأيه، لكن لحود بدأ بانتهاج ممارسة تقوم على تحديد المسائل التي يريدها على جدول الأعمال وفرضها على الحكومة، ما «أدى إلى تقليص صلاحيات رئيس الوزراء وهذا لم يكن مقبولاً».
غير أن اللافت في شهادة النائب يوسف بالأمس كان سرده لما جرى في تموز من العام 2000 بعد إقرار مجلس النواب مشروع تعديل قانون أصول المحاكمات الجزائية، حيث لفت إلى أنه بعد إقراره والذي كان يعتبر انتصاراً قضائياً، اتصل بري بالحريري مساء اليوم نفسه طالباً منه الحضور في اليوم التالي مع كتلته إلى مجلس النواب للعودة عن القانون، فجن جنون الحريري وسأله كيف يمكن ذلك، فقال بري «أنا مهدّد وعلينا إبطاله»، فما كان من الرئيس الشهيد إلا أن قبل الأمر معللاً ذلك بالقول «يجب إخراج بري من المأزق» واتصل بعدد من النواب الذين هم من خارج كتلته ليطلب منهم المساعدة على إبطال القانون.
وأشار يوسف إلى أن الحريري اعتبر أن محاولة اغتيال الوزير والنائب مروان حمادة رسالة مثلثة الأضلاع «إذ إنها موجهة إلي وإلى وليد جنبلاط وإلى الرئيس الفرنسي جاك شيراك» مفسّراً ذلك لأن حمادة يحمل الجنسية الفرنسية ومحاولة اغتياله كانت رسالة إلى فرنسا لحملها على «تغيير سياستها في الشرق الأوسط».
وكشف أن الوزير السابق غسان سلامة قال للحريري لدى لقائه في باريس في كانون الأول 2004 إن السوريين يريدون اغتياله سياسياً أو بطريقة أخرى، وطلب منه أن يتخّذ أقصى درجات الحذر، لكن الرئيس الشهيد أصرّ على العودة إلى بيروت وقال لسلامة «سأخوض الانتخابات النيابية ولن أساوم».
وقبل أن يرفع رئيس غرفة الدرجة الأولى القاضي دافيد راي الجلسة إلى صباح اليوم، أثار مسألة استماع المحكمة في إطار إفادة يوسف إلى تسجيلات صوتية عن اللقاء الذي جمع الحريري بغزالي ورئيس تحرير جريدة «الديار» شارل أيوب، فاعترض وكلاء الدفاع عن المتهمين أولاً، ثم قبلوا محدّدين شروط القبول بتعرّف الشاهد على الأصوات في الشريط من دون أي تعليقات أخرى، فقرّر راي عرض الشريط في جلسة اليوم والتي بعد انتهاء يوسف من شهادته يبدأ فريق الدفاع استجوابه المضاد الذي من المقرر أن ينتهي بعد الظهر.
وفي ما يلي وقائع الجلسة:
الجلسة الصباحية
المحامي بيتر هينز (للدفاع عن المتضررين): أنا بيتر هينز يعاونني اليوم الأستاذ محمد مطر وجوانا سباك عن الممثلين القانونيين للمتضررين.
القاضي دايفيد راي (رئيس غرفة الدرجة الاولى): ماذا عن الدفاع؟
المحامي اميل عون (للدفاع عن المتهم سليم عياش): حضرة الرئيس والقضاة أنا اميل عون أمثل مصالح السيد سليم عياش.
المحامي ايان ادوارد (للدفاع عن المتهم مصطفى بدر الدين): أنا ايان ادوارد أمثل مصالح السيد مصطفى بدر الدين ومعي لوتشيا سيبالا وبلا باراناس.
المحامي فيليب لاروشيل (للدفاع عن المتهم حسن عنيسي): صباح الخير أنا فيليب لاروشيل أمثل مصالح السيد عنيسي.
المحامي دايفيد يونغ (للدفاع عن المتهم اسد صبرا): صباح الخير أنا ديفيد يونغ أمثل مصالح السيد اسد صبرا.
المحامي محمد عويني (للدفاع عن المتهم حسن حبيب مرعي): صباح الخير أنا محمد عويني تعاونني في هذه الجلسة الأستاذة دوروتيه لورفابيل دوايلين ونمثل مصالح حسن مرعي.
راي: وألاحظ ايضاً وجود ممثلين عن مكتب الدفاع. سيد كاميرون هل قلت لنا اليوم ما هي نياتك وخطتك بالنسبة لاستجواب الشاهد الدكتور غازي يوسف؟
غرايم كاميرون (وكيل الادعاء): شكراً. الدكتور غازي يوسف هو عضو في البرلمان انتخب للمرة الاولى في دورة العام 2005 هو متخصص في علوم الاقتصاد ولديه ايضاً خبرة كأستاذ جامعي، عمل مع رئيس الوزراء الحريري والوزراء السنيورة وفليحان في التسعينات وذلك على وضع الخطة الاقتصادية لرئيس الوزراء وكان من المتوقع ان يكون مرشحاً على اللوائح الانتخابية للعام 2000 لكن حذف اسمه من تلك اللوائح في ظروف سيصفها لنا. واصل الدكتور يوسف العمل على الشؤون الانتخابية والاقتصادية مع رئيس الوزراء الحريري حتى تاريخ اغتياله في العام 2005، وكان يجتمع به يومياً تقريباً ويناقش معه مسائل عديدة ومنها الاستراتيجيات الانتخابية، العلاقة مع مجموعة البريستول والعلاقة مع سوريا والأحزاب والاطراف الآخرين، وطبعاً سنتطرق معه الى تسجيلات صوتية لاجتماعات بين رئيس الوزراء وشارل ايوب ورستم غزالي في شهر كانون الثاني 2005 وهو سيستمع معنا الى هذا الشريط المسجل، وسيعاوننا على التعرف على الاصوات كما انه سيوضح لنا بعض المسائل التي تم التطرق اليها بين كل من رئيس الوزراء وبين رستم غزالي.
راي: ارى ان الدكتور غازي يوسف معنا الآن. صباح الخير دكتور غازي يوسف. هل ادليت بالقسم رسمياً؟
الشاهد النائب غازي يوسف: اقسم علناً ان اقول الحق كل الحق ولا شيء غير الحق.
راي: دكتور يوسف اريد ان اضبط منك بعض المعلومات الشخصية. أشكرك جزيل الشكر لأنك تكبدت عناء السفر الى هنا. هلا اكدت لنا التفاصيل التالية، الاسم غازي علي يوسف ولدت في العام 54 في بيروت انت لبناني الجنسية ومهنتك الحالية هي عضو في مجلس النواب اللبناني؟
يوسف: نعم هذا صحيح.
راي: دكتور يوسف نفهم انك ملم باللغات الرسمية الثلاثة في هذه المحكمة اي العربية والفرنسية والانجليزية، ويمكنك ان تتحدث في اي من هذه اللغات في خلال إفادتك ولكن ملاحظة صغيرة، الى يسارك شاشة عليها النص المدون لمحضر الجلسة ومضبوط باللغة الانجليزية، وإن أردنا ان نضبط كل ما يقال في هذه الجلسة سواء من قبلك ام من قبل باقي المتحدثين، حبذا لو ابقيت عينك على الشاشة لترى ما اذا كان المدون قد انتهى من تدوين محضر الجلسة، طبعاً الموظفة المسؤولة عن تدوين المحضر لامعة وممتازة في عملها لكن لا يمكنها ان تدون عندما تستمع الى اكثر من متحدث في الوقت نفسه بالتالي نطلب منك الانتظار بين السؤال والجواب.
كاميرون: صباح الخير دكتور يوسف.
يوسف: صباح النور.
كاميرون: حضرتك عضو في مجلس النواب اللبناني وتمثل إحدى الدوائر في مدينة بيروت هل هذا صحيح؟
يوسف: نعم هذا صحيح.
كاميرون: وأنت عضو في البرلمان اللبناني منذ انتخابات ايار 2005؟
يوسف: نعم.
كاميرون: بالاضافة الى مسيرتك السياسية لديك مسيرة لامعة بصفتك رجلاً متخصصاً في علوم الاقتصاد ومستشاراً في العلوم الاقتصادية، بدأت دراستك الجامعية في الجامعة الأميركية في بيروت في العام 73 وبعدها واصلت دراستك في الولايات المتحدة الأميركية، وكللت تلك الدراسات بشهادة دكتوراه في علوم الاقتصاد في العام 93 هل هذا صحيح؟
يوسف: نعم صحيح.
كاميرون: ومنذ العام 83 حتى العام 1990 علّمت في عدد من الجامعات في الولايات المتحدة الأميركية في كلية الاقتصاد وغيرها من الجامعات التي تعلم علوم إدارة الأعمال هل هذا صحيح؟
يوسف: نعم هذا صحيح.
راي: هل قلت لنا ما هو اسم الجامعة؟
كاميرون: لم اذكر اسم الجامعة، دكتور يوسف هلا قلت لنا ما هي الجامعات التي درست فيها منذ العام 83 حتى العام 90؟
يوسف: هناك 3 جامعات تعلمت فيها أولاً في الجامعة حيث تخصصت واخذت الدكتوراة ثم علمت في جامعتين أخريين.
كاميرون: وفي العام 1990 بعد 14 عاماً خارج لبنان، عدت الى لبنان وبدأت تعمل كأستاذ معاون في قسم الاقتصاد في الجامعة الأميركية في بيروت حيث علّمت لمدة 10 سنوات هل هذا صحيح؟
يوسف: صحيح.
كاميرون: ونظراً الى هذه الخلفية التي جئت منها اصبحت مستشاراً لعدد من الوزراء في تلك الفترة من ضمنهم الوزير فؤاد السنيورة هل هذا صحيح؟
يوسف: نعم صحيح.
كاميرون: كيف بدأت العمل مع فؤاد السنيورة؟
يوسف: عملي مع الأستاذ الرئيس السنيورة قصة طويلة سأحاول ان أوجز قدر المستطاع. الأستاذ فؤاد السنيورة كان أستاذي في الجامعة الأميركية في بيروت وكانت هناك علاقة بين تلميذ وأستاذ اولاً، من الممكن انه وجد انطباعاً لدى الأستاذ فؤاد في ذلك الحين أي في العام 1973 و1974 عندما كان يعلمني، ثم ذهبت الى الولايات المتحدة وكان صديقاً مع عمي ووالدي. وفي أحد الايام التقى بعمي في القاهرة وسأل عني قال له عمّي اني على وشك ان انهي دراستي الجامعية في الولايات المتحدة الأميركية فأخذ عنواني واتصل بي عام 1982 وكان في نيويورك وطلب ان التقي به وفي ذلك الوقت عرض عليّ ان التحق معه بعمله الجديد الذي كان مع الرئيس الشهيد رفيق الحريري آنذاك، وكان لديهم شركة مالية في لوكسمبورغ، وطبعاً ذكرت بأنني سأفكر في الموضوع وحدث ما حدث في العام 1982 من اجتياح اسرائيلي للبنان ولم التحق بالأستاذ فؤاد السنيورة او بالشهيد رفيق الحريري وبشركته هذه، وأعيد الطلب مني في العام 1983 وعرض عليّ الرئيس السنيورة آنذاك مدير اعمال الرئيس رفيق الحريري في هذه الشركة المالية ان التحق بهم ولكن فضلت ان ابقى في الولايات المتحدة الأميركية. عندما عدت في العام 1990 الى لبنان وبدأت التعليم في الجامعة الأميركية في بيروت علّمت احد المواضيع التي كنت اعلّمها في الجامعة تتعلق بالمالية العامة، وقمت ببحث يتعلق بإعادة النظر بالنظام الضريبي في لبنان من اجل مواكبة اعادة اعمار البلد، وهذا البحث الذي نشر لاحظه الرئيس الحريري ولم يكن يومها في موقع الرئاسة في لبنان. وعندما اتى الى لبنان في العام 1992 في تشرين الاول والّف اول حكومة له، طلب من فؤاد السنيوة ان يتصل بهذا الذي اسمه غازي يوسف الذي كتب هذه الورقة التي تعنى بإعادة النظر بهذا القانون الضريبي، فقال له آنذاك فؤاد السنيورة انه يعرف من هو غازي يوسف وإنه كان تلميذه، فاتصل بي الرئيس السنيورة آنذاك وطلب لقائي وعرض ان اكون مستشاراً له لكي نتساعد على اعادة النظر بالقوانين التي ترعى الضرائب في لبنان، والإصلاحات المالية الضرورية لكي ننهض بلبنان كما أراده آنذاك الرئيس الشهيد رفيق الحريري. وهكذا دخلت المعترك السياسي الاقتصادي، إذا صح القول، من خلال موقعي كمستشار في وزارة المالية عند الوزير آنذاك فؤاد السنيورة.
كاميرون: ومتى بدأت العمل بشكل أوثق مع الرئيس الحريري في أي سنة؟
يوسف: بدأت الاجتماعات مع الرئيس الحريري تتكاثر بدعوته لي ان اكون موجوداً في بعض المحادثات التي يقيمها مع وولفنسون الذي كان رئيس البنك الدولي آنذاك ومع رياض سلامة الذي هو حاكم مصرف لبنان ولا يزال حتى اليوم، وبعض الاقتصاديين الذين زاروا الرئيس الحريري، فكان يطلب من الرئيس السنيورة ان اكون موجوداً.
راي: حضرة الشاهد هل نظرت الى المحضر، كان السؤال حول السنة، في أي سنة وهل قلت لي للسيد كاميرون في أي سنة حصل ذلك؟
يوسف: بدأت العلاقة الوطيدة في العام 1998.
كاميرون: ومنذ العام 1998 هل ناقشت مع رئيس الوزراء مجال اختصاصك وخبرتك وهو علوم الاقتصاد؟
يوسف: نعم بالطبع.
كاميرون: هلا اطلعت المحكمة على الرؤية التي تحلى بها رئيس الوزراء من اجل النهوض بلبنان اقتصادياً وطبعاً بعبارات عامة؟
يوسف: بتبسيط كامل، الرئيس الحريري كانت له نظرة لمستقبل لبنان، بلد منفتح على العالم يعتمد على الشراكة مع كل من يريد الخير للبنان، كان مؤمناً بالإصلاحات الضرورية من خلال المؤسسات اللبنانية التنفيذية والتشريعية لتسهيل الأعمال وانفتاح لبنان تجارياً ومصرفياً على كل دول الجوار، أراد من خلال حملة إصلاحية بالقوانين والاجراءات والتسهيلات كسر كل العوائق امام التجارة الحرة والتبادل الحر بين لبنان ودول الجوار وأوروبا وأميركا والشرق الأقصى، أراد لها أن تنكسر، كانت هذه رؤيته للبنان المتنوع والمنفتح على كل من يريد أن يتعاون معه. كان ليبرالياً في نظرته لمستقبل لبنان الاقتصادي.
كاميرون: وخلال تلك الحقبة الزمنية ايلول 1998 ولاحقاً، هل كنت تناقش مع رئيس الوزراء بشكل دائم مسائل مرتبطة بالواقع الاقتصادي في لبنان؟
يوسف: نعم، كنا نتناقش مرات عدة عن بعض الأمور التي تعيق حركة انتقال الاقتصاد اللبناني الذي كان بنظر الرئيس الشهيد رفيق الحريري يريده أن يرتقي الى الدول المتطورة، وكان يعلم بتفصيل، حتى لو لم يكن حائزاً على شهادة بالاقتصاد، لكنه كان يملك الفطرة والذكاء الذي تمتع به، كي يرى كيف يجب أن نسير بالإصلاحات الضرورية من أجل النهوض بالاقتصاد والمجتمع اللبناني.
راي: د. يوسف، هلا أعطيتنا مثالاً على بعض التفاصيل الصغيرة؟ ذكرت أنه كان يركّز على أدق التفاصيل، هلا أعطيتنا مثالاً على ذلك؟
يوسف: مثلاً كلفة الضمان الاجتماعي التي كانت تعيق كلفة الانتاج في لبنان، تفاصيل تتعلق بالضرائب التي تُفرض على استيراد السلع في لبنان والتي كانت تؤثر على اسعار السلع النهائية للمشتري داخل لبنان، الاتفاقات التي أراد منها أن يُدخل لبنان في منظومة European Union لكي يكون للبنان فرصة لتصدير منتجاته الى أوروبا. هذه الامور كان يعرف الرئيس الحريري أهميتها في أن تنهض في الاقتصاد اللبناني وبالمجتمع اللبناني.
راي: ربما أنا لم افهم جيداً، لكن الامور التي ذكرتها هي أمور وملفات كبيرة كالشراكة مع الاتحاد الأوروبي، كلفة الضمان الاجتماعي، التعرفة على الصادرات، إلخ، هي ملفات ضخمة وليست تفاصيل صغيرة كما وصفتها منذ قليل.
يوسف: صحيح، هو كان يدرك كل ملف بأهميته وكان يعلم بالتفاصيل كيف يصل اليه. مثلاً الدخول الى أوروبا، منه الإصلاح الضريبي ومنه الإصلاح الجمركي ومنه إصلاح المؤسسات ومنه العدل ومنه المحاكم، أمور عديدة كانت لدى الرئيس الحريري يركز عليها لكي يصل الى الهدف الذي أراد فعندما قلت سيد القاضي إنه يدرك (...) كان يدرك الـmacro level المشكل الكلي، وكان يدرك كيف يصل الى الهدف من خلال التفاصيل، مثل الـpuzzle كان يعلم كيف يوقع المواقع في مواقعه الأساسي ليصل لهدفه.
كاميرون: ذكرت سابقاً في إجابتك العوائق التي رأى فيها رئيس الوزراء أنها تحول دون رؤيته للتطور الاقتصادي، ما هي انواع تلك العوائق التي تحدثت عنها؟
يوسف: العوائق الحقيقية التي تعرض لها الرئيس الحريري من الـ 98 الى ان عاد الى الحكم في الـ2000. تعرّض الى عقبة أساسية هي بالسياسة اكثر ما هي بالاقتصاد. يمكن ان نقول إن البعض في لبنان كان يرى ضرورة الإصلاح الذي نادى به الرئيس الحريري، وهناك من رأى فرصة ليستغل هذه الرؤية للابتزاز السياسي والاقتصادي والمالي، فمشاريع الإصلاح في قطاع توليد الطاقة الكهربائية في لبنان على سبيل المثال التي بدأها الرئيس الحريري عام 94 وانجز الجزء الأول منها عام 98 حيث اصبح للبنان قدرة انتاج كهرباء لتعطي المواطنين الطاقة الكهربائية على مدار اليوم 24/24، ولكن هذا كان يجب ان يتزامن مع المرحلة الثانية وهي تطوير معامل جديدة لكي تولّد المعامل التي بنيت عام 94 حتى 98 الطاقة الكهربائية عن طريق الغاز الطبيعي، وهنا الاعاقة وأعطي مثلاً، دخلت السياسة على هذا المشروع فأصبح لدى السياسيين مصالح منهم من يريد ان يكون الوكيل الحصري للشركة الفلانية لتعطي الغاز للبنان ومنهم من اراد شركة أخرى، فتوقف المشروع ورأينا بعد عامين في الـ 2000 كيف تدنّت قدرة المعامل لإنتاج الكهرباء بسبب هذه المشاكل السياسية الحاصلة، وهناك من ارسل من السياسيين موفدين الى قطر وبلدان اخرى لكي يكونوا القيمين على تلقيم هذه المعامل بالغاز، فأوقفت هذه الدول التعامل معنا. هذه من المشاكل السياسية التي دخلت على برنامج الرئيس الحريري. اعطي مثالاً آخر، مشروع المواصلات في لبنان اي بناء الطرقات والمطار والمرافئ واوتوسترادات، كانت لديه شبكة كاملة وكانت لديه هذه الخرائط التي تدل على التشعّب الذي يجب ان نقوم به لنسهل امور الناس في المواصلات، وهنا ايضاً دخلت السياسة على الرئيس الحريري واخذ بعض السياسيين على عاتقهم ان يكونوا هم النافذين فقط في مناطقهم، اي اذا مرت هذه الطرقات في مناطقهم يجب ان تمر من خلالهم اي ان ترسو كل التلزيمات على التابعين والنافذين لهؤلاء السياسيين، فأخذت الكلفة تزداد ومنها لليوم نتكلم عن اغلى طرقات بالكيلومتر الواحد نجدها في بعض المناطق اللبنانية، حيث تم الدفع تحت الطاولة كما يقال لمقاولين ولمقاول المقاول الذين استفادوا من هذه العملية. كل هذه أعاقت برنامج الرئيس رفيق الحريري، هذا التدخل السياسي المالي لابتزاز مشروعه بالنهوض بلبنان .
كاميرون: أنت حالياً نائب في مجلس النواب متى بدأت تأخذ في الاعتبار انضمامك الى البرلمان؟
يوسف: أنا لم أكن يوماً في مسيرتي المهنية أصبو إلى ان اصبح نائباً في مجلس النواب في لبنان. لم تكن بحسابي لا من قريب ولا من بعيد. ولدت هذه الفكرة لدى الرئيس رفيق الحريري في العام 98 قبل انتخاب رئيس جمهورية آنذاك اميل لحود. الرئيس الحريري كان بعيد النظر، تعرّف علي، ورأى بي امكانية ان اكون نائباً عن بيروت للمقعد الشيعي، فطلب مني آنذاك أن أبدأ التحضير للانتخابات النيابية القادمة في العام 2000. نحن نتكلم سنتين قبل الانتخابات النيابية عام 98، قال لي: غازي سيكون هناك انتخاب رئيس جمهورية جديد وبعد انتخاب رئاسة الجمهورية سأكلف من جديد كرئيس حكومة ومن ثم علينا أن نعمل سوياً كي نؤسس لك قاعدة خدمات كي تدخل في البرلمان عام 2000. فكان سؤالي وكيف هذا ممكن قال لا تهتم بالأمر عليك ان تذهب كل يوم خميس بعد الظهر وتجتمع بالنائب سليم دياب آنذاك، الذي كان معكم منذ أسابيع، كان نائباً عن بيروت وكان يعرف الناخب البيروتي، ملمّ به، وكان لديه كل يوم خميس بعد الظهر ما يسمى في لبنان «الديوانية»، أي يجتمع مواطنون من أصحاب الحاجات، يأتون اليه بكثافة يطلبون
No comments:
Post a Comment